كانت ليفيا تؤمن أنّ العالم يتألّق باللون الذهبي و أنّه رائع الجمال. كانت تعتقد أنّ عليها حماية هذا العالم الجميل و المبهر و رعايته.
عندما كانت طفلة صغيرة في حضن والدتها، بدا العالم في عينيها بهذا الجمال السّاحر.
لكن في يومٍ من الأيام، بعد أن رأت في حلمها حقول القمح الذهبيّة تشتعل بنيران متأجّجة، تغيّرت أفكارها.
أدركت أنّ ما يتألّق و يتميّز بالجمال الحقيقي ليس العالم، بل هي نفسها.
“آه، يا سيّدة القوّة المقدّسة، أنقذينا من الكارثة، أرجوكِ.”
“قوّة مقدّسة مثاليّة كهذه! لا شكّ أنّها كائن استثنائي نـال نعمة الحاكم، لا مثيل لها في العالم.”
“سيّدة ليفيا، أنتِ خلاصي و نوري. سيّدتي الخاصّة….”
كان الجميع ينظرون إليها بإجلال، يتسابقون للركوع أمامها و يقدّسونها.
عندما رأت ليفيا النًظرات الحارّة، و التوسّلات الملحّة، و الدّموع التي تسيل وسطَ النشوة، أيقنت:
آه، أنـا كائـن “استثنائيّ”.
أنا المخلّصة التي منحها الحاكم نعمته مباشرة.
إذن، يجب أن تكون مختلفة عن البشر العاديين الذين لا يعرفون سوى التوسّل.
كيف يمكن أن تكون مثل هؤلاء البشر الدنيئين؟
لذلك، قرّرت ليفيا:
يجب عليها هي الكائن الاستثنائيّ أن “ينقذ” هؤلاء الدنيئين.
بدأت تخطّط لمشروع “آدم” بعد أن ترسّخت في ذهنها صور وجوه الآلاف الذين كانوا يصرخون عند رؤيتها للمرّة الأولى.
لكن الآن، كان “خلاصها” الذي خطّطت له طويلاً على وشكِ أن ينهار.
بسببِ إنسانة تافهة و حقيرة.
عندما تذكّرت وجه إيرديا، أخفضت ليفيا رأسها بعمق، خشية أن يظهر غضبها على وجهها.
لحسن الحظ، بدا أنّ البابا لم يلاحظ التغيّر الطفيف فيها، و دقّـق في نحيبها بهدوء.
كان ينتظر بهدوء، و يداه مضمومتان، دونَ أن تتزعزع مشاعره.
غطّت ليفيا وجهها المنخفض بأطراف أصابعها المرتجفة.
“…تراكمت الجثث كالجبال. لم أعرف ما الذي أودى بحياة هذا العدد الهائل من الأرواح، و لماذا حدثَ هذا…”
“لا داعي لاستعادة تلكَ الذّكرى المروّعة.”
“بل يجب أن أتذكّرها. إذا رأيت المستقبل ولم أعرف نوع الكارثة، فلن أستطيع إنقاذ أحد.”
مسحت ليفيا وجهها بحذر بيديها المغطّيتين لوجهها، و أخذت نفسًا عميقًا.
“صوت السيوف تتصادم، صرخات لا تتوقّف… بدا و كـأنّ حربًا قد اندلعت.”
ظهرت تجاعيد خفيفة على عيني البابا الذي كان ينظر إليها بقلق.
كلمة “حرب” كانت تحمل احتمالات لا حصر لها. كانت الرؤى دائمًا دقيقة، لكن عدم معرفة متى و أين ستحدث جعل وجهه يزداد قتامة.
“لكن عندما فكّرت في الأمر، لم يكن من السهل تأكيد أنّها حرب. لم أستطع تفسيرها على الإطلاق. أحتاج إلى حكمتكَ بشدّة، قداستك.”
اهتزّت عينا البابا بشكلٍ طفيف جـدًّا.
