تردّدَ صوت جرس ضخم في برج الكاتدرائية بعيدًا، معلنًـا الوقت بوضوح.
كانت نسمة الخريف المنعشة تهبّ برفق، و بوابات القصر الإمبراطوري، التي كانت مغلقة عادة، فُتحت على مصراعيها.
لم يُسمح للعامّـة بدخول القصر بعد، لكن مجرّد القدرة على رؤيته من بعيد أشعلت الفرح في قلوبهم.
تـمّ بناء منصة عالية في وسط راجان المعـاد بناؤها، لتكون مرئية من كلّ مكان. وقفَ كاليـد فوقها، مرتديًا زيّ الإمبراطور.
عباءة سوداء من الخارج و بيضاء من الداخل، مزيّنـة بالتطريز الذهبي و الزّخارف المتألقة، و شعره الأشقر المصفف بعناية إلى جانب يتناغم مع الزّي، متألقًا أكثر من المعتاد.
رفـعَ البابا بيرين تاج الإمبراطور من فوق المذبح.
هدأت أنفاس الجميع في الساحة، و وُضع التاج الذهبي، المتلألئ تحتَ أشعة الشمس، على رأس كاليـد.
“جلالة الإمبراطور الجديد للإمبراطورية!”
كانت تلكَ اللحظة التي أصبح فيها كاليـد، بعد معركة طويلة و وحيدة، إمبراطورًا أخيرًا.
على الرّغمِ من أن ترتيب الطقوس منـعَ إيرديا من الوقوف بجانبه مباشرةً، شعرت بأنّ قلبها ينتفخ بالفخر وهي ترى حبيبهـا يصبح إمبراطورًا.
ركـعَ النّبلاء و الفرسان معًا، و أخفض المواطنون رؤوسهم في انسجام لتحيّـة الإمبراطور الجديد.
انتهت مراسم التتويج الرسمية و المهيبة بسرعة.
كان الإمبراطور الجديد عاشقًـا متحمّسًـا، وكان أكثر شغفًا بحفل الزفاف الذي سيعقب مباشرةً من مراسم تتويجه.
بدأت مراسم الزّفاف قريبًـا.
انفجرت الألعاب النارية الرائعة في السماء، و تطايرت بتلات الزهور من مكانٍ ما، متناثرة بلا توقف.
بعد مراسم التتويج مباشرة، وقف البابا بيرين و ممثلو النّبلاء، الذين أصبحوا ضيوفًا بشكلٍ غير متوقع، بجانبِ كاليـد.
“إنها ليست المرة الأولى، فلمـاذا أنتَ متوتّـر جـدًا؟”
“اخرس. لم تمـرّ أبدًا بتجربة رؤية عروسكِ تنهار أمامكَ.”
“لم يكن لديّ عروس أبدًا.”
“هل يجب أن أهتـمّ بذلكَ أيضًا؟”
“أرفض. ذوقكَ، يا صاحب الجلالة، ليس ذوقي.”
“هل تقصد أن إيرديا لا تعجبـكَ؟”
“للأسف، أعتقد أن السّيدة إيرديا، التي ستصبح الإمبراطورة قريبًا، هي الوحيدة.”
“ممنوع الاقتراب من إيرديا لأكثر من خمس خطوات.”
“…لن أقبل أوامر غير عادلة.”
“إنّـه أمـر الإمبراطور.”
توقّف جيرمان للحظة، ثم نظـرَ إلى إيرديا وهي تنزل من عربة ذهبيّة بعيدًا و تمتم:
“هل يمكنني إخبار الإمبراطورة بذلك؟”
“…ألغـي الأمر.”
هكذا أصبحَ أمر الإمبراطور لاغيًا في لحظة.
ضحكَ جيرمان بخفّة وهو يرتّب ملابسه المبعثرة بسرعة. لم يكن غافلاً عن مشاعر سيّـده، الذي لا يزال لديه صدمة من حفل زفافـه السّابق.
على عكسِ نبرته الحادة، كان يصلّـي بصمت هذه المرة ليحقق سيّـده حياةً زوجية كاملة مع حبيبتـه.
