كيف يمكن أن تكون هذه أوّل كلمة ينطق بها شخص محبّ لحبيبه الذي عانى من مشقّة؟
“حقًا، هذا كثير!”
كان شوريل يتوق إلى الذّهاب إلى الشّمال في أقرب وقت ممكن. تذكّرتُ وجه شُوريل وهو يشتاق إلى حبيبته المنتظرة، فازداد غضبي.
كيف يمكنكِ أن تفعلي هذا وهو كان يشتاق إليكِ بهذا الشّوق؟
بينما كنتُ أعضّ على شفتيّ وأحدّق بها، أحاول كبح غضبي الذي لم أستطع إطلاقه، سمعتُ صوتًا:
“هل تحديقكِ هذا سيخترقها؟”
لم أنتبه متى اقترب كاليد و تحدّث إليّ. شعرتُ بوقاحة تصرّفي، فخفضتُ عينيّ بهدوء.
“لم أكن أحدّق.”
“أدخلي شفتيكِ أوّلًا ثمّ تكلّمي.”
ابتلعتُ شفتيّ بسرعة. لكنّ شعوري بالظّلم جعلني أنظر إلى كاليد بلا ذنب، فالتقطتْ عيناي عينيه مباشرةً.
نظرَ.إليّ كاليد بثبات وقال:
“ليس الجميع صادقين مثلكِ. أحيانًا، يجبُ تحمّل ألم يمزّق القلب، و في لحظات أقسى من رياح الشّمال الشّتويّة، لا يمكننا حتّى ذرف دمعة واحدة.”
“…..”
“خاصّة إذا كان المرء يقف في مركز عالٍ.”
كلمات كاليد المنخفضة بدت كأنّها تدافع عن الدّوقة الكبرى، لكنّها في الوقت ذاته بدت و كأنّها موجّهة إلى نفسه.
“هل… مررتَ أنتَ أيضًا بمثل هذا؟”
“حسنًا… لقد نسيتُ.”
كيف ينسى وهو يضعُ هذا التّعبير؟
سرعانَ ما عادَ وجهه المشوّب بالمرارة إلى تعبير خالٍ من العواطف.
بعد سماع كلمات كاليد، لم أعد أكره الدّوقة الكبرى. لقد هرعت إلى حبيبها أسرع من أيّ أحد، واختارت أفضل وأسرع طريقة ممكنة تناسب مكانتها.
“شوريل.”
“هاه… آه.”
هزّ شوريل رأسه كمن يحاول استعادة وعيه، وبينما كان يُمسَك من ياقته، لم يُظهر أيّ علامة ألم، بل ظلّ يرمش بعينيه.
عندما بدأت عيناه الباهتتان تمتلئان بالنّور تدريجيًّا، قالت الدّوقة الكبرى مرّة أخرى:
“لا تجعلني أنتظركَ أكثر.”
كانت كلماتها هادئة، لكنّها بدت ثقيلةً بما يكفي لتجعل القلب يهوي.
“…جي… جيلر، أهي أنتِ؟”
صوته المتقطّع الخشن تعرّفَ على الفور على الشّخص الذي يمسكُ بياقته.
حينها، لاحظتُ يدًا مرتجفة ترتدي قفّازًا جلديًّا أسود تمسك بياقة شُرْوِيل. بكلماته، انهارت هيبة الدّوقة الكبرى التي كانت تسيطر على الجيش في لحظة.
ثمّ…
“آه.”
تُركتْ ياقة شوريل فجأةً، فسقط على السّرير، و نظرَ بعينين ضبابيّتين إلى المرأة أمامه.
انهارتْ الدوقة الكبرى كلاوس كما لو أنّها أفلتت حبلًا متينًا كانت تمسك بهِ بصعوبة.
“حسنًا… هذا يكفي.”
“حقًا، جيلر، أهي أنتِ…؟”
“نعم.”
