بسببِ التّفكير المستمر في حل الأزمة، شعرت أن جسدي و عقلي وصلا إلى حدودهما.
حتى مع وجود الدوقة بياترس أمامي، تاهت أفكاري في مكانٍ آخر.
صدمتُ نفسي، صفعتُ خديّ، و فتحت عينيّ على مصراعيهما. كان هذا نوعًا من الوسيلة لإبقاء نفسي متيقظة.
لكن الدوقة، بدلاً من ذلك، أمسكت يدي بدهشة.
“لـمَ تضربين نفسكِ؟”
“لأنني فكرت في أمـرٍ آخر بينما أنتِ أمامي. مهما كنتُ مرهقة، كان ذلكَ غير لائق.”
“هذا ليس وقت المجاملات. حتّى و إن تقدمتُ في السن، أعرف هذا على الأقل. كوني على راحتكِ، يا آنسة.”
“آه… شكرًا، سيدتي.”
ساعدتني كلماتها اللطيفة على استعادة تركيزي.
“كانت الأمور أسوأ مما توقعتُ. عندما طلبتِ منّي جلب كميات كبيرة من اللحم المجفف، و القمح، والمياه، كنتُ مترددة…”
“الأمر مروع، أليس كذلك؟ لقد حلّـت كارثة حقيقية براجان.”
“التقيتُ بالسير جيرمان في طريقي وسمعتُ لمحة عن الوضع. لو لم تكن بصيرتكِ، لكنا رأينا الأسوأ.”
“بصيرة؟ كنتُ فقط أستعدّ للأسوأ.”
ربتت الدوقة بياترس على ظهر يدي و ابتسمت.
“لا، لو لم تتواصلي معي مباشرةً، لتأخّرت الإمدادات. قيل إنهم قاتلوا ليومين دونَ طعام أو ماء. يجب أن تشعري بالارتياح و الفرح، لا الندم.”
هل ظهرت مشاعر النّدم و الذّنب بسببِ آثار اليومين المرهقين على وجهي؟
كانت قادرة على قراءة قلبي.
الندم المفرط لن يؤدي إلا إلى تدمير الذات.
“كما نصحتِ، تركنا الطعام والمياه خارج الأسوار. السّحرة يحرسونها بعناية، لذا فهي آمنة.”
ربتت على يدي مرّةً أخرى، و قالت:
“أنتِ تفعلين ما فيه الكفاية. عليكِ تقوية قلبكِ. الشّخص الذي سيصبح إمبراطورة لا ينبغي أن ينهار الآن.”
رمشتُ بعينيّ بدهشة.
كان مستقبلًا بعيـدًا جـدًّا، لم أتخيّلـه حتى.
“شكرًا، سيّدتي. لن أنسى مساعدتكِ.”
“فعلتُ فقط ما يجب. أنا أيضًا من شعب الإمبراطورية.”
ابتسمتُ لها بينما كانت تبتسم هي بحنان.
بعد ذلك، أذهلتني الأخبار التي سمعتها من الدوقة بياتريس عن البوابة الثالثة.
“ماذا؟ السّير شوريل…؟”
“نعم. عندما قال السير جيرمان أنّ قصر أرفين قد يكون مصدر ظهور الوحوش، تبادل معه بضع كلمات بوجهٍ جـادّ ثم غادر فورًا.”
“ماذا قـال؟”
“قال إنه إذا لم يكن بإمكانهم هم تفتيش القصر، فسيذهب الشّخص الذي يستطيع فعل ذلك.”
عضضتُ شفتيّ بقوة.
كانت الوحوش تخرج بالتأكيد من قصر أرفين. لم تظهر في الجنوب، وكانت نقاط ظهورها الأولى قريبة من القصر عند البوابات الخامسة و السّابعة.
بالنّظر إلى الجدران المنيعة، كان القصر هو المكان الوحيد المشبوه.
