يبدو أن هذه المرأة هي الماركيزة. كانت تلهث بعنف، ثم التقطت سكينًا من على الطاولة.
— كان يجب ألا أنجبك… يجب أن أتحمل المسؤولية وأنهي هذا بنفسي…
شعر إيساك بالتهديد، فبدأ يتراجع بخطوات مترددة. كانت يد الماركيزة، التي تمسك السكين، ترتجف بشدة.
في تلك اللحظة، فُتح الباب ودخل شخص ما. كان الماركيز دياز. ما إن رأى المشهد حتى اقترب بخطى واثقة وصفع الماركيزة على وجهها.
— هل جننتِ؟ ماذا تفعلين بابنك؟
تهاوت الماركيزة على الأرض مصدومة. كانت عينا الماركيز، وهو ينظر إليها، تفيضان بالقسوة.
— اخرج يا إيساك. اذهب إلى غرفتك.
أومأ إيساك برأسه وغادر الغرفة بحذر. بقي في الغرفة الماركيز وزوجته فقط.
نظرت الماركيزة إلى زوجها بعينين زائغتين، ثم أمسكت طرف ثوبه وقالت:
— يا عزيزي، لا يمكننا ترك ذلك الطفل هكذا.
— أنتِ مجنونة. كيف تجرؤين على فعل هذا بابنك؟
— لا، ليس هذا! منذ ولادة ذلك الطفل، بدأت أمور غريبة تحدث في هذا المنزل. أليس هو موجودًا في كل مكان يموت فيه الناس؟
نبذها الماركيز كأن كلامها لا يستحق السماع. لاحت في عينيها نظرة خيانة. نهضت الماركيزة متعثرة وقالت:
— لماذا تحمي إيساك هكذا؟ هل أنت متورط في هذا الأمر؟
— ماذا؟
— أعلم أن أشخاصًا مشبوهين يترددون على الجناح المنفصل. أنت… تخفي شيئًا، أليس كذلك؟
صمت الماركيز. بدا أن الماركيزة فسرت صمته كتأكيد. ارتعش صوتها وهي تقول:
— سأخبر الدير… سأخبرهم.
— …..
— ما الذي تفعله، يا عزيزي؟ ما الذي…
ظل الماركيز صامتًا، ينظر إليها ببرود. ثم مد يده ولمس الوشاح الذي ترتديه بلطف.
— هل تعلمين كم يساوي هذا الوشاح؟”
— ماذا؟ ما علاقة ذلك…
— كل ما تتمتعين به الآن هو بفضل تضحياتي.
بدأ يفك الوشاح ببطء. وسط صوت الفركة الخفيفة، تابع الكلام.
— ازدهارنا هذا كله بفضل ذلك السيد. ومع ذلك، تفكرين في إبلاغ الدير؟
ارتجفت الماركيزة. ارتعدت يدها، ثم تمكنت من النطق:
— هذا… عار أمام الحاكم. حتى لو أفلسنا، لا ينبغي أن نفعل هذا.
— ……
— أرجوك، يا عزيزي. توقف الآن. يمكنك التوقف، أليس كذلك؟
نظرت إليه بعينين تفيضان بالرجاء، كأنها تؤمن أن بإمكانه إيقاف كل شيء.
هل تأثر قلبه بنظرتها؟ تنهد الماركيز بهدوء وقال:
— حسنًا، سأفعل كما تريدين.
— يا عزيزي… شكرًا جزيلًا!
أشرق وجه الماركيزة فجأة. توجهت نحو الباب وقالت:
— لا أعرف ماذا نفعل مع إيساك. ذلك الطفل…
فجأة، اقترب الماركيز من الخلف وبدأ يخنقها بالوشاح.
ترددت أصوات اختناقها في الغرفة، بينما برزت عروق يد الماركيز.
لم تظهر على وجهه أي ذرة تردد أو اضطراب وهو يقتل زوجته. حاولت خدش يده بأظافرها، لكن يدها سرعان ما تهاوت بلا حراك.
عادت الغرفة إلى طبيعتها.
…ما الذي رأيته للتو؟
كنت مذهولة، عاجزة عن الحركة. لم أستطع تصديق المشهد الذي رأيته.
يا إلهي، ماذا فعل الماركيز دياز بزوجته؟
كنتُ أعلم ما حدث، لكن عقلي رفض استيعابه.
“مياو…”
قررتُ أن أتحرك. وأنا أتوجه إلى الغرفة التي تحتوي الدليل التالي، كانت أفكاري مشوشة. صورة إيساك وهو يتراجع مرتعبًا، وجهه شاحب، ظلت عالقة في ذهني.
6. ما هو مخفي
مع حلول الصباح، تبددت ظلمة الليل.
بدأ الاجتماع الصباحي كالمعتاد. كنتُ أستمع إلى تعليمات الخدم بذهن شارد، أستعيد أحداث الأمس.
بعد معرفتي بقتل الماركيز لزوجته، أصبحتُ أتساءل عما حدث في قصر دياز، وعما مر به إيساك.
