منذُ اللّحظة التي احتضنَ فيها إيرديا المنهارة في زقاق مظلم، شعرَ وكأنه ليسَ نفسه.
لماذا يشعرُ بهذا الضّيق؟ لقد أُصيبتْ بالسم، فما الذي يجعل تعافيها السّريع بهذا الجمال؟
ابتسامتها المشرقة مع ألدين، على عكسِ ما كانت عليه معه، أثارتْ غضبه. لم يعرف كيف يسمي هذا الشعور الذي تصاعد بداخله.
لهذا السّبب، ربما.
“ألم تقولي إنكِ ستذهبين؟”
كان قدْ نطق بكلمات لم يكن ينوي قولها.
“ماذا؟”
“إذا لم تسرعي، سأترككِ.”
“آه… سأذهب! سأذهب! سأذهب بالتّأكيد!”
رفعت إيرديا يدها بحماسٍ، بينما كانت تتحدّث مع ألدين.
مال رأس ألدين، بعبوسٍ مرتبك، غير مدركٍ لما يحدث.
“إلى أين ستذهبين؟”
“نعم! أرسل رسالة إلى الماركي…إلى أبي. سأذهب مع سموهِ إلى ميرسن.”
كانتْ سريعة البديهة. كانَ ينوي تركها إذا طلبت العودة إلى القصر و لو للحظة. كانت هذه فرصة لسحبِ كلماته المندفعة.
لكن إيرديا اقتربتْ منه بسرعة، كما لو كانت تخشى أن يتركها، على الرّغمِ من أنينها قبل لحظاتٍ. أظهرت دقّةً بإبلاغ الماركيز برسالة.
‘اكتشفتْ أن حلبة مصارعة الكلاب في ميرسن.’
يبدو أنها استنتجت موقع حلبة المصارعة في وقت قصير بمعلوماتٍ محدودة.
بالنّظر إلى قدرتها على وضع الخطط وتنفيذها، كانت بالفعل امرأةً ذكيةً و سريعة البديهة.
“ها.”
شعر بالحيرة حيال ما سيقوله لجيرمان عن هذا الرفيق المفاجئ.
كما حدثَ من قبل، كلما ارتبطتُ بهذه المرأة الصغيرة، أصبحَ أكثر اندفاعًا.
ومع ذلك، شعرَ بشكلٍ غريب بالرضا عندما اقتربت إيرديا منه بعد أن كانت تبتسم لألدين.
شعرَ بالسُّخف من نفسهِ لهذه الأفكار، و تنهّدَ بعمق عدة مرّات حتى أحضر جيرمان الخيول.
لم يكن هناكَ مفرٌّ من الإنكار.
كانَ متأكدًا أنه قد جُـنّ.
* * *
لحسنِ الحظّ، قبلَ المغادرة، تلقوا حزمةَ سفر بسيطة من الماركيز بسرعة. كادوا أنْ ينطلقوا دون أي استعدادات.
كانت ميرسن أوّلَ مدينة في طريق الشّمال نحو الحدود من راجان. كانت تبعد حوالي أسبوع بالعربة من راجان.
لم يكنْ هناكَ شيءٌ مميز، لكن كونها أوّل مدينة في طريق الشمال البارد و الوعر، كانت مزدحمة بالناس. كانت أجواؤها مختلفة تمامًا عن راجان.
بما أن الكثيرين يتوجّهون إلى الشّمال الوعر، كانت المتاجر التي تبيعُ اللوازم الضّرورية وفيرة.
على الرّغمِ من أنها أصغر من راجان، كانت ميرسن مدينة تجارية ذات حجم لا بأس به، مما يعني وجود الكثير من الأشياء المثيرة للاهتمام لمشاهدتها.
“قدْ تدخلُ حشرةٌ في فمكِ وأنتِ لا تعلمين.”
“آه!”
