2
* * *
“أيّها الطّبيب! بسرعة!”
“المريضة في الغرفة 1605، استعادتْ وعيها!”
تحوّل الصّخب الذي يصمّ الآذان سريعًا إلى همهمات.
خلف رؤية ضبابيّة، بدت مشاهد فوضويّة تلوح بشكلٍ غامض.
سرعان ما اخدت رائحة الدّواء تضربُ أنفها، وأصوات أجهزة غريبة تُصدر طنينًا تصفع أذنيها.
كانت مألوفةً و غريبةً في آنٍ واحد.
هذا التّناقض في الحواس أثار خوفًا أعمق.
هذا العالم، الذي ظننتُ أنّني لن أراه مجدّدًا، غريب و مألوف في الوقت ذاته.
كنتُ أؤمن أنّني وصلتُ إلى ذروة السّعادة، وأنّ المستقبل لن يحملَ سوى السّرور و الضّحكات…
لكن، كما لو أنّ شخصًا ما يقول “أنتِ لا تستحقّين ذلك”، شعرتُ و كأنّني دُفعتُ إلى حافّة الهاوية. كأنّ هناك من يسخر منّي لمحاولتي عيش سعادةٍ في حياةٍ ليست لي.
“هل أنتِ مستيقظة؟ السّيّدة كيم جي-يونغ؟ هل تسمعينني، السّيّدة كيم جي-يونغ؟”
اسمٌ لم أسمعه طوال خمس سنوات، كانَ هناك من يناديه بيأس.
أردتُ نفي ذلك، لكنّ الواقع لا يمكن نفيه.
أنا… عُدتُ إلى هنا أخيرًا.
لم أتمكّن حتّى من وضعٓ الخاتم في يده، و انتهى تجسيدي في منتصف حفل زفافٍ كان مليئًا بالسّعادة.
* * *
في ليلةٍ عميقة، لا يمكن حتّى اعتبارها فجرًا، صدمتني شاحنة في زقاقٍ خالٍ من النّاس.
خلف ذكرى ضبابيّة، كانت رائحة الكحول النّفّاذة تنبعث من الشّخص الذي كان ينظر إليّ من الأعلى.
كما هو متوقّع، كان حادث دهسٍ و هرب.
بعد ذلك الحادث، عندما فتحتُ عينيّ مجدّدًا، كنتُ قد أصبحتُ “ليفيا أرفين”.
كنت أؤمن أنّ جسد كيم جي-يونغ قد مات، و كانَ ذلك اعتقادًا طبيعيًّا.
ففي الرّوايات و القصص المصوّرة، كان من المعتاد أن يموت الجسد الأصليّ بعد التّجسد، أليس كذلك؟
لم أعرف لماذا أصبحت ليفيا أرفين تحديدًا، لكن لم أشكِّكْ يومًا في أنّ جسد كيم جي-يونغ قد مات.
لكن، ذاتي أنا، التي ظننتُها ميتة—جسدي—كانت على قيد الحياة.
كان الجميع يسمّي ذلك معجزة.
لكن بالنّسبة لي، كانت هذه “المعجزة” أقسى من عقوبة الجحيم.
“معجزة، بالطّبع! كان الجميع يظنّ أنّها ماتت. قالوا إنّها كانت امرأةً شابّة في العناية المركّزة، ولم يرَ أحدٌ علامات وعيٍ عليها.”
قالوا إنّها بقيت أشهرًا متّصلة بجهاز تنفّس، و بدون وعي، لكن مع وجود تفاعل حيويّ، لم يتمكّنوا من إعلان وفاتها بالموت الدّماغي.
تحسّنتْ حالتها تدريجيًّا، فأُنقلت إلى غرفة عاديّة، و بمساعدة متقطّعة من الممرّضات، قضت عامًا مستلقية.
في العالم الآخر، مرّت خمس سنوات، لكن هنا، لم يمرّ سوى عامٍ واحد.
