5
* * *
كنتُ أحلم كلّ ليلة.
أحيانًا كانت لحظات جميلة من ذلك العالم، وأحيانًا كانت كوابيس تجعل كل شيء هناك يبدو كذبة.
هل كانت كوابيس حقًا؟
فواقع وجودي هنا، و ليس هناك، كان بحدّ ذاته يجعل كلّ شيء كذبة.
عندما استيقظت من أحلاي ،، كنتُ اليوم أيضًا أطارد أيّ أدلة قد تقودني إلى ذلك العالم الآخر. قلبّت الكتب، ذهبت إلى الكنيسة ، و حتى بحثت عن أولئك الذين يُطلق عليهم “الغرباء”.
كلّ ذلك كانَ عبثًا.
كلّ من التقيتهم بناءً على معلومات كانوا محتالين. لكن حتى هؤلاء الناس كانوا بالنسبة لي كحبل نجاة، فدفعت لهم المال كما طلبوا.
من المضحك أنّ تعويض التأمين من حادث الدهس و الفرار، و التسوية المتأخرة مع الجاني، قد ملآ حسابي البنكي، مما سمح لي بإعطائهم ما يريدون.
لكن حتّى ذلك المال بدأ ينفد الآن.
كنتُ أتجول حتى ساعات متأخرة من الليل، و كعادتي، زرتُ المكان الذي وقع فيه الحادث.
هل إذا تعرضت لنفس الحادث، في نفس اليوم، وفي نفس الوقت، سأتمكن من العودة إلى ذلك العالم؟
“شاحنة التناسخ” التي تُذكر غالبًا في الروايات.
هل صدمتني تلكَ الشاحنة و ذهبتُ إلى هناك مؤقتًا؟
لم تعد حتى هذه الإعدادات الخيالية، التي قد تظهر في القصص، تُواسيني.
كنتُ بحاجة إلى معلومات، معلومات مؤكدة، لكن كل ما سمعته كان مجرد قصص فارغة. لم يكن هناك شيء مفيد.
كنت أبكي كلّ ليلة، و كنتُ أتألم. كان الشوق أكثر حدّة من الألم.
“كاليد… هل أنتَ بخير؟”
نظرت إلى الطريق الذي وقع فيه الحادث، و جلستُ بهدوء على جانب الرصيف.
كانت رياح الشتاء قارسة كالسكاكين.
“سهول الشمال أبرد من هذا. لكن إذا سنحت الفرصة، فإن زيارتها ليست فكرة سيئة. منظر الثلوج عند الفجر، عندما يبدأ النهار بالإضاءة الخافتة، حقًا رائع.”
كان ذلك في يوم بارد، عندما احمرت أطراف أصابعي.
كنتُ أخشى أن تتلاشى تعابير وجهه، التي كانت تصبح أكثر ضبابية يومًا بعد يوم في ذكرياتي المتلاشية.
“أنا… لست بخير.”
تساقطت الدموع قطرة قطرة.
ربّما كان من الأفضل أن أختار الطريقة النهائية، التي قد تؤدي إلى الموت، بدلاً من هذا.
على أيّ حال، لم يعد لديّ تعلّق بالحياة.
في تلك اللحظة، بدأت رقاقات الثلج تتساقط من السماء.
ذابت رقاقات الثلج الصغيرة، مثل بلورات الجليد، عندما لامست دموعي.
كانَ الجو قارسًا، باردًا… وأكثر من أي شيء، كنتُ وحيدةً بشكلٍ لا يُطاق.
في شارع الفجر المبكر الخالي من المارة،
نهضت ببطء و وضعتُ قدمي على الأسفلت الأسود.
كنتُ قد اتخذت قراري منذ زمن بعيد. الشيء الوحيد الذي منعني من تنفيذه كان التّمسك الأخير.
إذا كانت هذه الطريقة خاطئة حقًا… فلن أتمكّن من رؤيته مجددًا.
لكن لم أعد أفكر في أي طريقة أخرى.
“أنا آسفة، كاليد. أنا غبية… هذه هي الطريقة الوحيدة التي فكرت فيها.”
على أيّ حال، عالم بلا كاليد… لا يستحق العيش فيه.
