“إذا لم تكن الدّوقة الكبرى كلاوس هي الخيار، فإلى مَن سترسلون طلب الدّعم؟”
“…..”
“قلتم إنّكم ستؤجّلون الخطّة، لكنّكم تعلمون أنّ هذا ليس الحلّ الأفضل. إذا تأخّرتم أكثر، سيلاحظون الأمر.”
“…..”
“لقد جئتُ إلى هنا لأساعدكم. لن أتوسّل كي تصدّقوني، لكن إذا لم يكن هناكَ خيارٌ آخر، أليس هذا طلبًا يستحقّ التّجربة؟”
لم يفتح كاليد فمه المغلق بإحكام، لكنّ سكوته الطّويل يعني أنّه يفكّر في كلامي بجديّة.
“صدّقني. الدّوقة الكبرى كلاوس ستتحرّك من أجل السيّد شُوريل. حتّى لو لم يكن الأمر يتعلّق بشوريل، فإنّ إعارة قوّاتها لفترةٍ وجيزة ستجعلُ وليّ العهد مدينًا لها، و لن تخسر شيئًا. ما يحدث في ميرسين سيصبحُ قريبًا مشكلةً للشّمال أيضًا.”
لذا، من فضلكَ. ربّما يعاني شوريل في هذه اللّحظة.
حاولتُ الإقناع بإلحاحٍ أكبر، بنبرةٍ مليئة بالتّوسّل.
ليستْ كذبةً مختلقة. أنا متأكّدة.
الدّوقة الكبرى كلاوس ستتحرّك حتمًا من أجل شُوريل.
‘أختي، بعد انتهاء حفل زفافكِ، هل يمكنني العودة إلى الشّمال؟’
‘ماذا؟ لماذا؟ هل شعرتَ بشيءٍ غير مريح؟ هل الخدمة في فرقة الفّرسان صعبة؟ أم تريد الرّاحة؟’
‘ليس هذا. أنتِ الآن لديكِ من تعتمدينَ عليه، وستكونينَ سعيدةً في المستقبل، لذا أشعر بالاطمئنان و أريد العودة إلى مكاني.’
‘مكانكَ… إذن ليس هنا.’
‘هناكَ من ينتظرني.’
‘يا إلهي! هل هناك شخصٌ كهذا؟ مَنْ هو؟’
‘حتّى الآن… لم أخبر ذلكَ الشّخص بعد، سأخبركِ لاحقًا.’
‘شُوريل، أخي الصّغير. لا يمكنني حتّى إيقافك.’
علاقةٌ يعرفها عددٌ قليلٌ جدًّا، يُمكن عَدّهم على أصابع اليد الواحدة.
حبيب الدّوقة الكبرى، حاكمة الشّمال، هو شوريل.
كانَ الجميع يعرف الدّوقة كامرأةٍ باردةٍ و قاسية، كما لو أنّ حاكمة الجليد قد تجسّدت.
‘لذا حتّى كاليد لا يمكن أن يتخيّل أنّ الدّوقة ستتحرّك لإنقاذ شُوريل.’
لم أكن أعرف بنفسي حتّى سمعته من شوريل مباشرةً. لم تنتشر أيّ إشاعة، فمن كان ليعرف؟
لذلك، يجبُ أن يُرسَل طلب الدّعم إلى عائلة الدّوقة الكبرى في الشّمال.
ضغط كاليد على جبينه بقوّةٍ و فتحَ فمه أخيرًا:
“حسنًا، فلنفعل ذلك.”
“حقًّا؟!”
“لا يوجد الكثير من النّبلاء القريبين الذين يمكننا طلب الدّعم منهم، وكما قلتِ، إذا كانت الدّوقة تُكـنُّ فعلاً مودّةً لشوريل، فسوف تقبل طلبَ الدّعم.”
لم يبدُ أنّه يصدّقني تمامًا، لكنّه بدا قد حسم قراره.
كان هذا مريحًا. لقد تحدّثتُ بدافع الرّغبة في إنقاذ شوريل بسرعة، ولم يكن لديّ المزيد من الحجج لإقناعه.
