بينما كنت غارقة في التساؤلات، فتح رفائيل فمه.
“في الطريق، يكفي أن نعتني بشعركِ ومكياجكِ. هيّا بنا.”
“نعم، سيد رفائيل.”
تبعته خارج القصر بطاعة. بحلول الوقت الذي انتهينا فيه من التزيّن، كانت الشمس تغرب تدريجيًا.
ركبنا العربة متّجهين إلى مكان الحفلة. كان قصرًا كبيرًا، يتباهى بمظهر فاخر. قبل أن ينزل رفائيل من العربة، أخرج شيئًا من جيبه.
“هاكِ، ضعي هذا. من المؤسف إخفاء وجهكِ الجميل، لكن ليس باليدِ حيلة.”
كان قناعًا يغطّي الوجه حتّى أسفل الأنف. وضع رفائيل قناعًا أسود، بدا مناسبًا له. وضعت قناعي بحذر.
“إذن، هل نذهب يا آنسة؟”
نزل رفائيل من العربة أوّلًا ومدّ يده نحوي بنبرة مهذّبة ولطيفة.
كان مبالغًا بعض الشيء، لكنّه لم يكن سيئًا. أمسكت يده بحذر ونزلت من العربة.
ثم جذب رفائيل ذراعي لأتشبّث به. كانت عيناه تبتسمان خلف القناع.
‘… لماذا أشعر بالديجافو؟’
دخلنا وأنا أشعر بشعور غريب. عند المدخل، وقف رجال ونساء بملابس أنيقة، يرتدون أقنعة أيضًا.
“أهلًا، مرحبًا! أتمنّى لكما ليلة ممتعة!”
رحّبوا بنا بنبرة ودودة.
‘هُف، القناع يجعلني أشعر براحة أكبر.’
دخلنا لنجد أشخاصًا يرقصون تحت ثريّات فاخرة. وكان آخرون يجلسون على الأرائك يحتسون الخمر.
جلسنا في مكان شاغر. مرّ خادم يحمل صينيّة عليها كؤوس شمبانيا، وقدّم لنا كأسين.
“هل نرقص؟”
“آه، أنا لا أجيد الرقص.”
“يا للأسف. إذن، لنتحدّث.”
عند ذكر الرقص، تذكّرت رقصتي مع إيساك على الشرفة.
‘كانت ممتعة. لو جاء معي اليوم…’ بينما كنت أفكّر، سمعت أنينًا خافتًا من مكان ما.
‘ما هذا الصوت؟ لا يبدو كأنين ألم…’
نظرت حولي ووجدت مصدره. كانت هناك غرف مغطّاة بستائر في قاعة الحفل، وكان الصوت يأتي من إحداها.
‘ما هذه الغرف؟’
بينما كنت أنظر، رأيت لمحة من داخل إحدى الستائر.
صُدمت. كان هناكَ رجلٌ و امرأة يقومان بأفعالٍ فاحشة. أدرتُ وجهي بسرعة وأخفضت رأسي.
‘ما… ما هذا؟ حتّى مع الستائر، يفعلون هذا في مكان عام؟’
لم تكن هناك غرفة واحدة أو اثنتين مغطّاة بالستائر.
‘هل يفعلون هذا في كلّ الغرف؟’
لاحظت دخانًا خافتًا يتصاعد من إحدى الغرف، شعرت بانزعاج شديد.
“ميا، ما بكِ؟”
كان رفائيل هادئًا وسط هذا كلّه.
‘هل عرف أنّ الحفلة هكذا وأحضرني؟ هل أراد فعل هذا معي؟’
لم أستطع قول شيء، فنظر رفائيل إلى الغرف وقال:
“هل هذا يزعجكِ؟”
“… نعم.”
“همم. إذن، هل نخرج؟ لم أكن أعلم أنّ الحفلة هكذا.”
‘أوه؟ يقترح الخروج بسهولة، ربّما ليس سيئًا…’
شعرت ببعض الراحة، فضحك رفائيل بهدوء.
“يبدو أنّ الأقنعة تجعل الجميع منفتحين. لأنّ لا أحد يعرف هويّتهم.”
“يبدو كذلك.”
“إذن، بما أنّ وجوهنا مخفيّة، هل نتحدّث؟”
‘عن ماذا يتحدّث؟’
نظرت إلى رفائيل. عاد شعور الديجافو.
“ميا، كما تعلمين، أنا معجب بكِ.”
نعم، إعجاب لا أعرف سببه. قال سابقًا إنّني أبدو كالشخص الذي يبحث عنه.
“لذلك أتمنّى أن تصبحي خادمتي، لكنّكِ لا تزالين متردّدة، أليس كذلك؟”
“… نعم، أعتذر.”
