عندما تلقيت خبر زيارة البابا، رئيس المعبد، إلى القصر الإمبراطوري، كان ردّ فعلي وحده كافيًا ليجعل بيرين يخمن الكثير.
كيف يمكن أن تكون تحركات البابا “خبرًا سيئًا”؟
بالنّسبة لفارس مقدس مثله، ربّما لم يكن هذا الاحتمال ليخطر بباله في السّابق، لكنه شهـدَ بعينيه الأفعال الخاطئة التي ارتكبتها ليفيا أرفين، سيّدة القوة المقدسة.
كان فقط يأمل أن يكون البابا مختلفًا.
“…هذا ليس جيّدًا. منذُ متى دخل قداسته القصر؟ هل يعرف كاليـد بهذا الخبر؟”
“لقد تواصل الماركيز فالاندي معه على الفور.”
في تلكَ اللحظة، جـاءَ الماركيز فالاندي مسرعًا، لحيته كانت ترفرف، بعد أن سمع بعودتي.
“إيرديا!”
صرخ بعجلة، و وجهه شاحب وهو يلهث بشدة:
“بدأ القصر الإمبراطوري ببث فيديو عبر راجان بأكملها!”
كنتُ بالفعل مضطربة بسببِ خبر دخول البابا إلى القصر.
تبعتُ الماركيز فالاندي إلى الحديقة بسرعة، فظهرت صورة ضخمة في السماء. بدا المشهد، مع شاشة عملاقة معلقة في الهواء، كما لو كانت من لعبة فيديو.
“لم يستخدم جلالته الحالي هذا من قبل، لكن في الماضي، كان الأباطرة يستخدمون كرة الاتصال المرئية لنقل الأخبار مباشرةً إلى الشعب.”
تألقت عينا الماركيز فالاندي بنظرةِ حنين، كما لو كان يتذكر ذكريات طفولته المبكرة. كان جهازًا لم يُستخدم منذُ عقود حتى نُسـيَ.
بعد لحظات من الضبابية، أصبحت الصورة واضحة، مضيئة المكان.
كانت ساحة كاتدرائية ديفولد، ليست بعيدة عن القصر الإمبراطوري.
المكان نفسه الذي تـمّ فيه اتهام جينا كمجرمة، مع وجود جـوٍّ قاتم كما لو كانت تتلبّـد به غيوم سوداء، عادت تلكَ الكوابيس إليّ.
مـرّ شعور بالارتياح في داخلي لأن إرسال جينا مع مالكوم إلى إقليم أرفين كان خيارًا ممتازًا. قالت إنها تعافت، لكنها كانت بحاجةٍ إلى راحةٍ تامّـة.
إرسالها إلى جانب الدوق و زوجته، كما في بيلانيف، سيضمن سلامتها. الشّيء الوحيد الذي أزعجني هو أنني أثقلت عليهما مرّةً أخرى.
ابتلعتُ شعوري بالمرارة و ركّزتُ على البابا الذي ظهر على الشاشة. كانت ثيابه البيضاء الناصعة تتناقض بشكلٍ صارخ مع راجان المغرقة في الفوضى.
ذكّرني مظهره الغريب بليفيا في ذلكَ اليوم.
〔مع أول سيّدة للقوة المقدسة، أستيريا، التي تلقّت حبّ الحاكم، عاشت الإمبراطورية عصرًا ذهبيًا. لكن بعد عودتها إلى حضن الحاكم، اضطرت الإمبراطورية لتحمّل العديد من الكوارث.〕
تـردّد صوت البابا بقوة ، و مع الصورة المرئية العائمة في الهواء، بدا أكثر قداسة.
〔لحسن الحظ، كما منـحَ الحاكم نعمتـه لأستيريا في البداية، فقد منـحَ نعمته أيضًا لنسلها النبيل. هذه الكارثة أيضًا تنبّأت بها.〕
تصاعدت همهمات المواطنين حتى سُمعت في قصر فالاندي. بدت كلمات البابا و كأنها تنقل نعمة الحاكم، لكن كان هناك نية أخرى.
‘لقد أكّـد أن هذه الكارثة تنبّأت بها ليفيا.’
وفقًا للأخبار التي نقلها بيرين، كان أتباع ليفيا يربطون رعب الوبـاء بالرؤيا.
و قد وضع البابا الختم النهائي على هذه الشائعات.
〔على الرّغمِ من أن كارثة مروعة ضربت راجان، لا تقلقوا. الحاكم لم يتخلى عنّـا.〕
تصاعدت الهمهمات أكثر.
