عندما اقتربتُ منها، بدت المرأة وكأنّها قابلت شخصًا تعرفه.
بعد بضعِ كلمات، لم تستطع إخفاء توتّرها وبدأت تثرثر بكلمات لم يُسأل عنها.
كان صوتها، وهي تتحدّث بسرعة وشفتاها الصغيرتان تتحرّكان كسمكة، يزعج أذني.
لم أستطع تحمّل الفكرة التي تقول إنّ قلبي، الذي لا يزال ينبض بسرعة، هو السّبب.
نشأتْ في ذهني فكرة أنّني يجبُ أن أعرف بالضرورة من تكون هذه المرأة أمامي.
“وجه جديد. من أنتِ؟”
“آه…”
كما لو أنّها سمعت صاعقة، أصبحَ وجهها الشاحب أكثر شحوبًا.
بينما أراقب نظرتها تنزل ببطء إلى الأرض، شعرت بانفعالٍ مفاجئ—ارتفعت يدي دون وعي.
في تلكَ اللحظة التي شككتُ في نفسي مجدّدًا، رفعت المرأة رأسها.
“أنا إيرديا من عائلة الماركيز فالاندي. أعتذر عن عدم التقيّد بالأدب بسببِ المفاجأة، سموّ وليّ العهد.”
رفعت طرفَ فستانها قليلاً، وانحنت بأدب لتحيّيني.
قدّمت نفسها بحذرٍ باسم إيرديا.
كانت بوضوح تصرفات مهذّبة لفتاة نبيلة ليست غريبة، لكن تحيّتها السلسة بدت وكأنّها تتداخل مع ظلّ شخصٍ آخر.
‘هل أنا مجنون؟’
رددتُ على تحيّتها باعتدالٍ وأدرتُ رأسي.
هل كانت ليالي الأرق طويلة جدًا؟ عندما واجهتُ المرأة أمامي، شعرتُ بإرهاقٍ شديد يجتاحني.
ضغطتُ على عينيّ بيدي، لكن لم يتغيّر شيء.
نظرتْ إليّ المرأة، التي كانت تقف حائرة، بنظرةٍ قلقة.
كانت نظرتها و تصرّفاتها المألوفة بشكلٍ مزعج تثير استيائي. كان هناكَ وقت لم تتوقّف فيه النّساء عن الاقتراب مني بهذه الطريقة.
“بما أنّنا تبادلنا التحيّات، سأعود إلى الداخل الآن. أفضّل تجنّب أيّ سوء فهمٍ قد ينشأ من دخولنا معًا.”
“آه.”
يبدو أنّ كلماتي الباردة قد جَرحتها.
“حسنًا، سأذهب أولاً. كانَ شرفًا لي مقابلتكَ، سموّ وليّ العهد.”
عضّت شفتيها بوجهٍ شاحب كما لو أنّها سمعت كلامًا قاسيًا، ثم غادرت المكان بسرعةٍ كما لو كانت تهرب.
أمسكتُ رأسي النابض ونظرتُ إلى المكان الذي كانت تقف فيه.
تصرّفها بصفع خدّها و قرص نفسها لإيقاظ نفسها.
نظرتها المملوءة بالحنين، كما لو أنّها قابلت حبيبًا قديمًا.
“ها.”
كان ظهور الشّخص الذي كنتُ أبحث عنه قبل دخول قاعة الرقص مكسبًا غير متوقّع، لكن الشعور بالانزعاج ازداد.
لماذا، لماذا.
لماذا أشعرُ بهذا الغضب؟
كانتْ بوضوح امرأة أراها للمرة الأولى، وبما أنّني تأكّدتُ أنّها الهدف، كان يجبُ أن أقترب منها بمهارة وفقَ خطة جيرمان.
على أيّ حال، كان يجب أن أبدو كخاطب، لكن…
خلافًا للخطة في ذهني، خرجت كلماتي مختلفة تمامًا. كشفت عن كلّ الغضب والانزعاج.
يد المرأة المرتجفة وهي تهرب مذعورة علقت في ذهني بلا سبب.
كتفاها الهشّان بديا بائسين بطريقة ما، وكدتُ أمدّ يدي مرّةً أخرى دون وعي.
