انتفضتُ دون وعي عند سماع هذا العرض. لم أتوقّع أن يكون ساريًا حتى الآن. لكن، كما في السابق، كان هناك شيء مقلق في هذا العرض.
‘ما الذي يراه فيّ ليعرض مبلغًا كبيرًا كهذا؟’
نظرت إلى رفائيل بهدوء وفتحت فمي.
“سيد رفائيل… لديّ سؤال.”
“ما هو؟”
“لا أفهم لماذا تعاملني بهذا اللطف.”
صحيح أنّه يبدو لطيفًا مع الخادمات الأخريات، لكن هذا مبالغ فيه. شعرت بالخوف لعدم معرفتي بالسبب.
“همم… كيف أشرح ذلك؟”
وضع رفائيل كوب الشاي، فسمعت صوت الخزف يرتطم. نظر إليّ بعينيه الخضراوين الجميلتين.
“منذ زمن طويل، كنت أنتظر شخصًا معيّنًا. ويبدو أنّكِ أنتِ ذلك الشخص يا ميا.”
“كنتَ تنتظر؟”
‘ما الذي يتحدّث عنه؟’
بينما كنت حائرة بسبب كلامه الغامض، سمعنا طرقًا على الباب.
“ادخل.”
عندما أذن رفائيل، دخل إيساك. أومأ تحيّة خفيفة ثم تحدّث.
“سيد رفائيل، هل يمكن لخادمة أخرى أن ترافقك اليوم؟ لدى ميا أمر طارئ.”
“همم، هل يتعلّق الأمر بما حدث أمس؟”
“نعم.”
“حسنًا، ليس باليدِ حيلة. اذهبي يا ميا.”
إذا كان يقصد أمس، فهو يتحدّث عن الدين، أليس كذلك؟ انحنيتُ لرفائيل تحيّة خفيفة وتبعت إيساك.
دخلنا غرفة الاستقبال. جلس إيساك على الأريكة وأشار إليّ بالجلوس. عندما جلست قبالته، بدأ بالموضوع مباشرة.
“تحقّقت من الدين الذي عليكِ.”
فكّرت كثيرًا أمس. أليس هذا عقدًا غير عادل؟ ألا يمكن إلغاؤه إذا قدّمت شكوى؟ لكن تعبير إيساك لم يكن مطمئنًا.
“كلّ شيء تمّ وفق إجراءات قانونيّة، والعقد موثّق. لا يبدو أنّه يمكن استرداد الأموال التي سدّدتِها.”
هُف… ما الذي يمكنني فعله الآن؟ بينما كنت مطأطئة الرأس، وضع إيساك كيس نقود على الطاولة.
“هذه 50 قطعة ذهبيّة. لمنع تراكم الفوائد، استخدميها للسداد. إنّه قرض.”
“شكرًا…”
أن يقرضني 50 قطعة ذهبيّة، أنا الخادمة التي حاولت الهرب مرّة… لم أملك إلّا الامتنان. أمسكت الكيس بإحكام، فقام إيساك وقال:
“هيّا، لنسدّد الدين أوّلًا. انهضي، سنذهب معًا.”
“ماذا؟ يمكنني الذهاب بمفردي…”
“لا أثق بذلك.”
تقدّم إيساك بخطوات واثقة. قد يبدو متسلّطًا، لكنّه بدا موثوقًا الآن.
توجّهنا مباشرة إلى مكتب المرابي. عندما دخلنا، رحّب بنا الرجل الذي رأيته أمس بابتسامة ساخرة.
“أوه، نلتقي مجدّدًا. هل أحضرتِ المال للسداد؟”
شعرت بالاشمئزاز. رميت كيس النقود الذي أعطاني إيّاه إيساك نحوه. فتح الرجل الكيس دون أن يبدي انزعاجًا، وعَدّ العملات ثم أمال رأسه.
“ناقص.”
“ماذا تقصد؟ هذه بالتأكيد الـ50 ذهبيّة التي ذكرتها.”
“آه، ذلك كان حديث أمس.”
ابتسم الرجل بسخرية.
“والدكِ اقترض 20 ذهبيّة إضافيّة أمس.”
“… ماذا؟”
شعرت بضعف في يديّ. هل يمكن أن يختلط الغضب باليأس هكذا؟ بينما كنت أقبض يديّ بقوّة، أخرج إيساك شيئًا من جيبه ورماه.
“هذه 20 ذهبيّة. الدين سُدّد بالكامل الآن، أليس كذلك؟”
تفحّص الرجل العملتين وضحك، ثم أخرج شيئًا من درج المكتب ورماه على الأرض.
كان سند القرض. قال الرجل بابتسامة مقزّزة:
“الآن انتهى الأمر، مؤقّتًا. أحسنتِ.”
مؤقّتًا؟
خرجنا حاملين سند القرض، لكن شعرت بشيء مقلق. بدا إيساك منزعجًا أيضًا.
