أمسكت يدها المرتجفة طرف ثوبي بقوّة. كلّ حركة صغيرة منها كانت تخدش قلبي.
“لا تقولي مثلَ هذا الكلام. لا أحد يعتقد أنّه خطأكِ. لم ألُـمِكِ لمرّةً واحدة حتّى”
“…لقد… قلتُ الكثير… وضعتُ الآنسة في مأزق…”
“لا، جينا، أليس كذلك؟ لا، ليسَ الأمر كذلك. أنتِ لم ترتكبي أيّ خطأ.”
لم يكن أحد مخطئًا. كان ذلكَ واضحًا. مَنٔ كان يمكن أن يتوقّع هذا؟ الاستيلاء على جسد كان كارثة طبيعيّة بالنّسبة للجميع.
إذا كان هناك مَنٔ يتحمّل اللّـوم… فهو أنا.
كان يجبُ أن أخبر الجميع بالحقيقة في اللّحظة التي استوليتُ فيها على جسدها. لو فعلتُ ذلك، لما تأذّت جينا ولا كاليد بهذا الشّكل.
“جينا، أنا… أنا…”
ابتلعتُ بكائي مرّةً تلو الأخرى، وكان صوتي بائسًا، لكنّني مسحتُ دموع جينا بعزم و أبلغتها اعتذاري.
أردتُ أن أخبرها أنّ مَنْ يجب أن يعتذر هو أنا، وليس هي.
“…لقد اشتقتُ إليكِ… اشتقتُ إليكِ كثيرًا، الآنسة…”
استمرّت كلمات جينا بنبرةٍ ضعيفة متقطّعة.
“…أنا سعيدة… لأنّكِ بخير…”
بجسدها المدمّر، مَنْ يهتمّ بمن؟
يا لها من حماقة. لماذا الجميع من حولي طيّبون إلى درجة الحماقة؟
كما لو أنّها كانت مصرّةً على قول هذا، استنفدت جينا قوّتها الضئيلة و انهارت.
سقطت يدها التي كانت تمسك بي بلا قوّة، وأغلقت جفونها ببطء.
“جينا؟ جينا…!”
ناديتُ اسمها مرارًا وتكرارًا في لحظات قصيرة، وأنا أعانق كتفيها المرتجفتين.
تدفّقت الدّموع التي كنتُ أكبحها على خدّيّ. خنقني الخوف من أنّها قد لا تفتح عينيها مجدّدًا.
“…آه… أنا آسفة لأنّني تأخّرتُ كثيرًا، جينا… جينا!”
انفجرت مشاعرَ الذنب المتراكمة، و أعمت الدّموع رؤيتي. كانت كتفاها التي عانقتها نحيلة للغاية. جسدها النحيف الجافّ، كيف يمكن أن يُضرب؟
كان يجبُ أن أنقذها دونَ تفكير. كان يجب أن آخذها معي عندما رأيتها في السّاحة لأوّلِ مرّة.
“…آه… آه، آه…”
أمسكتُ يدها المنهارة بقوّة و حاولتُ تنظيم أنفاسي.
هل سمعَ كاليد صوت بكائي المضطرب؟ شعرتُ بحركته وهو يدخل الغرفة، لكن لم يكن لديّ وقت للاهتمام.
“لا يمكنني… لا يمكنني أن أتركها تموت هكذا.”
لن يغيّر البكاء و النّدم شيئًا الآن.
شعرتُ وكأنّ قلبي ينكمش وينفجر.
خنقني شعورُ العجز بأنّني لم أستطع حماية و لو شيء واحد بقوّتي.
“لماذا…”
بين شفتيّ المعضوضتين مرّات عديدة، تسرب شعور بالظلم بدلاً من البكاء.
“لماذا… لا يُسمح لي بشيء؟”
كلّ ما تمنّيته كان أن ألتقي بأحبّتي مجدّدًا.
هل كان ذلكَ شيئًا عظيمًا لدرجة أنّه يتطلّب دفعَ ثمنٍ باهظ؟
أنت من أحضرتني.
أنت من بدأت كلّ هذا.
شعرتُ بأنّ يد جينا، التي كانت تبرد مهما أمسكتُ بها بقوّة، هي الثّمن الذي دفعته لقدومي إلى هنا، فـغرقَ قلبي في برودة.
إذا لم أستطع إنقاذَ جينا حتّى ، فما معنى وجودي هنا؟
لا أستطيع حماية أحبّتي حتّى!
“…من فضلك! رجاءًا!”
لم يعد لديّ أيّ كبرياء.
عندما استوليتُ على جسد ليفيا لأوّل مرّة، أذهلتني البيئة المثاليّة. في ذلكَ الوقت، ظننتُ أنّ ليفيا ماتت وأنّني دخلتُ جسدها، فشعرتُ بالأسف على موتها، وفي الوقت نفسه، شعرتُ كأنّني في حلم لأنّني سأعيشُ كشخصيّتها.
