تزايدت أعدادُ التّجارب المسجّلة في السجلّ يومًا بعد يوم.
لم يكن بالإمكان حتّى تخمين مدى استمرار هذه التّجارب التي لا يبدو لها نهاية. بدت أكوام الأوراق المتراكمة وكأنّها تعبّرّ عن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم هنا.
مع كلّ صفحةٍ تُقلّب، كانت الجملُ تنضحُ بالدماء، فتنتشر هالةٌ باردة تخيّم على المكان.
كان الأشخاص المسجّلون بأرقامٍ بدلاً من أسماء يُعاملون كموادّ للتجّارب فقط. أمّا الجثث التي فشلت في التجارب فكانت تُصنّف كـ”نفايات”، محرومة حتّى من حقّ الموتِ كبشر.
كان هذا بحدِّ ذاته مروّعًا، لكن محتوى التجارب لم يقتصر على ما كنتُ أعرفه سابقًا عن “آدم”.
“هل هذا… حقًا…”
التّجارب التي أُجريت هنا على “آدم” كانت مختلفة تمامًا عمّا كنتُ أعرفه عن المنشّط البسيط.
خلالَ السّنوات الخمس الماضية، يبدو أنّ ليفيا قد أجرتْ تجاربَ لا حصر لها لإضفاءِ تأثيرات أخرى على آدم.
قبضتُ يديّ بقوّة دونَ اكتراث لتجعّد الأوراق.
“كيف يمكنُ لشخصٍ أن يكونَ بهذا السّوء…!”
كيف يمكن لأحدٍ أن يرتكبَ مثل هذه الأفعال المروّعة؟
عادَ السّؤال الذي ظلَّ يراودني مرّةً أخرى.
هل تمنّي استعادة ما حصلتُ عليه عندما كنتُ ليفيا ليس سوى أنانية و طمعٍ منّي ؟
كان شعورُ الذّنب اللاّنهائي من الجشع بما يخصّ الآخرين يحتلُّ مكانًا عميقًا في قلبي، جاعلاً إيّاي أتردّد في كلّ لحظة.
حتّى لو لم تكنْ رغبتي أن أصبحَ ليفيا، فإنّ حقيقة أنّني هززت حياتها بشكلٍ كبير لا تتغيّر.
الأمور التي ارتكبتها دونَ قصد تركتْ دائمًا شعورًا بالأسف. هذا الشعور كان يعود ليطاردني، ينخرني طبقة بعدَ طبقة حتّى وأنا أعيش كـإيرديا، لكن رغمَ ذلك…
مرّةً واحدة على الأقل… كنتُ أفكّر أنّه يجبُ أن أعتذر لأنّني عشتُ حياتها بطريقةٍ متعسّفة.
لكن في كلِّ مرّة تتسلّل إليّ هذه المشاعر، كانت ليفيا ترتكب المزيدَ من الذنوب التي لا يمكن لإنسان أن يغفرها.
هل يمكنني حقًا أن أقول “أنا آسفة” لمَنْ تسمّمُ أطفالاً لم يروا العالم بعد، و تستخدم أناسًا أبرياء كموادّ أدنى من الحيوانات؟
هل يجبُ أن أعتذر لكِ، و أنْ أقول أنّني آسفة؟
هل يجبُ أن أشفق عليكِ، وأنا أعتبر أنّ هذا و ذاك أمرانِ مختلفان تمامًا؟
بينما كانت الأفكار المضطربة تملأ رأسي بالدوار، تذكّرت فجأةً كلمات سمعتها في حلم، عادت إليّ بوضوح:
“الحاكم يختار فقط، ولا يتدخّل.
أيّتها المولودة من جذور شجرة العالم، أيّتها الوعاء الممنوح خيارين اثنين.
الآن، اكسري النوايا الخاطئة، و احمي القدر بيديكِ.”
هل هذا هو الأمر؟
هل استدعاني الحاكم إلى هذا العالم ليوقفكِ؟
إذا كان الأمر كما خمّنت سابقًا، أنّ استيلائي على جسدكِ كان لمنعكِ ، لكنّ ذلك فشلَ فقام باستدعائي مرّةً أخرى مباشرةً…..
إذا كانت شجرة العالم، التي أحبّها الحاكم، تشير إلى أستيريا، سيّدة القوّة المقدّسة الأولى… فإنّ ما حدث لي يمكن تفسيره إلى حدٍّ ما.