غير مدركة للضجيج على المنصة، صعدت إيرديا السّلالم ببطء تحتَ أشعة الشّمس الساطعة.
كانت ترتدي فستانًا أبيض نقيًا، مزيّنًـا بمجوهرات ذهبية مقدمة من المعبد، و السّلسلة المقدّسة على معصمها.
تقـرّر نفي الإمبراطورة سيليان إلى جزيرة في الجنوب بنتيجة المحاكمة. تـمّ أخذ قرار المجلس النهائي، بقيادة الماركيز لوكادور، وما أكّـده كاليـد بنفسه من خلال تفقد شؤون الإمبراطورية، بعين الاعتبار.
هـزّ بذخ و فساد الإمبراطور السّابق البلاد، و كان الفساد لا نهائيًا.
في ظل استنفاد المال و المواهب، دعمت سيليان شؤون الإمبراطورية بالكاد من خلال الدبلوماسية و تجارة عائلة لوكادور الغربية.
عندما ظهرت هذه الحقائق بوضوح، كان من الصّعب معاقبتها فقط كـ”خائنة قتلت الإمبراطور”.
كانت الجزيرة الجنوبية، مكان نفيها، بمثابة منتجع.
بالنّسبة لها، هي التي عاشت محبوسة في القصر الإمبراطوري دونَ قصد طوال حياتها، كانت حريّـة متأخرة.
كانت السّلسلة المقدّسة أيضًا هدية قدّمتها سيليان لإيرديا قبل مغادرتها، عندما حاولت إيرديا إعادة شيء استعارته من كاليـد.
“كانت هذه منذُ البداية أداة مقدسة يجب أن تمتلكها سيّدة القوة المقدسة. خذيهـا، إنّهـا لـكِ.”
“…شكرًا.”
“أنا مَـنْ يجب أن أشكركِ. لم أعد قادرة على فعل المزيد… أرجوكِ، اعتني بـه جيّدًا.”
كانت تأمل أن ترى مراسم التتويج و الزفاف قبل مغادرتها، لكن لكونها “عقوبة”، لم يكن بالإمكان تأخيرها.
عندما لم يتمكنوا من مطابقة التواريخ حتى بعد تقديم موعد الطقوس، قـرّروا استخدام أداة الاتصال المرئي الخاصّة بالإمبراطور.
ببذل قوى السحرة، تـمّ تمكين الجميع في راجان و أنحاء الإمبراطورية من مشاهدة “زفاف الإمبراطور و سيّدة القوة المقدسة”.
بينما كانت تصعد السلالم المغطاة بالسّجاد الأحمر، فكّرت إيرديا.
فكّرت في ذلكَ الشّخص الذي وقفَ ذاتَ مـرّة بمفرده في نهاية سجادة بيضاء.
كان الشّيء الوحيد المشترك هو أنّـه حبيب لا يُقدّر بثمن حتى لو قدّمت كل شيء من أجلـه، لكن “أنـا” الحالية مختلفة، و حجم الحفل مختلف أيضًا.
لكن الطريقة التي أحاطته بها أشعة الشمس الذهبية كانت كما كانت من قبل.
كانت المنصّـة محاطة بحشود، لكن عينيّ إيرديا لم تـرَ سوى الشّخص الوحيد الواقف في نهاية السلالم.
مثل ذلكَ الوقت، اقتـربَ كاليد بعجلة طفيفة و مـدّ يده.
عندما وضعت يدها بحذر على يده، أمسكها بقوّة كما لو أنه لن يتركها أبـدًا هذه المرة.
“أنـتَ تجعلنـي متوتّـرةً جـدًّا.”
“مـاذا…؟”
“لم تخبرنـي أنّـكَ ستكون بهذه الوسامة.”
رسمَ ابتسامة و كأنه لا يستطيع مقاومة ذلك، مرفرفًا بحاجبيه.
“و أنـتِ بـدوركِ، تفاجئينني دائمًا بجمالـك، لكن اليوم… أودّ إخفـاءك عن أعيـن الجميـع. حسنًا، أنـتِ بطلـة اليوم، فهذا متوقّـع.”
ظنت أنها أخذت زمام المبادرة، لكن كاليـد كان دائمًا متفوّقًا في الكلمات المحرجة، سواء آنذاك أو الآن.
