“ميا.”
استعدت وعيي بصعوبة عندما ناداني إيساك. التقط حقيبتي الملقاة على الأرض وناولني إيّاها وقال:
“هيّا، لندخل.”
“… نعم.”
دخلت القصر متعثّرة. كان رفائيل في الردهة، لكنّني لم أملك الطاقة حتّى لتحيّته.
أجلسني إيساك على أريكة غرفة الاستقبال وأمر الخادمة بإحضار شاي ساخن.
سرعان ما بدأ عبير البابونج يعمّ الغرفة. أمسكت الكوب بإحكام وحدّقت في سطحه بنظرة شاردة.
“إذن، من كان أولئك الرجال؟”
رفعت رأسي بوهن لأنظر إلى إيساك عند سماع صوته. كان رأسي يؤلمني وكأنّني تلقّيت ضربة.
“لا أعرف… حقًا…”
“من حديثهم، يبدو أنّكِ ملزمة بسداد ديون والديكِ.”
“ذلك أيضًا… لا أعرف…”
“ألا تتواصلين مع والديكِ؟”
“….”
لم أستطع قول شيء لأنّني لا أملك أيّ معلومات مؤكّدة. سكت إيساك للحظة ثم غادر غرفة الاستقبال.
‘لماذا خرج؟’
لم يدم تساؤلي طويلًا، إذ غمرتني الظلمة عندما فكّرت في واقعي.
الدين المتبقّي 50 ذهبيّة. حتّى لو جمعت كلّ ما أملك، لن يكفي. وعلاوة على ذلك، إذا لم أسدّده بحلول الشهر القادم، ستُضاف فائدة 10 ذهبيّات.
بعد تقييم الوضع، قرّرت أنّ تسديد الدين هو الأولويّة. لكن كيف أجمع 50 ذهبيّة؟
بينما كنت غارقة في الحيرة، فُتح الباب وعاد إيساك. كان يحمل ورقة في يده.
“هنا، وجدت عنوان الضامن في سيرتك الذاتيّة. ربّما يعرف الضامن مكان والديكِ.”
قفزت من مكاني عند سماع ذلك. شعرت ببصيص أمل.
أخذت السيرة الذاتيّة بسرعة. كان عنوان الضامن قريبًا من هنا. أردت الذهاب لاستيضاح الأمر.
“سأذهب وأعود.”
“أظنّ أنّه من الأفضل أن أرافقكِ.”
لكنّني لا أعرف حتّى الآن ما الذي أواجهه. إذا رافقني إيساك، قد أقع في موقف محرج.
على سبيل المثال، إذا رحّب بي الضامن ولم أعرفه… قد يثير ذلك شكوكه.
“لا بأس. إنّه قريب، سأعود بسرعة.”
انحنيت بسرعة وغادرت القصر مسرعة. لم أستطع تخمين من يكون ضامني.
كان العنوان الذي وصلت إليه منزلًا أنيقًا. ليس بفخامة قصور النبلاء، لكنّه بدا منزلًا لعائلة ميسورة.
‘هل ضامني صاحب هذا المنزل؟ أم أنّه مجرّد موظّف هنا؟’
تنفّست بعمق وطرقت الباب. بعد لحظة، فُتح الباب فجأة.
“أوه، أخيرًا وصلتِ… آه؟”
كان رجلًا في الخمسينيّات من عمره. بدا متفاجئًا عندما رآني، ثم قال بحماس:
“أوه، ميا! يبدو أنّ اليوم عطلتكِ، أليس كذلك؟ كم كنت مشتاقًا لأنّكِ لم تزوريني منذ زمن.”
“….”
“ألستِ سعيدة برؤية والدكِ بعد كلّ هذا الوقت؟”
تسارعت دقات قلبي عند كلمة “والدك”. إذن هذا والدي. الشخص الذي جعلني مدينة.
لم أتخيّل أنّني قد أشعر بكراهية كهذه تجاه شخص أراه لأوّل مرّة. قبضت يدي دون وعي. في تلك اللحظة، سمعت ضجيجًا من الداخل.
“آه، هذا… اليوم مشغول، تعالي لاحقًا.”
“لا. لديّ حديث اليوم.”
كبحت رغبتي في الإمساك به من ياقته. عندما حدّقت به بنظرة قاتلة، نقر بلسانه بازدراء.
“حسنًا. ادخلي للحظة. لن أتمكّن من إعطائكِ وقتًا طويلًا.”
فُتح باب المنزل أخيرًا. عندما دخلت، سمعت ضجيجًا صاخبًا من غرفة المعيشة.
‘هل هؤلاء ضيوف؟’
رأيت أشخاصًا يجلسون حول طاولة المعيشة يحملون أوراق لعب. في المنتصف، كانت هناك كومة من العملات الفضيّة والذهبيّة.
كانوا يقامرون. في الوقت ذاته، لاحظت الزخارف الفاخرة في المنزل.
“إذن، ما الذي جاء بكِ؟”
بدلاً من اصطحابي إلى غرفة المعيشة أو الاستقبال، وقف في الردهة وتحدّث إليّ. عضضت أسناني وقلت:
“جئت بسبب الدين.”
“الدين؟ آه. وماذا بعد؟”
كنت مذهولة من نبرته الهادئة. دون وعي، ارتفع صوتي.
