في تلكَ اللحظة، تذكّرتُ ذكريات عندما كنتُ في جسد ليفيا، حين كنتُ أنا و كاليـد حبيبين.
“لماذا تحبّيننـي؟”
“أ، أريد أن أسمع لماذا اخترتني.”
“همم… لأنّكَ شاب، وسيم، و ماهـر جـدًّا؟”
بالتأكيد، كان لدينا مثل هذا الحديث.
كنتُ أظنّ أنّه مجرّد مزاح خفيف كما نتبادله عادةً.
لم أتوقّع أنّه لا يزال يتذكّر تلكَ الإجابة التي قلتها و أنا اضحك.
بالنّسبة له، كانت تلكَ كلمات منذُ سنوات.
‘لهذا السّبب كان يهتمّ بتايلون كثيرًا؟’
مسحتُ الدموع التي تجمّعت في عينيّ من الضحك و اقتربتُ منه.
حتّى عندما اقتربتُ، ظـلّ يدير وجهه بعيدًا.
“كاليـد.”
ناديته بحنان و جلستُ على ركبتيه، فنظـرَ إليّ متفاجئًا.
“الشّباب، الوسامة، و المهارة موجودون أكثر ممّا تظنّ. لكنّ رجلًا مثل ‘كاليـد’ لا يوجد إلّا واحد في العالـم.”
“…..”
“أنا أحبّكَ أنتَ لذاتكَ ، و ليس لأنّكَ شاب، وسيم، و ماهر.”
“…..”
“يا لكَ من رجل أحمق… كيف يمكن أن يحلّ أحد محلّكَ؟”
على الرّغمِ من أنّني مَنٔ قال ذلك، شعرتُ بقلبي يخفق بقوّة.
كانت غيرته لطيفة و محبّبة. لكن الكلمات التي قلتها لأطمئنه غيّرتْ شيئًا في داخلي.
أدركتُ أنّني، أنا التي كنتُ أفتقر إلى الثقة بنفسي حتّى تلكَ اللحظة، لم أكن مختلفة كثيرًا عنه و هو ينكمش بسببِ الغيرة.
هناك مَـنْ يحبّني لأجلِ ذاتي “أنـا”، و ليس لمظهري أو مهاراتي، و مع ذلك، كنتُ أقلّل من شأنِ نفسي—يا لها من حماقة.
الحمقاء هنا هي أنـا.
صحيح، أنا إيرديا. لم أعد ليفيا أرفين. كلّ ما أريده هو أن أكون سعيدة مع مَنٔ أحبّهم، وليس أن أصبح ليفيا أرفين.
مقارنة نفسي بها لم تكن سوى تعذيب لنفسي.
حتّى الشّخص الأكثر كمالًا قد يشعر أحيانًا بانعدام الثقة. كانت حالتي خاصّة قليلًا، لكنّها معضلة يمـرّ بها الجميع.
عندما فكّرتُ بهذه الطريقة، شعرتُ أنّ القلق القديم الذي كتمتـه أصبح أخـفّ بكثير.
تدفّقت مشاعر حنونة من أعماق قلبي.
أجل، هكذا كنتَ تفكّر أيضًا، هكذا كنتَ تشعر.
لم أستطع مقاومة ذلك، فالتفتُ حول عنقه.
ارتجف كاليـد للحظة، لكنّه سرعان ما تنهّـد بعمق، وضع ذراعيه حول خصري، و عانقني بقوّة.
“عندما تقولين هذا… لا يمكنني أن أطلب منكِ تغيير المدرّب بعد الآن.”
“شكرًا، كاليـد.”
“لقد هزمتِني. سأترك المدرّب كما هو، لكن لا تكوني ودودة معه أكثر من اللازم.”
“لم أكن ودودة معه أبدًا؟”
“لقد أمسكَ بيدكِ… أليس كذلك؟”
“هل راقبتَ كلّ شيء حقًا؟”
“…..”
تنهّد كاليـد كما لو كان محرجًا، وعانقني بقوّة أكبر
.
ضغطَ على مؤخّرة رأسي، دافنًا إيّاي في صدره، فتساءلتُ عن تعبيره، لكنّني اكتفيتُ بالتخيّل.
“كان فقط يساعدني لأنّني كدتُ أسقط. لو لم يمسكني تايلون، لكنتُ تأذّيتُ بشدّة.”
“…ها. أنا حقًا رجل تافه. لا أريدكِ أن تتأذّي، لكن حتّى مساعدته لكِ تُزعجني.”
“لا تقلق كثيرًا. أنا لا يمكنني أن أحـبّ أحدًا غيركَ.”
“توقّفي عن قول كلمات مؤثّرة كهذه. تجعلينني أشعر بمزيد من الحقارة.”
كان صوته يرتجف و كأنّه يصارع أفكاره الداخليّة.
حاولتُ الخروج من أحضانه، لكنّه عانقني بقوّةٍ أكبر، فانتهى بي الأمر و أنا أهدّئه بينما أتمتم.
“لا تكن قاسيًا مع فارس يحترمكَ. إنّه خائف من أن تستدعيه.”
عند كلامي، ارتجفَ كاليـد بشكلٍ ملحوظ.
كانت ردّة فعله مريبة جـدًّا، فتوقّفتُ عن تهدئته.
استغللتُ فرصة ارتخاء ذراعيه و خرجتُ من أحضانه، ونظرتُ إليه و سألتُ:
“…مهلًا، هل استدعيته بالفعل؟”
لم يجب كاليـد.
أدار وجهه و غطّى وجهه بيده فقط.
