‘هل يمكنني قول ذلك الآن؟ سيبدأ بالتساؤل “كيف عرفتِ؟” مرّةً أخرى… لا، هذا ليس المهم الآن.’
حتى لو لم أستطع تفسيرَ الكثير من الأمور، فقد قرر أن يبقيني بجانبه. قد يجدني مشبوهة هذه المرة أيضًا، لكنه، مثلي، سيُعطي الأولوية لحل المشكلة.
الآن… يجب أن أجعل كاليد يفهم بطريقة ما ونذهب إلى بيلانيف معًا. إذا أرسل الماركيز تقريرًا عاجلًا، فهذا يعني أن الوضع في بيلانيف أسوأ مما توقعتُ.
دعيني أركز على هذا فقط الآن.
“يبدو أن والدي… أرادَ بالتأكيد إخباري عن التمرد في بيلانيف.”
“همم.”
اتكأ كاليد على الكرسي، متقاطعًا ساقيه ببطء.
أصابعه على المكتب نقرت بنغمة منتظمة، إشارة إلى أنه غارق في التفكير.
انتظرتُ بتوتّرٍ شديد ما سيقوله.
‘بيلانيف…’
مجرد ذكر الاسم جعلَ قشعريرة باردة تسري في عمودي الفقري. كانَ اسمًا مألوفًا جدًا، ومؤلمًا جدًا.
“بيلانيف هي المكان الذي وقع فيه الفيضان العظيم، أليس كذلك؟”
“…..” .
“وهي أيضًا المكان الذي حصلت فيه ليفيا أرفين على لقب القديسة المعجزة لأوّلِ مرة.”
‘القديسة المعجزة’، لم تكن تستحق هذا اللقب أبدًا.
بالنسبة لي، كان فيضان بيلانيف لا يزال حيًا كما لو حدثَ بالأمس، المكان الذي كنتُ أقلق بشأنهِ أكثر من غيره.
حتى عندما تحدثتُ مع الماركيز، لم أفهم شكاوى اللّاجئين المتضررين.
كانت الأموال والإمدادات المرسلة إلى بيلانيف كل عامٍ أكثر بكثير مما خصصته عندما كنتُ ليفيا، لذا لم أقلق كثيرًا، ظننتُ أن هناكَ اختلاسًا أو انخفاضًا في جودة الإمدادات.
حتى عندما طلبتُ من الماركيز التّحقيق أكثر، ظننتُ أنني أبالغ بسببِ تعلقي ببيلانيف.
لكن الآن، بعد قراءة هذه الرسالة، فهمتُ. كان هناك شيء يحدث في بيلانيف حقًا.
“لماذا أرادَ بالضرورة إخباركِ عن التمرد في بيلانيف؟”
تظاهرتُ بالهدوء وأجبتُ:
“كما في الرّسالة، قالت سيّدة القوة المقدسة إنها طلبت دعمًا من اتحاد التجار. لكن مرّت ست سنوات على الفيضان. إذا لم تكنْ هناك مشكلة، كان يجب أن ينتهي الدعم أو يقلّ الآن. لكن طلب المساعدة المستمر… هناكَ شيءٌ غريب.”
“إذًا، رغمَ استمرار الدّعم، حدثَ تمرّد في بيلانيف.”
“صحيح. قال والدي سابقًا إن شكاوى اللاجئين تزداد رغم الدّعم السّنوي الكبير، و أنّـه سيحقق في الأمر. يبدو أن التحقيق كشف أن الأمرَ ليس مجرد شكاوى.”
تظاهرتُ بإعادة قراءة الرسالة و تابعتُ:
“اندلع تمرّدٌ في بيلانيف. طلبت سيّدة القوة المقدسة مساعدة اتحاد التجار لتهدئته. الاتحاد في حالة صخبٍ بسبب ذلك.”
توقفت أصابع كاليد عن النقر على المكتب.
“سيّدة القوة المقدسة تلاعبت بالتوزيع لتتسبب في التمرد في بيلانيف.”
لم يكن هناكَ حاجة لمزيدٍ من الشرح.