“إذا ذهـبَ شوريل بنفسه، فلن يستطيع أحد إيقافه. لكن…”
ليفيا ليست من النّوع الذي سيرحم أخاها الأصغر.
تذكرتُ كيف عاملته بوحشية في حلبة مصارعة الكلاب، فخفـق قلبي بقلق.
كان لديها طريقة للقتل عن طريق استغلال أيدي الآخرين بدلاً من القتل المباشر.
و علاوةً على ذلك، كان إدموند، وكيل الإمبراطور، إلى جانبها. رجل أخفى هويته لعقود كجاسوس.
لم يُعرف عنه شيء.
حتى عندما كنتُ أعيش كاليفيا، نادرًا ما التقيت بإدموند.
وصفه كاليـد بأنه مجنون، لكن هؤلاء هم الأكثر رعبًا.
لذلك، كنتُ قلقةً جدًّا على شوريل الذي ذهب إلى قصر أرفين بمفرده.
“يبدو أن لكِ صلة بالسّير شوريل أيضًا.”
“تلقيتُ منه معروفًا في الماضي.”
“إذا كان هو، فسيكون بخير. بعض فرسان الشمال تبعوه بسرعة، لذا يبدو أن حماية الصقر الأزرق معه.”
“آه…”
تذكرتُ عينيه الزرقاوين الداكنتين اللتين تشبهان الوحش الذي رأيته في ميرسين. بالتأكيد، إذا كان الدوق الأكبر موجودًا، فلن يترك شوريل في خطر بمفرده.
على الرّغمِ من قلقي الشّديد عليه، كان قراره صائبًا.
في الواقع، كان شوريل الوحيد القادر على تفتيش قصر أرفين و إغلاق مدخل الوحوش دون مشاكل.
“أرجو… أن يكون بخير.”
كبحتُ قلقي بجهد و واصلتُ الحديث مع الدوقة عن توزيع الإمدادات على الفرسان.
بعد حين، عندما انتهى الحديث، فُتح الباب و سمعتُ صوتًا مألوفًا.
نقرة―
“إيرديا.”
“كاليـد؟”
دخلَ كاليـد، الذي كان يقاتل الوحوش في الغرب، غرفة الاستقبال مبللاً بالعرق. رؤية يده الملفوفة بالضمادات و المغطاة بالجروح، و أنفاسه المتقطعة، جعلت قلبي يتألّـم كما لو أنه ينهار.
بينما كنتُ أكبح دموعي، نهضت الدوقة بياترس بهدوء و ربّتت على كتفي.
“سأفعل كما قلتِ. لقد أخذتُ الكثير من وقتكِ. سأغادر أولاً.”
لوّحت الدوقة بيدها بخفة و غادرت دونَ كلام إضافي. كان تبادل النظرات القصير مع كاليـد هو وداعها الأخير.
في غرفة الاستقبال، التي أصبحنا فيها وحدنا، لم أستطع الاقتراب من كاليـد بسهولة.
“هل أنـتِ بخير؟”
خرجَ صوت مليء بالقلق، ليسَ منّـي، بل منـه.
“أنـتَ أكثر…”
“أنا بخير.”
على عكسِ كلامه، كانت الضمادات على يده ملطخة بالدم، و كانت علامات الجلد المقشر من إمساكه السيف واضحة.
عضضتُ شفتيّ و أمسكتُ يده، متردّدة في الضغط خوفًا من إيذائه.
“ما هـذا…؟”
“جروح عادية.”
مسحَ بيده الأخرى تحتَ عينيّ المظلمتين بهدوء.
“قلتُ لكِ لا تجهدي نفسكِ.”
“لم أجهد نفسي.”
“سمعتُ أنكِ تحبسين نفسكِ في المكتب بعد انتهاء عمليّة الشّفاء.”
“و أنـتَ لم تترك السّيف من يدك.”
“ترك السيف في ساحة المعركة يعني الانتحار.”
