واصلتُ شرب الماء أمامي لتهدئة نفسي، لكن حتّى الماء بدا و كأنّ له رائحة دم.
خارجَ النافذة، كانَ الظلام قد حلّ، وكانت قطرات المطر تتساقط بهدوء بين فجوات السماء.
يا لها من أجواء تناسب هذا الحديث القاتم. زفرتُ تنهيدة ثقيلة.
“لكنّكِ أصبتِ النقطة الأساسيّة. كنتُ بحاجة إلى دفتر الحسابات، و لهذا احتجتُ إلى مساعدةِ الماركيز.”
“إذن، ليس سجلّ بيع العبيد، بل قائمة بأسماء الأشخاص الذين تمَّ استخدامهم حلبة الكلاب.”
“بالضبط.”
لم يكن كاليد يريد فقطْ معرفة أسماء الأشخاص الذين نظّموا هذا الفعل المروّع، بل أيضًا أسماء كلّ مَن استخدمَ حلبة الكلاب.
كانَ مِن السّهل العثور على حلبة الكلاب وتدميرها ومعاقبة القائمين عليها.
لكن ذلك لن يكون كافيًا. لأنّ الشخص الذي يدير حلبة الكلاب فعليًا هو ليفيا أرفين.
حتّى لو دُمّرت واحدة، فإنّ ظهور حلبة ثانية أو ثالثة سيكون مسألة وقت.
لذا، يجب اقتلاع المستخدمين أيضًا ومعاقبتهم.
هكذا لن يظهر مستخدمون جدد.
بالطّبع، لا يمكن منعِ تكرار ذلك تمامًا، لكن على الأقل يمكن تركِ خوف من “العقاب المحتمل”.
الأهمّ من ذلك، إذا تمكّنا من الحصول على دليل يربط ليفيا أرفين بالأمر—يمكننا تشويه سمعتها.
ما يريده كاليد حقًا هو أن تفقد ليفيا الثقة المطلقة التي يمنحها لها أتباعها.
“إذا لم نكسر تلكَ الثّقة، فلن تسقط ليفيا أبدًا.”
لأنّني كنتُ داخل جسدها، أعرف هذا أكثر من أيّ شخص آخر.
بغضّ النظر عن مدى تمسّك كاليد، وهو وليّ العهد، بها، فإنّ وزن “وجود” ليفيا في هذه الأرض كان هائلًا.
“إذن، موقع حلبة الكلاب…”
“حتّى الآن، هو مجرّد تخمينات. لكن إذا غادرت جماعة جوبير هذه المرّة، يمكننا تتبّع مسارها لمعرفة الموقع بدقّة.”
إذا لم يتمكّن كاليد، بقدراته الاستخباراتيّة، من تحديد الموقع، فهذا يعني أنّه حتّى لو كان الفيكونت جوبير مهملًا، فإنّ القائمين على حلبة الكلاب ليسوا كذلك.
“إذن، يجب أن نتحرّك بسرعة أكبر، ولو بيوم واحد. سأتواصل مع زعيم جماعة جوبير مباشرة.”
“…أنتِ ستنخرطين بنفسكِ؟”
“نعم. إنّه الطريق الأسهل.”
أومأتُ برأسي بطبيعيّة، فعبسَ كاليد مرّة أخرى.
“حتّى في الأمور الخارجيّة؟”
“ليست أمورًا خارجيّة. إنّها تتعلّق بعائلة الماركيز. لذا، من الطبيعيّ أن أتفاوض مع الفيكونت. إذا تحرّك والدي مباشرة، ألن يثير ذلكَ شكوك ليفيا أرفين؟ والفيكونت لن يتحرّك بسهولة إلّا إذا كان الشخص مناسبًا.”
في ظلّ الشّائعات الدقيقة الحاليّة، لا ينبغي للماركيز أن يتحرّكَ بنفسه.
إذا تواصل فجأةً مع الفيكونت جوبير، ستشكّ ليفيا بأكثر من مجرّد شكوك بسيطة.
لماذا تحرّك فجأةً بعد أن كان هادئًا؟ هل هناكَ اتفاق سرّيّ مع كاليد؟ ستربط ذلك بالخطوبة.
إذا كانت ليفيا تحترس من ميل قوّة الإمبراطوريّة نحو كاليد، فقد تأخذُ ذلك كتحذير سياسيّ.
لكن إذا تحرّكتُ أنا؟
قد يبدو الأمر مشبوهًا، لكنّه مقنع بشكل غريب.
بعد الحفل، أصبحتُ المرأة التي وقعت في حبّ كاليد من النظرة الأولى.
في مثل هذه الحالة، حتّى لو التقيتُ بالفيكونت، ستراني ليفيا مجرّد “امرأةٍ غبيّة أعماها الحبّ وتحرّكت من أجل وليّ العهد”.
