بعد فسخِ الخطوبة الملطّخ بالعار، عانى كاليد لمدّة ثلاثِ سنوات كاملة في الألم والصراع. لم يكن الألم جسديًا، بل كانَ في القلب والعقل، مما جعلَ الأمر يستغرقُ وقتًا أطول.
تصرّفات حبيبته المتغيّرة كانت كما لو عادت إلى ما قبل تبادل الحبّ. أصبحت الأوقات السعيدة كحلمٍ باهت، و عانى من الأرقِ كلّ ليلة.
لم ينتهِ ذلكَ الأرق بعد. كان شعورًا كأنّه مصاب بمرض عضال لا يُشفى.
الآن، عند رؤيتها، لم يعد يشعر بالعاطفة، بل بالاشمئزاز فقط.
لكن إذا أرخى حذره ولو للحظة، كانت ذكرياته الهشّة معها تتسلّلُ إلى ذهنه. كانت الأمور أسوأ عادةً عندما يكون مرهقًا و قبل أنْ ينام مباشرة.
عندما يغلق عينيه، تظهر و هي تهمس بكلمات الحبّ…
و شعور التضارب مع ليفيا الحاليّة يجعل معدته تتقلّب فيصيبه صداع شديد.
كانَ من النادر أن تطفو الذكريات دون أن ينام، وهذا لم يحدث منذ وقت طويل.
“…من بين كلّ الأسماء.”
من بين كلّ الأسماء، كان اسم ابنة الماركيز بالتبنّي هو “ذلك” الاسم.
نقر كاليد لسانه بنزعة وضغطَ على عينيه بقوّة.
في النهار، كان يأخذ قيلولات قصيرة، وفي الليل، كان ينغمس في عمله داخل الغرفة الدراسيّة.
بينما كانَ يصارع للحفاظ على عقله، كانت ليفيا أرفين، كما لو كانت تعيد الزمن إلى الوراء، تقلب السنوات الخمس التي تابت فيها عن خطاياها وتبدأ من جديد في أفعالها الشريرة.
كانت صورة توبتها و اعتذارها الصادق لا تزال واضحة أمام عينيه، لكنّها كانت تكتب الآن خطايا جديدة كما لو لم تفعل ذلك أبدًا.
“…هاه.”
لم تتلاشَ الذّكريات التي تطفو بسهولة.
على وجه الخصوص، كانت ذكريات تلكَ المرأة تملك إصرارًا خاصًا في التعلّق به.
نهض كاليد بنزعة، وأخرجَ زجاجة نبيذ من خزانة زجاجيّة تبدو غير متناسقة بين رفوف الكتب.
صبّ سائلًا أصفر لا شكّ أنّه نبيذ قويّ في كأس وشربه دفعة واحدة.
عبس تلقائيًا بسبب رائحة الخمر القويّة، لكن ذلك كان كل شيء.
الآن، اعتاد عليها لدرجة أنّ الرائحة القويّة كانت تزعجه فقط، ولم تكن قوتها تحرّكَ فيه أيّ إحساس.
شعر بالسّائل الحارّ يمرّ عبر حلقه ويغطّي معدته، وهو يعبث بشعره المرتب.
لم يكن يرتدي ملابس ضيّقة، لكنّه لم يعرف لماذا كان التنفّس صعبًا إلى هذا الحدّ.
ملأ كاليد الكأس مرّة أخرى، وشرب النبيذ القويّ، ثم عادَ بخطوات ثقيلة إلى مكتبه المكدّس بالأوراق.
حتّى لو شرب نبيذًا قويًا، فإنّ ليالي الأرق تظلّ كما هي، وحتّى لو تقيّأ الذكريات التي تطفو، لن تصبح الليالي أقصر.
بعد أن كرّر ذلك آلاف المرّات، أصبحَ الآن قادرًا على التصرّف ببرود ظاهريّ.
تجعّد!
كاليد الذي كان يعتصر الورقة التي أثارت الذكريات، أخذ نفسًا عميقًا.
كان نفسًا عميقًا لدرجة أنّ صدره ارتفع. ثم جلس بهدوء.
“لا شيء.”
إنّها مجرّد بقايا ذكريات كان يعتقد أنّها سعيدة ذات يوم.
كرّر ذلكَ عدّة مرّات في ذهنه، و رمى الورقة المجعّدة في سلّة المهملات.
على المكتب، بين أكوام الأوراق، كانت زجاجة نبيذ نصف فارغة تحتلّ مكانها بهدوء.
* * *
لم يبخل الماركيز فالاندي بدعمه على الإطلاق.
لقد أعطاني غرفةً فاخرة أكثر من اللازم، ولم أستطع التأقلم معها بسهولة، ثم أعطاني أيضًا مجوهرات وأغراض باهظة الثمن.
وعلاوة على ذلك، كانت سيريل، الابنة الوحيدة لعائلة الماركيز، متوجّسة في البداية من ظهور “أخت” مفاجئة، لكن بعد عدّة لقاءات، بدأت تتبعني و تناديني “أختي، أختي”، مما جعلَ الماركيز أكثر سعادة.
كانت سيريل هي الشّخص الوحيد الذي كان بإمكانه معارضة وجودي. كانَ من الممكن أن تشعر بالتهديد من ظهور أخت مفاجئة، لكنّها رحّبت بي دون أيّ تردّد، مما جعلني سعيدة ومذهولة في آن واحد.
“لذا قلتُ بصوتٍ عالٍ إنّ لديّ أخت الآن!”