بدا أن التبديل المتكرر للصّور كان إخراجًا مقصودًا.
لكن هل يمكن للناس الذين يواجهون كارثة مروعة أن يلاحظوا ذلك؟ كانوا معلقين فقط على أطراف أصابع البابا و شفتيه.
〔حتى في وسط هذه الكارثة المروعة، اهتمّ الحاكم بنا، نحن البؤساء، و منحنـا حبًّـا أعظم.〕
كان يمكن رؤية أنفاس الناس تتصاعد. انطلقت صرخات تسأل عما يعنيه ذلك. انتظر البابا الضجة للحظة ثم واصل بهدوء:
〔لقد أرسلت إلينا سيّدة قوة مقدسة جديدة.〕
توقّف قلبي النابض بقلق.
〔خطيبة وليّ العهد، ابنة عائلة فالاندي بالتّبني—إيرديا فالاندي.〕
شعرتُ و كأن الصوت يستهدفني مباشرة. مـدّ البابا ذراعيه بعيونٍ دامعة.
〔حتى الآن، لم يكن هناك سيّدتان للقوة المقدسة في نفس الوقت. لكن بيسيا أرسلَ واحدة أخرى!〕
وآآآآه.
انفجرت السّاحة بهتافات. حتى المواطنون خلف الصورة كانوا يبكون و يضحكون بحماس.
كان الحماس حارقًا لدرجة أنّه أثار قشعريرة في ظهري.
لكنني شعرتُ أن هناك شيئًا غريبًا.
‘هل هذا يعني أنهم يروّجـون لي؟’
سرعان ما أصبح صوت البابا جادًا.
〔قبل عشرين عامًا، تذكرون الوبـاء المروّع الذي اجتاح الإمبراطورية. سقط العديدون، و عـاد أحباؤنا إلى حضن الحاكم. تلكَ المأساة عادت الآن… لكن هذه المرة مختلفة. لقد أرسل الحاكم سيّدة قوة مقدسة أخرى، لذا سننال الخلاص.〕
لم يعد هناك خوف على وجوه الناس، بل بدأت شرارة الأمل تشتعل.
〔هذه المرة مختلفة. لأن الحاكم يرعانا، لقد منحنـا نعمة أعمق و أوسع لمنع تكرار كارثة العشرين عامًا الماضية.〕
كما لو أن الخلاص قد تحقّق بالفعل.
لم أستطع التخلّص من شعوري بالقلق.
مسحَ البابا دموعه المترقرقة و رفع رأسه ببطء.
〔نعم. بالقوة المقدسة، يمكننا شفاء الوبـاء.〕
اهتزّت وجوه المواطنين الذين استولى عليهم خوف الموت بشدة، كما لو أن شعاع الأمل قد ظهر.
تحوّل الخوف و اليأس بسرعة إلى توقّع و ثقـة.
“…إيرديا.”
سمعتُ نداء الماركيز فالاندي المقلق، لكنني لم أستطع الرد.
“لا يزال… هناك شيء آخر.”
كان هذا كافيًا لدفعي إلى الزاوية، لكن لو كان هذا كل شيء، لما كان هناك داعٍ للبابا للذهاب إلى القصر الإمبراطوري.
قد يقولون إن القوة المقدسة يمكنها شفاء الوبـاء، لكن في الواقع، ما ينتشر في راجان ليس وبـاءً.
إنها أعراض ناتجة عن التسمّم، وليست مرضًا، لذا يمكن شفاؤها بالقوة المقدسة.
كانت هذه نعمة وسط المصيبة، وكان شيئًا كنتُ أنوي القيام به على أيّ حال.
لكن القوة المقدسة ليست غير محدودة.
بما أن البابا قام بتعييني بوضوح كسيّدة القوة المقدسة الجديدة المعـدّة لهذه الأزمة، كان من الواضح مَـنْ سيتّجه إليه استياء أولئك الذين لم تصلهم يد الشفاء.
‘ليفيا يمكنها حُلّ الأمر بالترياق بدلاً من القوة المقدسة. في النهاية، سيتّجه كل الاستياء نحوي.’
إذا حدثَ ذلك، سيبدأ الناس طبيعيًا بمقارنتي بليفيا.
و سيعظّمونها أكثر، و يقدّسونها بما أن قوتها المقدسة ستبدو بنظرهم غير محدودة.
ستزداد الأمور سوءًا عن الآن بكثير.