إذا كانت ليفيا… فهي تعرف جيّدًا كم يمكن أن يكون الشّخص الذي أعمى الحبّ غبيًا.
لقد رأت ذلكَ جيّدًا من خلال كاليد.
لذا، لقائي بالفيكونت لن يثيرَ الشكوك. على الأقل، يمكنني جعلُ ليفيا تعتقد أنّني لستُ الهدف الحقيقيّ الذي يجب أن تحترس منه.
“وهل أنتِ واثقة أنّكِ لن تثيري الشكوك؟”
…بالطبع، لا يمكنني قول هذه الحسابات لكاليد مباشرة.
لأنّ الشخص الغبيّ الذي أعماه الحبّ كان هو، و الشخص الذي جعله يفقد عقله هكذا كنتُ أنا—التي انتقلت إلى جسد ليفيا.
لذا، قدّمتُ إجابةً مختلفة، وهي أيضًا سبب يمكن أن تقبله ليفيا إلى حدّ ما.
“لقد ظهرت للتّو فرصة ‘مقنعة’ للقاء الفيكونت جوبير دون إثارة الشكوك.”
“وما هي؟”
“الوصيّ.”
تذكّرتُ الإهانة التي تعرّضتُ لها في قاعة الحفل قبل أيام.
على الرّغم من أنّني رددتُ دون تراجع، كانت تصرّفات الأخوات الثلاث تتجاوز الحدود بالتأكيد.
لكن إذا تدخّلَ شخصٌ بالغ في شجار الأطفال، فسيفقد ماء الوجه. إذا ضغطتُ بقوّة العائلة، فسيُتهم بإساءة استخدام السّلطة في شجار أطفال.
إذا حدثَ ذلك، فلن تكون حياة سيريل المتبقّية في الأكاديميّة سلسة.
لذا، على الرّغمِ من أنّ الماركيز كان يعلم أنّ سيريل تعاني، لم يتمكّن من التدخّل، بل شعرَ بالقلق فقط.
بالطّبع، حاولَ التلاعب من وراء الكواليس، لكن ذلك فشل أيضًا.
“منع الفيكونت جوبير من دخول راجان يتعلّق بالأعمال، لذا وقف في وجهه. و لم تنجح حيلة الماركيز.”
لو استخدم الماركيز خطّة أخرى، لربّما نجحت.
على أيّ حال، كنتُ أنا في قلبِ ذلك الشجار، لذا فإنّ تدخّلي هو الأكثر طبيعيّة.
“أنا، التي لم أكن نبيلة أصلًا، إذا تصرّفتُ كوصيّ، فسوف يخفّض الفيكونت حذره. لأنّه سينظر إليّ بازدراء.”
“وهل لا يهمّكِ أن يُنظر إليكِ بازدراء؟”
“إذا كان ذلك سيخلق ثغرة، فلا بأس.”
لم يكن التعرّض للازدراء أمرًا كبيرًا، لأنّه ليس إيذاءً مباشرًا.
قد يُجرح كبريائي قليلاً، لكن ذلكَ لن يحلّ المشكلة مباشرة.
إذا تمكّنتُ من تحقيق مكاسبَ أكبر بكبرياء مخدوش قليلاً، فهذا أفضل.
أجبتُ وأنا أهزّ كتفيّ، لكن كاليد ظلّ عابسًا وكأنّه غير راضٍ.
ثمّ رفعَ كأس النبيذ الذي وضعه على الطاولة.
بعد أن أفرغ الكأس دفعة واحدة، وضعه بقوّة حتّى أصدر صوتًا، وقال:
“ليس لديّ نية لجعل أحدهم كبش فداء، ولا للاستفادة من تضحيةِ أحد.”
“آه…”
“إيذاء القلب هو أيضًا جرح. أحيانًا، قد يؤلمُ لفترةٍ أطولَ مِن الجروحِ الجسديّة.”
“…..”
“إذا كنتِ ستعملين معي في المستقبل، لا تعاملي نفسكِ بتهوّر. حتّى لو كان ذلك قلبكِ.”
“…..”
“الجروح غير المرئيّة قد تكون أكثر إيلامًا أحيانًا.”
لا أظنّ أنّ هذه الكلمات قيلت فقط من أجلي.
كان كاليد دائمًا دافئًا للغاية مع من يحتضنهم.
حتّى لو لم يثقْ بي تمامًا بعد، يبدو أنّه قرّر على الأقل العمل معي، كما يتّضح من إخبارهٌ لي بالقواعد التي يجب اتّباعها.
قوله إنّ “القلب قد يؤلم لمدّة أطول”، وقوله إنّ “الجروح غير المرئيّة أعمق”—
كم كان عميقًا الجرح الذي تسبّبت به “هي”، التي كنتُ أنا و لم أكن أنا؟
كلماته، التي بدتْ وكأنّه يعرف ذلكَ الألم جيّدًا، تركت بدلاً من ذلك ألمًا عميقًا في قلبي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"