كما لو أنّ ذكرى ذلكَ اليوم عادت إليه، غطّى القلق وجه الماركيز بظلال داكنة.
“تقول الشائعات أنّ جميع الخادمات المستأجرات في قصر أرفين قد اختفين. هل يمكنُ أن يكون ذلكَ مرتبطًا؟”
“من الممكن. لكن الأمرَ غريبٌ بعض الشيء. ليفيا لا تترك أدلّة عادةً. ومع ذلك، سمحت بانتشار مثل هذه الشائعات. لا أعرف إن كانَ ذلكَ متعمّدًا أم أنّ هناك مشكلة، لكن لا يمكنني التأكّد بعد.”
“إنّه أمرٌ مخيف. كم منَ الجرائم قد ارتكبت؟”
“يجب أن نوقفها. لا يمكننا أن نعرفَ ونظلّ نراقب فقط.”
كانت ليفيا قاسيةً ولا رحمة فيها، كأنّها وُلدت لارتكاب الأفعال الشرّيرة.
لم يكن هناك أثرٌ للرحمة فيها، وكانت أفعالها الشرّيرة متنوّعة.
عندما انتقلتُ إلى جسد ليفيا أرفين لأوّل مرّة، جعلتني الذكريات الباهتة لماضيها أشعرُ بالغثيان لدرجةِ أنّني لم أستطع سوى شرب الماء لأيام.
كانَ الانتقال إلى جسدِ امرأة شرّيرة صادمًا بما فيه الكفاية، لكن اكتشاف أنّ أفعالها الشرّيرة ليست مجرّد تصرّفات سيّئة بل جرائم مروّعة كانَ أكثر صدمة.
يمكنني القول بثقة إنّ ليفيا كانت “شرّيرة”.
لكن ليست الشرّيرة التي تضايق الشخصيّات المحيطة بها في القصص الخياليّة، بل “مجرمة” حقيقيّة كتلكَ التي تراها في أفلام الجريمة.
لكن لم أتمكّن من حلّ كلّ شيء. كانَ حجم الجرائم التي ارتكبتها أكبر من أن يُدار في خمسِ سنوات.
الحقيقة التي لم أتمكّن من إنهائها ظلّت تثقل كتفيّ كمسؤوليّة ثقيلة.
لذا، هذهِ المرّة، يجبُ أن أوقفها بالتّأكيد.
حتّى لو كانَ من أجلِ إكمال تلكَ المهمّة التي لم أنهها، شعرتُ أنّ هذه الأمور أصبحت الآن “واجبًا” يجب أن أنجزه.
حتّى لو لم أفعل ذلك، لن يؤثّر ذلكَ على حياتي—لكن لأنّ الأشخاص الذين أهتمّ بهم عانوا، ويعانون، وقد يعانون في المستقبلِ بسببها.
“كان تواصل صاحب السّمو كاليد غير متوقّع، لكنّها فرصة. بدلاً من الحصول على معلومات متفرّقة من أتباعها، التّعاون مباشرةً معه أفضل بكثير.”
“بما أنّه واجهَ ليفيا لسنوات طويلة، يمكننا سماع معلومات ثمينة مباشرة لا يمكن لأتباعها تقديمها.”
“وإذا تمكّنا من بناءِ ثقةٍ مع سموّه من خلال هذا العمل معًا… ربّما يأتي يومٌ يصدّق فيه كلامي بالكامل؟”
“ما دامت ليفيا عدوّة، فالوقوف إلى جانب سموّه خيار لا مفرّ منه. وبما أنّهم هم مَن مدّوا يدهم أوّلاً، لا يوجد سببٌ لرفضِ هذه الفرصة المواتية.”
عندما التقيتُ بليفيا، فكّرتُ للحظةٍ في الاقتراب منها مباشرة، لكن مِن الجيّد أنّني لم أفعل.
في الأساس، لم تكن تلكَ الخطّة لتستمرّ طويلاً. لم أكن واثقةً من قدرتي على الحفاظِ على هدوئي أمام ليفيا.
“لديّ أيضًا فكرةٌ بشأنِ الخطوبة.”
* * *
قاعة الاجتماعات العامّة لاتحاد التجّار.
أيدٍ مشغولة بتقليب الدفاتر و الحسابات، وعيون تتلصّص لجمعِ الشائعات كلّما ذُكر اسم شخص ما.
