على الرّغمِ من علمه بذلك، لم يرد أن يتركها من حضنه. توقّفت دموعها، ربما بسببِ بدء مفعول الدواء، لكن قلبه ظل قلقًا بشكلٍ غريب. ربما لم تكن إيرديا هي من أصيبت بالسم، بل هو نفسه.
تنهّدَ دون وعي وهو يفكّر بغضب، ثم وضعَ إيرديا بحذرٍ على السرير.
“التتبع؟”
“تم التّخلص منهم جميعًا. غضب الفيكونت تجاوز البوابة الثالثة.”
“هذا متوقع. لكنه لن يتمكّن من إرسال أشخاص للتّتبع علنًا. قد تصلُ الأخبار إلى أذنيها.”
“هل تعتقد أنه سيخفي سرقة الدفتر؟”
“إذا كان يهتمّ بحياته، فسيفعل.”
ليفيا أرفين لم تسامح مَن يرتكب خطأ. وبما أنه عمل معها، فلا بد أن الفيكونت يعلمُ ذلك. مجرّد حقيقة أنه لم يصل إلى هنا بعد تؤكد ذلك.
“حتى لو لم يتحدث الفيكونت، فلديها عيون وآذان كثيرة. ستعرف قريبًا. لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً.”
“هل أجهّزُ للمغادرة؟”
أومأ كاليد برأسه بدلاً من الرد. كان يجب عليهم مهاجمةُ حلبة مصارعة الكلاب قبلَ أن تصل أخبار سرقة الدفتر إلى أذني ليفيا أرفين.
بعد تأكيد إجابة كاليد، غادرَ جيرمان الغرفة على الفور.
من خلالَ فتحة الباب التي فتحها جيرمان وهو يخرج، لمحَ كاليد ألدين، الحارس الذي رافق إيرديا، واقفًا كالصخرة.
لم يدخل ألدين من الباب، بل ظلَّ ينظرُ إلى هنا لفترةٍ طويلة، واقفًا في مكانه حتى أغلقَ الباب مرّةً أخرى.
شعر كاليد بالإنزعاجٍ حتّى من تلكَ النظرة.
“ها.”
شعرَ وكأنه قد فقدَ عقله.
‘لم أرها سوى بضع مرات، فلماذا تزعجني إلى هذا الحدّ؟’
مرّرَ أصابعه على شعرها المبلل بالعرق.
كانتْ يده التي تزيل خصلات الشعر العالقة بوجهها و ترفعها لطيفةً للغاية. على الرّغمِ من أنه يعتقد أنه مجنون، إلا أنّ يده الممدودة لم تتردد أبدًا.
“أمممم.”
فركت إيرديا خدها على يده كما لو كانت تدلل نفسها.
تلاشتْ الحمّى الملتهبة بسرعةٍ كالكذبة، و تسرّبَ دفء خفيف إلى كفّـه.
في اللّحظة التي ارتفعت فيها رموشها المرتجفة ببطء، توقّفَ كاليد عن التّنفس. قبل لحظات فقط، كانت تبكي بشدّة بعينين سوداوين بلا تركيز.
“أممم… كاليد.”
نبض—
لم يكنْ هناكَ وقت لتوبيخها على نطقِ اسم ولي العهد بجرأة. صوتها المليء بالشوق و هي تنادي اسمه هزّ قلبه بعنف.
كانت نظرة إيرديا التي تحدّق به بوضوح تحملُ شيئًا لا يمكن تفسيره.
كانت نظرتها المليئة بالشّوق مشابهة لما كانت عليه من قبل، لكن شعورًا خفيفًا بالبهجة مرّ بنظرتها بشكلٍ غريب.
شعرَ وكأنّ صدره مسدود و نسيَ كيفَ يتنفّس.
ارتجفَ كاليد و سحبَ يده بسرعة.
“هل استعدتِ وعيك؟”
خرجتْ كلماته المتوترة بشكلٍ بارد لإخفاء اضطرابه.
عندما سحبَ يده التي كانت تحتضنها، نظرت إليه إيرديا بوجه مشوه كما لو كانت قد أُصيبت بجرح عميق.
