كنتُ قد مررتُ بهذا المكان من قبل دون أن أعيره اهتمامًا، ظنًا منّي أنّه مجرّد مكان يستمتع فيه الأشخاص بتسليةٍ مظلمة مع العبيد.
‘لا يبدو أنّه دخلَ للتّنظيف. الآن وأنا أفكّر في الأمر، لقد رأيتُ شخصًا آخر يخرج من هناكَ من قبل.’
رأيتُ أشخاصًا يخرجون، لكن لم أرَ أحدًا يدخل. هذا هو مصدر الشّعور الغريب الذي انتابني.
الكثيرون يخرجون، لكن لم أرَ أحدًا يدخل.
‘ربّما يكونُ هناكَ ممرّ سرّي مخفي هنا.’
بعد أن تجوّلتُ في أنحاءُ المكان مرّاتٍ عديدة، لم يعد الموظّفون يهتمّون بي كثيرًا.
لكن إذا كانَ هذا المكان يؤدّي بالفعل إلى غرفةٍ سرّيّة، فقد يبدأون في مراقبتي. انتظرتُ حتّى لا يراني أحد، ثمّ تسلّلتُ بهدوء إلى الغرفة المريبة.
أوّل ما لفت انتباهي كان السرير.
“هذا بالتأكيد مريب.”
بعد أن دخلتُ الغرفة بسهولة وأغلقتُ البابَ خلفي، بدأتُ أتفحّص الدّاخل بعناية.
قالوا إنّها غرفة للرّاحة البسيطة، لكن كانَ هناك العديد من الأدوات الغامضة معلّقة على الحائط. لم أجهل أنّ هذه الغرفة مُعدّة لأفعالٍ قذرة، لكن رؤية ذلكَ بعيني جعلتني أشعر بانزعاجٍ شديد.
“مهلاً؟”
بينما كنتُ أتفحّصُ المكان بعيونٍ متيقّظة حتّى لا يفوتني شيء، لاحظتُ آثار خدشٍ على أرضيّة خزانة الزّينة بجانبِ السّرير، كما لو أنّ شيئًا ما تمّ جره.
يبدو أنّهم كانوا يغطّون المكانَ بسجّادةٍ أو ما شابه، لكنّها ليست موجودة الآن، ربّما أزالوها مؤقّتًا.
‘يا للحظّ!’
شعرتُ بثقةٍ قويّة، وكأنّ شخصًا ما يساعدني لأجد هذا المكان، فقدْ حالفني الحظّ.
هذا هو المكان الذي كنتُ أبحث عنه.
“مثل هذه الأشياء عادةً ما تتطلّب الضّغط على شيءٍ أو لمسه ليظهر المدخل…”
وكما توقّعتُ.
عندما أدرتُ تمثال الذّئب النّحيف الموجود داخل خزانة الزّينة، سمعتُ صوت “كرااك-” وبرزت الخزانة للأمام.
خلفها، ظهرت سلالم تؤدّي إلى قبوٍ أعمق، ممّا أكّد أنّني وجدتُ الإجابة الصّحيحة.
كلّ ما طلبه كاليد هو أن أتذكّر أيّ مكانٍ مريب.
النزول إلى هناكَ الآن لم يكن جزءًا من تعليماته، لكنّني تردّدتُ في العودة.
‘ربّما يكون شوريل هناك.’
بما أنّه ليسَ من عامّة النّاس، فمن غير المرجّح أن يكونَ مع بقيّة العبيد.
لا أعلم حتّى إذا كان هذا الممرّ يؤدّي فعلًا إلى مكان العبيد. إنّه مجرّد حدسي. أعلم أنّ التحرّك بمفردي تصرّفٌ متهوّر، لكن لم أستطع العودة بسهولة.
‘لكن… إذا نزلتُ واكتُشفتُ، سأسبّب ضررًا أكبر ممّا حدثَ عندما تسمّمتُ.’