كان يعلم أنني لا أقصد ذلك، لكنه أجابَ بشقاوة. عندما عبستُ و نظرتُ إليه، ضحكَ كاليـد بخفة و طبـعَ قبلةً على جبيني.
“اشتقتُ لكِ، إيرديا. أنا في حالةٍ يرثى لها، لكن هل يمكنني عناقـكِ؟”
بدلاً من الرد، عانقته أنا أوّلاً.
“أنا سعيدة لأنكَ بخير. كنـتُ… أشعر بالقلق طوال الوقت.”
فهمتُ الآن لـمَ حاول منع خطتي المتهورة بشدة.
رؤية كاليـد مغطى بالجروح جعلتني أشعر بالخوف من فقدانه، وهو شعور طغى عليّ فجأة.
كم كنتُ غبيّة لظني أنه سيكون بخير لأنه قوي. كم كان إصراري على قراري مؤلمًـا له، متجاهلةً قلقه عليّ.
شعرتُ بأنّ دموعي تكاد تسقط، فدفنتُ وجهي في صدره.
“أنا متّسخ، سأكون كريه الرائحة.”
“أنفي مسدود، لا بأس.”
عندما أجبتُ بنبرةٍ باكية، ضحكَ كاليـد ضحكة قصيرة. مع صوت ضحكته و نبضات قلبه، عانقتُـه بقوّة أكبر.
بعد استراحة قصيرة، غادر كاليـد ليغتسل، وتوجهتُ إلى غرفتي بمفردي. بعد الاستحمام للتخلص من الإرهاق و تغيير ملابسي، ركعتُ و جمعتُ يديّ.
في عمق الليل، شعرتُ بأن قوتي المقدسة استعادت جزءًا منها. لكنها لم تكن ممتلئة كما كانت عندما استيقظتُ لأول مرة.
لم أعد أشعر بالقوة شبه اللانهائية التي تدفقت عندما شفيتُ جينـا.
كانت القوة المقدسة تتدفّق كما لو أنها تملأ إنـاءً فارغًا.
منذُ ذلكَ الحين، شعرتُ فقط بأنها تمتلئ تدريجيًا، لكن لم أشعر أبدًا بنفس الامتلاء كما في تلكَ اللحظة.
الآن، كنتُ بحاجةٍ إلى تلكَ القوة التي شعرتُ بها أول مرة، لذا توسلتُ بإخلاص .
“قلتَ لي أن أكسر الإرادة الفاسدة و أحمي القدر بيدي.”
كانت تلكَ الكلمات، لا تزال واضحة في ذهني.
“قلت إنني يجب أن أحمي القدر بيدي.”
لكن يديّ أنا لوحدي لا تكفيان.
كاليـد، الماركيز فالاندي، ألدين، جيرمان، الدوقة بياتريس، الدّوقة الكبرى كلاوس، و شوريل.
كل ما تمكّنا من تحمله و حمايته ضد السم و آدم و الوحوش التي نشرتها ليفيا كان بفضلِ مساعدة الجميع.
“الحاكم يختار فقط، لا يتدخل.”
إذن، اخترنـي هذه المرة أيضًا.
سأحمي شجرة العالم الخاصة بك، لذا دعني أحمي كل مَـنْ أحبّـهم…
“إذا كنتَ حقًّـا الحاكم الذي يتحدث عنه الجميع، فاستمع إلى توسلات و صرخات النّاس الذين يعانون.”
همستُ وأنا أجمع يديّ بقوّة أكبر.
طق طق―
مع طرقة خفيفة، فُتح الباب، ودخلَ كاليـد، مرتديًا ملابس نظيفة.
“السّحرة أكملوا تحضيراتهم.”
أنزلتُ يديّ و نهضتُ ببطء.
أرجو ألا تنتهي هذه المحاولة الأخيرة بمجرّد تمـرّدٍ يائس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 137"