“يا صغيرتي، يا صغيرتي؟ نجوتِ بمعجزة، يجب أن تأكلي جيّدًا! هكذا ستستعيدين قوّتكِ بسرعة.”
كانت الجدّة المتطفّلة في السرير المجاور تنصحني كما لو كنتُ حفيدتها.
كانت تلك الجدّة ، التي شهدت تعافي شخصٍ نجا بمعجزة، تحتفل بتعافيّ و كأنّه أمرٌ يخصّها.
حتّى شخص غريب يفرح بهذه المعجزة، لكن بالنّسبة لي، كان بلع لقمة واحدة من الطّعام جهدًا عظيمًا، كأنّني في جحيم.
“ماذا أفعل…؟ كيف يمكنني العودة؟”
كلّ ما يشغل عقلي هو ذلك العالم الآخر.
لم أهتمّ حتّى بجسد كيم جي-يونغ الذي عادَ إلى الحياة بمعجزة.
بسبب استلقائي في السرير لمدّة عام، أصبح جسدي نحيفًا جدًا، و بسببِ آثار الحادث، أصبتُ بعرج في إحدى ساقيّ.
كنتُ بحاجة إلى تدريب إعادة التأهيل ، لكن قيل لي إنّني قد لا أتمكّن من استخدام ساقي بالكامل حتّى بعد التّعافي.
كأنّ شخصًا ما يهمس لي: “هذا هو المصير الذي كان يجب أنْ تعيشيه”.
شعرت بالغثيان والانزعاج.
وجهه، بينما كان يمدّ يده نحوي بنظرات قلقة، لا يزال محفورًا بوضوح في عينيّ.
“هل كان حلمًا؟ مستحيل.”
لم يكنْ حلمًا بأيّ حالٍ من الأحوال.
الخمس سنوات هناك كانت رائعة كالحلم، لكنّها لم تكن حلمًا أبدًا.
كمْ كافحتُ لأحصلَ على تلكَ السّعادة.
لم تكن حظًا، بل نتيجةً ناضلتُ من أجلها.
“…كاليد.”
أغمضتُ عينيّ بقوّة.
لن أستسلم أبدًا.
يجب أن أجد طريقةً للعودة إلى ذلك العالم بأيّ ثمن.
لكن، لأفعل ذلك، يجب أن أتمكّن من تحريك جسدي أوّلاً.
ملأتُ الملعقة بالأرز ودفعته إلى فمي بالقوّة.
“يا إلهي، تأكلين جيّدًا! سمعتُ أنّكِ ستخضعين لتدريبات إعادة التأهيل، يجب أن تأكلي جيّدًا لتكتسبي القوّة!”
مضغتُ الأرز، الذي بدا كحبات الرّمل الخشنة، وابتلعته بالقوّة.
كانَ عليّ أن أسرع. يجب أن أستعيد قوّتي بأسرع ما يمكن.
* * *
كان قصر أرفين مغطّى بأجواء ثقيلة وحزينة.
منذ يومٍ ما، بدأت الحديقة، و الممرّات، و غرف الاستقبال، و حتّى غرفة الطّعام تُملأ بمزهريّات مليئة بالزّهور الجميلة.
كانت زهرة الزّعفران الصّفراء، التي تزيّن الحديقة كلّ ربيع، قد أصبحت رمزًا لعائلة أرفين.
كلّ هذه التّغييرات بدأت من يدي ليفيا أرفين.
بعد حادث العربة قبْل خمس سنوات، عندما استعاظت وعيها، نقلت غرفة نومها إلى الغرفة التي تتلقّى أكبر قدرٍ من ضوء الشّمس.
منذُ ذلك الحين، بدت كشخصٍ مختلفٍ تمامًا.
منذ ذلك اليوم، لم يُغطِّ ظلٌّ غرفتها أبدًا.
…حتّى اليوم.