كان عليّ أن أعترفَ أن مخاوفي أصبحت حقيقة. شعور الذنب الثقيل أثقلَ صدري.
“ربما لم يتمَّ توزيع الدعم بشكلٍ صحيح خلال السّنوات الماضية. لكن السّجلات تُظهر أن الدعم أُرسل بانتظام. ومع ذلك، طلبوا دعمًا إضافيًا من الاتحاد، مما سيثير الشكاوى بالطّبع، حتى لو كان طلبًا من سيّدة القوة المقدسة. الدّعم الإضافي لن يكون سلسًا. ربّـما… مثلما ساعدَ الفيكونت جوبير ليفيا، هناكَ أشخاص في الاتحاد يعملون لصالحها، يُثيرون الفوضى عمدًا.”
رفعتُ عينيّ عن الرسالة، فوجدتُ نظرات كاليد و جيرمان المذهولتين تتجهان نحوي.
“كنتُ أعلم أنكِ ذكية، لكنكِ أفضلُ مما توقعتُ.”
“يُقال إنكِ وصلتِ الإمبراطورية مؤخرًا، لكنكِ تعرفين الكثير من التفاصيل. هل يجب أن نمدح قدرات عائلة فالاندي الاستخباراتية؟”
ضحكتُ بإحراج و تجنبتُ نظرات جيرمان الساخرة. قد لا أعرف الكثير عن أمور أخرى، لكن فيما يتعلق ببيلانيف، أعرفُ أكثر من أيّ شخصٍ في هذه الغرفة.
كيف لا أعرف شيئًا تنبأتُ به، و عشته، و حللته بنفسي؟
نظر إليّ كاليد باهتمام ثم نهضَ ببطء. بدت صورته غريبة وسطَ المكتب الفاخر، ممزوجة بمرارة عميقة.
“توقعتُ حدوث مشكلة. إنها غلطتي لعدمِ اتخاذ إجراءاتٍ في الوقت المناسب.”
“ليس خطأك، سموّك.”
“كان يجبُ أن أتفقّدَ هذا الأمر بنفسي.”
“لكن، هذا الأمر!”
“لا. إنها مسؤوليتي.”
حاولَ جيرمان الاعتراض، لكن كاليد هزّ رأسه بحزم.
بوجهٍ معقد، غرقَ في التفكير لفترةٍ، ثم ضغط على صدغيه وقال بهدوء:
“بعد إنهاء أمر ميرسين، سأذهب إلى بيلانيف بنفسي. قبل ذلك، تحققوا جيدًا في أسباب التمرد.”
“…سأنفذ الأمر.”
كان جيرمان مليئًا بالاستياء، لكنه انحنى بعمقٍ وغادرَ المكتب.
كان عليّ الخروج أيضًا، لكن رؤية وجهِ كاليد الأكثر قتامة من المعتاد جعلتني أتردد.
هل يشعر بالعجز وهو يفكّرُ في ضعف الإمبراطورية تحتَ هيمنة سيّدة القوة المقدسة؟ أم يلوم نفسه لعدم تمكنه من تفقد أنحاء الإمبراطورية رغم جهوده؟
ربّما… نعم، ربما يظن أن حبّ سيّدة القوة المقدسة كان خطأً منذُ البداية.
لم أجدْ كلماتٍ لقولها. في هذه اللّحظة، لم أجرؤ على قول أي شيء له، حتى التعزية كانت محفوفة بالمخاطر.
على الأقل، لم أستطع قول ما قاله جيرمان: “ليس خطأكَ، سموّك.”
شعرتُ أن الظلال تحتَ عينيه بسببي، مما جعلَ صدري يتمزّق.
أمسكتُ يدي التي كادت تمتد دون وعي، وفتحتُ فمي بحذر:
“الذّكريات المؤلمة من الأفضل نسيانها. إذا لم تستطيع النسيان، فتغطيتها بذكريات جديدة هي طريقة أيضًا، سموّك.”
كررّتُ ما قلته في الحفل السابق، وهو أفضلُ ما يمكنني قوله الآن.
فتحَ كاليد عينيه ببطء، وهو لا يزال يضغطُ على صدغيه كما لو كان يعاني من صداع، وابتسم بهدوء بعيونٍ حمراء.
