في مركز دوّامة المشاعر الممزوجة بالحيرة و الذهول و الإعجاب، وقفتُ وحدي.
‘كنتُ أعلم… لكن، هكذا إذًا تكون نعمة الحاكم.’
على الرّغمِ من أنّ الأمر كان مخطّطًا له، لم أستطع كبح الرّعشة و الخوف.
“الخطة واضحة. الآن، ما يجبُ فعله هو…”
“إقناع فرقة الفرسان المقدّسين. من المرجّح أن تتحرّك لومينتيا، وهذا أمر جيّد. إنّها فرقة ذات نفوذ كبير داخل المعبد، وفي ظلّ حركات ليفيـا الغامضة الآن، سيكونون بالتأكيد قوّة داعمة.”
‘”بيرين هاردور، قائد لومينتيا، ليس شخصًا يُستهان به. يُعتبر مرشّحًا لمنصب البابا القادم بفضلِ قدراته الاستثنائيّة… هل يمكن إقناعه؟'”
‘لهذا السّبب بالضبط. بيرين، على نحو استثنائي، يمتلك كفارسٍ قوّة مقدّسة هي الأقوى بعد البابا. وهو شديد الإخلاص، كما يُقـال. شخص مثله سيتعرّف عليّ بالتأكيد.”
“و ماذا لو لم يتعرّف عليكِ؟”
“لن يحدث ذلك. إذا كان حقًا يمتلك القوّة المقدّسة، وإذا كانت لومينتيا، أعظم فرقة فرسان في المعبد، فلن تفشل في التعرّف على هالة القوّة المقدّسة.”
كان هذا متوقّعًا.
لكن الضّغط كان أكبر بكثيـرٍ ممّا تخيّلت.
تقدّمتُ بهدوء إلى الأمام. مع كلّ خطوة، انفرجت صفوف الفرسان الراكعين بهدوء.
“انهض، السير بيرين هاردور.”
رفعَ بيرين رأسه ببطء، وهو لا يزال راكعًا.
“لم تجب بعد على سؤالي.”
كنتُ أرغب في جعله يقف على الفور، لكن في هذه اللحظة، كان عليّ الحفاظ على هيبة سيدة القوّة المقدّسة. كان عليّ إظهار أنّ قوّتي لم تستيقظ دونَ علم بما أفعل.
“…نسعى للقبض على مذنبة.”
“و ما هي الجريمة التي اقترفتها؟”
“ادّعاء تمثيل الحاكم، و هذا إساءة للمقدّسات.”
“هل أنتَ متأكّد؟”
“…ما الذي تريدين سماعه، يا سيّدة القوّة المقدّسة؟”
لم يحمل صوت بيرين غضبًا ولا ارتباكًا. كان مجرّد موقف هادئ و مطيع.
“بصفتي سيّدة القوّة المقدّسة، لا أفرض إجابة معيّنة.”
“لومينتيا تتبع إرادة المعبد. أرجو أن تتفهّمي ذلك.”
“و هل هذه حقًا إرادة المعبد؟”
مع استمرار أسئلتي، اهتزّت نظرة بيرين قليلاً.
لو قالها شخص آخر، لكانت كلمات تُعتبر تدنيسًا و إساءة مباشرةً للمقدّسات.
“جينا لم ترتكب جريمة الإساءة إلى المقدّسات.”
أدرتُ رأسي ببطء لأنظر إلى جينا.
التقت عيناي بعينيها وهي في حضن مالكوم، بينما تحبس أنفاسها.
رأيتها تهًزّ رأسها بحذر، كما لو كانت تكبح بكاءها، و يبدو أنّها، لحسنِ الحظ، لم تُصب بأذى جسدي رغمَ صدمتها.
على الرّغمِ من خطورة الخطة، وافقت جينا بسهولة.
قالت إنّها إذا استطاعت أن تكون طعمًا و تساعد ولو قليلاً، فقد تخفّف عنها بعض أعباء قلبها.
لم أستطع في النهاية منعها، لأنّني أعرف مشاعرها تلك.
