أخفضت ليفيا رأسها قليلاً، وكأنها غارقة في الحزن، وهي تتفحص بيران بعناية.
عندما كان مع الفرسان الآخرين، لم يكن ملحوظًا بسببِ دروعه اللامعة. لكن ملامحه البارزة والجميلة جعلته يبدو كأنه نموذج لفارسٍ مقدس من الكتب المقدسة.
عضلاته القوية، التي لا يمكن للدروع إخفاؤها، كانت واضحة. ألقت نظرة جانبية على الفارسين المقدسين اللذين يتبعانه، لكنهما لم يكونا مختلفين عن الفرسان الذين رأتهم من قبل.
الشّيء الوحيد المختلف كان بيرين هاردر نفسه.
“ما فعلتهُ جينا لم يكن شيئًا يمكنها فعله بمفردها. خمّنتُ أن هناك من يقف وراءها، لكنها لم تفتح فمها حتى النهاية. يبدو أن ولاءها لم يكن لي، بل لمَنْ يقف خلفها.”
توقّفَ بيرين فجأةً.
كان ذلكَ أمامَ مخزن المواد في الجهة الشرقية، مكانٌ صغير نسبيًا يُستخدم لتخزين مواد الحديقة.
بالطّبع، لم يكن هذا هو المكان الذي حُبست فيه جينا أصلاً. المخزن الشرقي السري، المستخدم لمعاقبة الخادمات، كان في حديقة القصر الخلفية، وهو مكان مختلف تمامًا.
من الشّائع أن يكون لدى قصور النبلاء سجون تحت الأرض لا يمكن إظهارها للآخرين، لكن الكشف عن مثل هذه الأماكن علنًا قد يثير النفور.
خاصّةً أن جينا كانت في حالة جسدية وعقلية محطمة تمامًا بسببِ التعذيب الشديد.
‘إذا قلتُ إن التعذيب كان لكشفِ المتورطين، فقد يتقبلون ذلك إلى حدٍّ ما.’
لو أظهرتْ دمعة واحدة وكأنها أُجبرت على التعذيب، سيكون ذلك مثاليًا.
حتى تبدأ الأمور فعليًا، يجبُ أن يكون المعبد في صفها. تفحّصت ليفيا المخزن بعيونٍ ضيقة.
“…ما هذا؟”
كانت قد أمرتْ بجمعِ جثث المتسللين في غرفةِ التعذيب بعد انتشار الدخان السام، و نقل جثة جينا فقط إلى مكانٍ آخر.
إذا تمّ اتّباعُ تعليماتها، كان يجب أن تكون جثة جينا في مخزن مواد الحديقة هذا.
لكن مهما نظرت، لم يكن هناكَ أيّ أثر لدخول أو خروج أحد.
كانت قد أعدّتْ هذا المكان لتقول إنها، بدافعِ العاطفة القديمة، لم تستطع حبس جينا في السجن فوضعتها هنا. لكن إذا لم يكن المذنب نفسه موجودًا؟
فتحَ أحد الخدم بابَ المخزن، لكن كما توقعت، كان المكان خاليًا.
بل كانَ نظيفًا بشكلٍ محرجٍ لدرجةِ أنه لا يمكن القول إن مذنبًا كانَ محبوسًا هنا.
‘لقد أمرتُ بعدم تنظيفه و تركه كما هو!’
لقد تركت جينا، التي كانت تنزف، في هذا المكان قبل نقلها إلى غرفة التعذيب لتركِ آثار. لكن الأرضية لم تُظهر و لو قطرة دم، وكانت مواد الحديقة مصفوفة بشكل مرتب.
“…هل أخطأتِ المكان؟ يبدو هذا مجرد مخزن عادي.”
وقفت ليفيا خلف بيرين، فانتفضت متفاجئة وتقدّمتْ خطوةً إلى الأمام.
“ماذا؟ ماذا تقصد؟”
تفحصت المخزن بسرعةٍ بوجه يبدو أكثر صدمة من أيّ شخصٍ آخر. عضت شفتيها و غطت فمها بكلتا يديها وهزت رأسها.
“لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. كانت جينا هنا بالتأكيد…”
كان صوتها المؤثر مقنعًا أكثرَ من أي شيء. لحسن الحظ، لم يشكّ بيرين في شيء، لأنه لم يكنْ هناك سببٌ لإخفائها جينا.