“لماذا سقطت فجأة؟ كانت بخير حتّى الصباح…”
“هل من الممكن أن يكون شخصٌ ما قد استهدفَ ليفيا مجدّدًا؟”
شحب وجه الدّوقة أكثر، ثمّ ترنّحت.
“سموّ وليّ العهد كانَ إلى جانبها، لذا لا أعتقد أنّ هذا صحيح.”
“ومع ذلك، أن تسقط فجأةً أثناء الحفل وهي بتلك الصّحة، هذا غريب جدًّا.”
عند كلامِ الدّوقة، أظلمت تعابير دوق أرفين أيضًا.
قيل إنّ جسدها لا يعاني من أيّ خلل، لكن أن تسقط سيّدة القوّة المقدّسة بدون سببٍ أمر نادرٌ جدًّا.
إذا لم يكن هناك تدخّل خارجيّ، فلا تفسير لذلك.
تنفّس دوق أرفين بهدوء، خشية أن تسمع الدّوقة الحسّاسة تكهّناتٍ قد تزعجها أكثر.
كان وجه الدّوقة شاحبًا كالثّلج، و كأنّها قد تسقط إذا لم تستيقظ ليفيا قريبًا.
بينما كانَ يفكّر فيما يقوله، فُتح الباب، و دخلَ شوريل إلى غرفة النّوم.
“أبي.”
“هل انتهيتَ من التّرتيبات؟”
“شرحتُ الوضع للضّيوف وأرسلتهم عائدين. لحسن الحظّ، تكفّل الكاهن الأكبر بنفسه بفحص أختي، فلم تكنْ هناك صعوبة كبيرة في التّفسير.”
“لقد تعبتَ كثيرًا.”
“لم أفعل الكثير. بفضل سموّ وليّ العهد الذي تكفّل بالتّرتيبات بنفسه، كلّ ما فعلته هو وداع الضّيوف.”
توقّف حفل الزّفاف بالطّبع.
لم تكتمل مراسم التّعهد، و سقطتْ هي بعد أن أدّى أحدهما القسم فقط.
الزّوجان اللذان لم يكملا التّعهد لا يُعترف بهما كزوجين رسميّين.
مهما كانَ حفل الزّفاف فخمًا، فهذه قاعدة لا تتغيّر.
نظر شوريل إلى أخته المستلقية كأنّها نائمة، بعيونٍ معقّدة.
“ما الذي قيل عن السّبب؟”
“حتّى الكاهن الأكبر قال إنّه لا يعرف السّبب الدّقيق.”
عبس دوق أرفين بعمق.
تذكّر كلامَ الكاهن الأكبر قبل مغادرته:
“لقد استنفدتْ قوّتها المقدّسة بشكلٍ كبير. من الغريب أن تُفقد كميّة كبيرة من القوّة المقدّسة فجأة. لقد فقدت وعيها بسبب صدمة فقدان كميّة كبيرة من القوّة دفعةً واحدة، لذا ستفتح عينيها عندما تستعيد قوّتها.”
لم يُعرف سبب استنفادها للقوّة المقدّسة، لكن كميّة كبيرة منها فُقدت، ما جعلها تسقط.
كان واضحًا أنّ هناك شيئًا وراء ذلك.
لكن، مهما فكّر دوق أرفين، لم يستطع تخمين سبب قد يدفع ليفيا لاستخدام قوّتها المقدّسة سرًّا.
على الأقل، ليفيا الأخيرة لم يكن لديها أيّ سببٍ لفعل ذلك.
“كم كانت أختي تتطلّع إلى هذا اليوم… لم أتوقّع أن يحدث شيءٌ كهذا.”
“ستشعر بخيبة أملٍ كبيرة عندما تستيقظ. يجب أن نعدّ طعامًا يُنعشها.”
غادرت الدّوقة الغرفة متكئة على خادمة، وهي تترنّح.
