لم يكن من الجيّدِ البقاء طويلاً في مكانٍ مملوء بدخان الجثث السامّ. وبما أنّ الوقت المتبقّي لفعاليّة مضادّ السّم كان محدودًا، توجهنا دونَ كلام إلى الباب الجانبي الذي اكتشفه ألدين.
“بما أنّ مواد التجارب شملت وحوشًا، فمن المحتمل أن يكون الممرّ متّصلاً بأقربِ نقطةٍ إلى غابة فيغاس. باستثناءِ المكان الذي يتواجد فيه فرسان فيغاس…”
“البوابة الثامنة إذًا.”
تذكّرتُ اللّحظة التي وصلتُ فيها إلى هذا العالم لأوّل مرّة.
لقد سقطتُ في غابة فيغاس دونَ تفكير، لكنّني، بشكلٍ غريب، لم أواجه و لو وحشًا واحدًا.
اعتقدتُ أنّ الحاكم يحميني بشكلٍ خاصّ، لكن بعد رؤية هذا المكان، بدأتُ أظنّ أنّ شخصًا ما ربّما كان قد نظّف محيط غابة الوحوش مسبقًا.
“البوابة الثامنة هي الأضعف من حيث التفتيش في راجان، وقد ملأتها ليفيا بأشخاصها. وبما أنّها منطقة تمٕرُّ منها العديد من القوافل التجاريّة، فمن المحتمل أنّها استخدمتها لإدخالِ موادّ التّـجارب. وبما أنّها متّصلة بغابة فيغاس، فهي مناسبةً للتخلّص من الجثث أيضًا.”
كم عدد الجثث التي أُلقيتْ كطعامٍ للوحوش؟
عضضتُ شفتيّ بقوّة و هززتُ رأسي وأنا أفكّر في هذا الأمر المروّع.
“إذا كانت الفرضيّة صحيحة، فلا بدّ أن يكون هناك ممرّ تحتَ الأرض يربط بين قصر أرفين و البوابة الثامنة.”
لم يتبقَ سوى القليل من الوقت. حتّى لو كانت الفرضيّة خاطئة، لم يكن أمامنا سوى هذا الطريق.
كما فعل عندما نزلنا إلى المختبر، تقدّمَ كاليد وهو يحملُ جيرمان على ظهره.
تبعتُه، وعدتُ للنّظر إلى الخلف مرّاتٍ عديدة. كان هناكَ أشخاص داخل القضبان الحديديّة، فقدوا هيئتهم البشريّة، ينتظرون الموت التّالي بلا أمل.
شعرتُ بالضيق لأنّني لم أتمكّن من إنقاذهم. حتّى لو أنقذتهم، كان من الصّعب أن يجدوا طريقًا للعيش، لكن مع ذلك…
تكدّس الغضب الذي لا يمكنني التّعبير عنه في صدري ككتلة متصلبة.
مهما كان السّبب، فإنّ ما ارتكبتهُ ليفيا كان ذنبًا عظيمًا لا يمكن التّسامح معه.
* * *
كان الممرّ المتّصل بقنوات الصّرف الصحّي تحتَ الأرض في راجان مملوءًا برائحة كريهة بشعة وأكوام من النفايات القذرة.
كانت المواد العضويّة متراكمة إلى درجة أنّه لو سقطت جثّة متعفّنة في القناة الجارية، لما لاحظها أحد.
بينما كانَ كاليد يمشي بهدوء، حدّقَ طويلاً في حالة التلوّث الشديدة للقناة، ثمّ تنهّد أخيرًا وقال:
“حتّى تنظيف المجاري لم يتمّ بشكلٍ صحيح…”
“لم تكن لتتركَ ذلك يحدث. من المؤكّد أنّ ليفي كانت تستخدم هذا الممرّ بشكلٍ شخصيّ.”
“…..”
في بلـدٍ قد فسد إلى أبعدِ الحدود، كانت هناك أماكن كثيرة لم تصلها يد كاليد بعد.
كان الإمبراطور نصفَ ميّت تقريبًا، وحتّى لو كانت الإمبراطورة تتولّى الأمور نيابة عنه، فإنّ الأمور التي لا يمكن معرفتها إلا بالتّفتيش المباشر كانت كثيرة.
كون حراسة البوابة الثامنة ضعيفة، وأنّ قنوات الصرف الصحّي تحت الأرض لم تُنظّف، بل لم تُصان حتّى…
علمتُ أنّ تقطيب كاليد لوجهه لم يكنْ بسببِ المجاري فقط، فشعرتُ بضيق في صدري أيضًا.
“تلوّث قنوات الصّرف الصحّي تحتَ الأرض قد يكون مشكلةً كبيرة. في المكان الذي عشتُ فيه، كانت الأوبئة الخطيرة تاريخيًا ناتجةً عن تلوّث قنوات الصرف الصحّي و المجاري.”
“يجب أن نضعه كمشكلةٍ تحتاج إلى حلٍّ عاجل.”