“فليتفحص أحدكم المخزن، والآخر يتفقد المنطقة المحيطة. إذا هربت المذنبة، فلا بد أن يكون هناك من ساعدها.”
أصدرَ بيرين الأوامرَ بسرعة، كما لو كان معتادًا على مثلِ هذه المواقف.
“الذين ارتكبوا ذنوبًا تستحقُّ المحاكمة المقدسة لا يُقبض عليهم بسهولة. الهروب يزيد من وطأة الذنب، لكنهم دائمًا يختارون هذا الخيار الأحمق.”
“…هل يهربُ المذنبون كثيرًا؟”
“معظمهم كذلك. لو ندموا على ذنوبهم بصدق، لكان بيسيا منحهم موتًا هادئًا، لكن هذا مؤسف.”
كانت عيناه الباردتان و تعبيره الصلب، على عكسِ كلماته المليئة بالقلق و الأسف الصادق، تجعل ليفيا تشعر بالانزعاج.
هؤلاء الحمقى الذين يؤمنون بأن جميع البشر متساوون.
أومأت ليفيا برأسها كما لو كانت تتّفق معه، دونَ أن تظهرَ انزعاجها.
كانت قد تحمّلت هذا الأمر مرّاتٍ عديدة خلال صلواتها في الكاتدرائية.
“قلتِ إن المذنبة لم تعترف بذنبها، هل عذبتِـها؟”
“…أنا؟”
“نعم.”
“كيف يمكنني… أن أفعل شيئًا قاسيًا كهذا؟ ألم أقل إنها كانت كصديقة لي؟”
نظر بيرين إلى المخزن بعيونٍ باردة كالجليد وقال بهدوء:
“قلتِ إنها كانت كصديقة، لكن لم تكوني صديقة حقًّا. لقد رأيت كثيرًا أن التعذيب يُستخدم لكشفِ المتورطين.”
دونَ قصد، شدّت ليفيا قبضتها.
غطّت وجنتيها المرتجفتين بيديها قليلاً ونظرت إلى الأرض.
لولا ذلك، لكانتْ قد حدّقت ببيرين.
“صحيح أنني عاقبتها بقسوةٍ قليلاً، لكن ليس لدرجة تسميته تعذيبًا. كنتُ أرغب بشدّةٍ في معرفة مَنٔ يقف وراءها، لكن أكثرَ من ذلك، أردت أن أعرف لماذا فعلت جينا هذا. لماذا خانتني… ما الذي كان ناقصًا؟”
“لم تقل المذنبة شيئًا حتى الآن؟”
“صحيح. لم تفتح فمها ولو لمرّةٍ واحدة عما سمعته من المتورطين. لهذا اضطررت إلى طلب مساعدة المعبد. أردتُ أن تجدَ جينا الطّريق الصّحيح في نهايتها على الأقل.”
كم كانت تتمنى لو تمزّقُ تلك الفتاة الملعونة على يد سيّدتها الثمينة.
عدم وجود جثة جينا في المخزن المُعد مسبقًا يعني أن إيرديا و مجموعتها نجوا من الدّخان السام.
بما أنه لم يكنْ هناك جثة لنقلها، كان المخزن الخالي منطقيًا. لكن كيفَ أصبح نظيفًا تمامًا دونَ أي أثر لبقع الدم؟
‘هل كان هناك مَنْ لم ينزل إلى القبو؟’
كان يجب أن يموتوا جميعًا في القبو. يبدو أن هناك مَنْ تحركوا على الأرض أيضًا.
شعرتْ ليفيا بالغضب من هذا الخطأ المهمل. كان كل ذلك بسببِ غياب إدموند.
كانتْ التعليمات الدّقيقة دائمًا من اختصاص إدموند، فلم تكن هي مَنْ أصدرت مثل هذه التعليمات.
كان ذلكَ خطأها.
كانت هناكَ العديد من المرّات التي غابَ فيها إدموند لظروفٍ معينة، لكنه كانَ دائمًا إلى جانبها في الأوقات المهمة.
والأكثر من ذلك، ألم يكن غيابه نادرًا في الآونة الأخيرة؟
‘…..هل حدثَ شيءٌ في القصر الإمبراطوري؟’
لو حدثَ شيء، لكان قد أرسلَ خبرًا على الأقل. لكن لم يكن هناك شيء.
