أدرتُ وجهي المشوّه بالغضب بسرعة. كان قلبي يخفق بعنفٍ وأطراف أصابعي ترتجف. كل ذلكَ بسببِ الغضب.
‘هل كانَ استدعاؤهم خطأ مني؟’
بعد انتهاء حفلُ الشاي، فشلتُ الخطة التي أعددتُـها، و أُفلِتتٍ ثروة عائلة الدوق شيرن من بين يديّ. كانت جينا هي الورقة الفعالة الوحيدةَ لضرب إيرديا، لذا استخدمت حيلة دعوتهم حتّى إلى فخٍّ واضح.
كان ذلكَ هو المحاكمة المقدسة.
كانتْ الخطة مثالية: حتّى لو تمكّنوا من إخراجها من هنا بأيّ وسيلة، فإن تحديدها كمذنبةٍ في المحاكمة المقدسة سيجعلُ من المستحيل الهروب من قبضة فرسانِ المعبد. لهذا السّبب دعوتهم، لكن الأمور أخذت منحىً سيئًا للغاية.
كان فرسانُ المعبد يستعدّون بالفعلُ للعودة من حيث أتوا. أمسكت ليفيا بـبيرين هاردر على الفور.
“ربما لا تزالُ مختبئةً في القصر. ماذا لو تفتشون القصر أولاً؟”
“…هل يمكننا تفتيش مكان سيدة القوة المقدسة أولاً؟”
ردَّ كما لو كان يخطّطُ لتفتيش راجان أوّلاً ثم هذا المكانح، و كان تعبيره يوحي بترحيبٍ خفي.
كانت مواقفه و تعبيراته تزعجني جميعًا.
“بالطّبع. قصر أرفين واسع. سأرسل بعض أشخاصنا للبحثِ عن جينا. وبما أننا نعرفها منذُ زمنٍ طويل، يمكننا التّعرف عليها حتى لو كانت متخفية.”
“شكرًا على مساعدتكِ. هل يمكنك إخبارنا بملامح المذنبة؟”
“بالطبع. أنت، هناك.”
استدعت ليفيا الخادم الذي قادها إلى هنا. اقتربَ وهو يرتجف لكنّه يحاولُ إخفاء تعبيراته.
“أرسل أشخاصًا لتفتيشِ حديقة القصر بالكامل. ربّما تكون جينا مختبئة هناك. ارتكبتْ جريمة كبيرة، وإذا هربت، ستزداد عقوبتها، لذا يجبُ أن نسرع.”
تدفّقت كلمات زائفة عن عدم رغبتها في زيادةِ ذنب جينا بسلاسة.
على عكسِ شعورها السّيء، كانت تمثيليتها، التي اعتادت عليها منذُ زمن، طبيعيّة و خاليةَ من أيّ خلل.
“اترك حديقة القصر لنا. وأنتَ، سيدي، افحص المنطقة القريبة من الحديقة و داخل القصر.”
“…سأفعل ذلك.”
أومأ برأسه بطاعة و استدار بسرعة. في تلكَ اللحظة، أمسكتْ ليفيا بمؤخرة عنقِ الخادم الذي كان على وشكِ المغادرة بسرعةٍ لتنفيذ الأوامر.
همست ليفيا بصوتٍ منخفض:
“أرسل رسالة عاجلةً إلى إدموند. أخبره أن فرسان لومينتيا الأغبياء يخطّطون لتفتيش راجان، لذا فليستعد. وأنتَ، أرسل أشخاصًا سرًا إلى البوابة الثّامنة للبحث عن الفئران. مُن غير المرجح، لكن… إذا هربوا، فهذا هو الطّريق الوحيد. يجب أن تسرع. إذا لم تجلبْ جينا أمام عينيّ الآن، فإن ابنتكَ ستكون التالية التي تدخلُ المخزن الشرقي.”
بإشارةٍ من عينيها، هرعَ الخادم المرتجف إلى الظلام.
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بكثير. شعرت ليفيا أن مزاجها الجيد قد وصلَ إلى الحضيض.
كان شعور غامض بأن شيئًا ما… يسير بشكلٍ خاطئ يتردد في رأسها.
كان هذا بعيدًا كلّ البعدِ عن خطتها.
حتى الآن، لم تشعر بقلقٍ كبير حتى عندما لم تسر الأمور وفقَ الخطة. كانت تعلم أنه حتى لو حدث خلل مؤقت، فسيكونُ كل شيءٍ وفق إرادتها في النهاية.
لكن… لماذا لا تشعر بهذا التأكيد الآن؟
شعرت بقلقٍ غامض، كما لو أن الدعامة التي دعمتها طويلاً قد اختفت.