من المؤكّد أنّ عدم قدرته على حلّ هذه المشكلة فورًا كان أكبر ألمٍ بالنّسبة له. لقد أضيف عبء آخر إلى قائمة المهامّ التي يجب معالجتها.
كان من الصعبِ تخيّل مقدار الوقت الذي سيستغرقه لإعادة تنظيم هذا البلد المدمّر. لكنّ كاليد لن يتخلّى أبدًا عن شعب الإمبراطوريّة.
لذا، لا ينبغي لي أن أتعبَ أيضًا.
كم من الوقت مشينا؟
لحسنِ الحظ، يبدو أنّ ليفيا لم تضع أيّ حرّاس هنا، فلم نواجه أيَّ مشاكل، لكنّنا كلّنا كنا منهكين.
كانَ من الطبيعي أن نشعرَ بهذا الإرهاق بعد أن مشينا المسافة من منطقة البوابة السادسة، حيث قصر أرفين، إلى البوابة الثامنة دونَ عربة.
عندما بدأت ساقاي تؤلمانني، فُتح الباب الموجود في نهاية الممرّ الطويل بصعوبة.
مثلما كان المختبر القذر في حالةٍ سيّئة، بدا هذا المكان أيضًا وكأنّه لم يُستخدم منذُ وقتٍ طويل.
كان من المؤكّد أنّ تجاربَ آدم قد انتهت. لكن أن يكون المكان هادئًا إلى هذا الحدّ…
“هل تخطّط للإنتاج الضخم؟ أم أنّها تنتظر الوقت المناسب؟”
كانت نبوءتها، التي لا تزال غامضة، تثير قلقي أيضًا.
كنتُ متأكّدة أنّ نبوءة الحرب السّابقة كانت كذبة، لكن بما أنّها “نبوءة” أعلنتها سيّدة القوّة المقدّسة، لم أستطع تجاهلها تمامًا دونَ شعور بالضيق.
عندما فتحنا الباب، اندفعَ غبار كثيف ممزوج برائحة العفن، ممّا تسبّب في سعال لا إرادي. كان المكان منزلًا قديمًا متهالكًا في حيّ الفقراء.
أنزلَ كاليد جيرمان بحذر، ثمّ خرج ليستكشف محيط المنزل بسرعة.
عبرتُ عتبة الباب بجسدٍ منهك. لم نبقَ طويلاً في مكان مملوء بدخان الجثث السامّ، لكن ربّما بسببِ تلوّث قنوات الصرف الصحّي، شعرتُ بألم في رئتيّ وكأنّهما تحترقان.
عادَ كاليد بعد أن فحصَ المنطقة المجاورة، وحمل جيرمان مرّةً أخرى وقال:
“كانت فرضيّتكِ صحيحة. هذا حيّ الفقراء بالقرب من البوابة الثامنة. يبدو أنّ هناك من يفتّش المنطقة. هل يمكننا الإسراع؟ هذا المكان ليس آمنًا.”
أومأتُ برأسي لكلامه.
كنتُ أرغب في الجلوس والرّاحة فورًا، لكن كما قال، هذا المكان لم يكن آمنًا.
“لكن لماذا يبحثون عنّا؟”
ألم يكن من الأفضل لهم أن يتركونا ليتمّ اتهامنا بتهريب مجرم و إخفائه، ومن ثمّ إحالتنا إلى المحاكمة المقدّسة؟
كان الأمر غريبًا، لكن لا فائدة من أن يتمّ اكتشافنا.
“هناك منزل آمن أعددناه بالقرب. ليسَ بعيدًا، فلنتوجّه إليه.”
توجّهنا إلى المنزل الآمن خلفَ كاليد، ونحن نراقب محيطنا بحذر.
لحسنِ الحظّ، كان هناك أحد أعضاء فرقة باسراين، الذين توجّهنا معهم إلى القصر في البداية، ينتظرنا بعد أن تلقّى اتّصالاً متأخّرًا من كاليد، فتمكّنّا من الحصول على مساعدته.
انتشرَ بعضهم في حيّ الفقراء لمحوِ آثارنا، وبعضهم تركَ آثارًا مضلّلة في أماكن أخرى عمدًا لإرباك أيّ متتبّعين، و تحرّكوا بسرعة.
تساءلتُ عمّا كانوا يفعلونه عندما لم يدخلوا معنا إلى المخزن في قصر أرفين، لكن يبدو أنّهم كانوا يمحون آثارنا هناك أيضًا.
عندما وصلنا إلى المنزل الآمن بسلام، شعرتُ وكأنّ كلّ طاقتي قد استُنزفت.
على عكسي، حيث غرقتُ في الأريكة بعد أن استسلمتُ للإرهاق، تبادلَ كاليد محادثة قصيرة مع أحد أعضاء باسراين الذي جاء لتقديم تقرير.
“وجدنا آثارًا في مستودع قريب من قصر أرفين تشير إلى وجود مجرم محتجز.”
“هل محوتَها؟”
“تلقّينا أوامر بمحو أيّ أثر يشير إلى وجود مجرم، لذا محونا كلّ شيء هناك.”