“إذن، سأقدّم عرضًا آخر. إذا نفّذتِ طلبي، سأسدّد كلّ ديونكِ.”
كانت عيناه الخضراوان خلف القناع واضحتين بشكل لافت، كأنّهما تستقطبانني.
“ما الطلب؟”
خرجت الكلمات منّي دون وعي، كأنّني مسحورة. انفرجت شفتا رفائيل، وتدفّق صوته الجميل.
“قبّليني.”
في تلك اللحظة، استعدت وعيي فجأة.
‘ما الذي سمعته؟’
كان رفائيل ينظر إليّ بهدوء. عادةً يبتسم، لكن الآن كان وجهه جافًا.
“قبّليني ثلاث مرّات. هذا طلبي.”
كان جادًا كما لم أره من قبل.
‘هل يحبّني حقًا؟’
أم أنّه يكتفي بإغواء الخادمات هكذا؟ كان يجب أن أرفض فورًا، لكن جديّته جعلتني أتردّد.
بينما كنت أحدّق في وجهه، عاد شعور الديجافو.
‘لماذا أشعر أنّني رأيت هذا من قبل؟ أين؟ أتذكّر هذه الشفاه…’
“آه.”
أدركت مصدر الديجافو. رأيت هذه الشفاه في قصر الليل، وجه الدوق المقنّع. كان وجه رافائيل مشابهًا له بشكل مذهل.
شعرت بانقباض في صدري.
‘رفائيل هو الدوق؟’
إذن، هو شيطان. كان الشيطان بجانبي منذ زمن.
قفزت من مكاني. نظر إليّ رفائيل بهدوء.
“لا أستطيع تلبية هذا الطلب. أعتذر. أنا… سأغادر أوّلًا.”
“ميا؟”
سمعتُه ينادي اسمي، لكنّني هربت من المكان.
كان قلبي ينبض بجنون.
‘ما الذي كان يفكّر فيه عندما جاء إلى هذا القصر؟’
بينما كنت أركض مذعورة، انكسر كعب حذائي وسقطت.
“… آه.”
حتّى لو هربت، سأضطرّ لركوب عربته للعودة، ولا أريد ذلك مهما كلّف الأمر.
فكّرت بالمشي، لكن حذائي المكسور جعل ذلك صعبًا.
‘ما الذي يمكنني فعله؟’
“ميا.”
سمعت صوتًا يناديني. بشكل غير متوقّع، كان إيساك أمامي.
لم أعرف لماذا هو هنا، لكن رؤيته جعلتني أشعر بالراحة، رغم أنّه من قتل.
جثا إيساك على ركبة واحدة ليتفحّص حالتي.
“ميا، هل أنتِ بخير؟”
“سيّدي، كيف وصلتَ إلى هنا…؟”
بدلاً من الإجابة، تفحّصني. كانت عيناه تشتعلان بالبياض.
“ماذا حدث داخل الحفلة؟”
‘لماذا يبدو غاضبًا؟’ هززت رأسي. لم يحدث شيء بعد.
“لا… لا شيء…”
“ومع ذلك، خرجتِ مذعورة هكذا؟”
“حسنًا، بالداخل… كان هناك…”
لم أستطع قول أنّهم كانوا يمارسون أفعالًا كهذه، ولا أنّ رفائيل شيطان. لم يسأل إيساك أكثر وساعدني على الوقوف.
“لنعد إلى المنزل.”
“… نعم.”
ركبت العربة بمساعدته. بينما كانت العجلات تتحرّك، ظلّت شفاه رفائيل تطاردني.
‘هل تبعني؟ هل يراقب هذا المشهد؟’
كنت فضوليّة وخائفة، فلم أستطع النظر من النافذة.
بعد العودة، بقيت ميا في حالة ذهول. طلب إيساك من الخادمات الاعتناء بها وعاد إلى غرفته.
جلس في مكتبه، يعضّ شفتيه بقوّة.
‘ما الذي رأته ميا لتصبح هكذا؟’
كان يعلم أنّ النبلاء يرتدون الأقنعة ويمارسون أفعالًا فاضحة. لم تقل ميا ذلك صراحة، لكنّها بدت مصدومة.
لكن إيساك قرأ مشاعر أخرى على وجهها: الدهشة، الارتباك، والخوف.
كانت خائفة.
‘من ماذا؟ هل فعل رفائيل شيئًا لها؟’
كان إحضارها إلى مكان خطير كهذا مشكلة بحدّ ذاتها. لحسن الحظ، تبعها عندما خرجت مع رفائيل.
بينما كان غارقًا في أفكاره، سمع طرقًا على النافذة. عرف من هو من الصوت.
فتح النافذة، فدخل رفائيل. كان يبتسم كعادته، لكن عينيه لم تكونا كذلك.
“إيساك، لم أتوقّع منك فعل شيء كهذا.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 54"