كانت سيريل، التي بلغت الآن الثانية عشرة، متميّزة في نموّها مقارنةً بأقرانها. أمّا هيلينا، فقد كانت مجرّد طفلة في الثانية عشرة، لا أكثر ولا أقل. ربّما كان هذا الفارق هو ما أثار شعور النّقص لدى هذه الطفلة الصغيرة أمامي.
نظرت هيلينا إليّ من الأعلى إلى الأسفل كأنّها تقيّمني، ثمّ ضحكت بسخرية ورفعت زاوية فمها.
“سمعتُ أنّكِ من الشرق الأقصى ولا أحد يعرف أصلكِ، يبدو أنّني أفهم الآن.”
ماذا؟ هل هناكَ خطأ في أذني؟
كانت كلمات مذهلة، يصعب تصديق أنّها خرجت من فم طفلة في الثانية عشرة.
نظرت إليّ هيلينا مرّة أخرى، و هي تتفحّصني من رأسي إلى أخمص قدميّ.
لم يكن ذلك تفقّدًا، بل كانَ أقرب إلى استكشاف يسبق الإهانة. كانت عيناها تحترقان برغبةٍ في إيجاد أيّ عيب صغير.
“امرأة بالغة و يتم تبنّيها؟ لا أعرف أيّ أفعال قذرة قمتِ بها لدخول عائلة الماركيز، لكن يبدو أنّني أفهم الآن.”
كانت واثقة تمامًا، و كأنّ تصرّفاتها الوقحة لا تثير أيّ قلق لديها.
انظروا إلى هذا! هل تعتقدين أنّ وجود أختين خلفكِ يمنحكِ هذه الجرأة؟
كان موقفها واضحًا جدًّا لدرجة أنّني كدتُ أضحك، فشددتُ على ذقني لأمنع نفسي.
هل يجب أن أردّ على هذه الاستفزازات الطفوليّة؟ كنتُ أفكّر في ذلك.
في تلكَ اللّحظة التي كنتُ أتردّد فيها، تقدّمت سيريل كأنّها هي التي أُهينت، وحجبت طريقي وقالت:
“سمعتُ أنّ جماعة تجاريّة كانت تسحب العربات في الشرق أمسكت بخيط ذهبيّ، والآن تتحكّم بكامل المنطقة الشرقيّة. معرفة حدود المرء أمر صعب، أليس كذلك؟ لا أعرف إن كنتم تعلمون، لكن هذا المكان ليس قرية صغيرة بحجمِ فضلات كلب، بل أرض يتجوّلُ فيها النّمر كما لو كانت بيته. آه، أنا قلقة جدًّا. أخشى أن يُداسوا تحتَ أقدام ذلكَ النمر ويهربوا إلى الشرق.”
من هذه؟ هل هذه حقًّا سيريل التي أعرفها؟
للحظة، أصبتُ بالذهول وأغمضتُ عينيّ مرّات عديدة.
‘أختي، أختي! هل يمكنني النوم معكِ الليلة؟ بالطبع! ليس لأنّ المطر يهطل بغزارة والرّعد يضرب، أنا لستُ خائفة. لكن بمناسبة وجودكِ… سأمسك يدكِ فقط وأنام.’
‘هينغ… أختي، من فضلكِ احتفظي بسرّ خوفي من الرعد. إذا عرف والدي أنّني ما زلتُ خائفة، سيشعر بالقلق. حسناً؟ هذا سرّ بيننا.’
على الرّغمِ من مرور خمس سنوات هنا، كانت سيريل في ذاكرتي لا تزال تلكَ الفتاة البالغة من العمر سبع سنوات، لطيفة و محبوبة، وهي الصورة الأقوى في ذهني.
شعرتُ بغرابة لحظة عندما رأيتُها وقد كبرت فجأة، لكن سرعان ما شعرتُ بالرضا عندما رأيتُها تتبعني بِحماسٍ كما في السابق. كنتُ ممتنة لأنّها كبرت بشكل جيّد.
لذا، لم أستطع تصديق أنّ الطفلة التي سخرت للتوّ من الآخرين بأسلوب راقٍ هي سيريل نفسها.
فتحت هيلينا فمها كأنّها ستُصرخ غضبًا، لكن شفتيها ارتعشتا فقط دون أن تخرج كلمة واضحة.
