“لا أريد البقاءَ ولو للحظة في مكانٍ قذرٍ كهذا! ماذا تفعل؟ أريد الاستحمام، فهيّئ الأمر!”
“آه… نعم، نعم! سأهيّئه فورًا، سيّدي الشّاب!”
توقّفت يدي عن مدّها نحوَ الطعام عندما رأيتُ وجهه المُتجهّمَ بقسوة.
كانَ أداؤه التمثيليّ بارعًا لدرجةِ أنّني تساءلتُ إن كان هذا هو طبعه الحقيقيّ الذي أخفاه طوالَ الوقت.
بغضّ النّظرِ عن أفكاري، تحرّكَ جسدي بسرعة، فهرعتُ إلى الغرفة التي أخبرني عنها جيرمان وملأتُ حوضَ الاستحمام بالماء.
بانغ!
صوت فتحِ الباب و إغلاقه كانَ يحمل حضورًا مختلفًا عن المعتاد. هذا الشّخص الذي لا يُلاحظ وجوده حتّى وهو بجانبكَ عادةً، لا بدّ أنّ هذا أيضًا جزء من تمثيله.
امتلأ حوضُ الاستحمام بالماء السّاخن بدرجة مناسبة. عندما وضعتُ يدي للتحقّق من الحرارة، شعرتُ بنظرة لاذعة تُثبّت في مؤخرة رأسي.
قالَ ذلكَ و هوَ يتّكئ على بابِ الحمّام، مكتّف الذراعين، بينما زاويةُ فمه المرفوعة مِنْ جهةٍ واحدة جعلتني أشعرُ بالقشعريرة.
“… إذًا، كانَ عليكَ أنْ تعطيني إشارة واضحة.”
“ألم يخبركِ جيرمان؟ إنّها تمثيليّة.”
كيفَ كنتُ لأفهم أنّ رمي المال وطلب المهمّات كان يعني “اخرجي لفترة” دون أيّ اتفاق مسبق؟
شعرتُ بالظّلم، فشددتُ فكّي بقوة، لكنّ سخرية كاليدح وقعت عليّ.
“ظننتُ أنّكِ تملكين بعضَ الحدس بما أنّك قرّرتِ مرافقتي، لكن يبدو أنّني كنتُ مخطئًا.”
“أنتَ مَنْ قَبِـلَ بمرافقتي، أليس كذلك؟”
“فمكِ هذا لا يصبحُ لاذعًا إلّا عندما تردّينَ على كلامي.”
“…..”.
متَى فعلتُ ذلك؟
لكنّ في الحقيقة، كنتُ مفتونةً بأدائه التمثيليّ، ولم أكنْ مفيدةً فعلًا، فلم أجد ما أردّ به.
لو كانَ قدْ شاركني الخطّة مسبقًا، لكانَ ذلكَ أفضل!
شعرتُ بظلمٍ آخر يغلي بداخلي، فنظرتُ إلى أطراف أصابع كاليد بغضب. لم تكن لديّ الشجاعة لرفع رأسي و مواجهةُ عينيه.
“تشغيل حلبة قتال كلاب بهذه الجرأة في مكانٍ كهذا يعني أنّ ميرسن قد وقعتْ بالفعل في قبضة ليفيا أرفين.”
“…..”.
“حلبة القتالِ هي المكان الذي يُجبَرُ فيه العبيد على القتال بالسّيوف. هل تعتقدينَ أنّ العبيد الذين يمتلكون مهارةً كافية لإثارة حماس النّاس و جعلهم ينفقون المال محتجزونَ دونَ مقاومة لسببٍ بسيط؟”
كان سؤالًا يعرف إجابته. سؤاله و كأنّه يتحدّاني أن أحزر. شعرتُ بالإهانة، لكنّ ما تبادرَ إلى ذهني هو السمّ الذي تعرّضتُ له منذُ فترةٍ قريبة.
“هل تقصد أنّهم استخدموا السمّ؟”
“نعم. نصف مَنْ يمرّون بميرسن هم إمّا مرتزقة متّجهونَ إلى الحدود الشماليّة أو أشخاصٌ مهرة. لا يُعقلُ أن يُختطف هؤلاء دونَ أثر، لذا لا بدّ أنّهم استخدموا السمّ.”
