“في النهاية، العالم ملكٌ لمن يستحق البقاء. القدّيسة تُنقّي هذا العالم الفاسد باختيارها لمن يستحقون.”
كان متعصّبًا خارجًا عن السيطرة، لا أكثر ولا أقل.
قبضتُ يدي دون وعي. كلمة “التنقية” أثارت قشعريرة عميقة في عظامي.
ظلّ يحدّقُ بي بنظراتٍ ثاقبة، ثم تحدّث كأنّه أدرك وجودي بوضوح للتو:
“أنتِ.”
ارتجفَ جسدي لا إراديًا عند هذه الكلمة الوحيدة.
“ما الغرض من وقوفكِ إلى جانب الأمير؟”
كانتْ كلماته كسهمٍ سامٍّ متعمّد، كأنّه يهدف إلى فصلي عن كاليد. لكن كاليد لم يرف له جفن.
كنتُ أنا الوحيدة التي شعرت بالخوف. كلماته اخترقت أعماقي كأنّها تصيبُ الهدف بدقة، فانقطع نفسي.
“هه، ههه… فهمتُ.”
“…..”
“أنتِ… تريدين أن تصبحي القدّيسة؟”
نظرة قصيرة. كلمات ساخرة مليئة بالثقة. تحت نظراته الشرسة، لم أستطع إصدار صوت.
ولم يفوّت سيرو ذلك.
“مثير للاهتمام، مثير جدًا. بالطبع، القدّيسة لم تنساني. لا أعرف كيف علمتِ بتلك الكلمات، لكن… لم يتم التخلّي عنّي بعد.”
“…..”
“إذا علمت القدّيسة أنّ المرأة التي يصطحبها الأمير تريد أن تكونَ قدّيسة… سيكون ذلك ممتعًا جدًا، أليس كذلك؟”
“اخرس.”
فتحَ كاليد فمه بهدوء بعد صمتٍ طويل.
نظرتُ إليه بحذر وأنا أتنفّس برعشة. لم يقل شيئًا آخر، لكن كانَ واضحًا أن الاستجواب انتهى.
“الحلم نعمة مقدسة رائعة، لكن لا شيء أقسى من أمل زائف.”
“كفى. قلتُ لك أن تُسكت فمك.”
“هل ظننتِ أنّكِ يمكن أن تحلّي محل القدّيسة؟”
ضرب كاليد القضبان بعنف، مقاطعًا كلامه بحزم.
تحت يده الطبيعية، وقفتُ خلفَ ظهره دونَ أن أفكّر بشيء.
كانت كلماته كأنّها تُلقى و هو يعرف كلّ شيء عنّي.
“يا لكَ من مثير للشفقة، كاليد. أقضيتَ سنوات منعزلًا، و كل ما توصلتَ إليه هو دفع فتاة كهذه لتحل محلَّ القدّيسة؟ أنتَ تعلم أنّ لا أحد يمكنه أن يحل محلها. أم أنّكَ، لعجزك عن تحمّل خيبة الهجر، تمسّكتَ بأيّ امرأة؟”
أدركَ كاليد أنّ الاستمرار في الحديث لا طائل منه، فأمسكَ بمعصمي وغادرنا المكان.
من خلفنا، صدى صراخه من داخل السجن الذي لن يُفتح مجدّدًا:
“القدّيسة لن تتخلّى عنّي أبدًا! أنا مَن سيُختار في النهاية! ميرسين لا يمكن أن تؤذيها! هههه! بل عليكما أن تخافا. ستدفعان ثمن تجرؤكما على إظهار مخالبكما ضدها! أيتها الملعونة! الإهانة التي تركتِها اليوم… سأردّها بالتأكيد!”
تردّدَ صوته كصدى، مليء بالتحذير والتهديد العلني.
كنتُ معتادة على كراهية الآخرين منذ أيامي كليفيا أرفين، فهذا بحدّ ذاته لم يكن بالأمر الجلل.