“و آثار جيرمان؟”
“نعم. و تأكّدنا أيضًا أنّ فرقة الفرسان المقدّسة من المعبد وصلت بعد خروجنا مباشرة.”
“هل تعرّفتَ على هويّتهم؟”
“نعم، كانت فرقة فرسان لومنتيا.”
كانت فرقة الفرسان الأكثر نفوذًا في المعبد، حيث يرتدي أعضاؤها دروعًا معدنيّة كاملة، ولا يُرى أحد منهم بدونِ خوذة باستثناء قائدهم.
فكّرَ كاليد للحظة، ثمّ أصدر أوامر لأتباعه:
“من المؤكّد أنّ استدعاء فرقة الفرسان المقدّسة كان جزءًا من خطّة ليفيا، لكن إذا كانت لومنتيا… فالأمر مختلف قليلاً. راقب تحرّكاتهم بسريّة. لا تفوّت أيّ تفصيل، مهما كان صغيرًا، وأبلغ عنه.”
“حاضر، سيدي!”
اختفى عضو باسراين بلا صوت فور تلقّيه الأوامر.
بينما كان كاليد يقطّب حاجبيه، خلط مسحوقًا أصفر في الماء، ثمّ اقترب منّي حاملاً الكأس وقال:
“هذا سيطرد السّموم المتراكمة في جسدكِ.”
“ألا يجبُ أن تشربَ منه أنتَ أيضًا؟”
“أنا مقاوم للسموم.”
كانَ الدّواء ُـمرّ المذاق، لكن عندما قال إنّه مقاوم حتّى لدخان الجثث السامّ، عقدت حاجباي تلقائيًا.
ما نوع الحياة التي عاشها؟ كلماته التي يلقيها بلا مبالاة عن ماضيه كانت تؤلمني أحيانًا.
لاحظَ كاليد نظرتي وضحكَ بهدوء كما لو أنّ الأمر لا يعنيه، ثمّ أعطى نفس الماء الممزوج بالدواء لجيرمان، الذي كانَ مستلقيًا على الأريكة.
لحسنِ الحظ، وبفضل مضادّ السمّ الذي أعطاني إيّاه ألدين، بدأ جسدي يستقرّ بسرعة.
يبدو أنّ الدواء الذي قدّمه كاليد كان ثمينًا جدًا، إذ بدأ جيرمان، الذي لم يكن قد استردّ وعيه بعد، يتنفّس بانتظام و فتحَ عينيه تدريجيًا.
“…أنا… آه…”
خرجَ صوت أجشّ منه. رمشَ بعينيه المغبّشتين عدّة مرّات، ثمّ نهض فجأة من مكانه.
ثمّ أمسكَ رأسه وأطلق أنينًا مؤلمًا.
“لا تتحرّك بعد.”
“…لماذا أنا… كان هناكَ بالتأكيد دخان سامّ…”
قبل أن يكمل كلامه، أصبح تنفّسه متقطّعًا. أغلق عينيه وعضّ على أسنانه.
كان يضغط على فكّه بقوّة لدرجة أنّني رأيتُه يرتجف بوضوح من الجانب.
“…لقد تسبّبتُ في إزعاج.”
يبدو أنّه استذكرَ الوضع قبل أن يفقد وعيه.
“كان ذلكَ النوع من السمّ. لم يكن أحد يتوقّعه، فلا تلم نفسك.”
“لقد حاولتُ قتل سموّك.”
“كان هجومًا تافهًا.”
“…..”
“هل تظنّني ضعيفًا لدرجةِ أنّك قد تستطيع إسقاطي بسهولة؟”
“أعتذر.”
“لقد انتهى الأمر. اشكر السّير ألدين، لانّه هو من أوقفك.”
في النهاية، كان ضربه على مؤخّرة عنقه نوعًا من الإيقاف.
أمسكََ جيرمان مؤخّرة عنقه، التي بدت مؤلمة، وانحنى بعمق تجاه ألدين.
من حيث الرتبة، كان جيرمان، مساعد وليّ العهد، أعلى بكثيرٍ من ألدين، لكنّه لم يتصرّف بتكبّر عندما انحنى.
“شكرًا على مساعدتك. سأردّ هذا الدّين بالتأكيد.”
“لا يُعتبر دَينًا. كنتُ سأكون في خطر إذا اندفعتَ، يا سيدي، لذا تصرّفتُ لحماية الآنسة. لقد أدّيتُ واجبي فقط، فلا تهتمّ.”
هزّ ألدين كتفيه كما لو أنّ الأمر لا يستحقّ الذكر.
كشفت ذقنه السميكة و شفتاه القويتان عن عناده، فأعربَ جيرمان عن شكره مرّةً أخرى ثمّ استدار.
كان من الواضحِ أنّ هذين الرجلين العنيدين سيتشاجران لاحقًا حول هذا “الدَّين”.
كانت الراحة قصيرة.
اقتربتُ من جينا، التي لم تستردَّ وعيها بعد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 113"