كانت راجان، مع شروق الشمس، تعـجّ بالحركة كالمعتاد.
علّق التجّار بضائعهم في السوق، وكان الأطفال يضحكون وهم يركضون في الأزقّة.
حتى تلكَ اللحظة التي رنّ فيها جرس الإعلان عن بداية اليوم، لم يكن أحد يتخيّل أن هذا السلام سيُكسـر.
بدأ كلّ شيء بصرخة حادّة انطلقت من أحد جوانب السوق.
“آآآه!”
أمسك رجل برقبته بكلتا يديه و انهار على الأرض. ارتعش جسده، و سال دم أسود مخيف من زاوية فمه.
هرعَ الناس المذعورون لمساعدته، لكنهم توقّفوا و عبسوا.
لم يكن السّعال الممزوج بالدم هو المشكلة الوحيدة. كانت هناك بقع سوداء تنتشر على وجهه وأطرافه المكشوفة.
“آغغ، ما هذه الرائحة؟”
تراجعَ مَنٔ اقترب، و هو يسـدّ أنفه، وقد بدأ يتقيّأ.
كانت رائحة كريهة كرائحة الجثث تنبعث من الرجل المنهار.
لم تهدأ الصرخات و أصوات التقيؤ بعد، عندما اندلع اضطراب آخر في زقاق مقابل السوق.
أسقطت فتاة كانت تسحب الماء من البئر دلوها، و انهارت على ركبتيها، مطأطئة رأسها.
هرعت والدتها إليها، لكن شفتي الفتاة كانتا قد تشقّقتا و نزفتا، وفقدت عيناها التركيز.
سرعان ما اندفع دم أسود من حلقها مع أنفاسها الخشنة.
“ابنتـي!”
عندما تردّدت صرخة الأم المفجعة، انطلقت صرخات أخرى من حيّ الفقراء.
كان رجل يبيع الماء للمسنّين ذوي الحركة المحدودة يمسك برأسه و يصرخ.
“آآآه! رأسي، رأسي يتمزّق من الألم…”
انتشرت بقع سوداء على خدّيه و رقبته أيضًا.
حاولَ شابّ يساعده في التجارة أن يدعمه، لكن الرجل، كما لو أنّه فقـدَ عقله، سكب الماء الذي كان يبيعه في فمه.
لعقَ فوهة زجاجة الماء بجنون، كما لو أنّ عطشه لا يهدأ، و عيناه المتلألئتان كانتا مرعبة.
انتشر الناس المذعورون في كلّ الاتجاهات.
تردّدت الصرخات و الضجيج في أنحاء راجان.
كلّما انهار شخص، سـدّ الناس أفواههم و أنوفهم، و ركلوا دلاء الماء وسلال الطعام بأقدامهم.
“كان الوضع على ما يُـرام حتى لحظات مضت.”
“ربّما أصيب بمرضٍ خطير. أو ربّما هذه عقوبة من السماء.”
في البداية، تجاهلَ الناس الأمر على أنّه غير مهم، لكن عندما تكاثر المصابون بالأعراض، اجتاحهم القلق.
عندما تعثّرت امرأة تحمل طفلها في زاوية زقاق، حـاولَ رجل مساعدتها، لكنه سحب يده عندما رأى وجهها.
كانت بقع سوداء قد غطّت وجهها بالكامل.
في لحظة التردّد تلك، انهارت المرأة متعثرة، وانتشرت رائحة كريهة من البقع التي غطّت جسدها.
“آه… آآآآه”
اختلط بكاء الطفل بالصرخات.
كما لو أن يـدًا غير مرئية تطوّق المدينة، انتشرت الأعراض في وقـتٍ واحد.
اجتـاح الرّعب، الممزوج بالرائحة الكريهة، صباح راجان الهادئ بالكامل.
“توقّفوا!”
في تلكَ اللحظة، ظهر فرسان يحملون راية ولـيّ العهد.
“بأمرٍ من وليّ العهد! هناك أمر غير متوقّع يحدث في راجان، فلا تستسلموا للـذّعر و اتّبعوا التعليمات!”
“ما الذي يحدث بحقّ السماء؟ ؟مَـنْ هم هؤلاء ذوو المظهر المروّع؟!”
أجابَ الفارس بهدوء التّاجر الذي يبكي:
“سيكون هناك إعلان قريبًا، لذا انتظروا بهدوء من فضلكم.”
“كيف ننتظر دونَ أن نعرف ما يحدث؟”
“أعتذر. أرجوكم، ثقوا بسموّه و انتظروا.”
مع اعتذار الفارس المهذّب و كلماته المليئة بالثّقة الثابتة، أومأ التاجر المرتجف موافقًا.
كان الأشخاص الذين ينبعث منهم الرائحة الكريهة، كما لو كانوا جثثًا تمشي، يبدون كوحوش الكوابيس.
الأمر المخيف أنّ بين هؤلاء المتجوّلين كانت هناك وجـوه مألوفة. كان ذلكَ دليلاً على أنّهم ليسوا وحوشًا حقيقيين، لذا أصبـحَ النّاس حذرين من أن تصيبهم هذه الكارثة أيضًا.
قامت فرقة فرسان إلباردان بعزل الأشخاص الغريبين و إجلاء النّاس إلى مناطق آمنة. لكن خلال هذا الهدوء القصير، انتشرت شائعات شريرة في راجان كالبرق.
“إنّه وبـاء! وبـاء!”
“صديقي كان بخير حتى قبل لحظات، ثم تحوّل إلى واحد من هؤلاء الغريبين! إنّه وبًاء!”
“ألم تسمعوا؟ هناك وبـاء يجتاح راجان الآن!”
