كان “إيدموند فاسيلي”، أحد أقرب المقربين إلى ليفيا، شخصيةً لم يُعرف عنها سوى اسمها و وجهها، حتّى منظمة باسلين لم تتمكّن من كشف هويّته الحقيقيّة.
“إذن، هذا هو السّبب في سرعتهم بمعرفة أخبار القصر الإمبراطوري.”
كان السّبب وراء إلمام جانبِ ليفيا بالتّفاصيل الدقيقة لشؤونِ القصر الإمبراطوري، و الذي جعل حتّى كاليـد يظنّ أنّ الإمبراطور يدعم ليفيا، هو أنّ إيدموند كان الخادم الأعلى، “تشامبرلين”، الذي يملك حقّ الدخول حتّى إلى غرفة نوم الإمبراطور.
في هذه اللحظة تـمّ الكشف عن سـرّ ثقـة ليفيا الدائمة بنفسها.
“كانت تجربةً ممتعة حقًا. لأكثر من عشرين عامًا، لم ينتبه أحـدٌ لي.”
ضحكَ إيدموند بسخرية و هو يعبث بشعره المصفّف بعناية، في إشارةٍ واضحةٍ للاستهزاء.
أمسكَ كاليـد قبضته بقوّة و هو يطحن أسنانه، و ارتفعت حرارة إلى عنقه، و اهتزّت عيناه بنظرةٍ حادّة.
لكن إيدموند ظـلّ يعدّل شعره بهدوء و ثقة، كأنّ كلّ شيء تحتَ سيطرته.
“ماذا ستفعلين الآن؟”
لم يكن سؤاله موجّهًا إلى كاليـد، بل إلى سيليان، التي لم تُبـدِ أيّ اضطراب منذُ البداية.
“أمّـي، هل كنـتِ تعلمين؟”
“لم يمضِ وقتٌ طويل. بعد زيارتكَ للقصر، جاءني من طرفهم و علمتُ حينها.”
صمت كاليـد و شـدّ فكّه بقوّة. لم يكن بإمكانه لومها على صمتها حتّى الآن. فقد توالت الأحداث منذُ مغادرته القصر، و كان دائمًا يتخلّف عنها ليحاول تداركها.
شعـرَ بثقلٍ يضغط على صدره، إذ أدركَ أنّ كلّ شيء يعود إلى تأخّره في فهم الأمور.
“ههه! لا تغضب كثيرًا. بفضلكَ، أنا أيضًا عانيتُ من أيّـامٍ عصيبة لعدم تمكّني من الوصول إلى سيدتي ليفيا.”
وصـلَ صبر كاليـد إلى حدّه.
“اخرس. لمَ كشفتَ عن هويّتكَ الآن؟ أليس عليكَ أن تهرع إلى سيّدتكَ لتخبرها بموت الإمبراطور؟”
ضحكَ إيدموند و كأنّه شعر بالإهانة.
“ما هذا الكلام الجارح؟ هل كان بإمكان الإمبراطور أن يموت دونَ إذن سيّدتي ليفيا؟ إنّها تعلم كلّ شيء بالفعل.”
“و مـاذا بعد؟ ما السّبب في قدومكَ إلى هنا؟”
“لأقدّم التحيّة الأخيرة لجلالة الإمبراطورة و سموّ وليّ العهد.”
“الأخيرة؟”
مـدّ إيدموند يديه كممثّلٍ مسرحيّ، و تابع:
“لقد تابت سيّدة القوّة المقدّسة عن ذنوبها، و أرسلت الإمبراطور إلى حضن الحاكم. لا يمكن إنكار أنّ محاولة الإمبراطورة لتسميم الإمبراطور هي السّبب. جريمة الإمبراطورة ثقيلة، و غضب الحاكم تحوّل إلى كارثةٍ حلّت براجان. لذا، لا سبيل سوى بقطع هذا النّسـب، و أن تقوم وكيلة الحاكم بإعـادة بناء الإمبراطوريّة بنفسها.”
مـدّ إيدموند ورقة وهو يبتسم.
“لقد تـمّ بالفعل رفع مشروع عزل وليّ العهد. وافقَ أكثر من نصف النبلاء. لم يبقَ سوى التّوقيع. فـلٌمَ لا تقبلون الأمر بدلًا من الانهيار بطريقةٍ مشينة؟”
ردّ كاليـد بنبرةٍ غاضبة و هو يطحن أسنانه:
“سيّدة القوّة المقدّسة لا يحقّ لها التدخّل في السّياسة. هذا منصوصٌ عليه في القانون، فهل تظنّ أنّ مثل هذا المشروع سيمـرّ؟”
هـزّ إيدموند كتفيه بلا مبالاة.