عمّ صمتٌ هادئ الغرفة المتبقّية.
لم يعرف الدّوق ولا شوريل ماذا يقولان.
كلّ ما أراداه هو أن تستيقظ ابنته وأخته في أقرب وقتٍ ممكن.
طق—
فُتح الباب، ودخلَ وليّ العهد، بمظهره المهيب، إلى غرفة النّوم.
“سموّ وليّ العهد.”
“ليفيا…ألم تستيقظ بعد؟”
نزلت بركة الحاكم المقدّسة على ليفيا، لكن قيل إنّ كاليد هو من حصلَ على البركة الجسديّة، إذ كان وليّ عهدٍ مثاليّ في كلّ شيء.
بمظهرٍ أدقّ من التّماثيل، وبنيةٍ قويّة مُتخصّصة في فنون السّيف. كان عبقريًّا في السّيف، لم يُهزم أبدًا.
حتّى شخصٌ مثله، كانَ هناك من يُهزمه.
ليفيا أرفين.
قبل خمس سنوات، هزمته حرفيًّا، وفي السّنوات الأخيرة، كانت تهزمه عاطفيًّا باستمرار.
الفرق الوحيد هو أنّ خساراته الأخيرة كانت مبهجة بالنّسبة له.
“سأبقى إلى جانبها الآن.”
“لكن سموّك لم يرتح بعد.”
“أليس هذا ينطبق عليكَ أيضًا ، أيّها الدّوق؟”
“إنّها ابنتي. من واجب كأبٍ البقاء إلى جانبها.”
لم يقل كاليد شيئًا أكثر، و أومأ برأسه.
جذب كرسيًّا بهدوء وجلس بجوار السّرير، ثمّ مسح وجهه كمن يشعر بالإرهاق.
“إذًا، فلننتظر معًا.”
بدأ هادئًا من الخارج، لكنّه لم يكن كذلك في داخله.
كم كان مذهولاً عندما حمل جسد ليفيا المنهارة؟ شعر أن قلبه توقّف من وزن جسدها المرتخي.
“هل قيل إنّها استهلكت قوتها المقدسة بشكل كبير؟”
“…نعم، هذا صحيح.”
“هل يمكن معرفة أين ذهبت تلك القوة؟”
“اختفت. لحسن الحظ، قال الكاهن الأكبر إنّ القوة المقدّة المستهلكة ستعود مع الوقت.”
تحدّث دوق أرفين وهو يراقب كاليد بحذر.
في الأصل، لم يكن كاليد يُحبّ قوّة ليفيا المقدّسة، لأنّها استخدمت تلك القوة لارتكاب أفعالٍ لا تُردّ.
لكن، قبل خمس سنوات، عندما تغيّرت كأنّها شخصٌ آخر، بدأت تستخدم قوّتها بشكلٍ صحيح، و قَبِلها النّاس، الذين كانوا يشكّون فيها في البداية، أخيرًا.
حتّى الدوق و الدوقة، اللذان قطا علاقتهما بابنتهما، كانا كذلك.
ليفيا المتغيّرة كانت مختلفة جدًا عن ابنتهما السّابقة، لكنّ الدّوقة الحسّاسة رحّبت بهذا التّغيير.
لذا دعما ابنتهما المتغيّرة بدون كلام.
صدّقا كلام ليفيا بأنّها “ستعيش حياتها نادمة إلى الأبد”.
ربما حتّى كاليد، الذي كانَ يكرهها أكثر من عائلتها، كان يؤمن الآن بصدقها.
كان ذلك بسبب وزن صدقها الذي بنته على مدى الخمس سنوات الماضية.
“أغ… أممم…”
في تلك اللّحظة، أصدرت ليفيا، التي كانت مستلقية كأنّها ميتة، أنينًا و عبست.
ارتجفت جفونها الرّاقصة، كما لو أنّها ستفتح في أيّ لحظة.
“ليفيا!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"