نظرَ الناس إلى بعضهم البعض مع صرخة أحدهم.
أصبحت حتى أنفاس الجيران تبدو مقلقة، و انتشر التوتر.
الناس الذين يسرعون خطواتهم، و الذين يحملون أطفالهم و يختبئون داخلَ المتاجر.
انتشرَ الخوف كشرارةٍ غير مرئية في كـلّ مكان.
حاولَ فرسان إلباردان تهدئة الشائعات المنتشرة بقصد خبيث، لكن جهودهم لم تكن كافية.
كانوا قد استنفـدوا بالفعل في إجلاء المواطنين و عزل الأشخاص الغريبين.
في النهاية، تدخّل كاليـد بنفسه.
“لا يوجد دليل على أنّه وبـاء! لا تنجرفوا وراء الشائعات المثيرة للاضطراب، و اتّبعوا فرقة الفرسان!”
عندما تـردّد صوته عبر سحر التّضخيم في جميع أنحاء راجان، هدأ الاضطراب للحظة.
لكن الذين كانوا مصمّمين على إثارة الفوضى كانوا مختلفين.
“أنقذوني! سأصبح وحشًا أيضًا!”
“سأخرج أوّلاً!”
اندفع شخص من بين الصفوف المتحرّكة، يدفع الناس بعيدًا. و وجهه المملوء بالرعب، كما لو أنّ شيئًا يطارده، عطّل النظام و هو يجوب الشوارع، مما أعاد إشعال الخوف الذي بدأ يهدأ.
اختلطت البكاء والشتائم في الحشد المكتظ.
“لا يوجد شيء! هدّئوا أعصابكم!”
“ابتعد! أقول لكَ، ابتعد!”
فجأة، طعن أحد المحرّضين فارسًا بخنجر.
“اللعنة! مولس!”
ركـلَ الفارس الواقف بجانبه الرجل و سحبَ سيفه.
“آه… أنا، أنا بخير.”
عندما تعثّـر الفارس المطعون وانهار، اشتعلت النار في عيون زملائه. حقيقة أنّ عدوًا مختبئًا بين المواطنين الذين يجب حمايتهم جعلتهم يرتجفون من الغضب.
والأسوأ أنّهم لم يتمكّنوا حتى من تمييز مَنٔ هو العدو.
عند رؤية ذلك، قفـزَ كاليـد من المنصّة دونَ تردّد.
“صاحب السّمو!”
حاول جيرمان، الذي كان بجانبه، إيقافه بسرعة، لكنّه لم يتمكّن من منع كاليـد الذي اندفع بالفعل إلى الحشد.
“فارس وليّ العهد وجّـه سيفه نحو الشعب!”
“وليّ العهد يحاول القمع بالقوة!”
لم يفوّت أتباع ليفيا تلكَ اللّحظة.
عندما رأوا كاليـد يتحرّك بنفسه، أطلقوا كلمات لا أساس لها.
بدت تعابير الناس القريبين مندهشة، لكن الذين لم يروا الموقف مباشرةً تأثّروا بهذه الصرخات.
“لا تسحبوا سيوفكم. الخصم هو شعب الإمبراطورية.”
فحصَ كاليـد جرح مولس بنفسه و أمـرَ بهدوء. مع صوته الحازم، عـضّ الفرسان على أسنانهم و أعادوا أسلحتهم إلى أغمادها.
عندما تأكّد أتباع ليفيا أنّ الفرسان لن يردّوا الهجوم، رموا بقبضاتهم دون تردّد.
تشينغ تشينغ.
اندلعت صدامات مسلّحة في أنحاء الشوارع.
فحص كاليـد جرح مولس و قال بهدوء:
“لا تتحرّك. إذا كانوا قد وضعوا سمًا على النصل، فسينتشر السّم بسرعة أكبر.”
“آه… هل، هل سأصبح مثلهم؟”
كان قد تـمّ إبلاغ جميع أعضاء إلباردان أنّ الأعراض الغريبة المنتشرة في راجان ليست ناتجة عن “مرض” بل عن “سم”.
“لن أدع ذلك يحدث.”
مع كلمات كاليـد الحازمة، حاول مولس تحمّل الألم وابتسم بصعوبة.
في تلكَ اللحظة، هزّت صرخة من مكان ما في الحشد الساحة.
“إنّها كارثة كبرى! الكارثة الكبرى التي تنبّأت بها سيّدة القوّة المقدّسة بدأت!”
مع هذه الكلمة الواحدة، تجمّدت تعابير الناس في لحظة.
تجعٌدت جبهة كاليـد، الذي كان يفحص مولس، أكثر في تلكَ اللحظة.
يذكرها كلّ مواطن في راجان.
قبل وقت ليس ببعيد، في ساحة الكاتدرائية، الرؤيا التي نقلتها سيّدة القوّة المقدّسة ليفيا.
كلماتها عن احتمال اندلاع حرب مرّت كالبرق في أذهانهم.
“إنّه وبـاء! ليس حربًا، بل وبـاء! إنّها بالضبط الكارثة التي تحدّثت عنها سيّدة القوّة المقدّسة، حيث تتراكم الجثث كالجبال!”
هؤلاء الأشخاص الغريبون الذين يظهرون الآن هم مرضى الوباء، و قد وصلت كارثة غير مسبوقة.
انتشرت صرخات المختبئين عبر سحر التضخيم في جميع أنحاء راجان.
قبل أن تنتهي تلكَ الكلمات، انهار البعض باكين، و هرعَ آخرون إلى بيوتهم.
تحوّلت الساحة، الممزوجة بالبكاء وأصوات الأقدام و الشّتائم، إلى كتلة هائلة من الفوضى في لحظة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 128"