هل سأقترب من الحقيقة إذا صعدتُ الطوابق؟
انتهى الاجتماع، فصفق الخادم مرة واحدة وقال:
“هذا كل شيء للاجتماع اليوم. لنبدأ العمل.”
تفرق الخدم لأعمالهم. التفتت إليّ إحدى الخادمات وسألتني:
“ميا، ألم يعد السيد رافايل الليلة الماضية؟”
“أجل، خرج ولم يعد.”
كان رافايل قد أخبرنا أنه سيخرج ولم يعد. حسبتُ أنه نام في مكان ما.
كان هذا يعني أن بإمكاني الراحة حتى عودته، لكنني لم أرد الجلوس بلا عمل، فنظرت حولي وقلت للخادمة:
“هل هناك شيء يمكنني مساعدتك فيه؟”
“حسنًا… هل يمكنك تحضير طعام القطط؟”
“طعام القطط؟”
لم أكن أعلم أنهم يهتمون بإطعام القطط في القصر. أومأتُ وتوجهت إلى المطبخ.
“أريد تحضير طعام للقطط. هل هناك بقايا لحم؟”
“ميا! ستتولين الأمر اليوم؟ لقد جهزت طبقًا، خذيه.”
ناولني الطاهي طبقًا مملوءًا باللحم.
كلمة “اليوم” تشير إلى أن هذا ليس بالأمر الجديد.
“منذ متى بدأتم تحضير طعام القطط؟”
“منذ فترة. في يوم ما، أمر السيد بتحضير طعام للقطط.”
“السيد؟”
لم يبدُ هذا مناسبًا لإيساك.
إيساك يهتم بإطعام القطط؟
شعرت بالحيرة.
“ضعيه تحت الشجرة الكبيرة. يأكلون هناك.”
“حسنًا، سأفعل.”
حملتُ طبق الطعام وآخر للماء، وتوجهت إلى الشجرة. عندما وصلت، كانت هناك قطة تنتظرني.
كانت القطة ذات النمط الجبني التي رأيتها سابقًا. ما إن رأتني بالطعام حتى اقتربت مسرعة وفركت رأسها بساقي.
“مياو.”
يا لها من لطيفة! وضعتُ الطبق على الأرض، فبدأت تأكل بنهم.
كانت رؤيتها ممتعة، فجلستُ القرفصاء أراقبها. فجأة، شعرت بحركة خلفي.
التفتُ لأجد إيساك واقفًا. قفزتُ مذعورة وقمت من مكاني.
“سي… سيدي! ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
“أتيت للتنزه صباحًا.”
تحدث بجفاء، ثم ألقى نظرة على القطة خلفي. كانت نظرته دافئة بشكل غير متوقع.
“تأكل جيدًا.”
لم تكن بنفس الدفء الذي ينظر به إلى القطة ميا، لكنها كانت تحمل لمسة حنان. لم أتوقع منه مثل هذه النظرة.
جلس على مقعد قريب، يراقب القطة تأكل بهدوء.
“اجلسي. بدا أنك كنتِ تراقبينها.”
“حسنًا…”
جلسنا معًا نراقب القطة. ألقيتُ نظرات خفية على إيساك.
“سيدي…”
“ماذا؟”
“ألم تكن تكره القطط؟”
في المرة السابقة، بدا غير مهتم.
“لا أحبها كثيرًا، باستثناء قطتي.”
“إذن، لماذا تهتم بإطعامها؟”
“لأنها تذكرني بقطتي.”
كانت عيناه هادئتين، بعيدتين عن الشرر الذي يلتمع فيهما عادة بالغضب والجنون.
“سمعت أن القطط في الخارج تعاني للحصول على الطعام. ربما مرت قطتي بذلك عندما كانت في الشوارع.”
“…”
“لذا أردتُ إطعامها. لا أعرف السبب بالضبط.”
ابتسمتُ رغمًا عني. شعرتُ براحة غريبة من كلامه.
نعم، أنتَ طيب القلب.
رغم مظهره المخيف أحيانًا، كان وجود هذا الجانب الدافئ في إيساك مواساة كبيرة.
كان يراقبني بهدوء. توقفتُ عن الابتسام فجأة، خائفة من رد فعله.
بينما كنتُ متوترة، انتهت القطة من أكلها وقفزت على ركبتي.
“مياو!”
بدأت تلوح بيدها كأنها تطلب المداعبة.
يا لها من قطة مدللة!
بدأتُ أداعب رأسها برفق، فأصدرت أصوات خرخرة سعيدة.
“يبدو أن القطط تحبكِ.”
كان هناك نبرة خفيفة من الحسد في صوته. نظرتُ إليه، ثم قطفتُ عشبة طويلة من الأرض وناولته إياها.
“لم لا تلعب مع القطة؟”
“ماذا؟ لكن القطط لا تحبني.”
“فقط حاول التقرب منها. العب معها.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 45"
شكرا كتير علي الفصل ❣ استمري 💕