لكن كلمات سيرو روجيس جعلت قلبي يخفق بقوة.
“بديلة”؟ لم أفكّر قطّ في أن أكونَ بديلة، فلماذا أشعر بهذا الاضطراب؟
صعدتُ الدرج في صمتٍ مصدومة، عندما تحدّث كاليد الذي كان يمشي أمامي:
“كلام لا يستحقّ الاستماع إليه.”
“آه، نعم، نعم…”
“لكن بفضلكِ، حصلنا على الكثير.”
“هذا… جيّد إذًا.”
لقد أدركَ الآن.
المعلومات التي حصل عليها تختلف تمامًا عما أملك. كانت هناك أمور لا يمكنني تفسيرها له. اسم “آدم”، والكلمات التي تستخدمها ليفيا لاختيار أتباعها.
توقّعتُ أن يسألني فورًا، لكنه لم يقلْ شيئًا.
معصمي لا يزال في قبضته، لكنّه لم يؤلمني بشكلٍ غريب. رغم قوة قبضته، كل ما شعرتُ به هو دفء يديه.
لم يسأل شيئًا. فقط أمسكَ يدي وسارَ أمامي. ظهره القويّ بدا كعزاء لي، فأغمضتُ عينيّ بقوة ثم فتحتهما ببطء.
وإلاّ، كنتُ سأشعر بجفوني تبتلّ.
بالنّسبةِ له هو الذي لا يعرف شيئًا، لم يكن بإمكانه حتى فهم معنى كلمات سيرو روجيس .
رغمَ علمي أنّه لا يجب أن أتوقّع شيئًا، كان هذا الهدوء يبدو أكثر دفئًا و لطفًا من أيّ شيءٍ آخر.
* * *
على رخام لامع، تحت ضوء ساطع، خطت ليفيا خطواتها بأناقة.
“وآآآآ…”
خرجت ليفيا إلى شرفة الكاتدرائيّة، ناظرة بهدوء إلى الحشود التي تلوّح لها وتهتف.
كان ميدان الكاتدرائيّة ممتلئًا بالهتافات الحماسيّة لليفيا.
“يا سيّدة القوّة المقدّسة، امنحينا بركاتك!”
“سيّدة القوّة المقدّسة الرحيمة! انظري إلى طفلي ولو مرة!”
“انظري إلينا ولو للحظة!”
كان البعض يصلّي بحرارة، والبعض الآخر يتوق إلى نظرةٍ واحدة منها.
أغلقت ليفيا عينيها و رفعت يدها بهدوء. تناثرت أطراف أكمامها المزيّنة بالدانتيل الذهبيّ بنعومة، كأنّها نور مقدس.
كان مظهرها يشبه تجسيد البركة، وتضخّمت هتافات الناس كموجة عارمة.
“بيسيا ترعانا. لقد اختاركم الحاكم، لذا حتّى التجارب القادمة هي جزء من البركة. تحلّوا بالصبر وكونوا كرماء، وسيتطهّر كلُّ ألمٍ في النهاية.”
عند صوتها الرحيم، أغمضَ الحشد أعينهم و جمعوا أيديهم معًا.
جمعت ليفيا يديها أمام صدرها و صلّت معهم، كأنّها تتمنّى أن تصل أمانيهم الحاكم ، بهدوء لكن بحرارة.
“باسم بيسيا، فلتصل بركة الحاكم إلى كلّ مَن هنا.”
رغم صوتها الخافت، ردّدت صلاتها المقدّسة الميدان بأكمله. عندما انتهت، انتشر الرّاحة والهدوء على وجوه الناس، مقتنعين أنّ أمانيهم وصلت إلى الحاكم.
بينما تضعف السّلطة الإمبراطوريّة يومًا بعد يوم، كانت شعبيّة القدّيسة ترتفع عكسيًا. كان عصر القدّيسة حقًا.