حتّى لو كرّستُ حياتي كلّها لتصحيح أخطائها، كنتُ أغبطُ حياتها. فكّرتُ أنّه سيكون رائعًا لو أستطيع أن أعيشَ هكذا.
إذا كانت كلّ المصائب التي حدثت حولي الآن بسبب تلكَ الأفكار الأنانيّة التي حملتها آنذاك… سأتحمّل الثّمن بكلّ سرور.
ركعتُ كإنسان صغير.
أمسكتُ يدها المليئة بالجروح بقوّة، وتوسّلتُ بلا توقّف.
“رجاءًا…”
مع عزمي على تحمّل أيِّ ثمنٍ إذا استطعتُ إصلاح الأمور بيديّ. تمنّيتُ بشدّة أن يستجيب الحاكم لهذا القلب الآن.
“كما تريد حماية من تحبّهم، أنا أيضًا أريد حماية أحبّتي. حقًا… إذا كنتُ حقًا الوعاء الذي تحدّثت عنه…”
لم أتوقّف عن الرّكض حتّى الآن. منذُ ميرسين، عملتُ بلا توقّف لإيقاف أفعال ليفيا الشريرة.
اضطررتُ إلى مشاهدةِ مناظرَ مروّعة، ومواساة من بقوا مجروحين، و البكاء على العديد من الوفيات.
لماذا يجب أن تنتصري دائمًا، يا ليفيا؟
لماذا يجب أن تحصلي على كلّ شيءٍ دائمًا؟
كانت أيّامًا فزتُ فيها لكنّني لم أفز أبدًا.
لأنّ الذي كان يحمي ليفيا هو بيسيا.
“إذا كنتَ قد استدعيتني للسّبب الذي أعتقده، فأعطني القوّة الآن.”
أصبحَ صوتي أجشّ تدريجيًا. كان صوتي الخشن، كأنّه يخدش المعدن، بائسًا حتّى في أذنيّ.
“…سأفعل كلّ ما تريده…”
بدأت السلسلة الباردة للقداسة تتوهّج بنعومة.
أصبحَ الضّوء الخافت أكثرَ وضوحًا، كما لو كان يستجيب لي.
“…من فضلك…”
مع دموعي التي طمست رؤيتي، أغمضتُ عينيّ.
ركّزتُ فقط على برودة جسد جينا التي تنتقل إلى أطراف أصابعي، متمنّية بشدّةٍ عودة الدفء.
“…أرجوك… أتوسّل إليك هكذا…”
قبل أن أكمل كلامي،
في تلكَ اللحظة، تدفّقَ شيء لا يمكن تفسيره إلى صدري، كما لو كان يُسكب الماء في زجاجة فارغة.
في تلكَ اللّحظة أيضًا، أطلقت سلسلة القداسة على معصمي ضوءًا ساطعًا بحيثُ لم أستطع تمييز ما أمامي.
“…..!”
أمام عينيّ… لا، أصبحَ العالم كلّه أبيضًا.
كان ذلكَ الشّيء الذي يتدفّق بلا نهاية غريبًا و مألوفًا بشكلٍ مدهش في الوقت ذاته.
كان مشابهًا للقوّة التي حمتني في لحظةِ خطر في بيلانيف، لكنّه أقوى بكثير.
“آه…”
عرفتُـه.
لقد استخدمتُ هذه القوّة من قبل. لم أستطع إلا أن أعرف. كانت تلكَ القوّة التي استنفدتها حتّى النهاية لإيقاف الفيضان العظيم – القوّة المقدّسة.
كانت أعمق وأنقى من ذلكَ الحين. كان الضوء الأبيض النقيّ يتدفّق كما لو كان يروي أرضًا جافّة تعاني من الجفاف.
كانت طاقةً جديدة تمامًا، مختلفة عن القوّة المقدّسة الذهبيّة لليفي.
كان الضوء الأبيض، الذي لا يحمل أيّ لون، يتموّج و كأنّه يتبع إرادتي الصغيرة، محيطًا بي.
كان يتراقص كما لو كان سعيدًا بلقاء سيّده، وكان بالتّأكيد القوّة المقدّسة.
أمسكتُ يد جينا بكلتا يديّ المرتجفتين.
كانت هذه قوّتي المقدّسة أنا ، لا تنتمي إلى أحد سواي.
“رجاءًا…”
بدأت قوّة حيّة تتدفّق في توسّلي اليائس العاجز.
رنّت سلسلة القداسة الممتدّة إلى ظهر يدي بصوتٍ نقيّ.
بقلبٍ مصمّم على إنقاذ جينا، أرسلتُ الضوء بهدوء.
كان اليقين بأنّني أستطيع إنقاذَ جينا أقوى من أيّ وقت مضى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 114"