أمام كلمات كاليد المشبعة بالكراهية، أطلقت سيليان تنهيدةً عميقة. مع هذا النّفس المؤسف، بدا وجهها وكأنه قد تقدّمَ في العمر فجأة.
“…كانت خطوبة تهدف لحمايتكَ. لكن يبدو أنني بدلاً من ذلك، دفعتكَ إلى معاناة ومأزق أكثر إيلامًا.”
لم يستطع كاليد قولَ أي شيء.
لم يستطع توجيه اللوم قائلاً: “لماذا فعلتِ هذا؟”
كيف يمكنه أن يلومها، وقد تخلت عن عائلتها الأصلية و خاضت معركتها الوحيدة في القصر الإمبراطوري من أجله؟
“لقد تركتْ الإمبراطور على قيدِ الحياة وحافظت على سر والدتي، ربما لمنعي من أن أصبح إمبراطورًا. على الرّغمِ من تظاهرها بالحماية، إلا أن السر سينكشف في النهاية. إذن… كانت بحاجةٍ إلى وقت. كان بإمكانها جرّي أنا و والدتي إلى معركة قذرة، لكنها لم تفعل، مما يثبت أن انتباهها كان مشتتًا بأمر آخر.”
كان قد جاءَ إلى القصر الإمبراطوري فقط للحصول على الشّيء المقدس من خزائن العائلة الإمبراطورية.
لم يتوقع أبدًا أن تكون هناكَ أمورٌ خطيرة كهذه تجري.
كانت كلمات سيليان صحيحة. كانت هناك أعين وآذان ليفيا أكثر بكثير مما كان يتخيل في القصر الإمبراطوري.
وإلا، كيفَ لم تصل إليه أيّ أخبار عن مثلِ هذه الأحداث؟
خاصّةً….. أنها تتعلق بصحة الإمبراطور.
خشخشة―
“خذها.”
“هل لديكِ توقّع عن أين سيأستخدم هذا الأثر؟”
“حسنًا…”
بدت مرهقة، وهي تمسكُ جبهتها و تستند إلى الأريكة. نظرت إلى الزينة وقالت:
“أن تكون هناكَ حاجة إليه… يعني أن الحاكم لم يتخلَ عن ابني بعد.”
اندفعت مشاعرٌ لا يمكن تفسيرها فجأة. شعر! بضيق في صدره، لكن الكلمات لم تخرج من فمه في النهاية.
كانت سيليان و كاليد يقاتلان بمفردهما لفترةٍ طويلة جدًا—كانا يهتمان ببعضهما، لكن تلكَ المشاعر لم تُعبر عنها أبدًا، و بقيت محبوسة في صدورهم فقط.
ابتلعَ كاليد رشفة من الشاي البارد، محاولا كبح مشاعره التي لم تهدأ.
كانَ الشاي الذي لامس طرف لسانه أكثر نعومة مما توقع، و كان حلوًا بشكلٍ مفاجئ. الشاي الذي أعدته الإمبراطورة سيليان بنفسها لم يكن مرًا بالنّسبة له على الأقل.
ربّما لم يكن الشاي مُـرًّا منذُ البداية، بل كان الزمن و القلب اللذان تحملتهما سيليان هما المُـرّان.
* * *
على الرّغمِ من حصوله على “الأغلال المقدسة”، لم يغادر كاليد القصر الإمبراطوري على الفور.
كانت ليفيا تملكُ حياة الإمبراطور و تبتز الإمبراطورة.
في مثلِ هذه الظروف، لم يكن غبيًا لدرجةِ أن يغادرَ القصر الإمبراطوري المملوء بأشخاصٍ من طرف ليفيا بحرية.
أغلقَ مداخل و مخارج القصر سرًا و منعَ تسرب الأخبار إلى الخارج.
تمكن من استبعاد عدد لا بأس به من الأشخاص، لكن شعورًا بالقلق ظل باقيًا.
كان الأمر كذلك حتى عندما دخلَ قصر أرسين بإذن من والدته و واجهَ الإمبراطور. كانت ليفيا تحتفظ به على قيدِ الحياة بالمعنى الحرفي فقط.
لم تقدم ترياقًا كاملاً، بل كانت تطيل حياةَ شخص يموت ببطء قسرًا.
كان الإمبراطور مستلقيًا على السرير، تنبعث منه رائحة الجثة، لكنه لا يزال يتنفس و يعيش.
إذا كان يمكن تسمية مثل هذا الوضع “حياة”…
كانَ من المؤكد أن أقربَ أشخاص ليفيا موجودون في القصر الإمبراطوري، لكنه لم يتمكن من العثور عليهم في النهاية.