رمشَ شوريل بعينيه مرّات وكأنّه يحلم. لم يُحوّل بصره عن الدّوقة الكبرى كلاوس ولو للحظة، كما لو أنّها الوحيدة في عينيه.
ثمّ، وكأنّه لا يهتمّ بشيء آخر، رفعَ شوريل زاوية فمه المرتجفة وقال:
“سامحيني، جيلر. لا أعرف بالضّبط… لكن رؤيتكِ الآن، و هي ليست حلمًا، هذا حقًا رائع.”
كأنّه كانَ ينتظر هذه اللّحظة طويلًا.
كانت تقفُ على قدميها بثبات، لكن في عينيّ، بدت الدوقة الكبرى كلاوس وكأنّها منهارة على الأرض تبكي. لم تسقط دمعة واحدة، لكنّ كلمتها المجهدة بدت تحمل مئات، بل آلاف الدّموع.
“ما دمتَ عدتَ إليّ حيًّا، فمهما كان ما حدثَ.. سأسامحك.”
شعرتُ برغبةٍ في البكاء نيابة عنهما.
* * *
كنتُ أودّ أن أسأل إن كان! هناك جروح، أو كيف أُسِر في مثل ذلك المكان، لكنّني لم أرد إزعاج لقاء العاشقين بعد فراق طويل، فتركتهما و غادرتُ الغرفة بهدوء.
بشكلٍ مفاجئ، تبعني كاليد دون كلام، فوجدتُ نفسي أخرج معه إلى الفناء الخلفيّ. لم أجد التّوقيت المناسب لدخول الغرفة، و كنتُ فضوليّة بشأن الأوضاع بعد هجوم حلبة الكلاب، فتبعته.
تحت جدار رماديّ تمّ تنظيفه على عجل ومصباح متأرجح، كان هناك مقعدٌ قديم موضوع بهدوء.
بالمقارنة بحديقة قصر راجان، كان هذا الفناء الخلفيّ بسيطًا لدرجة تجعل تسميته فناءً أمرًا محرجًا، لكنّه كان مثاليًّا لاستنشاق هواء الفجر. جلستُ على المقعد بشكلٍ طبيعيّ وسألته:
“هل انتهى التّنظيم؟”
“إلى حدّ ما.”
“ذلك الرّجل…”
“إذا كنتِ تعنين سيرو روجيس، فقد تمّ احتجازه. هناك أمور يجب التحقّق منها، و سأبدأ التّحقيق فور بزوغ النّهار.”
لم أتوقّع أن يجيبَ كاليد بسهولة، لكنّه أجابَ بصراحة.
“الآن، ربّما وصلتْ أخبار ميرسن إلى ليفيا أرفين.”
“على الأرجح.”
“هل أنتَ بخير؟”
“بخير من أيّ ناحية؟”
“ماذا؟”
على عكس إجاباته السّريعة، ردّ هذه المرّة بسؤال.
“أسألكِ، ما الذي يجب أن يكون بخير؟”
“حسنًا… أمر التعامل مع القدّيسة. هذه الحادثة أربكتْ مكان العمل لهذا الحدّ، فهي لن تبقى ساكنة. ستنتقم فورًا، أو ربّما تخطّط لأمر أكبر. هذا…”
“و هذا سيسبّب لي أعظم الألم.”
أكملَ كاليد كلامي الذي لم أستطع إنهاءه، كما لو أنّه يقرأ أفكاري.
نظرَ إليّ مرّة أخرى بنظرةٍ يصعب تفسيرها.
بدأ ضوء الفجر الخافت يُسلّط على شعره الذّهبيّ اللامع. نظرته الحمراء، الممزوجة بضوء الفجر، بدت و كأنّها ستبتلعني بالكامل.
“أوّل مرّة رأيتِ فيها تلكَ المرأة كانت في الحفل، أليس كذلك؟”
“…آه.”
