كان المكان الذي دخلناه بسلاسة باستخدام الدعوة أكبر بكثير ممّا توقّعت، حتّى أنّه جعلَ فمي ينفتح دهشةً.
كان فخمًا و كبيرًا لدرجةِ يصعب تصديقها لأمر يُفترض أنّه من أعمال الظّلال، حتّى شعرتُ و كأنّني في قاعة رقصٍ راقية.
جدران مضيئة بضوء خافت، و ممرّات مزيّنة بتحفٍ و قطعٍ فنيّة قديمة لا أعلم إن كانت أصليّة أم مزيّفة.
حتّى الأبواب المصطفّة على جانبي الممرّ كانت مزخرفة بصناعةٍ دقيقة. بالتأكيد، خلفَ هذه الأبواب تجري أنواعٌ مختلفة من القمار و غيره من الأمور.
رغم غياب النوافذ، كان المكان ممتلئًا بضوءٍ متلألئٍ مبهر، يجعلك تنسى أنّك في قبو قصر اللورد.
كان مكانًا ساحرًا بمظهره الرّائع، مصمّمًا بعناية لإغواء من يدخله للمرّة الأولى.
كأنّكَ وصلت إلى مكانٍ حالمٍ يوقظ فيك أوهامًا ساحرة.
‘مكانٌ للّهو و الإنفاق و المتعة.’
الموظّفون، رجالًا و نساءً، بمظهرٍ جميلٍ يتباهون به، كانوا يرمقونني بابتساماتٍ ساحرة كلّما مررتُ بهم.
وأنا… كنتُ في حيرةٍ من أمري. كيف ينبغي لي أن أتفاعل هنا؟
في الماضي، عندما كنتُ أساعد في تصفية أعمال ليفيا، رأيتُ كلّ أنواع المشاهد الغريبة، لذا لم يكن هذا المشهد سيّئًا مقارنةً بغيره.
لكنّني لم أزر مكانًا كهذا من قبل، فشعرتُ بالغرابة. وبالنظر إلى خلفيّة إيرديا، كان من الصّعب أن أتصرّف بأريحيّة. خصوصًا أنّهم بدوا و كأنّهم يشكّون بي كامرأةٍ غامضة ظهرت فجأة.
‘لكنّ هذا الرّجل لا يبدي أيّ دهشة.’
من المفترض أنّه لم يزر مكانًا كهذا من قبل مثله مثلي، لكنّه لم يظهر أيّ علامة ذهول، بل كان ينظر حوله بنظرةٍ متبلّدة.
كنتُ أعلم أنّه ليسَ من النوع الذي ينجذب بسهولة للإغراءات، لكنّ عدم اهتزازه ولو قليلًا أمام هذا المكان المفعم بالتّرف جعلني أراه غريبًا بعض الشيء.
“يبدو أنّ السيّد الشّاب معتادٌ على مثل هذه الأماكن. عادةً ما يندهش الزّائرون الجدد.”
بدا وكأنّ هذا المشهد بدا غريبًا بالفعل، فتحدّث الموظّف سام ، الذي تطوّع ليكونَ مرشدنا، مبتسمًا بهدوء.
أجاب كاليد دونَ أن يرمق سام بنظرة:
“وما المهمّ في هذا؟ أماكن القمار بهذا الجوّ منتشرة في الجنوب.”
“هاها! لا عجب أنّك سيّدّ من الجنوب. بالفعل، الجنوب مليءٌ بالأشياء المتنوّعة. حتّى نحن استلهمنا بعضَ الأفكار من هناك.”
تذكّر سام أنّ كاليد من نبلاء الجنوب، فاقتنع بسهولة.
‘لهذا كانت هويّة كاليد المزيّفة كنبيلٍ من الجنوب.’
الجنوب، أكثر مناطق الإمبراطوريّة رخاءً، حيث المدن المرفئيّة التي تستقبل ثقافات الأمم الأخرى أكثر من غيرها، كان مكانًا حرًّا ومنفتحًا.
وبما أنّه مكانٌ منفتح، كان يُعتبر فضيلةً أن يعبّر المرء عن رغباته بحريّة.
شرحَ سام، دونَ أن نسأله، تفاصيل عديدة بينما يرشدنا في أرجاء حلبة التّوكيل.
“هنا المسرح الرّئيسي لكانيس كونتينتيو. أليس مذهلًا؟”
كلمة “كانيس كونتينتيو” كانت مصطلحًا سرّيًّا يستخدمه زوّار هذا المكان للإشارة إلى حلبة التّوكيل.
المركز الذي قدّمه سام على أنّه مذهل كان فخمًا بما لا يقاس مع ما رأيناه عند دخولنا. كان من السّهل فهم تباهي سام.
‘يا لجنونكِ، ليفيا. أن تبني مكانًا كهذا.’
مصباح سحريّ بحجمِ قبضة اليد يكلّف ما يعادل نفقات ثلاثة أشهر لعامّة النّاس. لكن في وسط حلبة التّوكيل، كان هناكَ مصباح سحريّ ضخم يضيء المكان بأكمله مثبتًا في السّقف.
عندما نظرتُ إلى المصباح السّحريّ الذي يضيء الدّاخل كالثريّا الضّخمة، شعرتُ وكأنّني أنظر إلى الشّمس مباشرة، فأصابتني الدّهشة.
كنتُ مذهولة. كم يكلّف هذا؟
هذا ليس شيئًا يمكن شراؤه حتّى لو كنتَ تملك المال.