حتّى في هذا المكان الذي تتبادل فيه أوزان العملات الفضيّة والذهبيّة، تسرّبت القصص التي لا يمكن تجنّبها.
“هل سمعتم؟ يقولون إنّ الماركيز فالاندي أكّد أنّ ابنته بالتبنّي لن يكونَ لها حقّ في الوراثة.”
“سمعتِ ذلك الآن؟ حسنًا، يقولون إنّ الأمر كان كذلك منذ البداية. الوريثة هي ابنته الحقيقيّة، سيريل.”
“إذن، كلّ هذا البحث عن خاطب لابنته بالتبنّي كان بلا معنى؟”
رجلٌ كان يعبث بقلمه على أوراق كثيفة ألقى نظرةً متذمّرة على امرأة كانت تتحدّث بحماس.
“بلا معنى؟ لقد منحها اسم العائلة و جعلها سيّدة نبيلة حتّى تعيشَ حياةً سعيدةً دون معاناة. ألم يكن ذلك لإيجادِ زوجٍ جيّد لها؟”
اقتربت المرأة من الرّجل، وكأنّها سمعت شائعة ممتعة، وهي تنظر حولها بحذر.
“إذن، هل سمعت هذا أيضًا؟ في حفل أكاديميّة القصر قبل فترة، يقولون إنّ ابنة فالاندي بالتبنّي وقعت في حبّ سموّ وليّ العهد.”
“حسنًا، سمعتُ شيئًا من هذا القبيل.”
“في الحفل، يقال إنّ سيّدة القوّة المقدّسة، ليفيا، تعرّضت للإهانة. ألم تتصرّف ابنة فالاندي بالتبنّي بنبرةٍ حادّة؟ يقولون إنّها انفجرت غيرة من خطيبة سموّه السابقة.”
“إهانة؟ كح! سمعتُ أنّ سموّه انتقمَ من فسخ الخطبة.”
وضعَ الرجل، الذي كان يردّ بلا مبالاة، قلمه وانضمّ بحماسٍ إلى محادثة الشائعات المثيرة.
ضحكت المرأة بسخرية على كلامه.
“يا إلهي، يا لها من قصّة ممتعة! لكن فكّر في الأمر. حتّى بعد هذا الحدث في الحفل، كيف يمكن لابنة بالتبنّي بلا حقّ وراثة أن تتجرّأ على الاقتراب من سموّه؟”
“يقولون إنّها ظلّت تنادي بسموّ وليّ العهد لأيام و مرضت من شدّة حزنها. بدا أنّ الماركيز كان في حيرة مِنْ أمره.”
“لذا، في النهاية، يقال إنّه كتبَ رسالةً يتوسّل فيها إلى سموّه، قائلاً لهُ أنْ ينقذَ حياة شخص، و طلب! خطوبة مؤقّتة، أو على الأقلّ لقاءات قليلة! هل هذا صحيح؟”
“حتّى لو كانَ كذلك، هل سيفعلُ الماركيز ذلك؟ سمعتُ أنّ سموّه تأثّر بهجوم الابنة المتبنّاة الحماسيّ. يبدو أنّه يفكّر بجديّة في الخطوبة، حسبما سمعتُ.”
“يا إلهي! يا إلهي! ما هذا الخبر! إذن، الشائعة عن إرسال دعوةٍ إلى ابنة فالاندي بالتبنّي صحيحة!”
ضحكتْ المرأة بصوتٍ عالٍ و صفعت ذراع الرجل. على الرّغمِ من صوتها المنخفض، توقّفت يد كانت تكتب في دفتر في جهة، و توقّفت يد أخرى كانت ترتّب أوراقًا في جهة أخرى.
نظرَ البعض حولهم خوفًا من توقّف المحادثة.
كانت هذه الشائعات من أكثر المواضيع إثارة وصخبًا في راجان مؤخرًا.
“إذن، هل سيقفُ الماركيز فالاندي إلى جانب سموّ وليّ العهد؟”
همست المرأة بصوتٍ أكثر انخفاضًا.
نظرَ الرّجل حوله كأنّه يعلم أنّ الجميع يستمع، ثمّ تحدّثَ بصوت منخفض.
“لا يزال الأمر غير واضح. على الرّغمِ من تطوّر الأمور هكذا، لا يزال الماركيز يتمسّك بالحياد. هذا رأيي، لكن… يبدو أنّه يعتبر أمر ابنته بالتبنّي منفصلاً.”