الوحيدون المتبقون كانوا أشخاصًا مخلصين خدموا الإمبراطور و الإمبراطورة منذُ ما قبل ولادة ليفيا.
بالطبع، لم يكن هناكَ ما يدعو للشك فيهم.
عندما توقفت التحقيقات ولم تتقدم، سمع أن إيرديا حضرت حفل شاي أقامته ليفيا، فأسرعَ لمغادرة القصر الإمبراطوري.
لم يكن الأسبوعان اللذان مـرَّ بهما كاليد طويلين، لكنهما لم يكونا قصيرين أيضًا. على الرّغمِ من التحقيقات و معالجة الأمور دونَ نوم تقريبًا وسط الحقائق المفاجئة و المعلومات المتدفقة، إلا أن النتائج لم تكنْ مُرضية.
“قالت والدتي إنه لا داعي للقلق، لكن إذا أخرجت ليفيا محاولة التسميم إلى العلن…”
قد يأتي وقتٌ يتعين فيه اتخاذ خيار بين اثنين.
هزَّ رأسه عندَ التفكير في هذا الخيار المروع. على الرّغمِ من أن الإمبراطورة سيليان قالت إنه لا داعي للقلق بشأنِ هذا الأمر… كان من الأفضل الاستعداد لأيّ شيء.
شعرَ وكأنه ذهبَ لحلّ مشكلةٍ لكنه عاد بمشكلةٍ أكبر. الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يجدَ فيه العزاء كان حبيبته إيرديا التي وجدها مجددًا.
بينما كانَ ينظر إلى إيرديا النائمة، أنهى كاليد أفكاره تلكَ و نهض ببطء. كان يرغب في البقاء بجانبها حتى تستيقظ، لكن لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يجب القيام بها.
بينما كانَ يغادر غرفة النوم ويتجه إلى المكتب، قال كاليد:
“جيرمان.”
“نعم، سموك.”
كما لو كان ينتظر بالقرب منذُ البداية، خرج جيرمان من الظلال.
“سنتسلل إلى قصر أرفين. استعد.”
“هل ستذهب بنفسكَ؟”
“لا يمكنني إرسالها بمفردها.”
“قد يكون الأمر خطيرًا… هل هذا مناسب؟”
تذكّرَ كاليد تصرفات إيرديا في ميرسين و بيلانيف. سواء كانت تملكُ قدرات أم لا، كانت دائمًا جريئة و قوية.
حتى في اللّحظات الخطيرة، كانت تعرف كيف تتغلب بنفسها. على الرّغمِ من أن قلبه كان يتمزق من القلق، إلا أن قلبها الذي يعرف كيف يهتمّ بالآخرين كان محبوبًا.
“إنها تعرف القصر أفضلَ مني.”
“سيكون سباقًا مع الزمن. سأجهّزُ أشخاصًا ذوي عيون و آذان حادة.”
كان عليهم الانتظار حتّى يحل الظلام الدامس ويصبح ضوء القمر خافتًا، لذا كان عليهم الإسراع في التحضيرات.
كان يعرف جيدًا أن إيرديا تعتبر جينا شخصًا مميزًا.
عندما أُجبرت فجأةً على عيش حياة شخصٍ آخر، كانت جينا بالتأكيد الصديقة التي كانت دعامتها.
لذا، كانَ من الطبيعيّ أن ترغبَ في إنقاذها بنفسها.
بالطبع، كما قال لجيرمان، كان أحد الأسباب الكبرى لاصطحابها هو أنها تعرف قصرَ أرفين أفضل من أيّ شخصٍ آخر.
بينما كانَ كاليد يتحرك لإنهاء كل التحضيرات قبل أن تستيقظ إيرديا، أسرع أيضًا للقاء الماركيز فالاندي.
على الرّغمِ من كل ما حدث، فقد حصلَ على “الأغلال المقدسة” كما أرادَ في البداية.
* * *
طفو―
طفا جسده في الهواء. على الرّغمِ من أنه شعر ببعض المفاجأة، إلا أن شعورًا بالسعادة انتابه بطريقةٍ ما.
عندما نظر حوله، لم يرَ سوى الظلام. كان فضاءً لا يمكنه حتى رؤية جسده فيه، لكن بالنسبة إلى “أنا”، كان هذا أمرًا طبيعيًا، فلم يشعر بأي غرابة.
على الرّغمِ من أنه لا يرى شيئًا، إلا أنه كان يشعر بالكثير. كان شعورًا قريبًا من “الشعور دونَ الرّؤية”، وشعرَ أن هذا طبيعيّ جدًا.