ليسَ من السّهل استخدام السمّ حتّى على الأشخاص المهرة، لكنّهم اختفوا بالفعلِ دون أيّ ضجيج.
لم يُسمع عن اختطافات أو اختفاءات حتّى الآن، وهذا يؤكّد ذلك.
لكن كيف؟
عندما تذكّرتُ الموقف السابق، تبادرت الإجابة إلى ذهني.
إذا كانَ هناكَ مَـنْ لا يُثير الشّكوك حتّى بينهم، فقد تعاونوا معهم.
“هل كانَ السمّ في الطعام؟”
دخلَ كاليد النُّـزُل و طلبَ على الفورِ كلّ الأطعمة الموجودة في قائمةِ الطعام ببذخ، و كأنّه يتباهى بثروته.
أظهرَ أنّه يصطحبُ فارسًا يبدو قويًا، بينما خادمه يبدو ضعيفًا، و كأنّه يتعمّدُ إظهار ذلك.
ثمّ ما إنْ تذوّقَ الطّعام حتّى رمى به بعيدًا و بدأ يثيرُ الجلبة بكلّ الطّرق.
ظننتُ أنّه يمثّل دور السّيد المتعجرف فقط، لكنّ الهدف الحقيقيّ كانَ مختلفًا.
لو كنتُ قد أكلته؟ مجرّد التّفكير في ذلكَ جعل شعر جسدي يقف و أصابتني القشعريرة.
رأى كاليد ارتجافي، فتحدّث و كأنّه يريد تخويفي:
“لا تأكلي أيّ شيء تجدينه. إذا كنتِ لا تريدينَ أن تتعرّضي للتّسمّمِ مجدّدًا.”
‘…متى أكلتُ أيّ شيء وجدته؟’
غمرني الشّعور بالظلم، لكن كما قَال، كانت ميرسن تحتَ سيطرة ليفيا.
لقد دخلنا إلى هنا بأنفسنا، لذا علينا الحذر.
“آسفة، كنتُ محدودة التفكير.”
شعرتُ أنّني عبءٌ بالفعل. كانَ صوتي، حتّى في أذنيّ، يبدو خافتًا تمامًا.
بدا استياء كاليد منّي واضحًا، فتكّلمَ بنبرةٍ ساخرة و غادر.
“حقًا… هذا كثير.”
لا أريدُ أن أكون بغيضةً أكثر ممّا أنا عليه أمام من أُحِبّ، فماذا أفعل؟ تمتمتُ بصوتٍ خافت داخل فمي خشية أن يسمعه كاليد.
تُركَ حوض الاستحمام المملوء بالماء السّاخن دونَ أن يستقبل صاحبه.
* * *
خطّط كاليد لتمثيلُ دور السّيد المتعجرف لفترةٍ قصيرة ثمّ الهجوم على حلبة القتال مباشرة، لكنّه أجّلَ الخطّة و استمرّ في تمثيل دور السّيد المتعجرف.
كان ذلكَ لمعرفة ما إذا كان هذا النُّـزل قد صادفه بالصّدفة، أم أنّ هناكَ العديد من الأماكن المتعاونة مع حلبة القتال.
اكتشفَ أنّ عددًا أكبرَ بكثير ممّا توقّع كان يتعاون مع حلبة القتال. كانت ميرسن نفسها حفرة شرٍّ عظيمة.
في البداية، بدا أنّ استخدام السمّ في طعامنا كان مجرّد محاولةٍ لسرقة المال، لكنّهم لم يكشفوا عن أيّ علامات بعد ذلك.
ربّما لأنّ كاليد تصرّف كالأحمق أكثر ممّا ينبغي، لكنّ إنفاقه الكبير جعلهم يغيّرون رأيهم.
تواصلَ الإقناع سرًا مع اللّورد.
رمى كاليد ورقة أرسلها اللّورد على الطاولة. كانت مزيّنة بالذهب بشكلٍ أنيق.
“تذكرة دخولٌ لمرّةٍ واحدة. قالوا إن كنتَ مهتمًا بالمقامرة، تعالَ و استمتع.”
