كان قصر بيلديا مكانًا يتميز بأجواء مقدسة وهادئة تتناسب مع اسمه.
كانت صورة بيسيا، التي تُسكب الضوء، محفورة على الزجاج الملون في السقف، وكانت الأعمدة المرتبة بشكلٍ هندسي والستائر ذات الأنماط الباهتة، التي بدت وكأنها مغسولة بالضوء، تتناغم معًا.
كان هذا المكان، الذي يبدو كما لو كان على الحدود بين المعبد والقصر الإمبراطوري، يُعتبر أجمل الأماكن في القصر.
كان حبُّ الإمبراطور الأول لزوجته واضحًا من مجرد التجول في قصر بيلديا. لم تكن هناكَ حتى زخرفة صغيرة تم إهمالها.
لكن كاليد لم يُلقِ نظرةً على الزخارف المحيطة، و استمرَّ في السير للأمام دونَ توقف.
على عكسِ قصر أرسين، لم يكن هناكَ أحد في قصر بيلديا يمنعه من التقدم.
بل على العكس، كان الخدم و الخادمات الذين تعرفوا عليه يحيونه بحرارة. كان جميع العاملين في قصر بيلديا من أتباع الإمبراطورة، وكانوا وجوهًا مألوفة لكاليد منذ طفولته.
لم يرغب في تجاهلِ هذا الترحيب، لكن لم يكن لديه الوقت للرّد على كلّ واحد منهم الآن.
كانت آخر مرة زار فيها قصر بيلديا بعد فسخ خطوبته، عندما جاءَ لتوديع الإمبراطورة قبل مغادرة القصر الإمبراطوري.
تبعَ كاليد إرشادات إحدى الخادمات، و توجّه إلى البرج الأبيض حيث توجد الإمبراطورة، والدته.
كان البرج الأبيض هو السّبب الأكثر تميزًا لقصر بيلديا عن غيره من القصور.
كان هذا البرج الأبيض، الواقع في قلب قصر بيلديا، مكانًا لا يُسمح بالدخول إليه إلا للإمبراطورة ومن يُمنحون الإذن، و كان أيضًا أقدم مكتبة في الإمبراطورية.
عندما دخلَ البرج الأبيض ببطء، كان أوّلَ ما لفتَ انتباهه هو الجدران التي تحمل آثار الزّمن والنوافذ الزجاجية النظيفة التي لا تحمل ذرّة غبار.
وعند النافذة، حيث يتوقّف الضوء للحظة ثم يختفي، كانت تجلس بهدوء امرأةً لا تزال جميلة.
“…أمي.”
كان وجه والدته، التي رآها لأوّل مرة منذ سنوات، أنحفَ بكثيرٍ مما يتذكره.
على الرّغمِ من أنّ آثار الزمن لا يمكن تجنبها، إلا أن مظهرها المألوف وهي تجلسُ عند النافذة تقرأ كتابًا بدا صغيرًا و ضعيفًا بطريقة ما.
أغلقت الإمبراطورة سيليان الكتاب بصوتٍ خفيف وأدارت رأسها ببطء.
“لقد جئتَ أخيرًا، كاليد.”
“…كنتِ تنتظرينني؟”
“نعم، انتظرتُ… لوقتٍ طويل.”
كان قد توجّهَ مباشرةً إلى قصر أرسين عند وصوله إلى القصر الإمبراطوري، ثم جاءَ إلى قصر بيلديا دون تردد. لم تكن زيارة مجدولة، لذا بدت كلماتها عن الانتظار غريبة بعض الشيء.
“من تعبيرك، يبدو أنك لم تأتِ لأنك افتقدتِ والدتكَ.”
“…..”
“اجلس. يبدو أن لديك الكثير من الأسئلة.”
تردّدَ صوت تنورة فستانها وهي تمسح الأرض في هدوء البرج الأبيض بشكلٍ غير متوقع.
سيليان لوكادور إيفيرنيا.
كانت إمبراطورة إمبراطورية إيفيرنيا و والدة وليّ العهد كاليد.
بالنّسبة لكاليد، كانت دائمًا شخصية صعبة.
منذ طفولته، كان عليه تحمل تعليم قاسٍ بناءً على تعليماتها، وحتّى الآن، نشأ تحتَ كراهية الإمبراطور لأسباب لا يعرفها.
على الرّغمِ من أنها كانت دائمًا صارمة ولم تظهر أبدًا ابتسامةً حقيقية، إلا أن كاليد ظل يناديها “أمي”. كان ذلك لأن حبّها كان واضحًا حتى لكاليد الصغير.
لذلك، شعرَ بغرابةٍ أكبر.
كان مظهرها و هي تُعد الشاي بمهارة دونَ مساعدة الخادمات مألوفًا بشكلٍ غريب. عندما حاول استرجاع ذكرياته، لم يتذكر أن الإمبراطورة قد أعدّت الشاي بنفسها من قبل.
تناولَ كاليد الكوب الذي قدمته له دونَ كلام و فتحَ فمه بهدوء.
“هل كنتِ تعلمين أنني سأزور؟”
“أليس من الطبيعي أن تنتظر الأم زيارة ابنها؟ لماذا تبدو متفاجئًا؟”
ردّتْ بأناقة، متجنّبةً الكلام.
“لقد جئتُ من قصر أرسين.”
“هل رأيتَ جلالته؟”
“لقد منعتِ رؤيته، أليس كذلك؟”
“همم.”
رشفت الإمبراطورة سيليان رشفة من الشاي وعبست. بدا أن الطعم مرير جدًا. وضعت مكعب سكّر بهدوء، وقلبت الشاي ببطء وقالت:
“نعم، هذا صحيح. لكن… هل تعرف لماذا فعلتُ ذلك؟”
كانت ابتسامتها لا تزال هادئة. تعبيرها الغامض، الذي كان يبدو كما لو كانت تبتسم أو لا، كان كما كان دائمًا.