قلقتُ من أن يُثار الشّكّ مجدّدًا إذا عُرفت علاقتهما لاحقًا، لكن قرّرتُ التفكير في ذلك فيما بعد.
“جيرمان، اذهب بنفسكَ لمقابلة الدّوقة.”
“أنا؟”
“نعم. إذا ذهبتَ أنت، ستصدّق أنّ المعلومات صحيحة. الدّوقة شخصٌ كثير الشّكوك.”
ما هذا؟ يبدو الأمر مقبولاً بسهولةٍ زائدة، أليس كذلك؟
شعرتُ بشيءٍ مريب، لكن إذا تمكّنا من الحصول على الدّعم و تنفيذ الخطّة مجدّدًا، فلا بأس.
الأولويّة الآن هي إخراج شوريل من تلكَ الحلبة الكابوسيّة بأسرعِ وقت.
“لكنّ سموّك، طلب الدّعم بناءً على كلامٍ غير مؤكّد يشبه التّهديد. أليسَ من الأفضل البحث عن طريقةٍ أخرى…”
“ابنة الماركيز تتحدّث بثقةٍ كهذه، يجب أن نثق بها. هل تعتقد أنّها ستكذب بشأنِ شخصٍ تهتمّ به كثيرًا؟”
لسببٍ ما، شعرتُ بنبرةٍ لاذعةٍ في كلامه.
هل هذا من خيالي؟
شعرتُ بقشعريرةٍ خفيفة، لكنّ كاليد قبِلَ رأيي.
وضعنا خطّةً للحصولِ على الدّعم وأعدنا صياغة الخطّة التي ستُنفّذ بعد انضمام فرقة إلباردان، ولم ينتهِ الاجتماع إلّا مع بزوغ الفجر.
اضطرّ جيرمان للتوجّه إلى الشّمال دون أن يغمض له جفن.
حتّى عندما غادرتُ الغرفة، كان كاليد لا يزال جالسًا على الأريكة يراجع الأوراق المتناثرة على الطّاولة، ومن الواضح أنّه لم ينم.
في النّهاية، أنا وحدي من أغميَ عليّ من التّعب وغفوتُ.
استيقظتُ حوالي منتصف النّهار.
أيقظني صوت طرق موظّف النزل الذي جاء ليسألني عن الطّعام.
نهضتُ بسرعةٍ و طلبتُ وجبتين. نظر إليّ الموظّف بنظرةٍ مليئة بالشّفقة ثمّ نزلَ إلى الطّابق السّفلي.
بما أنّني ألعب دور خادمٍ لسيّدٍ متسلّط، فقد اعتدتُ على نظرات الشّفقة من الآخرين، فلم تكن نظرة الموظّف مفاجئة.
ربّما يظنّ أنّني سأُعاقَبُ على تأخّري في النّوم.
‘من حسن الحظّ أنّ كاليـد يؤدّي دوره جيّدًا…’
لكنّني ما زلتُ لا أستطيع التّأقلم مع رؤيته يؤدّي هذا الدّور.
هل لأنّني لم أرَ هذا الجانب منه عندما كنتُ ليفيا أرفين
أم أنّ كاليد في ميرسين يبدو كشخصٍ مختلفٍ تمامًا؟
لكنّ هذا لم يكن سيّئًا. اكتشاف جانبٍ جديدٍ منه كان ممتعًا بعض الشّيء. بل و قليلاً… لطيفًا.
أسرعتُ بالاستحمام و تغيير ملابسي وذهبتُ إلى غرفة كاليد، فوجدتُه قد ارتدى ملابس أنيقة ويستعدّ للخروج.
“بعد الطّعام، سأذهب إلى حلبة القتال مباشرةً.”
مدّ لي دعوةً بدت مشبوهةً للغاية.
“هل هذه دعوةٌ رسميّة؟ يبدو أنّ دور الأحمق قد اقتربَ من نهايته.”
“الأحمق… نعم، سيّدٌ نبيلٌ ينفق المال ببذخ ظهر فجأة، هل سيتركونه وشأنه؟”
“صحيح، لقد أنفقتَ الكثير من المال منذ وصولنا إلى ميرسين.”