هي بائسة؟ لماذا بحقّ السماء؟
“أنا بالتّأكيد مجنون.”
جسدي لم يتحرّك كما أريد.
حتى عندما تخلّيتُ عن كلّ شيءٍ وعشتُ بهدوء، لم يحدثْ هذا من قبل.
إذا عدتُ دون أيّ إنجاز، سأفقد ماء وجهي. يجب أن أذهب إلى قاعة الرقص الآن وأتحرّك وفق الخطة.
* * *
“حسنًا، سأذهب أولاً. كان شرفًا لي مقابلتكَ، سموّ وليّ العهد.”
كنتَ يومًا ما من سمحتُ لي بمناداته باسمه، والآن أناديه بسموّ وليّ العهد.
كنتَ تقولُ إنّ مجرّد النظر في عينيّ يزيل تعبك، والآن تشعر بالانزعاج إذا نظرتُ إليك قليلاً.
ظننتُ أنّ عدم تعرّفكَ عليّ هو الشيء الوحيد الذي يؤلم قلبي، لكن كان هناك ما هو أسوأ.
كم كان حجم الخيانة و الجرح الذي تلقّيته من ليفيا أرفين حتى تغيّرتَ هكذا، و أنتَ الذي، حتى لو لم تكن لطيفًا مع النساء، كنتَ دائمًا تتصرّف بأدب؟
يبدو أنّه أصبحَ لديه نفور من كلّ امرأة تقترب منه.
‘كنتِ تعلمين. كنتِ تعلمين أنّ هذا سيحدث.’
أخفيتُ جسدي المرتجف حتى لا يلاحظه وأدرتُ ظهري له أولاً.
حتى لو كنتُ أنظر إليه بقلق، تمكّنتُ من ملء عينيّ بوجههِ .
في المرّة السّابقة، لم أرَ وجهه بوضوح، لكن هذه المرة، تمكّنتُ من النظر إلى وجهه الذي اشتقتُ إليه بما فيه الكفاية.
هذا يكفي.
هكذا عزّيتُ نفسي، متجاهلةً الألم الذي يطعن قلبي بعنف.
‘في هذه الحالة، حتى لو قلتُ له إنّني الشخص الذي أحببته، لن يصدّقني.’
على الرّغمِ من عزمي الواضح على عدم إخباره بالحقيقة، شعرتُ بضيق في صدري.
من سيصدّقُ ذلك على أيّ حال؟ كان الماركيز فالاندي هو الاستثناء لأنّه صدّقَ كلامي بحذافيره.
من كان سيخمّن أنّ روحًا من عالم آخر ستستحوذ على شخصٍ معيّن وتعيش حياته؟
كان من الأفضل لو كنتُ تحدّثتُ عن الاستحواذ عندما كنتُ ليفيا أرفين.
في ذلكَ الوقت، حتى لو ظنّوا أنّني مجنونة مؤقتًا، ربما كانوا سيفترضون أنّ “قوّة الحاكم قد لامستها، فربّما…”
لو تحدّثتُ عن معرفة العالم الآخر، لكانَ ذلكَ قد أضافَ مصداقيّة.
لكنّني كنتُ خائفة.
خفتُ أن تنهار كلّ العلاقات التي بنيتها بصفتي ليفيا أرفين، فأخفيتُ الأمر حتى النهاية.
والآن، أصبح ذلكَ ندمًا يحفر في قلبي.
‘قبل خمس سنوات، كانت ليفيا أرفين تمثّل. إخبار سموّ وليّ العهد بالحقيقة لن يجدي نفعًا. لن يصدّق ذلك أصلًا، وإذا ادّعتْ فتاة ظهرت فجأةً بالحقيقة، سيظنّ أنّ ليفيا أرفين تحاول إذلاله مجدّدًا بمكيدة.’
‘لماذا؟ ألم تقل إنّ هناكَ وثائق قديمة؟ إذا أخذتها و ساعدني الماركيز في الحديث، ربما يصدّق!’
‘الأمر هو… قبلَ بضعِ سنوات، تظاهرت ليفيا أرفين بمثل هذا التمثيل و خدعت سموّ وليّ العهد عدّة مرات.’