في النّهاية، كانت إيرديا هي مَـنْ صمتت.
“سنبدأ مراسم القسم.”
مع إعلان البابا بيرين، أخرجَ خاتمًا من صدره.
كان الخاتم، الذي يشكّل زوجًا مع تاج مصنوع حديثًا، يتلألأ ببريق رائع.
تقاطرت المشاعر في قلبها.
وضعَ كاليـد الخاتم بحذر على إصبعها الذي يحمل آثار الزمن، بوجهٍ متوتّـر جدًا.
“أنـا، كاليد نومين إيفيرنيا، أقسم أمام الحاكم بيسيا. إيرديا، سأحبّـكِ أنـتِ فقط إلى الأبـد.”
كانت يده، التي اعتادت حمل السيف، كبيرة و صلبة و دافئة.
نظرت إلى عينيه الحمراء المليئة بالحب، ابتسمتُ بفرح و أقسمتُ:
“أنا، إيرديا فالاندي، أقسم أمام الحاكم بيسيا. كاليـد، سأحبّـكَ إلى الأبد.”
كان قسمًـا حقيقيًّـا بذاتي “أنـا” الحقيقيّة، و الذي لم أستطع قوله آنذاك.
كان قلبي ينبض كما لو أن أنفاسي توقفت.
مـرّت لحظات الشوق اللامتناهي عندما عـدتُ إلى عالمي الأصلي بمفردي، و تجمّعت الدموع في عيني، لكن الفرح و النشوة و السعادة جعلتني أضحك أولاً.
“أقسم أن حياتـكِ المتبقية ستكون مليئة بالسّعادة فقـط.”
“وأنا أيضًا. كاليـد، إلى جانبـكَ… يمكنني التغلب على أي مصير.”
عندما انتهى القسم، تـردّد هتاف عظيم عبر سماء راجان.
هتفَ العديد من الحشود في جميع أنحاء الإمبراطورية و هم يشاهدون البث.
حتى في راجان، بـاركَ النّاس الإمبراطور و الإمبراطورة الجديدين من خلال الشاشات، حتى لو لم يروا الحدثَ مباشرة.
كانت الهتافات و دموع الفرح التي تردّدت في كل ساحة مثل موجة هـزّت الإمبراطورية بأكملها.
ترددت أصوات الأجراس و بوق الشمال و طبول الجنوب معًا، و تطايرت بتلات الزهور في الرياح، متألقة تحتَ أشعة الشمس.
كان المشهد ساحرًا، كما لو أن الحاكم منـحَ الاثنين بركتـه.
كما كان الحال مع الإمبراطور و الإمبراطورة الأوائل، بدا و كأن الإمبراطورية التي سيحكمها كاليـد و إيرديا سيكون لها مستقبل مشرق فقط.
ظننتُ أنني تجسّـدتُ في جسـد شريرة.
لكن في نهاية محاولة تقليدي للقديسة الخرقاء، عـدتُ إلى جسدي.
ربّما كانت يجـبُ أن تكون تلكَ هي نهاية مصيري.
نسمة صغيرة.
لكنها كانت طمعًـا لا يجب أن أطمح إليه، و قد تحقّقت أمنيتي بطريقةٍ أخرى.
لا يجب وضع روحين في جسدٍ واحد.
لذلك، أنا ممتنّـة بعمق لهذا الشّيء.
لأنّـه لم يتّم إعادة تجسيدي في جسـد ليفيا، بل تـمّ نقلي إلى هذا العالم كمـا أنـا.
لأن هذا الاختيار صنـعَ هذه النّهايـة.
أغمضتُ عينيّ ببطء و فتحتهما.
كنتُ أتنفّـس في هذا العالم بجسدي الخاصّ، و لم أعـد بحاجةٍ إلى الشّعور بالذّنب لسرقـة حياة شخصٍ آخـر.
مثل بتلات الزّهور التي تطايرت في السّماء البعيدة، بحرية—كل ما علـيّ فعله هو مواصلة مصيري الممنوح إلـيّ.
بدأت حيـاة إيرديـا الآن.
_____________
-النهاية-
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 147"