يبدو أنني فتحتُ فمي وأنا أحدّق دون أن أدرك. عند توبيخ كاليد الحادّ، أغلقت فمي وأدرت عينيّ فقط.
“لا أريد ذلك… لكن!”
حتى عندما كنتُ ليفيا، نادرًا ما غادرت راجان.
وحتى تلكَ المرّات كانت غالبًا للتعامل مع كوارث، فلم يكن لديّ وقتٌ لاستكشاف المدينة بهدوء.
أليس من الطبيعيّ أن أكونَ متحمّسة هكذا؟
لولا الهدف، كنت سأتوسّل إلى كاليد لزيارةِ مكانٍ ما للتفرج.
سواء كنت أنظرُ حولي أم لا، كان كاليد يمشي بثقة. كبحت فضولي و تبعته لألا أتخلف عنه.
“هذه أوّل مرّةٍ لي في ميرسن.”
“لم نأتِ للّعب.”
“أعلم. كنتُ متحمّسة للحظة… لنْ أفعلَ ذلك مجدّدًا.”
حتى في هذه اللّحظة، العبيد في حلبة المصارعة يقاتلون قتالًا غير مرغوب فيه ويفقدون حياتهم.
كنتُ قادرة على القدوم إلى ميرسن بفضل نزوة كاليد.
لم أعرف سببَ قبوله لي، وأنا التي سأكون عبئًا، لكنني علمتُ أنه لا يتراجع عن قراره، فتبعته.
تذكّرتُ رحلة الأسبوع الماضي، التي كانت سلسة إذا ما قورنت، فارتفعت زوايا فمي لا إراديًا.
‘كانت جيّدة.’
حتى لو لم نكن وحدنا، كانت رحلة العربة مع كاليد سعادةً بسيطة.
كنتُ سعيدةً لأنه لم يعد يراني عدوّةً له، وكانت نبرته و سلوكه اللّطيفان يسعدانني.
على الرّغمِ من أنه كان ينظر إليّ أحيانًا بنظرةٍ غريبة، شعرتُ بالفخرِ لأننا اقتربنا أكثرَ منذ لقائنا الأول.
نظرتُ خلسة إلى ظهرِ كاليد وهو يمشي أمامي. حتى مع التنكر، ظلَّ ظهره العريض كما هو، مما جعلَ قلبي يخفق دونَ سبب.
في مزاجي السعيد، تذكّرتُ ذكرى حمله لي على ظهره في الماضي.
صفعة-!
“مجنونة! استعدي وعيكِ، حقًا.”
كانَ الصّوت عاليًا، فاستدار كاليد و نظر إليّ.
ابتسمتُ كما لو لم يحدث شيء، فعبس كاليد، و نقر لسانه، وأسرعَ في خطواته.
شعرت بالخطأ. لا يجب أن أنسى الهدف. لذا ركّزتُ ذهني.
“سأذهب معك، أنا… آه، سيدي!”
كان هذا اللّقب يناسب تنكّري كخادم.
“…..”
“سيّدي؟”
“مزعج، فقط أغلقي فمكِ.”
* * *
كان النّزل الذي اختاره جيرمان فاخرًا إلى حدٍّ ما.
في مطعم النزل، طلبَ كاليد مجموعة فاخرة من الأطعمة، ثم تناول لقمةً واحدة و وضع الشوكة ببرود.
“لماذا طعمها هكذا؟ هل هناكَ فئران قذرة في المطبخ لتكون النكهة بهذا السّوء؟”
“ماذا؟”
“هذا أسوأ. هل ظنوا أن إضافة ملح باهظ سيجعل الطعم جيدًا؟ يبدو و كأنني ابتلعت البحر. ألا تفهم؟ إنه مالح بشكل مقزز!”
“ماذا؟”
“تسك! لا يمكنني أكل هذا. لماذا طعمهُ مريب؟ من سيتحمّلُ المسؤولية إذا جُرحَ لساني بقشرة سمكة؟”
كانتْ الأطعمة المليئة بالرّوائحِ الشّهية على الطاولة تبدو شهيّةً للجميع.