شعرَ كاليد أن هناكَ شيئًا مخفيًا وراء هذا الهدوء.
“…ليسَ مرضًا عاديًا.”
كان الشّيء الوحيد الذي يمكن أن يشكّ فيه.
حالة الإمبراطور الصحية، الذي كان طريح الفراش لسنوات. إذا لم تكن مجرد إعاقة في الحركة، فسيُفسر كل شيء.
“هل جلالته في حالة حرجة؟”
طقطقة.
وضعت الإمبراطورة سيليان الكوب جانبًا، كما لو أن الشاي الذي أعدته، حتى مع إضافة السكر، لم يرق لها، بعد رشفة قصيرة.
“ما رأيك؟”
شعرَ كاليد بالإحباط من نبرتها الغامضة.
كانت الإمبراطورة سيليان دائمًا هكذا. كما لو كانت تريدُ منه التفكير بنفسه، لم تعطه إجابةً واضحة حتى يقترب من الحقيقة.
“إذا كان مرضًا عاديًا، لم يكن هناكَ سبب لمنع الدخول. و الأهم من ذلك، لم يكن جلالته ليسمح بمثل هذا الأمر.”
“تابع.”
كما لو أنها ستنتظر حتى ينتهي من حديثه، استندت الإمبراطورة سيليان إلى الأريكة وأومأت برأسها.
شعرَ كاليد وكأنه يخضع لاختبار. عبسَ قليلاً واستمر في الحديث بهدوء.
“في النهاية، أمر منع الدخول إلى قصر أرسين كان قرارًا اتخذتِه بمفردك، أليس كذلك؟”
“وماذا بعد؟”
“…هل توفي جلالة الإمبراطور بالفعل؟”
لم يعد كاليد يتحدّث بلفٍّ و دوران بعد أسئلتها الموجّهة.
عندما طرحَ أسوأ افتراض ممكن، انحنت زاوية فم الإمبراطورة سيليان ببطء.
ارتجفت رموشها الطويلة تحتَ جفونها المغلقة. بين نفس قصير، ظهرت عيناها الحمراوان المشابهتان لعيني كاليد.
“كانَ من الأفضل… لو ماتَ بالفعل.”
كان تعبيرها يعكس أسفًا صادقًا. كانت شفتاها المنحنية تحملُ مرارة و ندمًا عميقًا.
شـدَّ كاليد قبضتيه دونَ وعي.
“ما الذي… ما الذي فعلتِه؟”
ملأت رأسه أفكارٌ مرعبة لا يريد حتى تخيلها. كان يأمل أن لا تكون هذه المرأة الهادئة أمامه قد ارتكبت مثلَ هذه الأفعال الشنيعة.
لكن ، يبدو أنّ أمنياته لم تتحقّق أبدًا.
“أنا آسفة، كاليد.”
“أمي…!”
“ربما… بسببي، عانيتَ أكثر.”
كان صوتها لا يزال هادئًا، لكن عينيها، التي كانت ترتجفان تحتَ رموشها الطويلة، كانتا مليئتين بالندم العميق.
“من أين… يجب أن أبدأ الحديث؟”
“هل… هل حاولتِ فعلاً اغتيال الإمبراطور؟”
“نعم.”
أغلقَ كاليد عينيه بقوّة عند إجابتها الهادئة.
اندفعَ صداع نابض كالأمواج. كان رأسه يرنّ و كأن شخصًا ما يضرب رأسه بمطرقة.
لم يكن ذلك بسببِ أي عاطفة بين الأب والابن. لكن حقيقة أن الإمبراطورة حاولت اغتيال الإمبراطور كانت كافية لزعزعةِ النظام بأكمله في الإمبراطورية.
و الأكثر من ذلك، في وضعٍ يواجهون فيه ليفيا الآن، ستكون التبعات أكثر فتكًا. علاوةً على ذلك، كان هذا يعرّضها للخطر بعد أن تحملت برود الإمبراطور لفترةٍ طويلة.
كانت هذه الحقيقة هي التي هزّت قلب كاليد أكثر من أيّ شيءٍ آخر. على الرّغمِ من أنه لم يزرها لفترة طويلة، إلا أنها كانت بلا شك “والدته”.
على الرّغمِ من صراخ كاليد الغاضب، لم تتزعزع الإمبراطورة سيليان على الإطلاق. بل بدت وكأنها كانت تستعد لهذه اللحظة لفترةٍ طويلة.
“قبل أن أسمع سببَ قدومكَ إلى القصر الإمبراطوري… هل يجبُ أن أشرح أنا أولاً؟”
“في مثلِ هذه الظروف… هل يهمكِ لماذا جئتُ؟”
“نعم، يهمني. لأنكَ لم تظهر وجهكَ ولو لمرّةٍ واحدة منذُ أن غادرتَ.”
تحدثت الإمبراطورة، التي لم تطلب العاطفة ولو مرة واحدة منذُ ولادته، كما لو كانت حقًا تشتاق إلى رؤية ابنها الآن.
بدت صورتها المتعالية و كأنها شخصٌ تخلى عن الحياة نفسها على مدى فترة طويلة.
أسقطت الإمبراطورة سيليان مكعّب سكّرٍ آخر في الكوب الذي لن تشربه، و فتحت فمها كما لو كانت تستعيد ذكرى قديمة.
“بدأ الأمر… عندما أصبحَ ليونير إمبراطورًا فجأةً.”
خرجَ من فمها اسم الإمبراطور، الذي لم تنطق به أبدًا من قبل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"