“حسنًا، من النادر رؤية مريض يعاني من تسمّم بالمخدّر… أفكّر في إعطائه مضادًا للسم، لكن بما أنّ هذا ليس سمًا بحدّ ذاته…”
هزّ الطبيب رأسه بحيرة. لم يكن عدم امتلاكه مهارةً عاليةً عذرًا. بعد خمس سنوات من العيش في إمبراطوريّة إيفيرنيا، أدركتُ هذا بنفسي.
كان هناكَ طريقةٌ واحدة فقط لإنقاذ مريضٍ في مثل هذه الحالة.
“علينا أن نتمنى من سيّدة القوّة المقدّسة كي تمدّ يد العون.”
“اغغ!”
نظر إليّ الطبيب بعيونٍ متفاجئة، لكن لم يكن لديّ وقتٌ للاهتمام. طحنت أسناني تلقائيًا.
كان جسد شوريل مغطّى بالجروح والندوب والكدمات التي لم تُعالج، فتعفّنت. الشخص الذي فعل هذا هو تقريبًا سيّد القوّة المقدّسة نفسها، والآن يطلب منّي طلب المساعدة منها؟
سقطت دموعٌ غزيرة كقطرات المطر. شعرتُ أنّني السّبب في ما حدثَ له، وشعور الذنب المتأجّج ضغط على صدري.
“ماذا أفعل… هيك، هيك…”
عندما رأيتُ شوريل لأوّل مرّة في القبو، بكيتُ بشدّة، لكن الدّموع لم تجف بعد. كتمتُ بكائي بكلتا يديّ خوفًا من أن يسمعني الفرسان خارج الباب.
‘ليس خطأي، ليس خطأي. لم أفعل هذا.’
تمتمتُ كما لو أنّني أردّد تعويذة لتهدئةِ نفسي. كان من الصّعبِ التخلّص من اللّوم الذي اجتاحني. حتّى لو كنتُ حقًا السّبب، يجب أن أصلح كلّ شيء.
إذا كنتُ أنا مَن جعلتهم تعساء، فعليّ إعادة كلّ تلك الأوقات البائسة لها.
“هكذا تكون الحسابات متساوية.”
…أليس كذلك، ليفيا؟
هذا ليسَ وقت البكاء واللوم.
شددتُ عزمي.
صفعتُ على وجنتيّ وفركتهما. ساعد الألم الحادّ على نسيان الحرارة الملتهبة مؤقّتًا.
“لا تنهاري، هذا ليس ما يجبُ أن تفعليه الآن.”
إذا استمررتُ في النّظر إلى شوريل، سأظلّ أفكّر بضعف. نهضتُ من مكاني، وغطّيته بالبطانيّة بعناية رغم أنّ الطقس لم يكن باردًا، ثمّ غادرتُ الغرفة.
عندما خرجت، تبعني فرسان اثنان. كانا مختلفين عن الذين كانا يحرسان الغرفة سابقًا. أدركتُ غريزيًا أنّهما مرافقان أرسلهما كاليد.
“أين سموّه؟”
“…ذهب صاحب السّمو إلى البوّابة الشماليّة لميرسين.”
اتّجهت خطواتي تلقائيًا نحو البوّابة الشماليّة.
كان من الغريب أن يذهبَ كاليد بنفسه إلى البوّابة الشماليّة. إذا كان جيرمان قد استعار قوّاتٍ من الشمال فقط، لما كان هناكَ داعٍ لخروجه.
‘الدوقة الكبرى جاءت بنفسها .’
كنتُ متأكّدة أنّ ذكر اسم شوريل سيجعل الدّوق الكبرى تقدّم القوّات بسهولة، لكن لم أتوقّع أنْ تتحرّك حاكمة الشمال بنفسها. ربّما كانت علاقتهما أعمق ممّا ظننتُ.
بعد وقتٍ قصير، رأيتُ ظهر كاليد. فركتُ عينيّ بقوّة تحسّبًا لوجود أيّ أثر للدموع، ثمّ اقتربتُ منه.
“سموك! هل جاءت الدّوق الكبرى بنفسها؟”
“…..”
“صاحب السّمو؟”
نظرَ إليّ كاليد للحظة دونَ كلام، رغم سؤالي بشكلٍ مرح.
أجابَ باختصار على سؤالي الأوّل فقط، ثمّ اتّجه نحو البوّابة. لم أفهم معنى نظرته، فشعرتُ بالقلق دونَ سبب.
بينما كنتُ أفكّر في معنى تلك النظرات، وصلنا إلى البوّابة.
“افتحوا البوّابة.”
كأنّهم كانوا ينتظرون وصول كاليد، فتحت بوّابة ميرسين الشماليّة عند أمره. كانت هذه البوّابة، التي نادرًا ما تُغلق، مغلقة بإحكام منذ الحصار.
“افتحوا البوّابة!”
تردّد صوت احتكاك معدنيّ ضخم، وفتحت البوّابة الثقيلة ببطء. للحظة، سادَ الصمت في الشارع المملوء بالغبار والضجيج.
كان الجميع يعلم من سيأتي مَن خلف البوّابة.
حاكمة الشمال، التي تتجاهل حتّى دعوة الإمبراطور بسهولة. الدّوقة كلاوس، التي حافظت على قوّتها بثبات بينما كانت العائلة الإمبراطوريّة تتدهور، قد جاءت بنفسها.