لكن تلكَ النّظرة لم تدم طويلاً. سرعان ما نظرتْ حولها، تنهّدت بهدوء، و أغمضت عينيها لفترةٍ طويلة ثم فتحتهما.
“سموّك.”
كان صوتها الذي يكبتُ مشاعرَ يصعب تفسيرها في لحظة هادئًا.
كانَ صوتها الهادئ المألوف.
على الرّغمِ من أن هذا كان متوقعًا، إلا أن تعبيرها ونبرتها المختلفة عن تلكَ التي كانت قبل لحظات أزعجتهُ بشكلٍ غريب.
كانت عيناها التي تحدّق به تلمع كما في المرة الأولى التي رآها فيها، لكن نظرتها السابقة التي كانت ترفعها إليه ظلت تطارده بشكلٍ غريب.
‘لا يوجد سببٌ لتنظري إليّ بهذه الطريقة.’
عبسَ كاليد من الصّداع النابض، وضغطَ على صدره المؤلم بشدّة.
“لقد أُصبتِ بالسم.”
“كان سمّ بيا، أليس كذلك؟”
“سمّ نادر، هل تعرفينه؟”
“… لقد رأيته من قبل، لذا أعرفه. أنا مدينة لكَ كثيرًا، سموك.”
“حصلنا على الدفتر، فلا بأس.”
كان من الصّعب الحصول عليه، حتى أن جيرمان نفسه استنكره لشدّة سوءه.
كان سمّ بيا يفترس العقل قبلَ الجسد، ويؤخر الموت. كلما طالت مدّة الصمود، زاد الألم، ويقال إنه كان يُستخدم في الماضي لترويضِ العبيد.
“ومع ذلك، بفضلكَ، تمكنتُ من التخلص من الألم ولو قليلاً. وعلى أيّ حال، كان من واجبي أن أحصل على الدفتر.”
“لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا في سرقة الدفتر. لكن في المرة القادمة، كلّفي أحد أتباعك. لا تعرضي نفسك لهذا مجددًا.”
تردّدت إيرديا للحظة، ثم رفعت زاوية فمها قليلاً وسألت:
“آه… هل، ربما، كنتَ قلقًا عليّ؟”
تصلبَ وجه كاليد دونَ وعي.
‘هل هي حمقاء؟’
كانت فكرة أنها، بعد أن نجتْ من الموت، تبتسم لأنها سمعت أنه قلق عليها، تجعله غاضبًا لدرجة أن كلمة “حمقاء” هي الوحيدة التي خرجت من فمه.
كان يعلمُ منذ البداية أن نظرتها إليه تحملُ ودًا. لهذا السّبب، عندما تحدثا عن الخطوبة، أكّدَ بحزم أنها مجرّد عمل.
ومعَ ذلك، كانت تلكَ النّظرة الثابتة تزعجه و تجعله غيرَ مرتاح.
كانَ متأكدًا من ذلك.
ومع ذلك، حتّى في هذهِ اللّحظة، هذه المرأة…
“لا شيء أكثر حماقة من التّهور.”
ردّت إيرديا، رافعةً رأسها بحزم:
“لم يكن تصرفًا متهورًا. كان مجرّد متغير. بسببِ عودة الفيكونت مبكرًا عما توقعناه في التحقيق المسبق…”
“كان يجب أن تحسبي حتّى المتغيرات.”
“حسبتُ ذلك و سارعتُ بسرقةِ الدفتر. في النهاية، نجحتْ الخطة، أليس كذلك؟”
“لكنكِ أُصبتِ بالسم. مهما كانَ الدفتر مهمًا، فهو لا يستحقُّ حياتكِ.”
“لدى قصر الماركيز كلّ أنواع الترياقات. لم أكن سأموت. لذا، قررتُ أنّ تسليمَ الدفتر لكَ أولاً هو الخيار الأفضل. أعرف كم بذلتَ من جهد في هذا الأمر، فلا يمكنُ أن نفشل.”
لم تكن كلمات إيرديا مخطئة. في العادة، كان سيومئ برأسه فقط.
ومع ذلك، كان موقفها الذي يردُّ على كلّ كلمةٍ دون التراجع يثير غضبه بشكلٍ غريب.