‘لقد اختار الحاكم. استجابَ لتوسّل أستيريا لتستمرّ القوّة المقدّسة في الأجيال القادمة. لكن لم يكن كلّ شخصٍ مالكٍ للقوّة مقدّسة مثل أستيريا.’
إنّ حقيقة أنّ سيّد الإمبراطوريّة الحالي ليس أرفين هي الدليل على ذلك.
و تحتَ أفعال ليفيا الشريرة، تلوّثت شجرة العالم بسرعة أكبر، كما رأيتُ في الحلم.
لذلك اختارَ الحاكم مرّةً أخرى.
اختار طريقًا يحمي دم أرفين و يوقف تلوّث شجرة العالم.
و كان ذلك باستيلائي على جسدها.
ربّما كانت القوّة المقدّسة هي التي كانت تمسك بروحي في ذلكَ الوقت.
ربّما، كنتُ سأعيش كليفيا طوال الوقت. لكن بسبب استهلاكي لكلّ القوّة المقدّسة أثناء الفيضان العظيم، عادتْ روحي إلى عالمي الأصلي.
عندما فشلتْ الخطّة بسببِ تضحيتي، اختار الحاكم مرّةً أخرى.
هذه المرّة، لم يكن الاختيارُ لحمايةِ دم أرفين، بل لحماية إرادة أستيريا التي أحبّها الحاكم.
كلّ هذه ليست سوى تخمينات منّي، لكنّني شعرت بثقة غريبة أنّها ليست خاطئة. خاصّةً أنّ هذه القصّة عادت إليّ في هذه اللحظة بالذات.
الحاكم لا يزال يراقبني. لكنّه لا يتدخّل.
“ربّما… لا يستطيع التدخّل.”
ومع ذلك، ظلَّ السّؤال قائمًا.
لماذا يجب أن أكون “أنا”؟ لماذا اختارني الحاكم مرّتين؟
“إيرديا؟”
“…آه، لحظة، كنتُ أفكّر…”
جمعتُ أفكاري التي كنتُ غارقة فيها.
إيقاف ليفيا، التي تراكم جرائمَ مروّعة، هو أمر يجب القيام به، حتّى دون الحاجة إلى فهم الوضع.
على الأقل، بصفتي إنسان، ألا يجب أن أمنع استمرار تضحية الأبرياء بلا تمييز؟
“على الرّغمِ من أنّنا تجنّبنا السمّ، فإنّ هذا المكان لا يحتوي على مخرج أيضًا. أليس هذا بمثابةِ طريق مسدود؟”
سألَ ألدين بقلقٍ بعد أن فحصَ المختبر بسرعة.
جمعتُ نفسي وأفرغتُ ذهني. الآن، يجبُ أن أفكّر في الخروج من هنا أوّلاً.
“ليسَ بالضرورة. تمكّنتُ من العثور على هذا المكان بفضلِ آثار القوّة المقدّسة التي تركتها ليفيا. كانت ليفيا تتنقّل هنا بحريّة. إذا كان هناكَ ممـرٌّ يؤدّي إلى القصر… فبالتّأكيد هناكَ طريقُ للخروج إلى الخارج.”
“ألا يمكن أن تكونَ قد استخدمت الطريق الذي أتينا منه؟”
“لا، ليس كذلك.”
جمعتُ السجلّات المتناثرة حولي، و ألقيتُ نظرةً خاطفة نحو كومة الجثث.
“لا يمكن أن تكونَ قد نقلت الجثث عبرَ قصر أرفين.”
“…إذن هناكَ ممرٌّ منفصل لنقلِ الجثث.”
أومأَ كاليد برأسه وهو يجمع السجلّات التي جمعتهما في حقيبته.
“ليس ذلكَ فحسب، بل وفقًا لمحتوى التّجارب، تمّ إدخال وحوشٍ إلى هنا أيضًا. هناكَ أيضًا الكثير من الأعشاب السامّة و النادرة. إذا تمّ إدخال هذه الأشياء من الخارج دونَ علمِ أحد، فلا بدّ أن يكون هناكَ ممرّ يؤدّي إلى الخارج.”