يا إلهـي.
هذا الرجل، حقًا… ماذا أفعل معه؟
كيف يمكنني التّعامل مع هذا اللطف؟
لكن هذا اللّطف و الحبّ كانا في عينيّ فقط.
عندما تذكّرتُ تايلون و هو يتنهّد طوال التدريب، شعرتُ أنّني يجب أن أتولّى الأمر.
“عندما يستدعي صاحب السّمو فارسًا عاديًا… ألن يكون ذلك مخيفًا؟”
“…أنا نادم.”
“لم تغضب منه، أليس كذلك؟”
“استدعيته فقط. لكن عندما رأيتُ وجهه… شعرتُ بحقارتي و لم أستطع قول شيء.”
“لكنّكَ حدّقتَ بـه، أليس كذلك؟”
“…كان ذلكَ للحظة فقط. جـاء جيرمان و أرسله بعيدًا.”
ما الذي فكّر به جيرمان عندما رأى كاليـد يستدعي فارسًا بسببِ شعوره بالغيرة؟
مهما فكّرتُ، كان ذلك أمرًا محرجًا بالنّسبة لتايلون.
دونَ أن أدري، كنتُ أضحك على لطف كاليـد، كم كان تايلون محبطًا داخليًا؟
“في المرّة القادمة التي أراه فيها، سأعتذر نيابة عنكَ.”
ومع ذلك، شعرتُ بمزيج من الدهشة و اللطافة، فانفجرتُ ضاحكة مرّة أخرى.
“سأغفر لكَ هذه المرّة فقط لأنّكَ لطيف.”
كان النّظر إليه و التّظاهر بالغضب بينما أنا أربّت على صدري هو الردّ الوحيد الذي استطعتُ تقديمه.
شعـرَ كاليـد بالحرج من نفسه، و وعـدَ بتعويض تيلرون بشكلٍ مناسب، نادمًا بجديّة على فعلته.
يبدو أنّه أدركَ أنّه بالغ.
بينما كنا نضحك و نتحدّث، مـرّ وقت طويل.
في الأيّام العاديّة، كان سيأتي لرؤيتي للحظات ثمّ يغادر، لذا شعرتُ بالدّهشة قليلًا لأنّه لا يزال هنا.
كما لو أنّه تذكّر شيئًا متأخّرًا، تحرّك كاليـد وهو يعانقني و قال:
“أريد أن أريكِ شيئًا. أتمنّى أن تأتي معي إلى قصري بعد الظهر.”
لكن أن يحملني هكذا كان مبالغًا فيه مهما كان!
ابتسامته اللّطيفة دون أيّ مجهود جعلتني أشعر بالضيق قليلًا.
لماذا تذكّرتُ كلام جينا عن “الغصن الجاف” في هذه اللحظة؟
“حسنًا. هل أعددتَ مفاجأة؟”
“هممم.”
مشى كاليـد قليلًا، ثمّ أنزلني فجأة، و انحنى و مـدّ يده.
“إيرديا، هل ستأتين معي إلى قصري هكذا؟ لقد أعددتُ الكثير من الشاي لأجلكِ. و إذا أردتِ، حلويات أيضًا.”
احمـرّ وجهي عند كلامه.
كان قد طلبَ منّي الذهاب إلى قصره بالفعل، فلماذا يعيد الطلب بأسلوب رسميّ؟
حسنا ، هناك سبب واحد فقط.
“كاليـد!”
صرختُ باسمه من الإحراج، فضحكَ كاليـد بصوتٍ منعش.
كلامه كان مشابهًا لعبارة الإغراء الكلاسيكيّة في هذا العالم، مثل “هل تأتين إلى بيتي لتناول الرامن؟”
كانت عبارة شائعة في الجنوب المنفتح، و سمعتُ أنّها انتشرت تدريجيًا في راجان.
لم أكن جاهلة بها، و كان واضحًا أنّه يستمتع بردّة فعلي و هو لا يزال يمـدّ يده.
على الرّغمِ من هـزّ يديّ لتبرد حرارة وجهي، إلّا أنّ الحرارة لم تهدأ، ربّما بسببِ الطقس الحارّ.
“إذن، إيرديا؟ ما الجواب؟”
بتوسّله الممزوج بالدّلال، أمسكتُ يده و خفضتُ رأسي.
“الشاي… لا بأس، لكن الحلويات… سأقبل بها.”
قبّـل كاليـد ظهر يدي و ضحك بهدوء.
“سأبذل قصارى جهدي لئـلّا أخيّبَ ظنّكِ.”
كان الإحراج كلّه من نصيبي بسببِ إغرائه الخفيّ. لا أعرف إن كان جادًا أم يمزح، لكن من الأساس، لا يمكنني رفضه.
عندما خرجنا من الحديقة ممسكين بأيدي بعضنا، كانت أشعّة الشمس الهادئة تربّت على ظهري.
الضّحك على قصص تافهة، المشي يدًا بيد، و البقاء معًا بحجّة الحلويات.
كنتُ يومًا أحلم بهذا اليوم العاديّ، و الآن أعيشه، وهذا كان أمـرًا لا يصدّق.
على الرّغمِ من أنّها لحظةٌ قصيرة الآن، أدركتُ أنّ هذه هي الحياة التي طالما أردتها.
لم أنظر إلى الخلف.
مشيتُ بهدوء متابعة دفء يده.
تمنّيتُ من قلبي أن تستمرّ هذه المشاعر الدافئة والهادئة إلى الأبد…..
التعليقات لهذا الفصل " 120"