“هل حياتكِ أقلّ قيمةٍ من مجرد دفتر؟”
و هي ابنة الماركيز فالاندي؟
لكن إذا لم يكنْ الأمر كذلك، فإن كلمات إيرديا تعني أنها إذا كان الأمر من أجله، فذلك لا يعني لها شيئًا، لذا أغلقَ كاليد فمه.
“إذن، سموّك، هل كنتَ قلقًا عليّ حقًا؟”
لم يرد أن يجيب على تلكَ النّظرة المليئة بالتوقع.
“قلق؟ مَن؟ أنا؟”
نهضَ كاليد من مكانه، و تجاعيد جبينه لا تزال بارزة.
أرادَ أن يستديرَ و يغادر فورًا، لكن عندما قابل عينيها اللتين تحدّقانِ به بوضوح، خرجت الكلمات من فمه دونَ إرادة.
“يبدو أنكِ بخير، ولا توجد آثار جانبية. حصلنا على الدفتر، لذا سنُهاجم حلبة مصارعة الكلاب. لن نجعل جهودكِ تذهب هباءً.”
يبدو أن جسدها يستجيب جيدًا للترياق، على الرّغمِ من أنه عادةً لا يعمل بسرعة. كانت لا تزال شاحبة، لكنها تحسنت مقارنة بما قبل، و أصبحت قريبة من حالتها الطبيعية.
كان ذلكَ مريحًا إلى حد ما.
‘ها، مريح بأي ناحية؟’
شعرَ أنه إذا بقي أكثر، قد يفكّر بأشياء مجنونة، فاستدار كاليد دون تردّد.
“انتظر، لحظة! لحظة واحدة فقط، سموّك.”
توقف—
توقّفتْ خطواته تلقائيًا عند صوتها الذي يناديه.
كان عقله يصرخُ عليه أن يغادر الغرفة فورًا، لكن صوتها كانَ كالقيد الذي يمسك جسده.
‘حقًا، سأجنّ’
دونَ أن تعرفَ ما يدور في ذهن كاليد، نهضت إيرديا من السّرير وهي تتحرّك بحركاتٍ متعبة وقالت:
“أنا، سأذهب أيضًا.”
“يبدو أن الشّخص المجنون هنا ليسَ أنا، بل أنتِ.”
“ماذا؟ سموّك، هل جننتَ؟”
“…..”
“آه، لا، لم أقصد ذلك…”
“أنا لا أنوي اصطحابكِ. الماركيز لن يرغب أن تصبح ابنته تلك، التي تبنّـاها بجهد، جثّةً في مدينة غريبة.”
“هل هي خطيرةٌ لدرجةِ أن أموت في مدينة غريبة؟”
“على الأقلّ بالنسبة لكِ، نعم.”
“أنا بخير. و أنا إيرديا.”
“…..”
“لستُ ‘تلك’، اسمي إيرديا. و لماذا تتحدث إليّ بغير احترام؟”
“كم عمركِ؟”
“أنا بالطبع… ثلاثة و عشرون.”
ثلاثة و عشرون تعني أنها أصغر منه بعشرِ سنوات تقريبًا.
ابتسمَ كاليد بسخرية، و نظرَ إلى الفتاة الصغيرة القامة التي تقف عند صدره كما لو كان يتفحّصها من جديد.
ظنّتْ إيرديا أنه يسخر منها، فشعرت بالغضب وشفتاها بارزتان وهي تمتم:
“لا، أقصد، عمرى… ليس عمرى الحقيقي بالضرورة.”
“وثيقة هوّيتكِ تقول إنكِ في الثالثة والعشرين.”
“صحيح، ثلاثة و عشرون. أنا أبلغُ 23 سنة، لكن…”
“هل لا يزال يتعيّن عليّ التحدث إليكِ باحترام؟”
“… تحدث إليّ بسهولة، أنا أصغر منكَ بكثير، سموّك.”
كان مضحكًا تعبيرها الغاضب الذي يقول “افعل ما تريد”. غطّى كاليد زاوية فمه التي كادت ترتفع دونَ وعي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 41"