“أنتِ تعرفينها جيّدًا. كذلك بالنّسبة لشوريل.”
“هذا…”
“لم أكن أعرف حقيقة علاقة الدّوقة الكبرى كلاوس بشوريل. قلتِ إنّ ذكر شوريل سيجعل الدوقة الكبرى تدعمنا دون شكّ؟ لا يمكنكِ التأكّد من ذلك دون معرفة علاقتهما. إذًا، كنتِ تعلمين. ومع ذلك، كشفتِ عن هذه الحقيقة المهمّة لشخصٍ ساعدكِ فقط؟ حتّى كلب عابر لن يصدّق ذلك.”
“هذا… أقصد…”
“كأنّكِ شخصٌ قضى معهم وقتًا طويلًا.”
كلّ كلمةٍ منه كانت كالأشواك الحادّة تخترقني. نظرته التي كأنّها تخترق الرّوح لم تكن لطيفة. شعرتُ بجسدي يتصلّب، و عضضتُ على شفتي السّفلى بقوّة.
‘إنّه… يشكّ بي.’
ربّما يعتقد أنّني جاسوسة أرسلتها ليفيا أرفين.
قـدْ يبدو من تصرّفاتي السّابقة أنّ هذا مستحيل، لكن ليفيا أرفين امرأة تدفع خصومها إلى أسوأ المواقف وتستمتع بيأسهم، فقد تكون قد خطّطت لهذا حتّى مع تحمّل بعضِ الخسائر.
بسببِ تلكَ المرأة المجنونة، لا زلتُ أُعامل كمشبوهة.
‘بالفعل… تصرّفي وكأنّني أعرف علاقة شوريل بالدّوقة الكبرى كان خيارًا خطيرًا.’
لو كنتُ أعلم أنّ كاليد مقرّبٌ من الدّوقة الكبرى، لما اندفعتُ بهذا الشّكل.
‘ربّما، حتّى لو لم أتحدّث، كانَ كاليد سيطلب الدّعم من الشّمال.’
قد لا تكون قوّة عسكريّة ضخمةً كما حدث، لكنّه كان سيحصل على دعم كافٍ لتطهير ميرسين. بدا أنّ لديه هذا القدر من العلاقة.
لكنّني لم أكن أعرف، وكان عليّ التحرّك بسرعة لإنقاذ شوريل. لم يكن هناكَ وقتٌ للتّأخير في ميرسين.
كان دعمُ الدّوقة الكبرى ضروريًّا، وذكر اسم شوريل كان أسرعَ طريقة لذلك.
هكذا اعتقدتُ، لكنّ فكرة أنّه كان ممكنًا دون! كلامي جعلتني أشعر كأنّني وقعتُ في فخّ.
لم أتمكّن من فهم نوايا كاليد وسط انفعالي.
لو قلتُ الآن: “أنا ليفيا أرفين التي أحببتَها”، هل سيصدّقني؟ هل بنيتُ معه ثقة كافية ليصدّق مثل هذا الكلام المثير للدّهشة؟
لا، مستحيل. مجرّد معرفتي بعلاقة الدّوقة الكبرى و شوريل جعلتني مشبوهة، فكيفَ سيصدّق مثل هذا الكلام؟
بينما كنتُ أفكّر بقلقٍ شديد حتّى شعرتُ أنّ رأسي سينفجر، وبينما كان العرق البارد يبلّل ظهري، فتح كاليد فمه أخيرًا بعد صمتٍ طويل:
“لا يمكنني إنكار أنّ مساعدتكِ كانت كبيرة في هذا الأمر. حتّى لو كنتِ تساعدين بنيّة أخرى… لن أسأل.”
“ماذا؟ حقًا؟ لن… تسأل؟”
“لو سألتُ…”
“…..”
“هل تنوينَ الإجابة؟”
يا له من رجلٍ يجعلُ المرء يفقد الكلام!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"