كنتُ أعاني كلّ يوم لأنني شعرت كأن كلّ شيء كان حلمًا حلوًا تم نفيه.
هنا، لا يوجد حاكم كما في ذلك العالم، ولا عالم يحتوي على القوة المقدسة.
فكّرتُ مرّات لا تحصى. لماذا اضطررت لأعيش خمس سنوات كليفيا أرفين في ذلك العالم؟ لماذا سُمح لي بأن أحلم لمدة خمس سنوات فقط، و ليس مدى الحياة، ثم سُلب ذلك مني؟
لم أجد إجابة، لكن إذا كان هناك حاكم، فهو يعرف السبب.
في ذلك العالم، يوجد حاكم.
بيسيا لا يمكن أن يكون غافلا عما حدث لسيّدة القوة المقدسة ليفيا أرفين.
بالتأكيد، كان يريد شيئًا مني.
“إذا كنتَ تريدي شيئًا مني، فعليكَ أن تستمع إلى رغبتي أيضًا. دعني أرى كاليد مرّة أخرى…”
بما أنكَ قد تسببتَ لي بهذا القدر من الألم، الآن دوري.
أغلقت قبضتي بقوة، و رفعت رأسي لأنظر إلى السماء.
كانت رقاقات الثلج تهبط برفق، كما لو أنها تستمتع بالسقوط في العالم. كان مشهدًا لا يتناسب على الإطلاق مع الوضع الحالي.
بيب—بيب!
كانت شاحنة، تشبه تمامًا شاحنة القمامة التي صدمتني قبل عام، تقترب بسرعة.
بعد التحقق، تبيّن أن هذا الطريق كان ضيقًا بمسارين فقط، و كانَ هناك طريق أوسع بالقرب، لذا نادرًا ما تمرّ شاحنات القمامة الكبيرة من هنا.
لكن، ما هي احتمالية مرور هذا النوع من الشاحنات في هذا الوقت بالذات؟
تسربت ضحكة لا إرادية مني.
بالتأكيد… كان الحاكم يراقبني.
“أوفي بوعدك، يا بيسيا.”
دوي—!
اجتاحت صدمة، كأن جسدي يتحطم إلى أشلاء، كامل جسدي. تحوّلت الصدمة سريعًا إلى ألم، وأوقف الألم تفكيري.
في يدي اليسرى، كان الخاتم الذي وضعه كاليد، وفي يدي اليمنى، كان الخاتم الذي كنت سأضعه له، لا يزالان ممسكين بإحكام.
و هكذا… واجهتُ الموت مرّة أخرى.
لكن هذه المرّة كانت مختلفة.
كانَ هذا الموت الذي اخترته بنفسي.
* * *
لا يمكن أن أكونَ بخير بعد أن صدمتني شاحنة مرتين و متُ.
“هكْ… آه…”
شعرت كأن جسدي تحطّم إلى أشلاء. لا، ربما تحطم بالفعل.
حاولت النهوض و أنا أئّ ،، لكن الألم الشديد، كما لو أن جسدي كله مقيد، منعني من الحركة.
بينما كنت أرمش بعينيّ في حالة ذهول، سقطت بلورات جليدية باردة على وجهي.
كانت السماء مليئة باللّون الرّماديّ القاتم، وكان الثلج قد تراكم بالفعل بكثافة.
“…أنا على قيد الحياة.”
ما كان أكثر إذهالًا هو أنّ هذا المكان لم يكن طريقًا.
أدرت رأسي ببطء بأمل.
كما توقعت، كانت الأشجار و الشجيرات الكثيفة، التي نادرًا ما تُرى في كوريا، غريبة ولكن مألوفة بطريقة ما.
على الرّغم من أنني كنتُ في وسط غابة، كنت متأكدة أن هذا هو العالم الذي اشتقت إليه.
“ها… ه… ههه.”
قفزتُ أمام شاحنة دون أي يقين… لكن، بالفعل، كان الحاكم يراقبني.
بهذا، تأكدت.
كان بالتأكيد يريد شيئًا مني.
لذا، حقق رغبتي.
عندما بدأت أرتجف من البرد، تمكنت أخيرًا من تحريك جسدي. كنت لا أزال أئنّ من الألم مع كل حركة.
“أين… أنا؟”
عندما نظرت حولي، كل ما رأيته كانت أشجار عارية مغطاة بالثلج الأبيض.