كانت قد تلقّتْ تقريرًا قبل أسبوعين بأن وليّ العهد توجّـهَ إلى القصر الإمبراطوري. ربما اكتشفَ ما حدث للإمبراطور.
إذا كان هذا صحيحًا… فقد يكون استدعاء فرقة الفرسان خطأًً.
حادثُ الإمبراطور يجب أن يكون ورقةً في صالحها فقط.
ورقةٌ للضغط على ولي العهد و سحقِ الإمبراطورة.
لكن إذا تدخّلتْ فرقة الفرسان هنا؟
إنهم يستجيبون لكلّ طلبات صاحبة القوة المقدسة، لكنهم يخدمون بيسيا فقط، و سيراقبون الحادث ببرودٍ أكثر مما تتوقع. عندها سيكتشفون كيف لا يزال الإمبراطور يتنفس.
سيدركونَ أن قوة مقدسة تُبقي على نفس الإمبراطور فقط.
كانَ الجميع يعتقد أن المعبد هو قوة في قبضة صاحبة القوة المقدسة، لكن في الحقيقة، كان المعبد أكبر قوّةٍ مضادة لها.
كانوا أكثرَ الناس تمسكًا بقداسة بيسيا.
لهذا، تجنّبتْ ليفيا دائمًا تدخل المعبد مهما كان الأمر. ربما لهذا السّبب لم تكن تلكَ الفتاة على علاقةٍ كبيرة بالمعبد أثناءَ استخدام جسدها.
‘إذا عرفَ ولي العهد أن المعبد قد لا يكون في صفّي، فهذا لن ينفع.’
أدارت ليفيا عقلها بسرعة و رفعت رأسها بصلابة.
كسرت صمت الهواء الليلي البارد بعبارةٍ مليئة بالحزن:
“ربما كنتُ متساهلة جدًا. لهذا هربت. لو كنت قد قيّدت ساقيها على الأقل…”
“لم تضعوا حتى قيدًا على المذنبة؟”
“كيف يمكنني فعل ذلكَ لجينا؟ لقد نشأنا معًا منذ الطفولة كصديقتين…”
اقتربَ الفارسان المقدسان اللذان كانا يفحصان داخل و خارج المخزن، و هما يهزان رأسيهما. يبدو أنهما لم يجدا شيئًا.
نظرَ بيرين مرّةً أخرى إلى المخزن النظيف بشكلٍ مفرط، ثم استدارَ دونَ تردد.
“متى كانت آخر مرة رأيتِها؟”
“قبلَ منتصف الليل.”
“إذن، لم تخرج من راجان بعد. يجب أن نبحث.”
عند كلماته الحاسمة، أمسكت ليفيا بذراعه دونَ قصد من الصدمة.
“تقصدون البحث في راجان بأكملها؟”
“نعم. إذا هربتٍ المذنبة خارج راجان، سيكون من الصعب تتبعها. يجب أن نجدها قبل الفجر.”
“حتى لو كنتم فرقة الفرسان المقدسة، لا يمكنكم البحث في راجان بلا ضابط!”
ضيّق بيرين حاجبيهِ بدهشة.
“أنتِ مَنْ أبلغتِ عن المذنبة. لماذا تحمي صاحبة القوة المقدسة مذنبة ادعت القداسة؟”
“أنا أحميها؟ ليسَ هذا ما أقصده. إذا بحثتم هكذا الآن… ألن يأتي أحدٌ من القصر الإمبراطوري؟ لن ينظر القصر الإمبراطوري بعين الرضا إلى تدخل المعبد المفرط.”
حاولت تلطيف تعبيرها المتصلب، لكن بيرين هاردر رفع زاوية فمه وقال:
“لهذا جئنا. فرقة الفرسان الأولى في المعبد، لومنتيا، لديها الحق في تتبع و اعتقال المذنبين في المحاكمات المقدسة دونَ أيّ قيود.”
“…..!”
“هذا امتياز لومنتيا، التي تتعامل فقط مع المذنبين في المحاكمات المقدسة. شرطٌ ينطبق على جميع البلدان التي تصل إليها نفوذ المعبد. أم أن صاحبة القوة المقدسة نسيتْ ذلك؟”
فشلت ليفيا للحظة في التّحكم بتعبيرها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 110"