ومع ذلك، لم يتوقّفْ تصرّف كاليد المزعج.
مذهولة من مظهره الغريب، فتحت فمي، فهمسَ جيرمان، الذي تحوّلَ إلى حارسٍ و كان ينتظر بهدوء:
“إنه يُمثّـل.”
“ماذا؟!”
بعد هذا الهمس القصير، أدركت.
فهمتُ سببَ تزيّن كاليد بملابس مبهرجة بشكلٍ مفرط و مجوهرات لا يستخدمها عادة، مثلَ طاووس.
تساءلتُ لماذا جعلني أتنكّر كخادم، لكنه كان يحاكي سيدًا ثريًا متعجرفًا.
“طبيعي جدًا…”
لم تكنْ هذا أوّل مرّةٍ يفعلها.
ظننت أنه فقط يتنكر لإخفاء هويته، لكنه كان يمثل أيضًا. كان يمكن أن يلّمحَ لي! كدتُ أتفاجأ ظنًا أن الرّجلَ الذي أحببتُـه أصبح مزعجًا.
“كفّ عن هذا! هل يجبُ أن أدفع مالي لأكل هذا الطّعام الرديء؟”
“مـ، ما الذي لا يعجبكَ تحديدًا، من فضلك! أخبرنا…”
كانَ الموظّف يتصبّب عرقًا وهو ينحني.
شعرت بالأسف، لكن بما أنني علمتُ أنه تمثيل، وجهت نظرة إلى الموظف تقول “هذه ليست المرة الأولى لسوء تصرّفِ سيّدي” لمواساته.
لم ينظر كاليد إلى الطّعام البارد، وألقى قطعة ذهبية من جيبه و قال:
“ماذا تفعل؟ اذهب و اشترِ طعامًا يناسب ذوقي من الخارج!”
“آه…”
يبدو أن تصرفات السّيد المتعجرفة لم تستثنِ الخادم، إذ ألقى كاليد القطعة الذهبيّة بلا مبالاة و أشارَ برأسه ليذهب.
لم يكن هناكَ نقاش مسبق، فلم أعرف نية تمثيله كسيّدٍ متعجرف.
هل يريد نشر شائعة أنه سيّدٌ سيء الأخلاق لكنه ثري؟ ابتعدتُ عن الطاولة و أشرت للموظف.
لم يستطع الموظف طرد ضيف نبيلٍ يبدو ثريًا، فاقترب بوجه متعب.
“سيّدي مرهق جدًا من السفر الطويل، فأرجو أن تتفهم. سأعطيكَ هذا المال، فهل يمكنكَ الحصول على لحم ضأن جيد وتحويله إلى حساء؟”
“لكن، نحن لا نقبل الطلبات الشخصية…”
أريتهُ قطعة ذهبيّة بهدوء و همست:
“في الحقيقة، أودُّ الذهاب بنفسي، لكنني لا أعرف المنطقة. هذا طبق يحبّـه سيدي بشكلٍ خاص. أعتقد أنكَ تعرف مكانًا جيدًا. يمكنكَ أخذ ما يتبقى من المال، أرجوك. و إلا سيتعين عليكَ خدمة سيدي…”
“حسنًا، سأفعل.”
ابتهجَ الموظف عند سماعه أنه يمكن أن يأخذ المال المتبقي، لكنه أصيبَ بالذعر عندما سمع أنه قد يضطر لخدمة السيد، فانتزع القطعة الذهبية من يدي و اختفى بسرعة.
“لقد أرسلتُ لشراء لحمٍ يناسب ذوق سيدي.”
“…..”
كان السّيد، كاليد، صامتًا.
تساءلت إن كنتُ قد أخطأت، فمددتُ يدي بهدوء نحو الطّعام البارد.
فجأةً ، ضربَ كاليد الطاولة بقوّة وفتحَ فمه بعنف.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 42"