‘ماذا… ماذا؟ ما الذي تعنيه…؟’
بعد سماعِ تلكَ القصة، انزويتُ في غرفة نومي و بكيتُ بشدّة حتى بزوغ الفجر. بكيتُ لأنّ الجرح الذي تلقّاه ذلك الشخص كان مؤلمًا جدًا.
قيل إنّ “ليفيا أرفين” تظاهرت بأنّ ذاكرتها عادت، وهمست بالحب، ثم في اليوم التالي، ضحكت بصوتٍ عالٍ و سخرت منه.
كما لو كانت تسخر من رجل أعماه الحبّ ، أذلّته أمام الجميع.
قالت إنّ شخصًا آخر استولى على جسدها لفترة وتصرّفت بقسوة معه، و إنّ ذلك لم يكن هي، متظاهرة ببراءة و خداعه.
لم يحدث هذا مرة أو مرتين، بل عدّة مرّات. حتى توقّف! عن الثقة ليفيا أرفين و بالنّساء اللواتي يقتربن منه.
لقد أعطته، هو الذي أراد أن يثق بحبيبته، يأسًا لن يتعافى منه أبدًا.
كدتُ أجنّ. كنتُ أرتجف من الغضب، وكان قلبي يتمزّق من الحزن.
لا يمكنني حتى تخيّل الشعور بالخيانة والجرح الذي شعر به بعد أن أُذلّ مرّاتٍ عديدة من الشخص الذي أحبّه.
تلكَ المرأة، التي لا تقدّر الآخرين، رأت بعين ثاقبة أيّ علاقة كنتُ أعتزّ بها أكثر، و قطّعت تلك العلاقات إربًا.
كما لو أنّها تريد منعي من إعادة ربطِ تلك العلاقات حتى لو عدتُ إلى ذلك الجسد.
كما لو كانت تنتقم مني لاستعارة جسدها.
إذا كانتْ حقًا تريد الانتقام، فقد نجحت. لم أشعر أبدًا بشعور أسوأ من هذا.
الشعور بالأسف و الحزن و الغضب يتصاعد، لكن العجز عن فعل أيّ شيء كان حقًا فظيعًا. بكيتُ بشدّة وقرّرتُ.
لن أتحدّث أبدًا حتى اليوم الذي تنهار فيه ليفيا أرفين ويثق بي كاليد تمامًا.
لأنّه حتى لو قلتُ الحقيقة، إذا لم يصدّقني، فسيكون ذلك جرحًا آخر.
لذا، يمكنني تحمّل هذا الألم بسهولة.
‘مقارنة بالألم الذي شعرَ به كاليد، هذا لا شيء. يجب أن أقوّي قلبي.’
عندما هدّأتُ قلبي أخيرًا، رأيتُ سيريل تبحث عني.
“أختي! أين كنتِ؟ بحثتُ عنكِ طويلاً!”
“كنتُ أستنشق بعض الهواء الطلق. آسفة، هل بحثتِ كثيرًا؟”
“امم، قليلاً. لقد حجزتُ طاولة! هيا بنا!”
تباهت سيريل بأنّها تفاخرت بي أمام أصدقائها، و ابتسمت بسعادةٍ وهي تتشبّث بذراعي.
بفضل سيريل، التي كانت تتدلّل قائلة إنّها جائعة بعد كلّ تلك الثرثرة، تحسّن مزاجي كثيرًا.
اتّجهتُ إلى الطاولة التي حجزتها سيريل، لكنّ هناك ضيوفًا غير مدعوّين قد استولوا على المكان بالفعل.
دون محاولة إخفاء سخريتهم، رفعوا زوايا أفواههم كما لو أنّ المكان يخصّهم بطبيعة الحال.
كانت هيلينا جوبير، ابنة الفيكونت جوبير، التي تحدّثت عنها سيريل حتى أزعجت أذني، تقف بثقة مع شقيقتين إلى جانبها.
أشارت هيلينا إليّ بذقنها وقالت:
“هذه أختكِ؟”
حقًا، وقاحتها كانت واضحة من كلمتها الأولى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"
والله ان ليفيا ذي نذلة لعبت بالبطل لعب هههههههه