وصول فرقة الفرسان أثناء غيابي المؤقّت عن القصر كان أمرًا غير متوقّع… لكنّ النتيجة كانت الموقف الذي أردته.
“ألـم يكن مبدأ لومينتيا أنّ كلّ القوانين و الأحكام التي ينفّذها المعبد يجب أن تكون عادلة و تتماشى مع رحمة بيسيا؟”
“…..”.
“بلاغ جينا جـاء من ادّعـاء شخصٍ واحد فقط. لم تُكشف الحقيقة بعد، و أنا واثقة من براءة جينا.”
“…هذا محرج.”
“المحرج هو نحن. في الوقت الحالي، هناك سيّدتان للقوّة المقدّسة: واحدة تدّعي أنّ جينا مذنبة، و الأخرى تؤمن ببراءتها. في مثل هذه الحالة، أليس من الضروري التحقّق من التّهمة بدلاً من اللجوء إلى العنف للقبض على المذنبة؟”
اهتزّت عينا بيرين بشدّة. ظـلّ راكعًا و نظرَ إليّ و سأل:
“…ما الذي تريدينه؟”
كان سريع البديهة.
كنتُ أعلم أنّ المطالبة بترك جينا فورًا لأنّها بريئة كانت طلبًا مبالغًا فيه.
استخدام آثار جينا لكسبِ الوقت كان أيضًا من أجل هذه اللحظة بالذات، حتى يدرك بيرين بسهولة ما أريده.
“امنحني وقتًا. أربعة أيام تكفي.”
“…..”.
“بعد أربعة أيام، سألتقي بكم مجدّدًا في قصر فالاندي. إذا كنتم لا تزالون تعتقدون أنّ جينا مذنبة، فسأتبع قوانين المعبد بكلّ سرور. لذا، أرجو منكم أيضًا العمل وفقَ القوانين.”
نهضَ بيرين ببطء.
كانت عيناه لا تزالان تعكسان الشـكّ و الحيرة، لكنّه أومأ برأسه بطاعة.
“…حسنًا. أربعة أيام، لا أستطيع السماح بأكثر من ذلك.”
“شكرًا لك.”
لم يستطع بيرين إخفاء نظرته المعقّدة وهو ينظر إلى وجهي لفترةٍ طويلة.
كان واضحًا أنّه يريد طرح سؤال ما، لكنّه أطلقَ زفرة قصيرة و استدار نحو فرقة الفرسان الراكعين.
“فرسان لومينتيا!”
“نعم!”
“من الآن فصاعدًا، اتّبعوا قوانين المعبد. تحقّقوا بدقّة في قضيّة جينا، المتهمة بتدنيس المقدّسات، من أجل حكم يتماشى مع رحمة بيسيا!”
تحرّكت لومينتيا بلا أدنى اضطراب، كما يليق باسمها الرفيع.
لا يهمّ إن كان قرار بيرين هاردور نابعًا من الشك أو الإحترام.
المهم أنّه منحني مهلة أربعة أيام.
الآن، تًمّ تهيئة المسرح.
و المعركة الأخيرة مع ليفيا― بدأت للتوّ.
* * *
معبدٌ متألّق و كأنّه يجمع نور العالم.
لكن، ليس كلّ جزء من المعبد يتغلغل فيه النور.
غرفة الالتماسات.
على عكسِ غرفة الصلاة، كانت هذه الغرفة مكانًا للتماسات و الاعترافات، و أحيانًا للإبلاغ عن الجرائم أو استجواب المذنبين المقبوض عليهم.
زيّنت الجدران نوافذ زجاجيّة ملونة تحمل صورة بيسيا، لكن النور الذي يمرّ عبرها لم يصل إلى أيّ مكان.
دخلت ليفيا بهدوء، وهي، على غير عادتها، تعـضّ شفتيها.
ارتجفت عند دخولها، اهتزّ جسدها قليلاً.
كما لو كانت تقف على موجة عاتية، شعرت بدوار و غثيان و انزعاج.