فجأة، تذكّرتُ سيدات المجتمع الراقي في أيّام ليفيا، وهنّ يتنافسن بشراسة أمام عينيّ. كانت سخريتهنّ الأنيقة والمتقنة مذهلة حتّى عند التفكير بها الآن.
أن تمتلك سيريل، التي تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة فقط، مهارة السيدات اللواتي قضين سنوات في المجتمع الراقي، أمر لا يُصدّق.
“أوه؟ انظري إلى طريقة حديثها الوقحة.”
“ليس يومًا أو يومين، كيف يمكنها أن تتحدّث بوقاحة هكذا؟ هل يُفترض أن تكون ابنة عائلة ماركيز عظيمة تتصرّف هكذا؟”
بينما كنتُ مصدومة لحظيًا من الفارق بين سيريل اللطيفة القديمة و سيريل الآن، بدأت من تبدوان كأختي هيلينا بالسخرية.
حسنًا، أنتما أكبر من اثنتي عشرة سنة، أليس كذلك؟
أطلقتا سيلًا من الانتقادات على سيريل دونَ توقّف لالتقاط الأنفاس.
الأمر الأكثر إضحاكًا هنا هو أنّني شعرتُ بشعور النقص تجاه سيريل من كلا الأختين أيضًا.
كان ذلكَ مضحكًا جدًّا، لكن يبدو أنّ هذه معركة الأخوات الآن، لذا يجب أن أتدخّل.
تذكّرتُ كيف ابتسمت سيريل بسعادةٍ عندما قالت إنّ وجود أختٍ أمر رائع.
بالطبع، يجبُ أن تتدخّل الأخت هنا.
“آه، لأنّني ابنة عائلة ماركيز عظيمة، لهذا السّبب… ربّما لم تفكّروا في ذلك. حسنًا، بما أنّكم لم تتخرّجوا من الأكاديميّة حتّى في هذا العمر، فهذا متوقّع. ربّما كنتُ قليلة التّعاطف.”
لم أكن أنا من تحدّثت. سبقتني سيريل.
كانت نظرة سيريل إلى الطّرف الآخر مليئة بالشفقة، وكأنّها حقًّا آسفة.
هل هذه الطفلة… حقًّا سيريل التي أعرفها؟
أين تعلّمتِ هذه السخرية؟ بالطبع، كانت لطيفة ومحبوبة جدًّا.
على عكس سيريل التي أصدرت صوت سخرية، كانت وجوه الثّلاثة الأخريات مشوّهة كأنّهنّ دسْنَ على فضلات.
عند رؤية تعابيرهنّ، فهمتُ لماذا صنّفتها سيريل كفضلات كلب.
“همف! هذا الغرور سينتهي قريبًا، أليس كذلك؟ أن تدّعي أنّ شخصًا تمّ التقاطه من الشارع هو أختكِ… هه، هل هذا مستقبل فالاندي؟”
لم تكن سيريل الوحيدة التي وضعت سكّينًا في فمها. لكن، شخص تمّ التقاطه من الشارع؟ لقد جئتُ من عالمٍ آخر على الأقلّ.
لم يؤثّر ذلكَ بي على الإطلاق، وسيريل، التي بدت مطمئنة بمجرّد وجودي بجانبها، واجهت الأخوات الثلاث دون أن تتراجع، ووجهها محمرّ بالحماس.
فهمتُ الآن لماذا قالت للماركيز إنّ الأمر على ما يرام وألّا يتدخّل.
لم تكن سيريل تشعرُ بالظلم لأنّها دُفعَت من قِبَلِهنّ، بل كانت فقط تغار من وجود “أخت” تدافع عن هيلينا.
‘سأشجّعها فقط. لا حاجة لمساعدتها.’
عندما لففتُ ذراعي بحذرٍ حول كتفي سيريل لأطمئنها، أصبحت نظرتها أكثر حدّة كأنّها اكتسبت قوّة.
“منذ متى أصبحت عائلة فيكونت من الحدود مؤهّلة للقلق بشأن مستقبل عائلة ماركيز؟ كنتُ أظنّ أنّ دخول الأكاديميّة يعلّمكم هذا القدر على الأقل.”
عندما تحدّثتْ وهي تعبس كأنّها مستاءة، حاولت هيلينا الصراخ بشيءٍ ما، لكن الأخت الكبرى، التي بدت الأولى بين الثلاث، كانت أسرع قليلاً.
