مرّت فكرة ندم عابرة وسط غضبي، لكن حتّى لو استخدمتُ سمًا آخر، كانوا سيعطونه ترياقًا للاستجواب، فلا فائدة.
“…لم أقصد ذلك. حاولتَ قتلي، فاستخدمتُ السّم فقط لأبقى على قيد الحياة.”
“لو كنتِ تريدين الهروب، لاستخدمتِ سمّ الشّلل. لكن الذي استخدمتِه لم يكن كذلك، أليس كذلك؟”
كان كلامه صحيحًا لدرجة أنّني لم أستطع الرّد. لكن…
‘كنتُ سأستخدم سمّ الشّلل في الأصل.’
لقد كنتُ خائفة جدًا، وعندما رأيتُ شوريل يُضرب دونَ مقاومة، فقدتُ صوابي للحظة. لذا، بدلًا من سمّ الشّلل، استخدمتُ سمًا قاتلًا يسبّب ألمًا شديدًا.
أمّا الآن، فأعتقد أنّني كان يجب أن أستخدم الاثنين.
“لو لم أنتبه للسّم و أوقف حركتي، لكنتُ متّ قبل حتّى استخدام التّرياق.”
كانَ هذا صحيحًا أيضًا. لو لم يتوقّف عن الحركة، لانتشر السّم أسرعَ بكثير… ولما نفعَ التّريا
ق.
“استخدمتِ مثل هذا السّم عليّ، أيتها المرأة.”
بالطّبع، ربّما كانَ السّم مبالغًا فيه. لكن بالنّسبة لي آنذاك – أنا الضّعيفة – كان ذلكَ الخيار الوحيد للبقاء.
‘لكن لماذا يبدو هذا الوغد متعجرفًا هكذا؟ ماذا فعل حتّى يتباهى؟
‘
بينما كنتُ أحرّك شفتيّ في غضب وكأنّني أنا الجانية، تدخّل صوت كاليد فجأةً من جانبي:
“ألم تفكّر أنّكَ استحققتَ السّم بسببِ أفعالك؟”
نعم! لقد ضربته لأنّه استحقَّ ذلك! حسنًا، لم أضربه بالضّبط، بل استخدمتُ السّم!
“ربّما كانَ يجب ألّا نعطيكَ التّرياق. يبدو أنّك لا تعرف حدودك و تتفوّه بما شئت.”
عندها، اختفت ابتسامة سيرو السّاخرة فجأة.
“ما الذي أثار فضولكما لدرجة زيارة هذا القبو، سموّ الأمير؟”
كان في نبرته سخرية واضحة، كلمات لاذعة تهدف إلى استفزازنا.
بدتْ تصرّفات سيرو خالية من التّوتر، كأنّه يُظهر بوضوحٍ أنّه لن يجيب على أيّ سؤال بشكلٍ صحيح.
‘إذا كان يعرف تلكَ الأفعال القذرة ومع ذلك بقي تابعًا لليفيا، فلن ينطق باسمها أبدًا. يجب أن أحصل على دليل آخر.’
بالتّأكيد، هناكَ مكافأة تلقّاها من ليفيا أرفين.
حتّى لو كان تابعًا، لم يكن ليقبل بهذا العمل دون مقابل. وإلاّ، لما جاءَ نبيل من الجنوب إلى مكانٍ بعيد كهذا.
“هل هناك حلبات كلاب أخرى مثل ميرسين في مناطق أخرى؟”
“و إنْ كان هناك؟”
“كيف كنتَ تعوّض الأفراد؟”
“كيف فعلتُ ذلك، دعني أتذكّر.”
“كانَ هناكَ أطفالٌ في حلبة الكلاب. هل اختطفتهم؟”
“أوه، أطفالي الصّغار الرّائعون. أعتقد أنّني عاملتهم جيّدًا، أليس كذلك؟ ألا يشتاقون لرؤيتي مجدّدًا؟”
لم يجب سيرو على أيّ سؤال بشكلٍ مباشر.
أدركتُ أنّ استجواب مجرم قد يكون صعبًا لهذه الدّرجة.
راقبته و هو يردّ باستهتار، وشعرتُ بالصّعوبة فعلًا.
ألقى كاليد بضعة أسئلة شكليّة كما لو كان يتوقّع ذلك، ثم أشار برأسه كأنّه يقول لي أن أفعل ما أشاء، وكأنّه ملّ من المحاولة.
خلف القضبان، كان سيرو مقيّد الذّراعين وجالسًا، غير قادر على إيذائي.
‘يجب أن أحصل على دليل، ولو واحد. ماذا يحدث في عائلة أرفين؟ ما الذي تخطّط له ليفيا؟’
ابتلعتُ ريقي و اقتربتُ أكثر من القضبان، محدّقة به. تفحّصتُ حاجبيه، عينيه، أنفه، وشفتيه بعناية، ثم طرحتُ سؤالي بحذر:
“أنتَ تابع لليفيا أرفين، أليس كذلك؟”
“وماذا في ذلك؟ كم رجل في الإمبراطوريّة ليس تابعًا للقدّيسة؟ حتّى الرّجل بجانبكِ مخطوب لها، أليس كذلك؟”
“إذًا، ماذا تلقّيتَ من ليفيا؟”
“…ماذا؟”
ارتجفتْ جفونه قليلًا.
“ليفيا تكافئ أتباعها بشكلٍ مناسب، أليس كذلك؟ هل تلقّيتَ شيئًا؟”
“بركات القدّيسة تُمنح فقط في الأيّام المقدّسة المحدّدة. أنتِ لستِ من الإمبراطوريّة، أليس كذلك؟”
“همم، غريب. حسبَ معرفتي، ليفيا أرفين كانت تدعو أتباعها المخلصين بشكلٍ خاص، تتناول معهم العشاء، وتمنحهم مكافآت.”
