تصلب وجهه في لحظة. أراد تجاهل ذلك الصوت، لكنه لم يستطع.
فتح إيساك الباب بوجهٍ شاحب. كان رفائيل يقف هناك، مبتسمًا.
“مساء سعيد يا إيساك.”
“…أهلًا، سيد رفائيل.”
“لم أستطع النوم، ففكرتُ أن نتحدث قليلًا.”
“تفضل بالدخول.”
كان على إيساك أن يرحب برفائيل مهما كان توقيت زيارته. جلس الآن مع رفائيل في المكان الذي كان يجلس فيه مع ميا قبل قليل.
كانت عيناه الخضراوان تشبهان عيني أفعى، ماكرتين. ابتسم رفائيل وقال:
“رأيتكَ مع ميا قبل قليل، بدوتَ سعيدًا. هل حدث شيء؟”
يبدو أنه رأى لحظة مرافقتي لميا.
يا له من شخص مزعج.
حاول إيساك أن يبدو هادئًا وقال:
“أنا دائمًا سعيد مع ميا.”
“حقًا؟”
لم يبدُ رفائيل مقتنعًا. جلس بزاوية، يسند ذقنه بيد واحدة، ونظر إلى إيساك.
“أتساءل كم ستدوم هذه السعادة.”
“…ماذا تعني؟”
عندما ردّ إيساك بحدة، ظهرت نظرة رضا على وجه رفائيل. تحدث بنبرة ناعمة:
“إذا تركتكَ ميا، ستنتهي هذه السعادة.”
شعر إيساك بقلبه يهوي. قبض يده دون وعي.
“…لن يحدث ذلك. ليس لدى ميا سبب لتركني.”
“حقًا؟ لكنها بدت متحمسة جدًا لسداد دينها.”
صحيح، قالت شيئًا عن تقليل الدين. في تلك اللحظة، تجاهل سؤالها دون تفكير.
ربما لأنه كان خائفًا داخليًا. إذا سددت الدين بالكامل، هل ستغادر؟
كان قلقًا دفنه في عقله الباطن، لكن رفائيل أخرجه قسرًا.
ابتسم رفائيل كأنه راضٍ عن ردة فعله. شعر إيساك بطعم معدني في فمه كلما رأى تلك الابتسامة.
“لن تسدد ميا الدين بالكامل.”
“لكنكَ لم تقل إنها لن تترككَ حتى لو سددته.”
لم يستطع الرد فورًا. لم يكن بإمكانه إنكار القلق الذي يعتمل في قلبه، حتى لو قالت ميا إنها تحبه.
ماذا لو سددت الدين وغادرت؟
في النهاية، لا شيء يربطهما. ليسا حبيبين ولا عائلة.
عندما أظلمت ملامح إيساك، ضحك رفائيل بخفة ونهض.
“يبدو أنني مازحتُ كثيرًا. قلتُ هذا لأنني قلق عليكَ، فلا تهتم كثيرًا.”
“…حسنًا، سيد رفائيل.”
“إذن، سأغادر الآن.”
غادر رفائيل مبتسمًا بهدوء. بقي إيساك وحيدًا في الغرفة، لكن الجو ظل مشحونًا. عيناه الفضيتان تلألأتا ببرود في الظلام.
[ارتفعت درجة هوس إيساك.]
واو، الطقس رائع اليوم!
أطللتُ من النافذة، مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة. كانت الغيوم متناثرة في السماء.
بعد أيام من القلق بسبب إيساك، أنهيتُ حديثنا أمس بشكل جيد، فكنتُ سعيدة طوال اليوم.
لكن لا يزال هناك ما يجب القيام به. أردتُ سؤاله عن أخ ريان أمس، لكنني خفتُ أن يؤدي ذكر ريان إلى ارتفاع هوسه، فترددتُ.
اليوم، سأجد اللحظة المناسبة للسؤال. بينما كنتُ أستمتع بالشمس، سمعتُ طرقًا على الباب.
“ميا، سأدخل.”
كان صوت إيساك. ركضتُ نحو الباب. دخل إيساك مبتسمًا بلطف كما أمس.
“ميا، كنتِ ترتاحين؟ كنتُ سأطعم القطط، هل تريدين القدوم؟”
“أنتَ من سيطعمها؟”
“نعم.”
ظننتُ أن الخدم يتولون ذلك. كان مفاجئًا، لكنه أسعدني. يبدو أنه يتحسن تدريجيًا.
“حسنًا، لنذهب معًا.”
اقتربتُ منه، فنظر إليّ مبتسمًا.
هل كانت ابتسامته تحمل معنًا خفيًا؟
لكن تلك الفكرة تلاشت سريعًا. بابتسامة بريئة، بدأ إيساك بالسير.