“قلق؟ أنا أشعرُ بالقلق؟ هه! مستحيل. غرفة التعذيب لا يمكن الخروج منها إلا من خلال الباب المؤدي إلى الأرض. أما المداخل الأخرى…”
ضحكت ليفيا ساخرةً. الباب الذي يفتح ذلكَ الممر لا يُفتح بمفتاح أو سحر، بل فقط بقوّتها المقدسة.
لذا، لا يمكنّ إلا أن يكونوا قد فتحوا الباب المؤدي إلى الأرض و هربوا.
يا لها من فتاةٍ محظوظةٍ بشكلٍ مقزّز.
نعم، هذا القلق ناتج فقط عن استسلامها لاستفزاز إيرديا واستدعائها لفرسان المعبد بتهور.
توقعت أنه إذا انتشرَ خبر استدعاء فرسان المعبد، فسيتحركون اللّيلة لإنقاذ جينا.
كانت جينا ورقةً مفيدة، لكن التخلي عنها لن يكون مشكلة على الإطلاق. رؤية إيرديا تبكي وتنهار في يأس بسببِ جينا المدمرة سيكون مشهدًا ممتعًا بما فيه الكفاية.
حتى لو خرجتْ حيّة، فستواجه ضغط فرسان المعبد لتسليم المذنبة، فلن يكونَ هناكَ أمل لإيرديا.
كانت هذه هي النتيجة التي أرادتها، لكن اختفاء جينا أفسدَ الأمور.
إذا بدأ فرسان المعبد بتفتيش راجان، ستصل هذه المسألة إلى القصر الإمبراطوري.
القصر الإمبراطوري… ليسَ بعد.
‘إذا اعترفت الإمبراطورة، التي فقدت عقلها، بأمور الإمبراطور لفرسان المعبد، ستصبحُ الأمور أكثر تعقيدًا.’
يجبُ ألا يعرفَ فرسان لومينتيا حالةَ الإمبراطور الآن. على الأقل، هناكَ حاجة إلى القليل من الوقت.
كان استدعاؤهم بالتّأكيد خطأً فادحًا.
“لو كنتُ طلبت فقط إرسال فرسان لنقل المذنبة…”
بسببِ استجابة المعبد بحماسٍ لطلبٍ نادر من سيّدة القوة المقدسة، تعقدت الأمور.
‘من بين كلّ الأشخاص، أرسلوا أولئك الذين لديهم سلطة التفتيش… يا لها من إزعاج.’
وفي هذه اللّحظة التي تعقدت فيها الأمور، لم يكن إدموند موجودًا.
أرادتْ ليفيا أن تصرخَ و ترمي كلّ شيء حولها من شدّةِ الإحباط.
“الليل عميق. حتى لو كنتِ في حديقة القصر، من الخطر أن تكوني بمفردكِ. قد يهاجمك المتسللون إذا رأوكِ وحدك.”
“…شكرًا.”
عادَ بيرين، الذي كان يسير في الأمام، و حثّها على الإسراع.
هل كان هناكَ يوم في حياتها لم يسِر فيه شيءٌ وفق خطتها؟
يمكنها القول بثقةٍ إنه لم يحدث أبدًا.
كان هناك شعور سيء يثقل كاحليها.
و كأنها تحاول التّخلصُ من هذا الشّعور الجديد، خطت ليفيا خطوةً ثقيلة.
* * *
كان القبو مكانًا مختلفًا تمامًا عن غرفة التعذيب التي كانت فيها جينا في البداية.
كانت مساحة واسعة لدرجةِ أن السّقف العالي يختفي في الظلام، تشبهُ كهفًا تحتَ الأرض.
“أغغ!”
بمجردِّ أن تنفست، شعرتُ بغثيان لا يُطاق. كان مصدر الرّائحة الكريهة التي لا يمكن وصفها يملأ المشهد.
كومة من الجثث.
جثثٌ مرمية بعشوائيّةٍ كالنفايات، بقايا بشعة لا يمكن وصفها، مكدّسة بفوضى. كانت عالية لدرجةِ أنها تُرى بوضوحٍ حتى من الزاوية.
مزيج من رائحة اللحم الفاسد الرطب و رائحة الأعشابِ السّامة النفاذة طعن أنفي. عد
على الرّغمِ من تجنبنا لغاز السم في الغرفة السابقة، لم يكن هذا المكان مختلفًا عن تلكَ الغرفة المليئة بالسموم.
“…مروّع.”
كلمة ألدين المقتضبة، التي وصلت متأخّرةً قليلاً وهي تحمل جينا، عبّرت عما أشعر به الآن.