عقدت حاجبيّ و نهضت، لكن ألمًا نابضًا صعد من ركبتيّ.
لم تتحرك ساقاي المرتجفتان كما أردت، وعندما نظرت إليهما بدهشة، كانتا في حالة يرثى لها.
بالإضافة إلى ذلك، كان جسدي مغطى بالجروح، كما لو أنني صدمتني شاحنة بالفعل.
بالطبع، لو صدمتني شاحنة حقًا، لكان جسدي قد تحطم بالكامل، لكن حالتي الآن كانت أقرب إلى الخدوش.
فتحت يدي، و كانَ الخاتم، الذي كنت أمسكه بإحكام حتى لحظة اصطدام الشاحنة، لا يزال في يدي.
كان ذلك جيدًا. المشكلة هي أنّ هذا الجسد لم يكن غريبًا.
“م… ماذا؟”
هذا الجسد النحيف، الذي أصبح مألوفًا لي خلال عام من إعادة التأهيل، كانَ جسدي بالضبط.
هذا… جسدي.
بشعور غريب، ترنحت و بحثت عن مكان يمكنني فيه رؤية انعكاس وجهي، وسرتُ بلا هدف.
لحسن الحظ، لم تكن بعيدة، وجدت بحيرة صغيرة.
عندما انعكس وجهي في البحيرة غير المتجمّدة، ظهر وجهي، الذي لم أنظر إليه في المرآة حتى لأكثر من عام.
هالات سوداء، عينان غائرتان، خدان غائصان كالهيكل العظمي.
بسبب بقائي في الداخل لأكثر من عام، كانت بشرتي شاحبة لدرجة أن الأوردة كانت تظهر، وكان شعري الأسود وعيناي مألوفتين.
كان من الواضح، بلا شك، أنني “أنا”.
كان الألم النابض في ركبتيّ واضحًا جدًا، كما لو أنّه يقول إن هذا ليس وهمًا. بفضل ذلك، لم أستطع إلا أن أصدق.
“بمظهري هذا… جئت إلى هذا العالم؟”
هذه المرة لم تكن تجسّدا.
لقد تمّ نقلي إلى هنا “كما أنا”.
“يا إلهي…”
فقدت ساقاي قوتهما، فجلست على الأرض.
مرّت تلك الريح التي لامست خدّي قبل أن تصدمني الشاحنة مرة أخرى. كانت ريحًا قاسية تقطع الجلد، لكن عقلي لم يستعد بعد.
“بهذا المظهر… لا يمكنني حتّى الاقتراب منه…”
كنتُ أفكّر أنه إذا تمّ تحقيق رغبتي، فسوف أعود إلى جسد ليفيا مرة أخرى.
كنت أعلم أنّها فكرة وقحة. لم يكن جسدي، ولا يمكن أن يكون ملكي.
لكن… على الرّغم من أنني كنت أنا من همست بحبّ لكاليد ، في عينيه، كنتُ “ليفيا أرفين” فقط.
عضضت شفتيّ الخشنتين بقوة حتى نزف الدم.
كأن هذا تحذير لي.
“لا تطمعي فيما ليس لك.”
نعم، لم أطلب من البداية أن يجعلني أحبّه من جديد.
“من بعيد… كنتُ أريد فقط رؤيته…”
كانت رغبتي الوحيدة هي رؤيته مرة واحدة أخرى.
تمّ تحقيق تلك الرغبة، لكن الواقع كان قاسيًا. بهذا المظهر، لا يمكنني حتى الاقتراب منه كونه وليّ العهد.
يقال إن طمع الإنسان لا ينتهي. عندما تحققت رغبة واحدة، بدأت أرغب في شيء آخر.
هززت رأسي بقوة.
“عام واحد. أريد فقط رؤية وجهه، و لو مرة واحدة… بعد ذلك، سأفكر حينها.”
سحبت ساقيّ و مشيتُ متعثرة.
لم أرغب في التجمّد حتى الموت قبل أن أرى كاليد.
…لنذهب.
لأعرف أين أنا، و لأراه، حتّى لو من بعيد.
مرة أخرى… لألتقي به.
هذه المرّة ، بمظهري الحقيقيّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"