‘لا يزال كما هو.’
منذُ زمن، كانت تشعر بهذا الشعور كلّما وضعت قدميها في المعبد.
كلّما كانت في مكان يفيض بالقوّة المقدّسة، كان شعور التلوّي في أعماق صدرها يزداد قوّة.
لهذا السّبب، كانت ليفيا تتجنّب المعبد بسببٌ هذا الانزعاج.
قبل أن تتخلّص من شعورها بالضيق، سمعت صوت البابا:
“لم نلتـقِ منذُ زمن. إنّ رؤية هذه الفتاة الجميلة وقد نضجت بهذا الشكل الرائع يُسعدني كثيرًا.”
“ليكن وفق إرادة بيسيا، أحيّي قداسة البابا.”
في وسط غرفة الالتماسات، جلسَ رجل عجوز يرتدي رداءً ذهبيًا بمفرده.
شعره الأبيض و وجهه المجعّد كانا يدلّان على عمره المتقدّم.
لم يكن هناك كهنة أو خدم، كان البابا ينتظرها بمفرده.
حتى سحر الإدراك الذي كان يعـمّ غرفة الالتماسات عادةً قد اختفى، مما يوحي بأنّه أعـدَّ هذا المكان خصيصًا لها اليوم.
“لماذا اخترتِ هذا المكان بدلاً من الغرفة الداخليّة؟”
أشـار البابا إليها، و كأنّه يأسف لعدم تمكّنه من تقديم الشاي و الحلوى، بحركة ودودة كما لو كان يستقبل حفيدته.
ضيّقت ليفيا عينيها.
كان اختيارها لغرفة الالتماسات، أكثر أماكن المعبد ظلمة و خلوًا من النور، قرارها الخاص.
الغرفة الداخليّة للبابا تقع في أعماق المعبد، حيث تتكثّف القوّة المقدّسة بشدّة.
حتى الآن، كانت تعاني من اضطراب في معدتها و صعوبة في التحكّم بتعابير وجهها، فكيف كان سيصبح حالها لو التقت به في الغرفة الداخليّة؟
لهذا أرادت تجنّب ذلكَ المكان.
“أمام قداستك، أنا مجرّد خادمة للمعبد. كيف يمكنني دخول الغرفة الداخليّة؟ هذا المكان كافٍ.”
تبعت ليفيا إشارة البابا، و ركعت أمام تمثال الحاكم.
جلست إلى جانب البابا، و نظرت إلى التّمثال الذي يشبهها تمامًا. سواء كانت لوحة أو تمثالاً، كلّ تماثيل التي صُنعت بعد ولادتها كانت تشبهها.
كانوا يدعونها وكيلة الحاكم، بل ربّما هي تجسيد الحاكم نفسه، و لم يبخلوا عليها بالمديح.
هكذا كان العالـم، الجميـع.
حقيقة لم تتغيّر أبدًا منذُ ولادتها، حقيقة ثابتة.
فلمـاذا؟
لمـاذا الآن؟
نظرت ليفيا إلى التّمثال مباشرة، وهي تكبح المشاعر التي هاجمتها فجأة.
‘لن تسير الأمور وفق إرادتك.’
تذكّرت عمود النور الذي شقّ السماء قبل أيام. لاستعادة هدوئها، أغمضت عينيها ببطء ثم فتحتهما مجدّدًا.
“قداستك.”
“تكلّمي.”
كان صوتها المكتوم يرتجف كاعتراف مذنبة، و هذا أيضًا كان مقصودًا تمامًا كما أرادت.
“رأيتُ… كارثة عظيمة لم أختبرها من قبل.”
ارتجفت جفون ليفيا و هي تذرف الدموع.
قطرة، اثنتان، تساقطت دموعها بمظهر يؤلم قلب من يراها.
نظرت عيناها الذهبيّتان، المليئتان بالحزن، إلى التّمثال و كأنّها تلومها.
“لماذا سمحَ الحاكم بمثل هذه الكارثة… هل تخلّـى عنّـا؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 123"