“يبدو أنّه يجب التعامل مع والدكِ قبل المرابين. يبدو أنّه سيستمر في الاقتراض.”
“ماذا تقصد؟ إذا اقترض والدي، فعليه أن يسدّد…”
“هم يرون أنّ والدكِ غير قادر على السداد، لذا يستهدفونكِ أنتِ. المرابون يقرضونه بنيّة استرداد المال منكِ.”
‘إذن، سأظلّ أسدّد ديونه إلى الأبد؟’
هذا مستحيل. ربّما الهرب هو الحلّ الأفضل.
لكن إذا هربتُ وأُمسكت، ستصبح الديون 450 ذهبيّة.
ماذا لو طاردني المرابون؟ أنا… أنا…
“ميا.”
لمس إيساك كتفي بخفّة ونادى اسمي. كان وجهه هادئًا كالمعتاد، مما جعلني أشعر بالهدوء بشكل غريب.
“لا تقلقي.”
‘كيف لا أقلق؟’
كدت أقول ذلك، لكنّني كبحت نفسي.
لكن شيئًا ما بدا غريبًا. رغم هدوء تعبير إيساك، كانت عيناه تلمعان بحدّة.
“سأحلّ الأمر.”
بدت عينا إيساك وكأنّهما تشتعلان بالبياض. انفرجت شفتاه الجميلتان، وتسرّب صوته الناعم.
“لأنّني سيّدكِ.”
اختلطت رائحة الخمر بدخان السجائر الكثيف. كان الأشخاص المجتمعون في غرفة الاستقبال في حالة سكر رغم أنّه منتصف النهار.
كان والد ميا مثلهم. كانت الطاولة مليئة بالخمر، السجائر، أوراق اللعب، والعملات الذهبيّة والفضيّة.
نفث أحد الضيوف دخان سيجارته وضحك. قال لوالد ميا:
“أنت غريب حقًا. تخسر دائمًا، لكنّك تجد طريقة للاقتراض.”
“ميا تكسب جيّدًا. إنّها مثيرة للشفقة، أليس كذلك؟”
“شفقة؟ هه…”
سخر والد ميا ونظر إلى أوراقه. كان عليه كبح دقات قلبه المتسارعة.
كان يملك “باك ستريت فلاش”، أوراق هارت من الآس إلى الخمسة.
ملاحظة : باك ستريت فلاش هي مجموعة أوراق تتعلق بلعبة البوكر و تكون قوية و الأعلى منها مجموعة اوراق اسمها “رويال ستريت فلاش”.
جفّ لعابه دون وعي عندما حصل على هذه الأوراق القويّة. بينما كان يحاول إخفاء تعبيره، بدأ الآخرون برمي أوراقهم.
“أنسحب.”
“أنا أيضًا.”
‘هل قرأوا تعبيري؟’
بينما كان يخشى انتهاء الجولة، دفع الضيف المقابل له كلّ رهانه إلى الأمام.
“أراهن بكلّ شيء.”
كان صوته وإيماءته أنيقين. ابتهج والد ميا داخليًا ودفع كلّ ماله أيضًا.
كلّ هذا المال أصبح ملكه تقريبًا.
“لديّ باك ستريت فلاش. إذن، كلّ هذا لي…”
“آه، يا للأسف.”
ابتسم الخصم وكشف أوراقه. اتسعت أعين المتفرّجين.
“رو… رويال ستريت فلاش؟!”
كانت أوراقه أقوى يد في البوكر. تحوّل وجه والد ميا إلى الرماد.
مستحيل. رويال ستريت فلاش وباك ستريت فلاش في جولة واحدة؟
كأنّ شيطانًا رتّب هذه الجولة. عندما سحب الخصم كلّ الرهان نحوه، بدأ المتفرّجون بالتملّق.
“واه، تلعب ببراعة! مهارة مذهلة يا سيد رفائيل.”
ابتسم رافائيل بهدوء. كانت عيناه الخضراوان تتلألآن بالجمال.
لم يبدُ رفائيل سعيدًا رغم فوزه بالكثير. بدا كما كان عند دخوله. زاد ذلك من غضب والد ميا.
‘تبًا، لم يكن يجب أن أدعه يدخل. أن أُهزم هكذا من شخص جاء ليوم واحد فقط…!’
لم يكن رفائيل ماهرًا في البوكر، لكن حظّه كان كبيرًا. ألم يرتكب خطأً سخيفًا قبل قليل؟
‘نعم، لابد أنّه حظّ مبتدئ. لو لعبتُ مجدّدًا، سأفوز…!’
بينما كان يعضّ أسنانه، حدّق رفائيل في والد ميا باهتمام. فتح فمه وقال:
“هل نلعب جولة أخرى؟”
“… ليس لديّ رهان.”
“سأقرضك.”
أعاد رفائيل المال الذي فاز به للتو. نظر إليه والد ميا بدهشة. ابتسم رفائيل بلطف.
“هل نستمر؟ الليل لا يزال طويلًا.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 51"