فكّرتُ مليًّا، ثمّ أشرتُ إلى جهة كومة الجثث و سألت:
“هل فحصتَ تلك المنطقة جيّدًا؟”
“لم أذهب إلى هناكَ بعد.”
“هل يمكنكَ فحصها بعناية؟ إذا كانوا ينقلون عددًا كبيرًا من الجثث، فمن المحتمل أن يكونوا قد راكموها بالقرب من المخرج. إذا كان هذا المكان مخفيًا تمامًا، فإنَّه سيكونُ آمنًا بالنسبة لهم، ولن تكونَ هناك حاجة لإخفائها.”
مجرّد النّظر إلى السجلّات المتناثرة يوضّح أنّهم لم يتوقّعوا أن يأتي أحدٌ غريب إلى هنا.
عندما ذهبَ ألدين للبحث عن المخرج، اقتربَ كاليد بعد أن وضع كلّ السجلّات في الحقيبة.
“هل آدم دواءٌ يحوّل البشر إلى وحوش؟”
كان هذا سؤالاً لم أجب عنه في القصر. ربّما خمّن شيئًا أثناءَ قراءة السجلّات، فقد كان حاجباه مقطّبين بشدّة.
“على الأقلّ، لم يكن كذلك عندما عرفته. الآن أصبح أكثرَ رعبًا… لكنّه في النهاية ليسَ دواءً لتحويل البشر إلى وحوش.”
“إذن ما الغرض منه؟”
“الآن، حتّى أنا لا أعرف ما الذي تريده ليفيا. خطّة آدم التي رأيتها كانتْ أقرب إلى منشّط يعزّز قدرات البشر إلى أقصى حدّ.”
“…منشّط؟”
شرحتُ له قصّة آدم التي لم أستطع الحديث عنها من قبل. لماذا تردّدتُ في الحديث عن شيء لم أرتكبه أنا؟ شعرتُ ببعضِ الندم الآن.
“نعم. كلّ شخصٍ لديه مواهب مختلفة، أليس كذلك؟ يمنح آدم المواهب لمن لا يملكونها، و يجعل مَنْ يملكونها عباقرة بين أقرانهم. يحوّل الإنسان العادي إلى شخص استثنائي.”
“…وماذا عن الآثار الجانبيّة؟”
“حاولت ليفيا جعل آدم يسبّبُ إدمانًا قويًا. بحيث يصبح مَنْ لا يستخدمه عاجزًا، و يـظلّ يتوق إليه باستمرار.”
“إذن، كانت تريد إجبار الناس على طاعتها باستخدامِ آدم.”
“ربّما. مَنٔ يطيعونها سيصبحون أقوى ممّا كانوا عليه، و مَنٔ لا يطيعونها سيسقطون في النهاية أمامَ رغبتهم في أن يصبحوا استثنائيّين.”
أحيانًا، يرغبُ النّاس في بعضِ اللّحظات أن يكونوا مميّزين.
عندما يريدون الهروب من الفقر المدقع، أو جمع ثروة أكبر، أو عندما لا ترضيهم حياتهم العاديّة.
هذه اللّحظات تنبثق فجأة، رغبات يمكن أن يحملها الجميع.
في الغالب، يرجعُ ذلكَ إلى تطلّعهم لحياة أفضل.
حتّى لو لم يكن هذا هو الحال بالنّسبة للبعض، إذا كانوا يحملون ولو أصغر رغبة…
إذا عُرضت عليهم ثمرة حلوة يمكن أن تحقّق حياة أحلامهم على الفور، كم منهم يمكن أن يقاوم هذا الإغراء دونَ أن يمدّ يده؟
ألن يُنظرَ إلى آدم كعلاج فعّال لهؤلاء؟
مجرّد التّفكير في مدى سرعة انتشاره يثير الرعب.
كانت ليفيا تستهدف بدقّة أضعفَ نقاط الإنسان.
“يبدو أنّها تريد وضعَ العالم كلّه تحتَ قدميها.”
ربّما، لأنّها عُوملت كوكيلة و قديسة للحاكم، وقعت في وهم أنّها حاكم تلعب بمصائر الناس.
“لقد وجدته!”
أثناء حديثنا القصير، عادَ ألدين، الذي ذهبَ لفحص الزاوية، بعد أن اكتشفَ بابًا صغيرًا بين القضبان الحديديّة خلفَ كومة الجثث.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 112"