لم تنتـهِ خطبة البابا، التي حوّلت جميع سكان راجان إلى مؤمنين متديّنين في لحظة، بدموع التأثّر.
شعرتُ وكأنني أختنق.
كان الهواء يغلي بالأمل، لكنني تجمّدت برودة.
هذا لم يكن مجرّد وعـدٍ بالخلاص.
كان هناك بالتّأكيد خطوة تالية.
في الواقع، غيّـر البابا نبرته بعد لحظات.
〔بينما يمنح الحاكم رحمته، ماذا فعلت العائلة الإمبراطوريّة؟〕
“هذا ليس جيدًا، يبدو أنّه ينوي الكشف عن شؤون العائلة الإمبراطوريّة علنًـا.”
في الواقع، بكلمةٍ واحدة فقط، اهتزت الساحة كالعاصفة.
〔حاولت الإمبراطورة تسميم جلالة الإمبراطور و قتلـه، فكيف لا يغضب بيسيا؟〕
كان إعلانًا صادمًا كالصّاعقة. كشف حقيقة محاولة الإمبراطورة تسميم الإمبراطور بهذه الطريقة.
كان من الواضح أن غضب الناس سينتشر كالنار.
عضضتُ شفتيّ و شددتُ قبضتي.
تركت كلمات البابا مجالًا للتفسير. ليصل الجمهور إلى الاستنتاج بأنفسهم.
الآن، سيركّزون على أن الإمبراطورة سمّمت الإمبراطور، و أخفت ذلكَ لفترةٍ طويلة، و سيعزون فساد البلاد كلّـه إلى ذلك.
لا، سيستمرّون في توجيههم للتّفكير بهذه الطّريقة.
‘اللعنة…’
لأن الإمبراطورة خانـت الإمبراطور، غضب الحاكم. و هكذا، جـاء الوبـاء، الكارثة العظيمة، إلى راجان—لقد خلقوا هذا الرّبـط.
كان سيناريو يمكن توقّعه دونَ رؤيته.
كانت خطة ليفيا المميزة، التي تستخدم نفسيات الناس و الجمهور ببراعة.
شعرتُ ببرودة أطراف أصابعي.
بعـد زرع شرارة الأمل بالخلاص عبر الإيمان، كشفوا عن جريمة الإمبراطورة، مثيرين الغضب بدلاً من الخوف.
ثم ظهرت ليفيا على الصورة.
تقدّمت إلى المنصّة، و ركعت على الفور، و جمعت يديها، و أغمضت عينيها، و ذرفت الدموع.
〔جريمة معرفتي بذنب الإمبراطورة و صمتي عنها، جريمة عدم إعادة جلالته إلى حضن الحاكم، جريمة إبقائـه على قيدِ الحياة حتى الآن. سأتقبّل عقابي بكلّ سرور.〕
مهما كانت الجرائم التي ارتكبتها، لم يكن أحد من مواطني راجان يلومها الآن. لا، لم يستطيعوا ذلك.
حتّى الآن، كانت أرواح عديدة تتلاشى، و يبدو أن الطريقة الوحيدة للنّجاة هي يـد سيّدة القوة المقدسة.
و الأهم من ذلك، بجعل البابا يتحدّث عن جريمة إبقاء الإمبراطور على قيد الحياة بدلاً من ليفيا، حصلت على فرصة.
فرصة للغفـران.
منذُ اللّحظة التي قالت فيها إن الوبـاء يمكن شفاؤه بالقوة المقدسة، أصبحت ليفيا قادرة على أن يتمّ مسامحتها مهما كانت الجرائم التي ارتكبتها.
〔لكن أرجو تأجيل العقوبة. النعمة التي منحني إياها الحاكم تهدف إلى إنقاذ العديد من الأرواح. حتى لو تحوّلتُ إلى رمـاد في هذا المكان، سأنقذ شخصًا واحدًا على الأقل قبل أن أتلقى عقابي.〕
كان أداءً مثاليًّـا لدرجةٍ تثير الغثيان.
صوتها المختلط بالنحيب، و وجهها الملطّخ بالدموع—كان هذا المظهر بالنّسبة للجمهور هو “القديسة المعجزة” بحدّ ذاتها.
راقبها الحشد المجتمع في الساحة بأنفاس محبوسة.
مَـنْ يستطيع لومها؟ خاصّة و أن حياتهم معلقة على أطراف أصابع ليفيا.
“ها.”
انطلقت ضحكة ساخرة.
من المضحك أن مسرحيّة ليفيا قد بدأت للتو.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 130"