ابتسمت ليفيا وهي ترى راحتهم. ابتسامتها المرسومة بدقة و نظرتها الناعمة التي تعزّي الضعفاء جعلتها تبدو أكثر قداسة.
“تعبتِ كثيرًا اليوم، سيّدة ليفيا.”
عند تحيّة الكاهن، لوّحتْ ليفيا بيدها كتحيّة أخيرة ثم استدارت ببطء.
يوم حضور سيّدة القوّة المقدّسة للصلاة مباشرةً كان نادرًا، ربّما مرة في الشهر. في تلكَ الأيام، كان الحشد يتجمّع لدرجة أنّه يجب إخلاء الميدان بأكمله، لا داخل الكاتدرائيّة فقط.
كانوا يتجمّعون لرؤية وجه ليفيا، أو للحصول على نظرة منها، أو حتّى لانتظار نعمة محتملة إذا حالفهم الحظ.
لكن بمجرد أن استدارت، لم تلتفت إلى الميدان مجدّدًا.
“لديّ أمر يجبُ أن أغادرَ من أجله.”
“نعم، شكرًا لحضوركِ اليوم.”
انحنى الكاهن بعمق، لكن ليفيا مرّت عبر الرّدهة كالرّيح دون أن تلتفت إلى تحيّته.
تناثر الدانتيل الذهبيّ الناعم بأناقة في الرّدهة المظلمة.
ما إن صعدت إلى العربة الفاخرة المنتظرة خلف الكاتدرائيّة، حتّى انتزعت ليفيا الدانتيل الذي كان يغطّي كتفيها بعنف، كأنّ غضبها انفجر.
عبست علانية وقالت بنبرةٍ باردة:
“إذا جئتَ بنفسكَ إلى هنا، فالأمر عاجل جدًا، أليس كذلك؟”
“لم نبدأ التحرّك بعد.”
أجاب إدموند بحذرٍ خوفًا من أن يسمعه أحدٌ خارج العربة، لكن ليفيا، التي نفد صبرها، ردّت بنبرة حادّة:
“لقد استنفدت صبري اليوم بتمثيلي الرحمة أمام هؤلاء الحمقى. اذكر النقطة الأساسية.”
عارفًا بطباعها التي تكره حتّى الصلاة الشهريّة، تحدّث إدموند بنبرةٍ هادئة خالية من العواطف:
“ميرسين سقطت. ولي العهد قامَ بهجومٍ مفاجئ.”
“كان يتطفّل فقط، لكنّه نجحَ أخيرًا في شيء. يجب أن أعترف بإصرار ولي العهد.”
على الرّغم من خسارة عمل كامل، لم تتزعزع ليفيا أبدًا.
“كان هادئًا لسنوات، فهل كان ألمُ الفراق مجرّد خمس سنوات؟ لا، بما أنّه بذل جهدًا لإيجاد ميرسين، ربّما كان ألم الفراق سنة أو اثنتين فقط؟ هذا كلّ شيء؟”
سخرت ليفيا من روح مجهولة كانت حبيبة ولي العهد، كما لو كانت تسخر من نفسها.
“كانيس كونتينتيو في ميرسين كانت المنطقة الأكثر ربحًا. إذا لم يكن لديكِ ارتباط خاصّ بها، فلن أحاول استعادتها.”
“مجرد مكان تسلية فقده الخنازير. ليست ميرسين وحدها مكانًا لمشاهدة قتال الكلاب و إطلاق العنان للطّمع.”
على الرّغمِ من أنَّ خسارة عمل مربح كانت مؤلمة، إلا أنّها لم تكن ضربة حقيقية لليفيا.
لن يكون سيئًا أن تترك له انتصارًا صغيرًا.
أومأ إدموند برأسه قليلًا وسألَ بحذر:
“ماذا عن سيرو روجيس؟”
“مَـنْ هذا؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"