لقد زوّر هويّةً مقنعةً كسيّدٍ نبيلٍ ثريّ من عائلةٍ متواضعة، وأدّى الدّور ببراعة.
لتتمكّن حلبة القتال من العمل، يحتاجون إلى عبيدٍ وإلى أشخاصٍ يستمتعون بالمراهنة. ولعب القمار يحتاج إلى مقامرين.
بعد حصوله على تذكرة دخولٍ مؤقّتة، أنفقَ كاليد المزيد من المال، كأنّه يحتجّ على إعطائه تذكرةً مؤقّتة.
بعد أيّامٍ من التّبذير، قدّم له اللّورد دعوةً جديدةً معتذرًا بضحكةٍ عريضة.
كانت دعوة VIP. الدّعوة السّوداء كتب عليها “كانيس كونتينتيو”، وتحتها عباراتٌ مزخرفة تعني ببساطةٍ قتال الكلاب.
كانت هذه بلا شكّ دعوةً لدخولِ حلبة القتال.
“هل سأذهب معك؟”
“نعم.”
“لم تتركني هذه المرّة.”
“ترككِ وحدكِ أكثر إثارةً للقلق.”
“القلق؟ لستُ مَنْ يُسبّب المشاكل وحدي…”
شعرتُ بالظّلم. لم أُسبّب أيّ مشكلة، بل ساعدتُ أكثر!
أعدتُ الدّعوة إليه بعبوس، لكنّه لم يأخذها.
“احتفظي بها. قد تحتاجينها إذا انفصلنا أثناء التّسلّل.”
“و أنتَ؟”
“وجهي هو هويّتي.”
أومأتُ برأسي بهدوء. رغم تنكّره، فإنّ مظهره الأنيق لا يمكن أن يُخفى.
لا أحد سيظنّ أنّه عبدٌ بمجرد رؤية مظهره النّبيل، لذا سيكون بخير داخل الحلبة.
‘المشكلة هي أنا.’
نظرتُ إلى ملابسي بحذر. كنتُ متنكّرةً كخادم بزيٍّ ذكوريّ، وصبغتُ شعري بالبّنيّ و زيّنته بالنّمش الكثيف لأبدو عاديّةً تمامًا.
جسدي الصّغير يناسب دور الخادم أكثر من الفارس، وهو مثاليّ للتّجاهل.
خدشتُ رأسي بحرج، فشعرتُ بنظرة كاليد الثّاقبة.
“ماذا؟”
“لا تفقديها، احتفظي بها جيّدًا.”
أكّد عليّ مرّةً أخرى أن أحتفظ بالدّعوة. يبدو قلقًا جدًّا.
تذكّرتُ جيبًا داخليًّا في قميصي، فوضعتُ الدّعوة بحجم كفّ اليد داخله بعناية.
لن أفقدها الآن.
ابتسمتُ و هززتُ صدري بفخر، فسمعتُ صوت شهيقٍ مفاجئٍ بجانبي.
‘ماذا؟ لماذا يضحك؟’
هل بدت حركتي مضحكة؟ شعرتُ بالحرج وهززتُ صدري بقوّةٍ أكبر، فسمعتُ شهيقًا آخر.
التفتُّ بسرعة، فوجدتُ كاليد يغطّي فمه وينحني برأسه.
ما الّذي يضحكه؟ كنتُ سأسأله لولا أنّ موظّف النزل طرق الباب معلنًا وصول الطّعام.
“سأحضره.”
يبدو أنّ كاليد متعبٌ من السّهر لمراجعة الأوراق والخطط.
أنا على الأقلّ نمتُ جيّدًا، لكنّه لم ينم على الإطلاق.
بدافع القلق، دفعتُ معظم الطّعام الذي أحضره الموظّف إلى كاليد.
لا أعرف إن كان قد لاحظَ اهتمامي أم لا، لكنّه لم يقل شيئًا طوال الوجبة.
بعد انتهاء الطّعام العاديّ، توجّهنا إلى حلبة القتال كما قال.
لقد حانَ وقت المواجهة.
التعليقات لهذا الفصل " 45"