لم تفوّت ليفيا هذا التغيّر الدقيق.
“في البداية، ألقيتُ اللوم على الحاكم. كيف يمكنني، أنا مع كوني مجرّد بشريّة، أن أمنع كارثة مروّعة كهذه… كنتُ خائفة.”
“…الحاكم يرعانا، لكن الكوارث هي مجرّد تدفّق العالم، و ليست عقابًا… ألستِ تعلمين ذلك؟”
“نعم، أعلم، و مع ذلك… شعرتُ بذلك. لم أعد أتحمّل رؤية الناس يموتون أمام عينيّ.”
أطلق البابا زفرة هادئة بنظرة تعاطف، و أمسكَ يدها بلطف.
“لقد تحمّلتِ نعمة الحاكم منذُ صغركِ ببراعة حتى الآن، فليس غريبًا أن تشعري بالإرهاق. لا تحملي هذا العبء وحدكِ بعد الآن. إذا كان هذا الجسد يمكنه مساعدتكِ، سأفعل كلّ ما بوسعي.”
ابتسمت ليفيا بصعوبة، و كأنّها وجدت عزاءً كبيرًا، وهي تتلمّس يده التي كانت تداعب ظهر يدها بحنان.
كما لو أنّها استجمعت شجاعتها، فتحت فمها بعد تردّد:
“لا أعرف سبب تراكم الجثث. لكن المكان كان واضحًا… كان راجان.”
“تقولين…راجان؟”
ضيّق البابا حاجبيه بشدّة، كما لو أنّه تلقّى صدمة.
“نعم، كان راجان. أنتَ تعلم كم عدد الناس الذين يعيشون في راجان. لذلك، كنتُ أصلّي كلّ يوم، ليس فقط من أجل الرؤى، بل ليتمّ حماية النّاس… توسّلت بإلحاح.”
الرؤى تتحقّق حتمّـا.
كيف لا يخاف الشّخص الذي رأى مستقبلاً مروّعًا كهذا؟
بالنّسبة للبابا، الذي يعرف أكثر من أيّ شخص آخر ثقل الرؤى، لم تكن كلمات ليفيا لتبدو خفيفة أبدًا.
عندما قالت إنّها توقّفت عن الأكل و الشرب ، عبس البابا بألـم.
سيطرت ليفيا على أنفاسها المرتجفة و واصلت:
“هل استجيبت صلواتي؟ قبل أيام… منحني الحاكم نعمته.”
“هل تقصدين…!”
لم يستطع البابا إخفاء دهشته، فاتسعت عيناه.
كـأنّ البابا، الذي لا يمكن أن يجهل عمود النور الذي اندفع نحو السماء، تفاجأ للمرّة الأولى، وكان ردّ فعله مضحكًا.
“نعم، صحيح. لقد ظهرَ شخص استيقظت قوّته المقدّسة. لقد رأف بيسيا بنا و منحنـا نعمة أخرى.”
عندما أظهرت ليفيا تأثّرها المزيّف باستجابة صلواتها و دمعت عيناها مجدّدًا، أمسك البابا يدها بقوّة أكبر.
“لا بدّ أنّ صلواتكِ قد استجيبت. يا لها من نعمة! أن أرى اثنتين من سيّدات القوّة المقدّسة في حياتي… إنّه فرح و شرف عظيم.”
حقًّـا؟ كارثة مخيفة كهذه تتطلّب وجود سيّدتين للقوّة المقدّسة.”
“ربّما يكون هذا اختبارًا لنا. سيّدة القوّة المقدّسة هي كائن ‘استثنائي’. إذا تمنّت السيّدتان و أخلصتا، فلا شكّ أنّ الحاكم سيرعانا مجدّدًا.”
لم يكن عدد الذين سيموتون في الكارثة أمرًا مهمًّـا جدًا بالنّسبةِ للبابا.