لقد رأيتُ مكانًا مروعًا كهذا من قبل.
كنت متأكدة لأنني رأيت مكانًا مشابهًا على سفينة بيلانيف.
“هذا هو المكان.”
كان هذا هو مختبر آدم الذي كانت ليفيا تتوق إليه و صنعته.
كم عددُ الأشخاص الذين ماتوا؟
بدا وكأنني أسمع صرخات ويأس وبكاء العديد من الذين هلكوا.
“…هل هذا هو؟”
على الرّغمِ من أن كاليد لم يكن يعرف ما هو آدم، إلا أنه أدركَ أن هذا المكان مرتبطٌ به.
أومأت برأسي بثقل و نظرتُ حولي.
أوّل ما لفت انتباهي كان عشرات من سجلات التجارب المتناثرة في وسطِ الغرفة.
كانت كلمة “ADAM” مكتوبة عليها، على عكسِ ما رأيته في بيلانيف، حيث لم تُمحَ. كانت هناكَ آثار استخدام حديثة. الغلاف الجلدي القديم كان ملطخًا بدمٍ جاف وبقع غير معروفة متراكمة.
كانت الرفوف المتراصة على طول الجدران مليئة بزجاجات الأدوية وأوعية التجميع، بعضها مكسور، وتسرب منها سائل لزج على الأرض.
كلما تفحّصتُ المكان أكثر، شعرتُ بجفاف فمي. تقدمت خطوةً، ثم خطوتين متعثرتين، حتى وصلتُ إلى زاوية بها جبل من الجثث.
رفعتُ رأسي لأنظر إلى القمة، شعرت وكأن ساقيّ ستفقدان قوتهما. بذلتُ جهدًا في عينيّ، و أنا أعضّ على شفتيّ، و تقدّمتُ خطوةً أخرى.
ثم رأيت خلفَ الجثث.
كان هناكَ أشخاصٌ في قفص حديدي ضيق.
“آه…”
كانوا يحدّقون في الفراغ بعيونٍ بيضاء ضبابية، أجسادهم متدلية بلا حراك. كانوا أحياء، لكنهم كالموتى، محبوسون في تلكَ الأقفاص بمظهرٍ لا يمكن وصفه بأنه بشريّ.
كان الألمُ أعمقَ لأنني رأيتُ أشخاصًا مشابهين من قبل.
لم أستطع رفعَ قدمي، وتوقفت لألتقطَ أنفاسي. لكن الرائحة التي اختلطت مع أنفاسي أزعجت قلبي مرّةً أخرى.
كانت رائحة الموت، لا… آثار حياة مهجورة، تخترق رائحة التعفن.
كنتُ أتوقع ذلكَ تقريبًا. إذا كانت ليفيا تعتبر حياة الناس أقلّ من الحشرات، فإن تجارب بيلانيف كانت مجرّد جزء صغير.
لكن التّفكير في الأمرِ شيء، ومشاهدته بعينّ شيء آخر تمامًا.
إذا تردّدتُ الآن، قد لا أتمكّنُ من فعلِ شيء، وسيصبح كلّ شيءٍ وفقَ إرادة ليفيا.
“هل أنتِ بخير؟”
اقتربَ كاليد بحذر و سألَ بنظرةٍ مليئة بالقلق. على عكسِ ما حدثَ في بيلانيف، شعرتُ بنظراته القلقة تفحصني بعناية.
“نعم، أنا بخير. يجبُ أن أكونَ بخير.”
أومأت برأسي بضعف و نظرت حولي مرّةً أخرى.
حتى و أنا أبتعدُ عن كومة الجثث، ظلّت الرائحة الكريهة كما هي. تفحّصت المكان المليء بأدوات التجارب المختلفة.
كان وصولنا إلى هنا صدفة، لكن حسبَ كيفية تعاملنا مع الأمر، قد يصبحُ فرصة ذهبية.
بينما كنتُ أنظر دونَ اكتراث إلى كومة الأوراق المتناثرة عند قدمي، لمحت عبارة مألوفة.
تجربة آدم 47-3: حقن جوهر الوحش، لكن الموضوع لم يُظهر ردّ فعل.
تجربة آدم 47-4: حقن جوهر الوحش، لكن رد فعل الموضوع ضعيف.
تجربة آدم 48-1: بعد حقن جوهر الوحش، أظهرَ الموضوع ردّ فعلٍ إيجابيّ.
رفعتُ الورقة بيدٍ مرتجفة.
كانتْ سجلاّت مفصّلةً عن تجارب آدم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 111"