“إذا كانت لمرّةٍ واحدة… فقد تكون مجرّد طعم.”
“نعم. مجرّد تذوق. للاستمتاع بالمقامرة الخفيفة أو التسلية. لدخولِ حلبة القتال الداخليّة، لن تكفي تذكرة كهذه.”
“ألا يجب أن نتحقّق؟”
ضربَ كاليد زاوية التّذكرة بأصابعهِ بسخرية وقال:
“لنتجاهلها. هذا يعني أنّهم يستخفّون بي. يبدو أنّ المال المتداول أكبرُ ممّا ظننتُ، إذا أرسلوا تذكرة كهذه رغم معرفتهم بما أنفقته.”
أدارَ كاليد عينيه بعيدًا عن التذكرة المرمية بإهمال، مغلقًا عينيه بتعب وهو يضغط على صدغيه بقوة.
كانَ يتجوّل يوميًا دونَ توقّف، يثير الجلبة ويتردّد على حلبات القمار، فلا عجب أن يكون متعبًا.
“بالمناسبة، اللّورد نفسه متورّطٌ معهم. هذا مروّع حقًا.”
كانت ميرسن كارتلًا ضخمًا. حقيقة مروّعة جدًا.
في اجتماعنا بعد العشاء، كان وجهُ كاليد أكثر قتامة ممّا كان عليه عند وصولنا إلى ميرسن.
كان ذلك بسببِ تقرير جيرمان المتأخّر.
“يبدو أنّه مؤكّد.”
“… هذا ليسَ جيّدًا.”
اليوم أيضًا، بينما كنتُ ألعب دور الخادم لكاليد الذي يمثّل السّيد المتعجرف، شعرتُ بألمٍ شديد في ساقيّ.
كانَ من الطبيعيّ أن أرهق من التجوّل في ميرسين وإثارة الجلبة. أدركتُ أنّ الأعمال السيّئة تحتاج إلى طاقة أيضًا.
ضغطتُ على ركبتيّ المتورّمتين وسألتُ عما يجري، ففكّر كاليد قليلًا ثمّ قال:
“لقد تأكّدَ أنّ أحد معارفي محتجز كـعبدٍ في حلبة القتال.”
“معارفكَ؟ هل هو صديق مقرب؟”
“كانَ كذلك، كان نائب قائد فرقة فرساني.”
“… ماذا؟”
توقّفتُ يدي عن الضّغط على ركبتيّ تلقائيًا.
“هل تعرفينه؟”
“أعرفه، لكن هل هو الشّخص نفسه الذي أعرفه؟…”
“إنّه الشّخص الذي تعرفينه. منصب نائب قائد فرقة الفرسان شاغر منذ أن تركه شوريل.”
“هذا مستحيل!”
قفزتُ من مكاني صارخةً من الصدمة، فنظرَ إليّ كاليد بعيونٍ ضيّقة و أمال رأسه جانبًا.
“… ما المستحيل؟”
“كيفَ… كيف يمكن أن يكونَ ذلكَ الطّفل عبدًا في حلبة القتال؟ هذا لا يُعقل. لا يمكن أن يكون…”
“ظننتِ أنّك تعرفين كلّ شيء.”
‘……’.
“ليفيا أرفين ليست شخصًا يتساهل حتّى مع الأقرباء.”
أعرف! أعرف ذلكَ جيّدًا!
لكن حتّى لو مدّت ليفيا يدها، كان شوريل ماهرًا بما يكفي للهروب. كانَ طفلًا أظهر مهارته في الحدود الشماليّة و نال الاعتراف في سنّ مبكرة.
بعد أن استدعيته إلى راجان، تولّى منصب نائب قائد فرقة إلباردان، فرقة فرسان وليّ العهد. كيف لهذا الطّفل أن يصبح عبدًا؟
“لا يمكن أن يكون ذلكَ حقيقيًا، أن يكون ذلكَ الطفل عبدًا في حلبة القتال…”
“جيرمان عادَ للتّأكيد على صحّة ذلك.”
“آه، آه…”
“لكن كيفَ تعرفين شوريل؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"