لا يمكنني أن أصبح عبئًا على كاليد. لم أتبعه لأسبّب له المتاعب.
“ألا تعتزّين بحياتك؟ أم أنّكِ مستعدّة لرمي حياتكِ من أجلِ إنقاذ شوريل؟”
صحيح أنّني أهتمّ بشوريل لدرجة أنّني قد أخاطر بحياتي إذا لزم الأمر.
لكنّ هذا لا يعني أنّني سأرمي بنفسي بتهوّر دون داعٍ.
إذا متّ، لن أتمكّن من إنقاذه.
لهذا تردّدتُ، ولهذا اخترتُ ألّا أدخل.
لكن يبدو أنّ كاليد رآني كما لو كنتُ سأخاطر بحياتي بتهوّر.
إذا مـتُّ، سيتحمّل هو كلّ المسؤوليّة، فلا عجب أنّه غاضب.
“أنا آسفة. لكنّني حقًا لم أكنْ سأدخل.”
“لكنّكِ فكّرتِ في ذلك، أليس كذلك؟”
“…..”
“لو كان شخصًا آخر غيري هو مَن جاء، لكنتِ الآن…! هاه!”
توقّفَ عن الكلام مع صوت طقطقة أسنانه، وكأنّه يحاولُ كبح غضبه، أغلقَ.عينيه بقوّة، وهو منظرٌ بدا غريبًا بالنّسبة لي.
عندما عبستُ من ألمُ كتفي الممسك، أفلت يده، لكنّ تعابير وجهه المعبّسة أخبرتني أنّ غضبه لم يهدأ بعد.
شعرتُ بالاكتئاب وأنا أرى العصا تتدحرج على الأرض بلا مبالاة، كأنّها تعكس حالتي الآن.
“أنا…”
“كفى.”
“.. ..”
“لا تتفوّهي بكلمةٍ. إذا خرجت من فمكِ أعذارٌ سخيفة أخرى، سأغضب للغاية.”
عضضتُ شفتيّ بقوّة عندَ كلماته القاسية التي كأنّها تخدش قلبي.
وجدتُ ممرًّا سرّيًّا، ألا يستحقّ ذلك ولو كلمة مدح؟
شعرتُ بالإهانة، لكنّني كتمتُ كلماتي خوفًا من أن يغضبَ أكثر إذا تحدّثتُ.
“تجوّلتِ مثل كلبٍ يبحث عن مكانٍ ليقضي حاجته، فانتهى بكِ المطاف هنا.”
“لم أرَ أحدًا يدخل، لكن كانَ هناك من يخرج باستمرار… شعرتُ بالرّيبة فدخلتُ، و وجدتُ المدخل.”
“وهل تريدينني أن أمدحكِ على ذلك؟”
نعم! أليس هذا إنجازًا؟
كدتُ أن أعبّر عن مشاعري، لكنّني ابتلعتُ كلماتي.
“أنا آسفة…”
“إذا كنتِ فقط تفكّرين، فلماذا تعتذرين؟”
“إذًا… شكرًا لاهتمامكَ؟”
آه، يجب أن أصمت.
أغلقتُ فمي عندما رأيتُ وجه كاليد يتحوّل إلى تعابير شرسة.
تحت نظرته الحادّة، التقطتُ العصا التي رُميت بضعف.
استدارَ كاليد و توجّه نحو الباب، و بعدَ خطواتٍ قليلة، أشار لي بعينيه كما لو يسأل لمَ لا أتبعه.
صوت العصا وهي تصطدم بالأرض مع كلّ خطوة كان يتردّد بقوّة، و كان الصّمت بيننا ثقيلًا.
لكن، حقًا، لم أفعل سوى التّفكير ولم أرتكب أيّ خطأ… فلماذا هو غاضبٌ إلى هذا الحدّ؟
شعرتُ بإحساسٍ طفيفٍ بالظّلم ينمو في صدري.