اهتمامه الوحيد كان في “معجزة القوّة المقدّسة” التي ستترك إرثًا في المعبد.
خلفَ نظرته، كان هناك وميض خافت من الفرح المكبوت.
ظهور سيّدتين للقوّة المقدّسة خلال فترة كونه بابا المعبد سيصبح إنجازًا سيُسجّل في تاريخ المعبد.
‘الصلاة، أيّ صلاة؟’
لم تصلّ ليفيا ولو مرّة واحدة بصدق.
حبّ الحاكم كان بالنّسبة لها شيئًا طبيعيًا مُنح لها منذ ولادتها، و كلمة “استثنائي” كان يجب أن تكون دائمًا لهـا، و لهـا وحدهـا هي فقط.
لكن،
في اليوم الذي شقّ فيه عمود النور السماء، تحطّمت “استثنائيّتها” إلى أشلاء.
كم كان ذلكَ مهينًا؟
أن يظهر “كائن مماثل آخر” لها، التي عاشت ككائن وحيد في العالم، كانت تلكَ إهانة لا تُطاق.
كان قلبها باردًا كالجليد، لكن دموعًا ساخنة انسابت من عينيها بشكلٍ طبيعي.
“أن يتمّ الإستجابة لندائي هو أمر يجعلني ممتنّة جدًا. و الأهم من ذلك، أنّ الشخص الذي استيقظت قوّته المقدّسة حديثًا… قد يكون مفتاح الخلاص لمنع هذه الكارثة.”
“هل رأيته في رؤياكِ؟”
عندما سألها عما إذا كان ذلكَ الكائن موجودًا في رؤياها، هزّت ليفيا رأسها بهدوء.
“لم أره. لكن… رأيتُ نورًا أبيض يغطّي السماء بوضوح. في البداية، ظننتُ أنّها كارثة أخرى… لكن قبل أيام، أيقنتُ. كان ذلكَ نور الشّخص الذي استيقظت قوّته المقدّسة حديثًا.”
مع تفسير ليفيا المقنع، تبعت نظرة البابا هذا التيار بشكل طبيعي.
الآن هي البداية الحقيقيّة.
تذكّرت ليفيا سبب وقوفها في هذا المكان المزعج.
“قبل أن آتي إلى هنا، تحقّقت من هويّة الشخص الذي استيقظت قوّته المقدّسة.”
“يا إلهي… مَـنْ هـي؟”
“…إنّها إيرديا فالاندي، خطيبة وليّ العهد كاليـد.”
“آه…”
كاد البابا أن يعبّر عن إعجابه بصراحة، لكنه هدأ بهدوء عندما رأى وجه ليفيا المتجهّم.
ثم تذكّر فجأةً حادثة فسخ خطوبة ليفيا و كاليـد القديمة.
على الرّغمِ من أنّه لا يتدخّل في السياسة، إلا أنّه بصفته المسؤول في المعبد كان عليه أن يكون على دراية إلى حـدّ ما بوضع الإمبراطوريّة.
“أنتَ تعلمون أنّ العلاقة بيني و بين وليّ العهد ليست جيّدة منذُ فسخ خطوبتنا. تلكَ المرأة التي وضعها إلى جانبه تكرهني أيضًا. و الآن بعد أن استيقظت قوّتها المقدّسة… قد تصبح عدائيّتها تجاهي أكثر وضوحًا.”
“كيف تقولين مثل هذا الكلام… أليس من المفترض أنّ نعمة الحاكم الجديدة قد حدثت بفضل صلواتكِ الحارّة؟”
“هم لا يعرفون. لا يؤمنون أنّ رؤياي هي الحقيقة. بل إنّهم… يضغطون عليّ. من أجل السلطة، يجعلونني أبدو كشريرة، و يدّعون أنّ كلّ شيء منّـي كذب.”
“يا للعـار!”