“القوانين يمكن تغييرها. إذا أصبحت سيّدتي إمبراطورةً و كتبت قانونًا جديدًا، أليس كذلك؟ دوري هو جعل كلّ ما تريده ممكنًا. لا يوجد شيء مستحيل.”
ردّ كاليـد بنظرةٍ أكثر حدّة:
“القانون موجود لخدمة الإمبراطوريّة. هل تعتقد أنّ مَنٔ يستخدم الحاكم كذريعةٍ لتحقيق رغباته الشخصيّة يفعل الصواب؟ أهذا ما تنصّ عليه إرادة سيّدتكَ التي تقدّسها؟”
كانت نبرته مشحونةً بالغضب و العزم.
ضحكَ إيدموند بسخرية و هـزّ رأسه.
“ما تفعله سيّدتي هو الصّواب بعينه، و جعل ما تريده ممكنًا هو دور الخادم الذي يخدم إرادتها. لا يحقّ لأمثالكَ أن يحكموا على معتقداتي بالصواب و الخطأ.”
كانت عيناه غارقتين في الجنون.
في تلكَ اللحظة، رفعت سيليان شفتيها بنظرةٍ ساخرة.
“يا لها من مهزلة. أن تُهدر قوانين الإمبراطوريّة و شرفها من أجل امرأةٍ متعجرفة… حاول إن استطعت. أنا متشوّقةٌ لمعرفة مدى نجاحكَ.”
وجهت نظرةً ساخرةً إلى إيدموند.
تصلّب وجه إيدموند للحظة.
“هل تظنّ حقًا أنّ مَـنْ يؤمنون بتلك المرأة سيكونون مثلكَ؟”
ضحكت سيليان بسخريةٍ باردة، ثمّ استدارت بهدوء.
“هيّا بنـا.”
أراد كاليـد أن يقبض على إيدموند و يتعامل معه فورًا، لكنّه نظر إلى سيليان بجانبه و ضغطَ على نفسه ليصبر.
لم يكن قصر بيلديا مكانًا مناسبًا للقتال الآن. كانت هناك خادماتٌ عاجزاتٌ حوله، و الخصم كان مثل ليفيا، شخصًا لا يتوانى عن اللعب بحياة الناس.
في النهاية، تبع كاليـد والدته و خطـا خطواته.
كان صوت الضّحك الساخر الذي يأتي من الخلف مزعجًا، لكنّ الوقت لم يكن مناسبًا لمواجهته.
* * * *
في غرفة النوم العميقة بقصر أرسين.
سواء أكان إيدموند قد رتّـب الأمر بصفته تشامبرلين أو لا، فإنّ عدد الحرّاس الذين يحمون غرفة الإمبراطور كان اثنين فقط، و كان الداخل هادئًا تمامًا.
الإمبراطور، الذي كان يومًا سيّـد الإمبراطوريّة، كان الآن جثّـةً هزيلةً ملقاةً على السّرير.
لم يعد هناك سوى جسدٍ متعفّن، بعيدًا عن الأيام التي كان يعتمد فيها على القوّة المقدّسة.
لم يذرف أيّ من سيليان أو كاليـد دمعةً واحدةً أمام هذا المنظر. لم تكن هناك عاطفةٌ كافيةٌ للبكاء.
كلّ ما تلقّياه من الإمبراطور كانت جروحًا عميقةً لا تُنسـى.
نظرت سيليان إلى الإمبراطور في صمتٍ للحظات، ثمّ أشاحت بنظرها و لمست بحذرٍ أحد الأعمدة الضخمة للسرير.
“كليك”
— انفتحت مساحةٌ مخفيّة مع صوتٍ معدنيّ خفيف.
خرجَ من داخل العمود الغليظ درجٌ قديمٌ و بالٍ.
نظر كاليـد إلى سيليان بعينين متفاجئتين.
“ما هذا…؟”
نظرت سيليان إلى الدّرج بنظرةٍ معقّدة، ثمّ أطلقت تنهيدةً مليئةً بالندم و وضعت الدرج على الطاولة.
“إنّـها وثيقةٌ كتبها دوق لوكادور.”
وثيقة الإذلال التي قيّدت قدميها كالأغلال لسنواتٍ طويلة.