لم أتوقّع أن أشعر بقوّة ليفيا الخفيّة بهذه الطريقة، ففقدتُ صوابي.
ولم يكن هذا كلّ شيء.
كانت هناك قضبان على شكلِ قبّة تشبه القفص، تلمع بلونٍ ذهبيّ. حولها مقاعدٌ مجهّزة كما في حلبةٍ رياضيّة. كانت هناك مقاعد فاخرة للشّخصيّات المهمّة، وحتّى حواجز لمَن يريدون إخفاء هويّتهم.
لم أتخيّل أن يكونَ المكانُ منظّمًا إلى هذا الحدّ.
لم يكن مجرّد مكانٍ احترافيّ، بل بدا وكأنّه نتيجة سنواتٍ طويلة من التّشغيل، ممّا جعلني أشعر بالبرودة تسري في عروقي.
إذا كنتُ أنا بهذا الحال، فكيف يكونُ شعور كاليد؟
نظرتُ إليه خلسةً، كان وجهه هادئًا، لكن قبضته التي تمسكُ بالعصا الزّينيّة التي يحملها كانت مشدودة حتّى برزت عروقه.
بالتأكيد، هو أكثر غضبًا منّي.
ربّما لا يريد أن يصدّق أنّ المرأة التي أحبّها يومًا ما تديرُ مثل هذا العمل المروّع.
حتّى لو كان قد دفن مشاعر حبّه السابقة ولم يعد يهتمّ، فقد يكون من الصّعب عليه تقبّل أنّه أحبّ امرأةً تدير مثل هذه الأعمال، أو حتّى أن يسامح نفسهُ على ذلك.
مهما كان الأمر، فإنّ الوقت الذي قضيته معه لم يعد سوى مصدرٍ للألم بالنّسبة له.
‘الوقت الذي عشته كليفيا يجعل الجميع يعانون.’
كنتُ أشعر برغبةٍ في الهروب فورًا من هذه الحقيقة المروّعة.
لكنّني ثبتّت قدميّ و صمدتُ. فكّرتُ في كاليد، الذي يكافح لكشف جرائم ليفيا و تخفيف معاناة ولو شخصٍ واحدٍ من ضحاياها.
‘إذا كان الألم الذي شعرَ به بسببي، فيمكنني إصلاحه.’
يجب أن أثبت أنّ الوقتَ الذي قضيته معه لم يكن كلّه ألمًا. يجبُ أن أعمل بجدٍّ حتّى يأتي يومٌ أستطيع فيه قول ذلك.
يجب أن أبذل قصارى جهدي. خصوصًا أنّ هناك شخصًا آخر يعاني بسببي محتجزًا هنا.
عندما كنتُ أهدّئ من اضطراب قلبي، سألَ كاليد سام:
“المكان مقبولٌ نوعًا ما. متى تبدأ المباريات؟”
“المباريات تُعقد كلّ ثلاثة أشهر، وبعد ثلاثة أيّام من الآن ستبدأ. أنتَ محظوظٌ لأنّك لن تنتظر طويلًا.”
“المتسابقون المختارون ماهرون، أليس كذلك؟ إذا انتظرتُ وكانت المباراة مملّة…”
“بالطّبع! جميعهم من ذوي المهارة المعروفة.”
“الماهرون العاديّون موجودون بكثرة. أريد شيئًا يفوق ما رأيته في الجنوب.”
“لا تقلق، ستكونُ راضيًا بالتأكيد. بالمناسبة، اللورد يرغب في مقابلتكَ…. هل يمكنني أن أرشدك إلى هناك؟”
أومأَ كاليد برأسه باختصار بدلًا من الإجابة.
يبدو أنّ اللورد يريد مقابلته هنا وليس خارجًا، ربّما لأنّ كاليد تركَ انطباعًا قويًّا لديه.
عندما أمسكتُ العصا، شعرتُ براحةٍ أكبر أثناءَ المشي. كأنّها كانت ملكي منذ البداية.
كان غريبًا أن يحملَ كاليد عصا زينيّة لا يستخدمها عادةً، فهل أعدّها لأجلي؟
‘همم، لا، من المستحيل. ربّما أحضرها لأنّه أسهل من الرّكل عندما يتصرّف بتعجرف.’
فكرة أنّها لأجلي ليست سوى وهم، لكنّني لا أستطيع منع نفسي من الرّغبة في تصديق أنّها لفتة صغيرة منه.
يجب ألّا أفكّرَ في أشياءٍ لا داعي لها. الآن، عليّ أن أركّز على البحثِ عن أيّ مكانٍ مريب.
كانتْ مهمّة البحث عن مكانٍ مريب صعبةً للغاية. كلّ شيءٍ يراه عيني كان مريبًا!
تجوّلتُ في أماكنَ مختلفة باستثناء تلكَ التي أرشدنا إليها سام، لكن لم أجد شيئًا يشبه غرفةً سرّيّة قد يُخفى فيها العبيد.
‘إذا كان هناك غرفةٌ مخفيّة، فلا بدّ أن يكون هناك ممرّ سرّي يؤدّي إليها.’
بينما كنتُ أتظاهر باستكشاف المكان لتنفيذ المهمّة، لاحظتُ شخصًا يبدو موظّفًا يخرج من إحدى الغرف.
لم يكن مشهدًا مميّزًا، لكنّني شعرتُ بشيءٍ غريب.
‘تلك الغرفة…’
كانت إحدى الغرف التي قيل إنّها مخصّصة لاستراحة الموظّفين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 46"