“أعرف أنّهم يفترون عليّ، لكن لا أملك سبيلاً لفعل شيء. لو كان لديّ المزيد من الرحمة لاحتضانهم…”
كان صوتها، الذي يخفت تدريجيًا، مشبعًا بالحزن و لوم الذات.
كتفاها النحيلتان ارتجفتا بينما كانت تنتحب بهدوء وهي مطأطئة الرأس.
مع الدموع التي بلّلت الأرض، أخرج البابا منديلاً ووضعه في يدها بهدوء.
“تحوّل العلاقات القديمة إلى عداوات… أمر شائع في العالم. لكن منع إرادة الحاكم بسببِ مشاعر شخصيّة هو أمر لا ينبغي أن يحدث أبدًا.”
“أنا خائفة. أخاف ممّا قد يقولونه لخداع الناس و اضطهادي. نحن بحاجةٍ إلى قوّتهم الآن لمنع الكارثة… لكنني أخاف أن نُفاجأ بالكارثة دونَ أيّ استعداد.”
“كيف يمكن أن ينظروا إلى شخصٍ طيّب مثلكِ بهذه الطريقة؟ لا بدّ أنّه سوء تفاهم. أنا متأكّد أنّني أستطيع مساعدتكِ.”
عندما عرض البابا مساعدته مباشرة، مسحت ليفيا دموعها بالمنديل و رفعت زاوية فمها بصعوبة.
“إذا كانت المساعدة منكَ يا قداستك، فسيقبلونها بالتأكيد. عندها، يمكننا إنقاذ أرواح كثيرة من الكارثة. أخشى أن أكون قد أزعجتكَ بسببِ نقصي.”
“لا تفكّري بهذه الطريقة. أنا الآن عجوز ضعيف، لكن إذا كان هناك أمر يمكنني حله، فسأتحمّله بكلّ سرور.”
ربّـت البابا على كتفها بحذر ليطمئنها.
مهما برزت سيّدة القوّة المقدّسة الجديدة، لم تكن لتتفوّق على ليفيا، التي حكمت كـ”وكيلة الحاكم” لسنواتٍ طويلة.
حتى لو كانت تلكَ المرأة خطيبة وليّ العهد، فإنّ الاسم الذي يترسّخ في أذهان الناس لا يزال “القدّيسة المعجزة”، ليفيا أرفين.
لذلك، قـرّر البابا بكلّ سرور تلبية طلبها.
لم يكن هناك سبب لرفض طلب ليفيا، التي جاءت بنفسها و أخفضت رأسها بعد أن أبقت المعبد على مسافة لفترةٍ طويلة.
حتى لو كان السّطر الوحيد الذي سيُسجّل في تاريخ معبده سيُكتب بهذا… لم يكن ذلك سيئًا.
“مثل مساعدتك، يا قداستك… سيكون التعاون النشط من الإمبراطوريّة ضروريًا أيضًا.”
“بما أنّ الكارثة ستصيب راجان، فبالطبع، يجب أن يكون كذلك.”
حدّقت ليفيا في تعابير وجه البابا، و أمسكت بقوّة يده المجعّدة التي كانت تربت عليها.
“فيما يتعلّق بهذا الأمر أيضًا… أحتاج إلى مساعدتكَ بشدّة.”
“بخصوص أمـرٍ يتعلّق بالإمبراطوريّة؟”
سأل البابا بحذر.
التدخّل في شؤون الإمبراطوريّة كان أمرًا حسّاسًا، حتى بالنّسبة للبابا.
عندما لاحظت تردّده، أغمضت ليفيا عينيها، و أخذت نفسًا هادئًا. ثم أظهرت أكثر تعبير حزين.
“…هناك أمر آخر يجب أن أخبركَ به، يا قداستك.”
رفعت ليفيا رأسها بحذر.
كان وجهها المغطّى بالدّموع لا يزال غارقًا في الألم، و شفتاها ترتجفان دونَ أن تكملا الكلام.
“لقد تـمّ تسميم جلالة الإمبراطور.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 124"