“إذًا، سموّك! تذكرتُ أمرًا عاجلًا يجب أن أقوم به، سأذهب أولًا!”
“…لو كنتُ قادرًا على ذلك، لما كنتُ هنا.”
كان من الأفضلِ لو لم أسمع كلماته المريرة قبلَ إغلاق الباب.
فركتُ عينيّ اللتين بدأتا تؤلمانني و أجبرتُ نفسي على تحريكِ قدميّ الثقيلتين.
* * *
غادرتُ قصر اللورد وتوجهتُ إلى البيت الآمن حيث يقيم شوريل.
كانت خطواتي ثقيلةً، لكن الوصول إلى هنا لم يخفف من ثقل قلبي.
كيف لا، وقد تجنّبتُ هذا المكانَ طوالَ هذا الوقت؟
ترددتُ كثيرًا حتى بعد وصولي إلى غرفته. لكن هذه اللّحظة النادرة التي كان فيها بمفرده كانت الفرصة الوحيدة للتحدث إليه.
لم يتبقَ سوى أيّامٍ قليلة في ميرسين. مهما كانت النتيجة، كان عليّ مواجهته وحلّ الأمر. تنفستُ بعمق، طرقتُ الباب بخفة، و فتحته.
في الغرفة، كان شوريل يتكئ على النافذة التي تدخل منها أشعة الشمس، وأدارَ رأسه نحوي.
كان وجهه شاحبًا، متعبًا بشكلٍ غريب.
كان طفلًا يبتسم دائمًا بإشراق حتى في أصعب الأوقات.
“هل… أنتَ بخير؟”
“تحسنتُ كثيرًا.”
صوته كان كما هو. دافئ و لطيف كما كان دائمًا.
شعرتُ أن صوته الذي كان يناديني “الأخت الكبرى” قد يُسمع في أيّ لحظة، مما جعلَ قلبي ينتفض.
سحبتُ كرسيًا و جلستُ بجانبِ السّرير متظاهرة بالهدوء. نظر إليّ شوريل بدهشة.
شعرتُ بإحراج من نظرته، فأدرتُ عينيّ. ثم تحدث أولًا:
“أنتِ من أنقذتني، أليس كذلك؟”
“آه… أنقذتكَ؟ أنا فقط وجدتكَ أولًا… لم أفعل شيئًا كبيرًا.”
في الواقع، لم أفعل شيئًا سوى إيقاف سيرو روجيس. لكن استخدام سلاحي السّري كان نوعًا من الانتقام.
“أنا مدين لكِ بهذا الجميل.”
“جميل؟ لا، بالتّأكيد لا! أنا فقط… أردتُ رد الجميل الذي تلقيتهُ منكَ.”
لجعل الكذبة التي قلتها لكاليد تبدو حقيقية، كان عليّ اختلاق ذكريات.
كنتُ أشعر بالذنب لاستغلال ضعف ذاكرة شوريل، لكن لا خيارَ آخر.
كان عليّ إدخال وجود “إيرديا”، الذي لم يكن موجودًا، في ذاكرته بأي طريقة.
“منذ زمن… ساعدتني يا سيد شوريل. قد تكون مسألة تافهة لا تتذكرها، لكنها كانت كبيرةً بالنسبة لي. تمنيتُ دائمًا أن أردَّ الجميل يومًا ما… و ها قد حدث الأمر.”
“آه…”
عبس شوريل كأنه يحاول استرجاع ذكرياته.
“أنا آسف. ذاكرتي ليست كاملة، لا أتذكر شيئًا.”
“لا بأس! كانتْ مسألةً صغيرة، ربما لم تكن لتتذكرها أصلًا.”
لوّحتُ بيدي مبتسمة، مشيرة إلى ألا يحاول التذكر.
شعرَ شوريل بالأسف لعدمِ تذكره، و كـرّرَ شكره مرات عديدة.
يا له من شخص طيب و وديع. يصدق حتى كلامًا متهافتًا كهذا دونَ أدنى شك.
“لن أنساكِ أبدًا مِنَ الآن فصاعدًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 59"