‘سمعتُ عنها فقط من خلال شوريل.’
كسر الصمت صوت حوافر الخيول. سار جنودٌ يمتطون خيولًا سوداء بانتظام على الأرض الصلبة.
لوحت رايةٌ سوداء تحمل صقرًا أزرق داكنًا.
في تلكَ اللحظة، اخترق صياح صقرٍ حادّ السماء.
“بييي-”
وفي الوسط، كانت الدّوقة الكبرى كلاوس.
ظهرت بكامل هيئتها على حصانٍ في المقدّمة، ترتدي زيًا أسود مزيّنًا بأزرارٍ فضيّة. تدفّق شعرها الأسود اللامع تحت كتفيه، وعيناها الزرقاوان، كأنّهما تحملان أعماق البحر، اخترقتا المدينة بأكملها.
“مرّ وقتٌ طويل، كاليد. أهي المرّة الأولى منذ التخرّج؟”
تبادل كاليد و الدّوقة الكبرى كلاوس نظراتٍ قصيرة.
كانت نظراتهما محايدة نسبيًا، كما لو أنّهما يتفهّمان موقفَ و أفكار بعضهما.
‘سمعتُ أنّهما درسا معًا في الأكاديميّة، لكن لم أكن أعلم أنّهما قريبان لدرجةِ أن تستخدم الدّوقة لغة غير رسميّة.’
لم يذكر كاليد اسم الدوقة من قبل، لذا ظننتُ أنّه لا توجد علاقة بينهما.
غيّر ظهور الدّوقة الكبرى كلاوس أجواء ميرسين بالكامل.
شعرتُ بمعنى أن تكون طاغية للمرّة الثانية في حياتي. الأولى كانت عندما رأيتُ كاليد لأوّل مرّة عندما كنتُ ليفيا.
شعرتُ أنّ عرقًا باردًا سيتشكّل على يديّ المضمومتين. نظرتها من على الحصان كانت تحمل ثقلًا يكفي لجعلي أجلس.
“شكرًا. أنا مدين لكِ.”
“مدين… كلمةٌ لا بأس بها.”
“تسك-”
ابتسمت الدّوقة بشفتين حمراء تتناقضان مع بشرتها البيضاء المشحوبة، ابتسامةً مخيفة جعلتني أرتجف.
“عندما ذكرتَ اسم ذلك الشّخص، ظننتُ أنّه تهديد. لكن يبدو أنّه ليس كذلك.”
“أعتذر عن ذلك. كانت الظروف ملحّة، ولم يكن لديّ خيار.”
كنتُ أستمع بهدوءٍ من الجانب، وكنتُ أشعر بالموت من التوتر، لكن كاليد كان أكثر هدوءًا من المعتاد. بدا كما لو أنّه يتبادل النكات مع صديقٍ مقرب، ممّا جعلني أشعر بالقلق بمفردي.
بالطّبع! أنا من اقترحتُ ذكر اسم شوريل! لكن لم أكن أعلم أنّ دوقة الشمال ستكون شخصًا بهذه الجاذبيّة!
عضضتُ فمي من الداخل وحاولتُ السيطرة على جسدي المرتجف. لو تركتُ توتّري يسيطر عليّ، كنتُ سأنهار على الفور.
“حسنًا… كانت كلمةً قويّة بالنسبة لي. لم أستطع الرفض.”
“لن تندمي، أعدك.”
“سنرى.”
بعد كلماته الباردة، نزلت الدّوقة من حصانها بهدوء. كانت حركتها خفيفة رغم نزولها من حصانٍ أكبر من الآخرين، لكنّ وجودها ظلّ ثقيلًا.
كان طولها يضاهي تقريبا طول الرجال، و رغم كونها امراة كان جسدها القويّ الذي ظهر من تحت معطفها مثيرًا للإعجاب.
كانت نوعًا من النساء لم أره من قبل، لا في العالم السّابق ولا هنا.
“اتّبعوا إلباردان ونظّفوا هذا المكان. تحرّكوا بسرعة، لكن ميّزوا بين العدوّ و الحليف. تذكّروا أنّ هذا المكان في الشمال، لكنّه ليس شمالًا.”
ميرسين هي الحدود بين المنطقة الوسطى لإمبراطوريّة إيفيرنيا والشمال. رغم أنّها تُعتبر بوّابة الشمال، إداريًا فهي تابعة للمنطقة الوسطى.
لذا، يجب على الدّوقة أن تعدَّ تفسيرًا لقدومها بقوّاتها إلى هنا لاحقًا. أيّ خطأ في التعامل قد يسبّب مشاكل، لذا كانت أوامرها محسوبةً بدقّة.
‘لقد فكّرت إلى هذه الدرجة بالفعل.’
رؤية كاليد يسير جنبًا إلى جنب مع الدّوقة ويتحدّثان جعلتني أدركَ مدى عظمة هؤلاء الأشخاص.
هدّأتُ قلبي المتسارع من التوتر والدهشة، وتبعتهما بخطواتٍ متردّدة، محافظةً على مسافةٍ لا تتيح لي سماع حديثهما.
بالنسبة لي، “ابنة الماركيز فالاندي بالتبنّي”، كانت هويّتي متواضعة جدًا للسّير إلى جانبهما.
قبل لحظاتٍ فقط، كنتُ أسير جنبًا إلى جنب مع كاليد، والآن بدا ذلكَ كذبة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 51"