حملنا وعاء الطعام وتوجهنا إلى شجرة كبيرة. لم تظهر القطة بعد، لكن عندما وضع إيساك الوعاء، جاءت بعد قليل.
كانت القطة نفسها التي رأيتها أول مرة. فركت رأسها بساقي و أصدرت مواء بهدوء.
“مهلًا، الطعام لم أحضره أنا، بل هو!”
تجاهلتْ القطة من أحضر الطعام وتمسحت بي فقط.
لحسن الحظ، لم يبدُ إيساك متضايقًا. نظر إليّ وقال:
“هل نجلس قليلًا؟”
“حسنًا، جيد.”
جلسنا جنبًا إلى جنب على مقعد. كانت أشعة الشمس تتسلل عبر أوراق الشجرة، جميلةً.
شعرتُ أن هذه اللحظات الهادئة مع إيساك كحلم.
كيف لا، فقد عانيتُ في طفولتي بسبب أبٍ مختل، ثم مررتُ بالكثير بعد ذلك.
لو كانت الأمور دائمًا بهذا الهدوء. بينما كنتُ أراقب القطة مستندة إلى كتف إيساك، تحدث:
“ميا، لدي سؤال.”
“ما هو؟”
“لماذا انفصلتِ عنه؟”
فوجئتُ بالسؤال غير المتوقع.
لماذا يسأل عن هذا؟
نظرتُ إليه، فقال بهدوء:
“إذا عرفتُ السبب، سأحترس أكثر.”
حسنًا… كنتُ سأذكر ريان على أي حال، ربما هذه فرصة.
قررتُ استمالاته قليلًا.
“انفصلتُ عن ريان لأنني أحبكَ أكثر.”
اتسعت عينا إيساك بدهشة، ثم ابتسم تدريجيًا ومد يده ليحتضن خصري.
“أنا أفضل؟ إلى أي مدى؟”
يا للماكر!
صفعة يده برفق وتراجعتُ. بدا إيساك محبطًا قليلًا.
“هذا سر. بالمناسبة، لدي سؤال أيضًا.”
“ما هو؟”
“ما الذي قلته لريان؟ تحدثتَ عن أخيه، أليس كذلك؟”
توقف إيساك للحظة، بدا أن الموضوع لا يروقه.
“لا شيء مهم.”
“حتى بعد أن طاردكَ ريان بالسيف؟”
“……”
“ريان يبحث عن أخيه. إن كنتَ تعرف شيئًا، أخبره.”
عبس إيساك وقال:
“لكنكِ انفصلتِ عن ريان.”
“هذا أمر منفصل. كن صادقًا، هل تعرف أخاه؟”
عندما ألححتُ، تنهد إيساك بصمت وقال بتردد:
“بصراحة، لا أعرفه. لم ألقه. لكن… علمتُ أنه يبحث عن أخيه أثناء مراقبته.”
“ماذا؟”
راقبته؟ متى؟ لماذا؟
بينما كنتُ مذهولة، نهض إيساك.
“هل نشرب الشاي بالداخل؟”
“أ… حسنًا…”
يجب أن أسأله بالتفصيل داخل المنزل. نهضتُ مترددة، فاقتربت القطة، بعد أن أكلت طعامها، ماءها تتبعنا.
تبعتنا إلى المنزل وتسللت من فتحة الباب.
“مهلًا؟”
ماذا؟
دخلت بسلاسة فذهلتُ. بدأت القطة تتمسح بساقي و تموء.
“هل تريدين العيش معنا؟”
“مياو.”
هل يمكننا تربيتها؟
لاحظتُ أنها اكتسبت وزنًا. يبدو أنها تأكل جيدًا.
…لكن، شيء ما غريب. عندما دققتُ النظر، لم يكن مجرد وزن زائد…
“إنها حامل؟”
انظر إلى حجم بطنها!
نظر إيساك إلى القطة بفضول وقال:
“لديها صغار؟”
“نعم، على الأرجح.”
لهذا تبعتنا؟ حامل ولا يمكن طردها…
نظرتُ إلى إيساك بحذر وقلتُ:
“هل يمكننا تربيتها في المنزل حتى تضع صغارها؟”
“إن أردتِ يمكننا ذلك.”
قال إيساك بسهولة.
يا للراحة. على الأقل، يجب أن نعتني بها حتى الولادة.
احتضنتُ القطة مبتسمة.
“يبدو أنني اُختِرتُ من قطة!”
“اُختِرتِ؟”
“نعم، يقال إن القطة تختار صاحبها بهذه الطريقة.”
ضحك إيساك كأنه سمع شيئًا ممتعًا وقال:
“إذن، عندما كنتُ صغيرًا، اُختِرتُ منكِ يا ميا.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 84"