بعد لحظات، أمسكت سيليان بسكّين ورقيّ وجدته في الغرفة، و بدأت تقطّع الورق بحزمٍ قطعةً تلو الأخرى.
تردّد صوت السكّين و هو يشـقّ الورق في الغرفة الهادئة.
“هذه الورقة السّخيفة… هي التي قيّدتني أنـا و عائلة لوكادور و جعلتنا عاجزين.”
تذكّر كاليـد قصص الماضي التي روتها سيليان.
الإمبراطور الذي نفـى أبـوّته له و اضطهدها، و كثمنٍ للاعتراف بحقيقةٍ بديهيّة، خفّـض رتبة عائلة لوكادور إلى ماركيز و أجبرهم على التعهّد بعدم التدخّل في السياسة مجدّدًا.
كانت عينا سيليان مليئتين بالمرارة، لكنّ شعور الحرّية الذي جـاء بعد صبرٍ طويل كان أقوى.
“لكن… لم يعد هناك مَنٔ ينفيكِ، و لا توجد وثيقةٌ تثبت ذلكَ العهد.”
مرّرت أصابعها على قطع الورق الممزّقة، و نثرتها في الهواء.
كأنّها تقطّع الجروح و الآلام القديمة و تجعلها تطير بعيدًا.
لم يستطع كاليـد فهم والدته، سيليان، بالكامل، لكنّه أدركَ أنّها عاشت حياةً مليئةً بالصّبـر من أجله.
لم يكن موت الإمبراطور، والده، في هذا التوقيت أمـرًا جيّدًا، لكن إذا كان سيؤدّي إلى حرّية سيليان…..فقد قـرّر تحمّل ذلك.
بدلًا من قول كلمات مواساة، وقفَ صامتًا يفكّر في كيفيّة حماية والدته في الأحداث القادمة.
لا يمكن أن يسمح لها بفقدان حرّيتها التي حصلت عليها لتوّها و أن تُقضي بقيّة حياتها كمجرمة.
في تلكَ اللّحظة، أضاءت أداة الاتّصال التي يحملها كاليـد فجأة. كانت أداةً أمًر باستخدامها في الحالات الطارئة فقط، و تركها مع جيرمان.
عندما أخرج الأداة، جـاءَ صوتٌ مألوفٌ بنبرةٍ عاجلة:
〔صاحب السّمو! انتشرت أخبار وفاة جلالته في جميع أنحاء راجان! اندلعت اضطراباتٌ في كلّ مكان، ويبدو أنّهم على وشكِ تحطيم بوّابات القصر…〕
في العادة، حتّى لو ثـار الشعب، لم يكن بإمكانهم اختراق بوّابات القصر، فهي محميّة بقوّة من فرقة الفرسان الإمبراطوريّة التي لا تطيع سوى أوامر الإمبراطور.
إذا ماتَ الإمبراطور، فسيتبعون أوامر وليّ العهد الذي سيكون الإمبراطور القادم، لكن الآن كانت هناك مشاكل معقّدة متشابكة.
خاصّةً أنّ الإمبراطورة أصبحت متهمةً بتسميم الإمبراطور، ممّا تسبّبَ في حيرةٍ داخل فرقة الفرسان حول مَـنٔ يجب أن يطيعوا.
“حتّى لو لم يكن هناك إمبراطورٌ لحمايته، لن يسمحوا باختراق البوّابات بسهولة. لم تُعقد بعد محاكمةٌ لجريمة الإمبراطورة، ولن يتخلّوا عن واجبهم في حماية العائلة الإمبراطوريّة.”
〔إذن، البوّابات آمنة، لكنّنا لا نستطيع تهدئة الاضطرابات بمفردنا… آه!〕
تبـعَ ذلك صوت انفجارٍ عبر أداة الاتّصال.
تلتها صرخاتٌ و أصوات انفجاراتٍ و هتافاتٍ متشابكة.
تجمّـد وجه كاليـد على الفور.
“جيرمان!”
〔آه… اللعنة! ما هذا بحق…! احموا المواطنين أوّلًا! أعطوا الإخلاء الأولوية!〕
“ما الذي يحدث، جيرمان!”
لم يأتِ ردّ. بدلًا من ذلك، هـزّ اهتزازٌ قويّ غرفة النوم الهادئة في قصر أرسين.
〔…اللعنة! سموّكَ! الوحوش… الوحوش تتدفّق في جميع أنحاء راجان!〕
كارثةٌ كاذبةٌ صنعها شخصٌ واحد، كانت الآن تهـدّد بتدمير الإمبراطوريّة بأكملها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 133"