“لكن حتّى لو لم يكن لها حقّ وراثة، إنّها ابنة بالتبنّي يهتمّ بها لدرجةِ أنّه يقوم بالبحثِ عن زوج لها بنفسه. أليسَ من الأفضل لسموّه أن يكون الماركيز معه؟”
“ها! تعرفين واحدًا و تجهلين اثنين. سموّه سيكون محظوظًا إذا لم يُثِـر غضب جلالة الإمبراطور أكثر بخطوبة جديدة. ألم يغضبْ جلالته بشدّةٍ عند فسخ خطوبته مع القدّيسة؟”
غطّت المرأة فمها بتعبيرٍ مصدوم، كأنّها تتذكّر حدثًا قديمًا.
“صحيح! عند التّفكير في الأمر، كان ذلكَ غريبًا. يقال إنّ القدّيسة هي مَن طلبت فسخ الخطبة أوّلاً، فلماذا غضبَ جلالته من سموّه؟”
“لو تزوّجَ من القدّيسة، لكان قد واصلَ تاريخ جلالة الإمبراطور الأوّل. ربّما غضبَ لأنّ ذلك! لم يحدث. كان من الممكنِ أن تصبحَ البلاد أقوى بكثير. يا لها من فرصة ضائعة.”
“ألا تعرف جلالته بعد؟ أيّ قلق على البلاد؟ ربّما كان يحاول كسب تأييد الشّعب من خلال القدّيسة.”
قفزَ الرّجل مذعورًا من كلام المرأة و أخفضَ صوته.
“هش! احترسي في كلامكِ! إنّه لا يزال الإمبراطور. ألا تعرفين كم عدد الآذان هنا؟ إذا تحدّثتِ بتهوّر، قد ترين الدم.”
“صحيح! لكن، أعتقد أنّ لا أحد يعرف شيئًا عن أمور الحبّ. حتّى مع القدّيسة التي كانت عزيزة جدًا عليه، انفصلَ عنها. هل أعطى سموّه قلبه لامرأةٍ أخرى بعد ذلك؟”
“لا، لم يفعل.”
“هذا ما أقوله! مجرّد تفكيره بجديّة في خطوبة يعني شيئًا، أليس كذلك؟ الحبّ لا يحدث بقلب واحد فقط. من يدري؟ ربّما أذابتْ تلكَ الابنة بالتبنّي قلب سموّه المتجمّد.”
عبس الرجل وأدارَ رأسه، وأمسك بالقلم الذي وضعه جانبًا، و هو يصدر صوتَ استياء.
“تسك تسك. لهذا السّبب أرباح جماعتكِ بهذا الشكل، لأنّكِ تطاردين الشّائعات. حسنًا، قد تكون تسلية ممتعة في وقت الملل، لكن طالما أنّ الماركيز يتمسّك بالحياد، لن تكونَ هناك تحرّكات كبيرة. راقبي جيّدًا.”
“لماذا تتحدّث عن أرباح الجماعة هنا! كلّ هذا لفهمِ اتّجاهات العصر!”
على الرّغمِ من تذمّر المرأة الممزوج بالانزعاج، هزّ الرّجل رأسه فقطْ دونَ إضافةِ المزيد.
كان هذا كافيًا لنشر شائعةٍ يمكن أن يتحدّث عنها النّاس هنا بحريّة.
لم يكن أحدٌ يعرف الحقيقة، لكن ذلكَ لم يكن مهمًّا. تضخّمت الأكاذيب و التكهّنات على ألسنة الناس.
* * *
كان اللقاء مع كاليد سريعًا بشكلٍ مدهش.
تمّ التواصل في اليوم التالي مباشرةً للحفل، وقاد الماركيز اللقاء بمهارةٍ مألوفة.
كما ناقشنا مسبقًا، تقرّر أن أتحمّل معظم عبء الخطوبة. بدا أنّ الماركيز، الذي كان يحافظُ على الحياد، شعرَ بالقلق من كونه متعاونًا وو دودًا للغاية.
عندما اقتربنا من إنهاء المفاوضات، سأل كاليد بهدوء:
“حتّى بالنسبة لي، ليس هذا أمرًا ممتعًا، و سُمعتي قد سقطت بالفعل. لكن بالنّسبة لكِ ، الارتباط بي قد يعيق طريق زواجكِ. هل هذا مقبول؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"