على عكس شعر ليفيا أرفين الفضي الناعم، كان شعري الأسود القصير المتموّج يتأرجح بخفّة عند عنقي.
لم أعتد بعد على شعور رؤية نفس المشهد بمظهر مختلف. حتّى وإن علمتُ أنّ هذا الجسد هو جسدي، وأنّ تلكَ الأيام كانت استثناءً، لم أتمكّن من التأقلم بسهولة.
“بالمناسبة، ذلكَ المكان قريب.”
أثارت المناظر التي واجهتها ذكرياتٍ قديمة.
“هل قرأتَ بالفعل كلّ الكتب التي اشتريتها المرّة الماضية؟ ألم تشترِ الكثير؟”
“الكتب هي كنز أثمن من أيّ شيء. المعرفة لا تضرّ مهما تراكمت.”
“يجب أن أقتدي بكَ في هذا، لكنّني لا أميل إلى الكتب أبدًا.”
“هذا أمر جيّد. لو كنتِ تهتمّين بالكتب أيضًا، لما تبقّى لي شيء.”
“أوه، هل أنتَ غيور؟ هذا لطيفٌ جدًا.”
“إذا رأيتني لطيفًا، فهذا جيّد.”
كان كاليد، المشهور بأنّه عبقريّ في المبارزة، يجسّد معنى الجمع بين الأدب و القتال، وكانَ يحبّ الكتب كثيرًا.
كأصغر مَن حصل على شهادة تخرّج من الأكاديميّة في أقصر وقت، لم يكن كسولاً في تعلّمه.
أنا، التي كنتُ بعيدة عن الدراسة، لم أستطع مواكبة هوايته للقراءة، لكنّني أحببتُ رؤيته وهو يقرأ. كان مجرّد مشاهدة عينيه الغارقتين في الكتاب و وضعيته المستقيمة يجعل الوقت يمرّ بسرعة.
ربّما بسببِ تلكَ الذكريات، وجدتُ نفسي أمام المكتبة دون أن أدرك.
تاقَ قلبي لرؤية أثر من تلكَ الذكريات.
لأنّني اشتقتُ. لأنّه، حتّى في هذا العالم الذي عدتُ إليه بصعوبة، لم أستطع مقابلة الشخص بسهولة.
“مرحبًا~”
مع تحيّة بطيئة من صاحب المكتبة، الذي كان يقرأ خلف المنضدة، رنّ جرس نقيّ.
كانت المكتبة أكثر تهالكًا ممّا تذكّرت. مرّت خمس سنوات فقط، لكن رفوف الكتب كانت تحمل آثار الاستخدام الخشن بوضوح.
ومع ذلك، بقيت بعض الأشياء كما كانت. رائحة الكتب المألوفة، والكتب المكدّسة على الطاولة بسبب نقص الرفوف، كانت كما هي.
“آه.”
في زاوية بين الرفوف، لفتَ كتاب انتباهي.
كان كتاب قصص للأطفال أوصى به كاليد مازحًا لأنّني كنتُ أجد صعوبة في القراءة.
تذكّرتُ شعور ذلكَ اليوم عندما تلقّيتُ كتاب قصص مليء بالصور. ارتفعت زاوية فمي تلقائيًا.
“هذا… موجود هنا أيضًا.”
وسطَ الأجواء الهادئة الخاصّة بمكتبة الكتب القديمة، كان كتاب القصص الملوّن بارزًا بشكلٍ لافت.
لماذا يوجد كتاب قصص هنا؟ هل أخطأ أحد الموظّفين بوضعه؟
بينما كنتُ ألمس الغلاف، حملتُ الكتاب واستدرتُ حول الزاوية، فاصطدمتُ وجهًا لوجه بشخص دخل لتوه إلى المكتبة.
“آه!”
سقطَ كتاب القصص من يدي على الأرض. خشيتُ أن يكون قد تضرّر، فانحنيتُ بسرعة.
“آسفة. لم أنتبه…”
رأيتُ طرف حذاء عسكريّ بالٍ. بينما كنتُ أرفع رأسي وأنا أتصفّح الكتاب، توقّفتُ.
“…آه.”
سقطَ الكتاب الذي التقطته من يدي مرة أخرى بلا قوّة.
كان قلبي ينبض بعنف، كما لو أنّه تعرّف على صاحبه.
“لم أنتبه جيّدًا أيضًا، لذا لا حاجة للإعتذار.”
كان وجهًا أكثر نضجًا و أنحف ممّا تذكّرت.