كلماته القاسية بعيدةٌ كلّ البعد عن الأيّام التي كان يتحدّث فيها بلطفٍ عندما كنتُ ليفيا.
تذكّرتُ فجأةً الأيّام الأولى بعد أن تجسّدتُ في جسد ليفيا. نعم، حتّى لو كان الأمر هكذا، فهو أفضل ممّا كان عليه حينها…
* * *
كان سام يحبّ عمله في حلبة التّوكيل كثيرًا.
في البداية، كان يتصرّف بحذرٍ، خائفًا من أن يُقبض عليه و ينتهي به الأمر في مكانٍ كهذا. لكنّ هذا الخوف لم يدم طويلًا.
لا يمكن أن يُقبض عليه. اللورد نفسه مغرمٌ بهذا المكان، فمن سيجرؤ على القبض عليه؟
بل على العكس، كان هناك طابورٌ من الرّاغبين في العمل هنا.
لذا شعر أنّه مختارٌ مميّز.
“تبدو في مزاجٍ رائع؟ هل سيعود اليوم؟ ذلك السيّد المغفل؟”
“بالتأكيد سيأتي! لقد حضر ثلاثة أيّامٍ دون توقّف، فهل سيغيب اليوم؟ خصوصًا أنّ اليوم هو يوم الحدث الرّئيسي.”
رغمَ تسميته بحلبة التّوكيل، كان المكان يُستخدم عادةً كصالة قمارٍ و تسلية. لكن اليوم الذي يدرّ أكبر قدرٍ من المال هو يوم مباريات العبيد، كما يليق باسم الحلبة.
“أنتَ محظوظٌ. أتمنّى لو كنتُ أنا مَن يخدم ذلك السيّد.”
“ألم ترفضه في البداية لأنّك سمعتَ أنّه سيّء الطّباع و ألقيتَ به عليّ؟”
“مَنْ كان يعلم أنّه سيكون كريمًا بهذا الشّكل؟”
بينما كان يردّ على حسد زملائه بنفثةٍ متغطرسة، أعاد سام ترتيب ملابسه.
السيّد المغفل من الجنوب. بما أنّ لا أحد يستخدم اسمه الحقيقي هنا، كانَ الموظّفون يطلقون عليه هذا اللقب.
زبونٌ مجنون يتجوّل مع خادمٍ أخرق و ينفقُ المال بسخاء. بالطّبع، لم يكن هذا شيئًا يُقال أمامه.
تلقّى سام نظرات الحسد من زملائه وهو يرفع كتفيه بفخر. عندما وصلَ السيّد المغفل، ركض نحوه بابتسامةٍ تملأ وجهه.
“آه! لقد أتى السيّد! سمعتُ أنّك كنتَ تنتظر اليوم بشوق، أليس كذلك؟”
كانَ السيّد المغفل يكره الإطالة في الحديث. كلّما طالت التّفسيرات غير الضّروريّة، كان حاجباه الجميلان يعبسان بشدّة.
بعد ثلاثة أيّام من التّعامل معه، تعلّم سام ذلك، فذهبَ مباشرةً إلى صلب الموضوع و قدّم له لوحة المراهنات.
“هل هي بطولة؟ الفائزون يتقدّمون حتّى يواجه الفائز النهائي الفائز السابق؟”
“صحيح! بالطّبع، المواجهة مع الفائز السّابق تحدث فقط إذا كان الفائز الحالي لا يزال على قيدِ الحياة!”
“إذًا، هل هناك أيّام لا يظهر فيها الفائز السابق؟”
“يحدث ذلكَ أحيانًا… لكن، في الحقيقة…”
خفّض سام صوته و كأنّه يكشف عن سرٍّ كبير:
“بيني و بينك، هذه المرّة، بسببِ وجود زبائن كبار، قرّروا إشراك الفائز السّابق بالتّأكيد.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 47"