“لماذا يجب أن أسدّد ديونك؟ و200 ذهبيّة بعد!”
عندما صرخت، بدا والدي متفاجئًا، ثم وضع إصبعه على شفتيه. خفّض صوته وقال:
“لدينا ضيوف! تحدّثي بهدوء.”
“لا أستطيع الهدوء. لماذا يجب أن أسدّد ديونك؟”
عندما صرخت مجدّدًا، أصبح وجه والدي باردًا فجأة. أمسك ذراعي بقوّة وقال:
“ما الذي تفعلينه أمام والدكِ؟”
“وما الذي تفعله أنت أمام ابنتك؟”
“لا أصدّق أنّكِ تتصرّفين هكذا بسبب مبلغ تافه.”
“مبلغ تافه؟”
كنت مذهولة. 200 ذهبيّة، وليس بضع عملات، ويسمّيها مبلغًا تافهًا؟
“إذا كان مبلغًا تافهًا، فاسدّده أنت!”
“أنا أحاول. لو نجحت في رهان كبير، سأسدّد كلّ شيء.”
كان صوته مليئًا بالثقة العميقة. لم تكن مبالغة أو تمثيل، بل ثقة حقيقيّة.
يبدو أنّه يعتقد فعلًا أنّه سيتمكّن من سداد الدين بالقمار. في تلك اللحظة، سمعت صوتًا من الداخل.
“ما الذي تفعله؟ ألن تلعب؟”
“سأكون هناك حالًا!”
حاول والدي التحرّك، لكنّني أمسكت بذراعه. لم أستطع المغادرة هكذا.
“اذهب إلى المرابين الآن وقل إنّك ستسدّد ديونك! أخبرهم ألّا يأتوا إليّ…”
صفعة—!
شعرت وكأنّ خدّي يحترق. أبيضّت رؤيتي ثم عادت تدريجيًا. كان والدي ينظر إليّ وهو يلهث.
“أنتِ؟”
كانت نبرته مليئة بالاستياء. بدت في عينيه لمحة من الخيانة.
“فكّري في الثمن الذي دفعته لتربيتكِ! أنا فقط أستردّ ذلك الآن!”
“….”
“ابنة واحدة وتتصرّف هكذا… اخرجي! لا تعودي أبدًا!”
جرّني من ذراعي ودفعني خارج الباب بعنف. أُغلق الباب بصوت قوي.
بقيت واقفة في مكاني مذهولة لفترة طويلة. كان خدّي يؤلمني. بعد وقت طويل، استعدت إحساسي بالواقع.
يجب أن أعود إلى القصر. لا فائدة من البقاء هنا.
‘ما الذي يمكنني فعله مع والدي؟ كيف أتعامل مع الدين الذي وقع باسمي؟’
بينما كنت أسير، بدأت قطرات المطر تتساقط. سرعان ما تحوّلت إلى زخات غزيرة. تدفّقت المياه الباردة على وجهي.
رأيت الناس يهرعون إلى المباني هربًا من المطر، لكنّني لم أشعر بشيء.
بينما كنت أسير محدّقة في الأرض، وقف شخص أمامي.
‘لماذا يسدّ الطريق؟’
في تلك اللحظة، مدّ الشخص مظلّة نحوي.
رفعت رأسي لأجد إيساك واقفًا. عندما رأيت قلقًا خفيفًا في وجهه، انهمرت دموعي فجأة.
“هيّك… هيّك… آه…”
لم أعرف لماذا أبكي. شعرت فقط بحزن عميق. تبلّل خدّاي بالدموع مجدّدًا بعد أن نقعهما المطر.
بينما كنت أبكي بصوت عالٍ، جذبني إيساك بذراع واحدة. لفّني حضنه الواسع والقوي.
“لا بأس.”
همس إيساك. كان صوته دافئًا ولطيفًا، يشبه الهمس الذي سمعتُه في طفولتي.
“لا بأس، ميا.”
جعلني صوته أشعر بالطمأنينة، ولم تتوقّف دموعي.
تشبّثت به بقوّة.
بكيت طويلًا في المطر، في حضن إيساك. انتظرني حتّى توقّفت عن البكاء، لوقت طويل جدًا.
لم أعرف كيف مرّ اليوم. بعد عودتي مبلّلة بالمطر أمس، كلّ ما أتذكّره بشكل ضبابي هو نصيحته بالراحة والنوم.
الذكرى الوحيدة الواضحة هي بكائي في حضن إيساك. لم أتوقّع أن يعانقني…
“ميا؟”
انتبهت فجأة عندما سمعت صوتًا يناديني. التفتّ لأجد رفائيل جالسًا على الأريكة.
“ميا، بدوتِ مشتّتة أمس واليوم. طلبت كوبًا آخر من الشاي.”
“آه، أعتذر، سيد رافائيل…”
هرعت لملء كوب الشاي. نظر إليّ بعناية ثم قال:
“يبدو أنّكِ قلقة بشأن المال، ميا.”
لم أجب. بعد زيارة المرابين للقصر أمس، انتشرت أخبار وضعي.
شعرت بالخجل. ليست ديوني حتّى… في تلك الأثناء، احتسى رفائيل الشاي وقال:
“ميا، هل تتذكّرين عرضي السابق؟”
“عرض؟”
“قلت إنّني سأسدّد ديونكِ إذا أصبحتِ خادمتي.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 50"