آخر مرّة رأيتها فيها، كانتْ طفلة صغيرة تصل إلى خصري، لكن عندما رأيتها مجدّدًا، لم يكن هناكَ فرق كبير في مستوى العينين.
كانَ ذلك جزئيًا لأنّني كنتُ أقصر من ليفيا أرفين، لكن كان لنمو سيريل السّريع خلال السنوات الخمس تأثير كبير أيضًا.
كما قال الماركيز إنّها تشبه زوجته المتوفاة، كانت سيريل جميلة جدًا و طويلة بشكلٍ ملحوظ.
‘كل ما كانتْ تأكله ذهبَ إلى طولها، لا شكّ في ذلك.’
على الرغم من أنّها في الثانية عشرة فقط، كان من المثير للغيرة أنّ فرق الطول بيننا، وأنا البالغة، كان ضئيلاً.
كان العزاء الوحيد أنّ سيريل كانت أطول بكثير من أقرانها.
“و تلكَ الطفلة، هل لديها أخت أيضًا؟”
“نعم! دائمًا ما تزعجني، و عندما أحاول ردّ الأذى، تقول بأنّها ستخبر أختها، وهي تتصرّف بغيظ شديد!”
عندما فكّرتُ في الأمر مجدّدًا، كانت عيناها المتورّدة تتلألأ بالغضب.
على الرّغمِ من أنّ حجمها كان يتجاوز أقرانها بكثير، كان في كلامها وسلوكها براءة خاصّة بسنّها، مما جعلها لطيفة.
“لكن الآن لديّ أخت أيضًا! إذا أزعجني أحد، يمكنني أن أخبر أختي، أليس كذلك؟”
كانت الإثارة واضحةٌ على خدّيها المتورّدين، وكانت تلقي نظراتٍ خجولة عليّ. كانت تشعر بالخجل من طلبها أن أوبّخ من يزعجها نيابة عنها، وكانت يداها المجتمعتان تتحرّكان باستمرار.
“بالطبع. إذا أزعج أحد سيريل الجميلة، سأوبّخه نيابة عنكِ. من يجرؤ على إزعاج أخت صغيرة جميلة مثلكِ؟”
“أوه… أنتِ الأجمل، يا أختي.”
كانت تلوي جسدها بخجل وهي تردّ المديح بحبّ، وكان ذلكَ رائعًا.
كانت مختلفة تمامًا عن سيريل قبل خمس سنوات، التي كانت خجولة و قليلة الكلام.
عندما كنتُ ليفيا، أغدقتُ الحبّ على سيريل التي كانت تعاني من جرحٍ عميق. مع مرور الوقت، وصلت مشاعري إليها تدريجيًا، وقبل حفل الزفاف، كانت تبتسم بخجل و تجلب زهرة جميلة لتهنئتي.
للأسف، بسببِ تجاهلي البارد لها في قاعة الحفل وكلماتي الجارحة، لم تخرج سيريل من غرفتها لمدّة عام تقريبًا، كما قيل.
لم أكن أنا من فعل ذلكَ حقًا، لكن سماع هذه القصّة جعلني أشعر بالذنب والأسف، وأنفي يحترق.
لحسنِ الحظ، الآن، كبرتْ ببراءة نقيّة و مشرقة، وبدأتْ في الذهاب إلى الأكاديميّة ولو متأخرًا، مما جعلني أشعر بالارتياح.
شعرت سيريل بنظرتي الراضية، فمالت رأسها و ابتسمتْ بخجل.
“أختي، إذن… ستذهبين معي إلى حفل القصر، أليس كذلك؟”
“هناكَ حفل؟”
“نعم! إنّه الحفل الذي يُقام مرّتين في السنة لطلّاب الأكاديميّة. يقول أبي إنّه كلّه لأغراض المصلحة، لكن…”
حفل القصر لطلّاب الأكاديميّة.
كانت الأكاديميّة في إمبراطوريّة إيفيرنيا مؤسّسة يمكن الالتحاق بها حتّى سنّ الرابعة عشرة. كان الشيء المميّز هو طريقة التخرّج: بالإضافة إلى التخرّج التلقائي بناءً على العمر، كانت هناك شهادة تخرّج “الختم” التي لا يحصل عليها إلّا الطلّاب المتميّزون.
كان الامتحان صعبًا للغاية، وعدد الناجحين سنويًا كان قليلاً جدًا، لذا أصبحت تلك الشهادة رمزًا للكفاءة.
كان الحفل الذي يُقام في القصر مخصّصًا لدعوة هؤلاء الطلّاب المتميّزين فقط. كان الهدف هو تعزيز التواصل بين النبلاء والعامّة أو المواهب الواعدة، وكانت العائلات ترسل أشخاصًا إلى هناك للبحث عن علاقات مستقبليّة.
على الرّغمِ من أنّه حفل للأطفال، إلّا أنّ أهميّته لم تكنْ صغيرة.
“تلكَ الطفلة قالت إنّ أختها ستأتي أيضًا. الآن لديّ أخت أيضًا… أريد حقًا أن نذهب معًا هذه المرّة.”
“هل يمكنني الذهاب؟”
“بالطبع! قال أبي إنّه يوافق إذا كنتِ موافقة!”
بما أنّ الماركيز وافقَ بسخاء، لم يكن هناكَ سبب للرفض، والأهم من ذلك، كانت فرصة نادرة لدخول القصر دون القلق بشأنِ أعين الآخرين.
حتّى لو كانَ الحفل مخصّصًا للأطفال، فإنّ مكان القصر بحدّ ذاته كان ذا أهميّة كبيرة.
‘ربّما… أستطيع رؤية ذلكَ الشخص.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"