لامستْ حواسه أشياءَ كثيرة. بالنّسبة إلى “أنا”، كانت كلها حياة. لم يكن هناكَ شيء غير مميز بينها.
ثم في يومٍ من الأيام.
في الظلام الخالي من أيّ شيء، رأى بذرة صغيرة جدًا. كان الشيء الذي ظهرَ في رؤيته غير المرئية يبدو “مميزًا” أكثر من أيّ شيءٍ آخر.
لذا أدرك.
آه― هذا يخصني.
تحولت البذرة الخشنة ببطءٍ إلى برعم. بمجردِّ النظر إليها، نمت بمفردها بسرعةٍ كما لو كانت تستخدم هذا الاهتمام كغذاء.
تحوّلت إلى شجرةٍ شفافة تبدو و كأنها ستتحطم بلمسة، مضيئة تدريجيًا عالم “أنا” الذي كان مظلمًا.
بدأت الأشياء التي كانت تُحس دونَ رؤية تظهر الآن فعليًا.
في البداية، كان الضوء خافتًا و صغيرًا، لكنه أصبحَ أكثر وضوحًا تدريجيًا. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تحول الأبيض والأسود إلى ألوان زاهية.
كانت تلكَ اللحظة شعورًا عارمًا لا يمكن وصفه. تحولت الفرحة و التأثر والبهجة إلى دهشةٍ، و امتلأ الفضاء الفارغ بالدفء.
كانت الشّجرة مميزة.
كانت مجرّد شجرة واحدة من بين العديد من الحيوات، لكنها لم تكن كذلكَ بالنسبة إلى “أنا”.
كيف لا تكون شجرة جلبت الضوء والألوان إلى العالم ثمينة؟
كان من الممتع مشاهدتها وهي تنمو بجهد بمفردها، فظللتُ أراقبها لفترةٍ أطول.
بدتْ الشّجرة سعيدةً بذلك، فأصدرت ضوءًا أكثرَ إشراقًا. أصبحت الرؤية أكثرَ وضوحًا، وكانَ العالم الذي رأيته أجملَ بكثير من ذي قبل.
لكن، مثلَ كلِّ الحيوات الأخرى، بدأت الشجرة تذبل مع مرور الزمن. تساقطت أوراقها الكثيفة، و فقدت أغصانها القوية قوتها و تكسرت.
في تلكَ اللّحظة، قالت الشّجرة:
“…، أرجوك، امنحي بركتك لتستمر محبتكَ لأطفالي.”
كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بالأسف على حياة ذابلة.
لذا، قررت “أنا” تحقيق تلكَ الأمنية.
اخترتُ حماية جذور الشجرة.
إذا بقيت الجذور سليمة، فكرتُ أنه يمكنني يومًا ما رؤية ذلكَ الضوء الرائع مجددًا.
كانت الأوراق التي نبتت من جديد بناءً على الجذور تُصدر أحيانًا ضوءًا ساطعًا، لكن الدفء الذي انتظرته لم يعد موجودًا.
تحوّلَ الانتظار إلى خيبةِ أمل، و أدت خيبة الأمل إلى الملل.
عندما أشحتُ بنظري للحظة، ذبلت الشجرة بسرعة. أكلتها الحشرات الفاسدة، و حاولتْ أن تبتلع جذورها في النهاية.
حاولت “أنا” إنقاذ الشجرة بسرعة.
قطعت الأغصان الفاسدة و أزلت الأوراق الجافة الهشة. عادت الشجرة إلى حالتها السليمة، لكنها لم تعد تستعيدُ جمالها السابق.
تركت كلّ الأوراق الذابلة و المأكولة من الحشرات تذهب. كانت ستنبعث يومًا ما كحياةٍ أخرى في مكانٍ ما.
كانت الشّجرة الشفافة التي كانت تُصدر ضوءًا جميلاً ملوثة الآن بأكثرِ من نصفها باللون الأسود.
بالكادِ حافظت على جذورها، لكن حتّى تلك لم تكن سليمة تمامًا.
للحظة واحدة فقط، أشحتُ بنظري.
منذُ ذلكَ الحين، راقبتها بجهدٍ أكبر، لكن الشجرة التي بدأت تتعفن لم تكن لتنجو مهما تمَّ الاعتناء بها.
آه― لا―
على عكسِ رغبتي، بدأت الجذور أخيرًا تتعفن. عندما تلوثت الجذور التي أردتُ حمايتها بشدة، اخترتُ.
الحاكم هو مَنْ يختار فقط، لا يتدخل.
أيتها المولودة من جذور شجرة العالم، أيتها الإناء الذي مُنح اختيارين.
الآن، اكسري الإرادة الخاطئة، و احمي مصيركِ بيديكِ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 104"