“…..”
“أوه، بالطّبع ليست بركات. إنّها مكافآت شخصيّة منها. كنتُ فضوليّة بشأنها… يبدو أنّكَ لم تتلقَّ شيئًا.”
كتّمتُ ذراعيّ لإخفاء التّوتر و الرّجفة، وألقيتُ نظرة متعاطفة مزيّفة، كأنّني أشفق على طفلٍ لم يحصل على مكافأة.
ربّما لم تكن تمثيليّتي مثاليّة، لكنّها كانت كافية لزعزعة سيرو في تلكَ اللّحظة.
“هذا مستحيل! إنّها تعامل جميع أتباعها بعدل! تدعوهم بشكلٍ خاص وتمنحهم مكافآت؟ إذًا، لماذا لم…”
“يا للأسف. كلّ هذا العمل و لم تتلقَ شيئًا… حقًا يا لكَ من شخصٍ مخلص.”
“اخرسي! هذا الأمر لا علاقة له بالقدّيسة! لا تحاولي ربطه بها!”
ومع ذلك، ظلّ يرسم خطًا واضحًا بشأن حلبة الكلاب.
بدا أنّه مهتزّ قليلًا، لكنّ ولاءه لا يزال قائمًا.
حدّق بي سيرو بعيونٍ حادّة، و وجهه مشوّه من الغضب.
“فتاة صغيرة و لسانها يجيد التّلاعب. إذا أردتِ إغراء النّاس بقصص مختلقة، فعليكِ إحضار دليل يجعلها تبدو حقيقيّة. لستُ غبيًّا لأصدّقَ الأكاذيب.”
استعاد سيرو هدوءه بسرعةٍ بعد انفعاله، وعادَ للسّخرية.
“أنا أعرف. أعرف شخصًا تلقّى مكافأة خاصّة من ليفيا أرفين. لقد تناول العشاء معها في قصر أرفين المذهل، و قضى ليلة لا تُنسى.”
“اخرسي! لا تدنّسي القدّيسة بهذه الأكاذيب!”
“صحيح؟ لم أصدّق في البداية أيضًا. لكنّه قال لي: ‘لا تندمي، حبّي ثقيل.’ عندما سألته عن المعنى…”
“مستحيل! هذا لا يمكن أن يكون!”
“لكنّها الحقيقة.”
“لا! مستحيل!”
“النّفي لا يغيّر الحقيقة. الحقيقة أنّكَ لم تُختَر من قِبل ليفيا أرفين.”
كأنّ كلامي كان الزّناد، بدأ سيرو روجيس يتلوّى كالمجنون.
“أنا! بقيتُ هنا من أجلها! تحمّلتُ الملل و الإزعاج! لماذا؟ لأنّها وعدتني باختياري! انتظرتُ طويلًا!”
صرخَ حتّى احمرّ وجهه. تفاجأتُ و تراجعتُ خطوة، فاصطدمتُ بكاليد خلفي.
رفعتُ رأسي مذعورة، فوجدتُ كاليد ينظر إليّ بنظرة يصعبُ تفسيرها.
كانت عيناه مليئتين بالشّك و الارتباك. تجاهلتُ ذلك و أدرتُ وجهي بعيدًا.
الآن لم أكن مهمّة . الأولويّة كانت إثارة سيرو للحصولِ على معلومات.
“هناك الكثيرون ينتظرون مثلك. لكنّهم لم يُختاروا فقط. لكنّ الأمر مفاجئ. شخصٌ يتولّى مثل هذا العمل، لماذا لم يُختَر؟”
“أنا! أنا كنتُ الأوّل في التّعيين! أنا أردتُ ذلك أكثر مِن أيّ شخص آخر!”
صرخَ و هو يحدّق بكاليد بعيون متورّمة، كأنّه يلومه على كلِّ شيء.
على الرّغمِ من فسخ خطوبته، بدا أنّه يغار من كاليد الذي كانَ حبيب ليفيا و خطيبها.
“القدّيسة لا تنكث بوعودها. نعم، ذلكَ الوغد هو من منعني. لقد منعني من الذّهاب إلى راجان! يجب أن أراها الآن! أطلقوا سراحي! يجب أن أذهب إليها فورًا!”
كان يتلوّى كمَن تعرّض للخيانة، ولم يتوقّف حتّى وهو ملقى على الأرض مقيّدًا إلى الكرسيّ.
لم يبدُ تصرّفه الجنونيّ طبيعيًا بأيّ شكل. نجحتُ في إثارته للحصول على معلومات، لكن شدّة ردّ فعله أثارت قشعريرة في ظهري.
ومع ذلك، بقي سؤال أخير يجب طرحه:
“هل تعرف لماذا تدير ليفيا حلبة الكلاب؟”
“مستحيل. ألم أُختَر؟ هاها! مستحيل. لولا ذلك الوغد… لما كنتُ في مثل هذا المكان…”
“حسنًا، دعني أغيّر السّؤال. هل تعرف… ‘ادم’؟”
توقّفَ جسده المتلوّي فجأةً.
اختفى جنونه، و تحوّلت عيناه الحادّتان نحوي بوضوح. كانت نظرته باردةً و حادّة بشكلٍ مخيف.
“من أنتِ؟”
لولا أنفاسه الثّقيلة، لكانَ صوته الهادئ يجعل انفعاله السّابق يبدو كذبة.
ابتسامته السّاخرة، و تعبيره الواثق بشكلٍ غريب، لم يظهرا أيّ شعور بالذّنب أو الخوف، بل كانا مليئين بالعداء و التّهديد.
التعليقات لهذا الفصل " 55"