كانت الهالات السوداء تحت عينيه مختلفة عن ذكرياتي أيضًا.
ومع ذلك، كان مألوفًا لدرجة أنّني شعرتُ بغبائي لعدم تمكّني من التعرّف عليه فورًا.
لم أنسه و لو للحظة.
لأنّني أحببته، لم أستطع نسيانه.
“هل أصبتِ بأذى؟”
لقد كان كاليد.
كان صوته يحمل نبرةً فظّة.
كان دائمًا غير مبالٍ و باردًا مع الآخرين غيري، والآن كنتُ مجرّد غريبة بالنسبة له، لذا لم يكن هناك سبب ليقول كلمات دافئة تجاهي.
عندما حدّقتُ في وجهه، عبسَ قليلاً. فزعتُ و أخفضتُ رأسي بسرعة.
“آه… أنا مَن لم أنتبه. آسفة.”
عندما اعتذرتُ متلعثمة، أومأ كاليد كما لو أنّ الأمر لا يهمّه و مرَّ بجانبي.
ارتجفت يدي دون وعي. أمسكتُ يدي الأخرى لأمنع نفسي من مدّ يدي إليه دون قصد.
شعرتُ وكأنّ الدموع ستنفجر في أيّ لحظة. أردتُ الجري نحوه و مناداته باسمه.
كان قلبي النابض يؤكّد مدى اشتياقي له، مما جعلني أشعر بمزيدٍ من الألم.
لم أستطع التحكّم بمشاعري، فدفعتُ ثمن الكتاب وخرجتُ مسرعة من المكتبة.
عادَ اللقاء غير المتوقّع بحزن أكثر من الفرح.
كانت نظرته باردة جدًا.
ربّما لن يناديني بلطفٍ مرة أخرى أبدًا.
شعرتُ وكأنّ السماء تنهار.
كنتُ أعرف بالفعل. أنا لستُ “ليفيا أرفين” التي أحبّها. حتّى لو قابلته، لن أكون المرأة التي أحبَّها.
كنتُ أعرف، لكن… مواجهة الواقع جعلتني أدرك أنّ معرفة ذلك لا تعني أنّ بإمكاني تحمّل الأمر.
كنتُ أريد رؤيته. اشتقتُ إليه. كنتُ مستعدّة للموت إذا استطعتُ مقابلته مرّةً أخرى. تخلّيتُ عن عالمي الأصليّ من أجل ذلك.
لهذا كان الألم أكبر.
“أختي! أين كنتِ؟ اشتريتُ الكعكات، لكنّكِ لم تكوني هنا… آه، هل أنتِ بخير؟”
متى عادت؟ اقتربت سيريل وهي تقفز بحماس.
كان عليّ أن أقول إنّني بخير، وإنّه لا شيء، لكن قلبي استمرّ في الخفقان.
“أختي، هل أنتِ مريضة؟ وجهكِ يبدو سيئًا جدًا…”
“نعم، أنا بخير. فقط… شعرتُ بشيء مفاجئ. أنا بخير.”
شعرتُ بدفء يدها وهي تمسك يدي بقوّة وصعدتُ إلى العربة.
على الرّغمِ من أنّ قلبي كان يهتزّ بشدّة، لم يكن لديّ الشجاعة للنظر إلى المكتبة مرة أخرى.
‘لا يزال يرتاد هذه المكتبة.’
لم أتوقّع أنّه، بعد أن أصيبَ بجرحٍ عميق عقب فسخ الخطوبة مع ليفيا، سيعود إلى المكتبة التي تحمل ذكرياتنا.
كنتُ آمل، ولو بشكلٍ ضئيل، أن ألتقيه، لكنّني كنتُ أعرف أنّ ذلك أمل زائف.
ومع ذلك، كما لو كانت كذبة، قابلتُ كاليد هناك.
كان اللّقاء غير المتوقّع صادمًا، لكن بعد أن هدأ قلبي قليلاً، شعرتُ بالامتنان لمجرد أنّني استطعتُ رؤية وجهه.
“هل أنتِ بخير حقًا؟ إذا أغمي عليكِ، ماذا سيقول أبي؟”
“شكرًا، سيريل. أنا بخير حقًا. إذا حدثَ شيء من هذا القبيل، سأخبركَ عنه .”
“إذن، أنتِ مريضة فعلاً؟ إذا شعرتِ بشيءٍ سيء ولو قليلاً، فلنعد!”