“هل تجرؤين على انتقاد تعليم عائلة فيكونت بينما تقبلين امرأة مجهولة الأصل كعضو في عائلتكِ بمستوى متدنٍ؟!”
“الأصل… هل هذه مشكلة بهذه الأهميّة؟ شهادة هويّة أختي تحمل اسم فالاندي بوضوح. إنّها بالفعل ابنة عائلة الماركيز. يجب أن تتحلّي ببعض المنطق ولا تتحدّثي بتهوّر، أنتِ مجرّد ابنة فيكونت. آه، ربّما لا تعرفين ذلك أيضًا؟”
تحدّثت بعيون مليئة بالشفقة، وكأنّها تشعر بالأسف حقًّا إن كنّ لا يعلمن ذلك.
أحسنتِ! رائعة، يا سيريل!
بينما كانت هيلينا، التي فغرت فمها، والأخت الكبرى، التي فقدت الكلام، ترتجفان دون ردّ، أومأت سيريل برأسها بهدوء.
“لم تكوني تعلمين ذلك… آه، يبدو من الواضح أنّ تعليمكِ ناقص.”
“ماذا! نحن، على الرّغم من كوننا عائلة فيكونت، أرستقراطيّون بلا أيّ عيب في نسبهم! على عكسِ شخصٍ ما لا يستطيع حتّى تقديم شهادة نسب!”
كلام عن “شهادة النسب” يخرج بثقة من فم إنسان، وهو شيء قد تراه في وثائق تبنّي كلب.
حقًّا، إنّه مجتمع الأرستقراطيّين. لم يكن من قبيل المصادفة أن يتمّ التقليل من شأن فالاندي بسبب أصلهم التجاريّ. حتّى أنّ ذلك حدث منذ أجيال مضت.
يبدو أنّهم لا يعرفون أنّ المال وحده لا يكفي أبدًا للوصول إلى مرتبة الماركيز، حتّى لو كنتَ من أصل تجاريّ.
‘ومنذ قليل، كلامهم عن النهاية ومستقبل عائلة الماركيز يبدو غريبًا. هل أختبرهم؟’
سحبتُ كتفي سيريل، التي كنتُ أحتضنها برفق، بقوّة خفيفة.
“عائلة فالاندي كانت مخلصة لدرجة أنّها أنفقت ثمانين بالمئة من ثروتها لدعم العائلة الإمبراطوريّة خلال التّمرّد الداخليّ في الماضي. ماذا فعلت عائلة جوبير في ذلكَ الوقت؟ أنا من الشرق، لذا لا أعرف جيّدًا، لكن بالتأكيد قامت عائلة جوبير بأعمال رائعة، أليس كذلك؟ أعمال عظيمة تُضاهي ثمانين بالمئة من ثروة فالاندي.”
نظرتُ إلى الأخوات الثلاث ببطء بنظرات مخفوضة، كما فعلن.
من الأخت الكبرى التي لم تبلغ العشرين بعد، إلى الأخت الوسطى الأصغر منها، وصولاً إلى هيلينا، التي في نفس عمر سيريل.
“مجرّد التبرّع ببضعة عملات يجعلكم تُسمعون كلام الولاء؟ يا لها من دنيا سهلة!”
“أختي محقّة. المال الكثير لا يحلّ كلّ شيء.”
“كلّ ما تملكونه هو المال!”
نبلاء من الشّرق البعيد عن العائلة الإمبراطوريّة، عائلة كان يمكن اعتبارها متواضعة حتّى قبل بضع سنوات، كنتُ أعلمُ أنّ قصّة حصول فالاندي على تقدير العائلة الإمبراطوريّة ستثير أعصابهم، لكن لم أتوقّع ردّ فعل بهذه القوّة.
” كم نظنّين انكِ متميّزة؟ كلّ ما في الأمر أنّكِ وُلدتِ في راجان! قال والدي إنّ فالاندي، التي لا تملك سوى المال، ستنهار! لم يتبقَ الكثير! لذا، كوني لطيفة معي من الآن!”
كان بإمكاني تجاهل كلمات طفلة في الثانية عشرة ككلام طفوليّ. لكنّ ما جعل ذلك مستحيلاً هو تعبير هيلينا المصدومة وهي تغطّي فمها بعد أن تحدّثت، و وجوه أخواتها التي شَحبت.
“هيلينا!”
صراخ الأخت الكبرى المتوتّر أعطاني يقينًا أكبر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"