“يبدو أنّني جعلتكِ قلقة دون داعٍ… آسفة. أنا بخير حقًا. بما أنّنا وصلنا إلى هنا، يجب أن نذهب لاختيار فستان جميل، أليس كذلك؟ كنتِ متحمّسة لذلك.”
“همم… حسنًا. لكن إذا شعرتِ بشيء سيء حقًا، أخبريني فورًا. وعد!”
“نعم، هذا وعد.”
بعد أن عقدتُ وعدًا مع سيريل بربط أصابعنا الصغيرة، تحرّكت العربة مجدّدًا.
ألقيتُ نظرة خاطفة خارج النافذة. توجهت عيناي تلقائيًا نحو المكتبة.
على الرّغمِ من أنّ كاليد، الذي دخل للتوّ، لن يخرج بسرعةٍ، وعلى الرّغمِ من أنّني كنتُ أعرف أنّ النظر إليه قد يبدو مشبوهًا… بعد أن هدأ قلبي، أردتُ رؤيته مجدّدًا.
يا لها من مشاعرَ مضحكة.
كان من الطبيعيّ ألّا يتعرّف عليّ. ومعَ ذلك، شعرتُ بالجرح، و انهرتُ من نظرته، لكن… بشكلٍ غريب، كنتُ سعيدة برؤية وجهه. لذلك، توجهت عيناي إلى هناك مرّةً أخرى.
اعتدتُ الآن على هذه المشاعر المتناقضة، لكن نظرة كاليد الباردة ونبرته مع الغرباء كانت غريبة.
‘ومع ذلك… يجب أن أعتاد عليها.’
الوقت ثمين جدًا لأتأثّر بكلمة أو نظرة منه.
ربّما تبقّت الجروح، لكن من الخارج، بدا كاليد بخير.
كانت هناك دوائر داكنة تحت عينيه ويبدو نحيفًا قليلاً، لكن على الأقل، لم يكن منعزلاً في القصر كما تقول الشائعات.
ربّما كان من حسن الحظّ أن التقيته هنا.
لو رأيته لأوّل مرّة في الحفل، لما استطعتُ حتّى التظاهر بالهدوء أمامه.
يبدو أنّ مقابلته الآن كانت بمثابة تطعيم وقائيّ.
لهذا، كان الحفل الأوّل الذي سأظهر فيه كـ”إيرديا” في هذا العالم مرتقبًا… مع قليل من الترقّب وبعض الخوف.
‘لا بأس. فقط اتبعي الخطّة.’
على الرغم من أنّني ذاهبة الآن فقط لاختيار فستان، بدا أنّ الوقت حتّى الحفل سيمضي بسرعة أكبر ممّا توقّعت.
* * *
طقطقة
تردّدَ صوتٌ مألوف في الغرفة.
دخلتْ الخادمة، التي كانت تنتظر خارج الباب، بهدوء و جمعت شظايا كأس زجاجيّ مكسور.
يبدو أنّ هذا الأمر متكرّر، إذ كانت حركات يديها سلسة و سريعة، كما لو كانت تعرف أنّ التأخّر قليلاً قد يعني أن يطير الكأس نحو رأسها بدلاً من الأرض.
نظر إيدموند إلى سيّدته التي رمت للتوّ كأس النبيذ.
كأنّ الحاكم منحها بركة، كانت امرأة تمتلك جمالاً يشعّ قداسة.
قامة طويلة، شعر فضيّ يتدفّق عند خصرها، زوايا عينين متورّدتين، وأهداب طويلة تتجعّد بشكل جميل دون لمس.
فضلاً عن ذلك، كان جسدها المثاليّ بلا زوائد يجذب الأنظار.
كانت، بلا شكّ، شخصيّة تفرض حضورها على من يراها.
اسمها كان— ليفيا أرفين.
على الرّغمِ من أنّه اسمها، إلّا أنّ القليلين جدًا هم من ينطقونه.
في الإمبراطوريّة، كانت “صاحبة القوّة المقدّسة”. وكيلة الحاكم، القدّيسة… كانت هناك ألقاب كثيرة لها.
“إنّه عنيد. كانَ هادئًا لفترة، لكنّه بدأ يثيرُ المشاكل مجدّدًا.”
حتّى الكلمات البذيئة، عندما تخرج من فمها، كانت تبدو كلغة مقدّسة.
أجاب إيدموند بهدوء و هو يحمل كأس نبيذ جديد:
“هل هذا جديد على وليّ العهد؟ إنّها مجرّد محاولات يائسة من دودة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 20"