هل تجاوزتْ درجةُ هوسِ إيساك 980؟
كانَ إيساك ككأسٍ مملوءٍ حتى الحافةِ؛ قطرةٌ أو اثنتانِ ستُفيضُ بهِ. لمَ ظهرتْ درجةُ الهوسِ فجأةً؟ هل هي تحذيرٌ أخيرٌ، أم لتعذيبي؟
بينما كنتُ أعانقُ إيساك، بدأتِ النافذةُ تُضيءُ.
[الليلُ يتلاشى.]
[وقتُ النورِ يقتربُ.]
أضاءتِ الرؤيةُ، واختفى دفءُ إيساك. كنتُ على السريرِ. كلُّ ما أردتُهُ هوَ التحقُّقُ من حالتهِ. ركضتُ بملابسِ النومِ، فرأيتُ إيساك يهرعُ في الرواقِ. عانقني برعبٍ:
“ميا، ميا…”
لم يهدأْ بعدُ. ربَّتُّ عليهِ، وأمسكتُ وجههُ وقبَّلتُهُ. كانتْ شفتاهُ باردتَينِ من الخوفِ. أصبح دافئًا تدريجيًا، وهدأَ.
خفَّتْ قوةُ ذراعيهِ. أبعدتُ شفتيَّ. كانتْ عيناهُ أهدأَ، لكنَّ الخوفَ ما زالَ موجودًا.
“إيساك، أنا بخيرٍ. عدتُ بسلامٍ، أليسَ كذلكَ؟”
“…نعم.”
لكنْ وجههُ ظلَّ مظلمًا. أمسكَ يدي، عيناهُ دامعتانِ:
“لا تبتعدي. ابقَيْ بجانبي دائمًا.”
“حسنًا، سأ…”
رأيتُ يدهُ. كانتْ ملطَّخةً بالدمِ، كما في الحلمِ. لم تُشفَ الجروحُ هذهِ المرةَ.
شعرتُ بالقشعريرةِ. شيءٌ خاطئٌ يحدثُ. أمسكتُ ذراعَهُ:
“ريان، لنذهبْ إليهِ. هناك شيءٌ غريبٌ.”
نظرَ إيساك إلى يدهِ وأومأَ. هرعنا إلى غرفةِ ريان.
“ريان، أنا ميا! هل يمكنني الدخولُ؟”
“…ادخلي.”
كانَ صوتهُ منخفضًا ومظلمًا. فتحتُ البابَ، فرأيتهُ على الأريكةِ، ينظرُ إلى ذراعهِ بعيونٍ فارغةٍ. كانتْ ذراعهُ مليئةً بالجروحِ الداميةِ.
“الجروحُ… لا تُشفى…”
شعرتُ برائحةِ الدمِ. رغمَ الصباحِ، كانتِ النافذةُ مظلمةً، وصوتُ العاصفةِ يقتربُ.
شددتُ الضمادةَ على ذراعِ ريان. رأيتُ الدمَ يتسرَّبُ، فأبعدتُ يدي.
“ريان، هل تؤلمكَ؟”
كانتْ ذراعهُ مغطاةً بالضماداتِ. ابتسمَ:
“لا، هذا لا شيءَ.”
تظاهرَ بالمرحِ، لكنَّهُ كانَ واضحًا. نظرتُ إلى إيساك، ينظرُ إلى يدهِ المضمَّدةِ. تنهَّدَ ريان:
“لا أعرفُ لمَ لا تُشفى الجروحُ فجأةً. أمرٌ غريبٌ.”
“بالفعلِ.”
ما الذي تغيَّرَ؟ لم أجدْ إجابةً. تكلَّمَ إيساك بهدوءٍ:
“قوةُ رفائيل تشتدُّ.”
نظرنا إليهِ. عبسَ ريان:
“ماذا يعني اشتدادُ قوتهِ؟”
“رفائيل صنع تلك المساحة، القصر، لكنَّهُ لا يتحكَّمُ بكلِّ شيءٍ. يضحِّي بشيءٍ إنْ فعلَ المستحيلَ.”
مسحَ إيساك وجههُ:
“لجعلِ الكوابيسِ تؤثِّرُ على الواقعِ، يحتاجُ قوةً كبيرةً. يبدو أنَّهُ يستخدمُ أتباعهُ كقرابينَ.”
تذكَّرتُ جرائمَ القتلِ المتسلسلةِ في الجريدةِ.
هل…؟
“هل جرائمُ القتلِ مرتبطةٌ برفائيل؟”
“من المحتملِ. هذا يكشفُ أتباعهُ، لكنَّهُ يخاطرُ.”
ما الذي يفكِّرُ بهِ رفائيل؟ الواضحُ أنَّهُ يحاصرنا. سادَ صمتٌ، ثم نهضَ ريان:
“إنْ كانَ يفعلُ شيئًا، يجبُ أن نتحرَّكَ. سأذهبُ.”
“إلى أينَ بحالتكَ؟”
كانَ ريان مصابًا. لكنَّهُ ابتسمَ:
“لجلبِ أثرٍ مقدَّسٍ. ديرٌ أبدى ردًا إيجابيًا، سأتفاوضُ معهم.”
الأثرُ المقدَّسُ، أملنا الوحيدُ. شعرتُ بالأسفِ لطلبهِ هذا رغمَ جراحهِ.
“آسفةٌ يا ريان…”
“على ماذا؟ نحنُ أصدقاءُ.”
كانتْ عيناهُ دافئتَينِ. يا لكَ صديقٍ رائعٍ! أومأتُ:
“أنتَ أفضلُ صديقٍ، شكرًا…”
“لا شيءَ. سأذهبُ. احذري، حالتهُ سيئةٌ.”
أشارَ إلى إيساك، الذي كانَ ينظرُ إليهِ بنظرةٍ قاتلةٍ. سأجعلهُ يعتذرُ لاحقًا.
غادرَ ريان القصرَ. عدنا أنا و إيساك إلى غرفتهِ. عانقني فجأةً:
“أنا أم ريان؟”
دهشتُ من سؤالهِ. بدا يمزحُ، لكنْ عينيهِ كانتا مملوءتَينِ بالجنونِ. قرصتُ خدَّهُ:
“أنتَ بالطبعِ، أيها الأحمقُ.”
“قلتِ إنَّهُ أفضلُ صديقٍ.”
“وأنتَ حبيبي الأفضلُ والوحيدُ.”
صمتَ. هل أرضاهُ ذلكَ؟ عانقني وسارَ كالبطريقِ إلى السريرِ، وانهرنا معًا. داعبَ شعري وقالَ:
“ابقَيْ هنا اليومَ، لا تذهبي.”
بدتْ عيناهُ كأنَّهُ سيبكي لو رفضتُ. تنهَّدتُ وداعبتُ رأسهُ:
“حسنًا، سأبقى.”
“…نعم.”
اختبأَ في حضني. كنتُ سأدفعهُ عادةً، لكنني عانقتهُ بقوةٍ. هل يسمعُ قلبي؟
بقينا هكذا صامتَينِ. سمعتهُ يهمسُ:
“أريدُ الخروجَ من هنا.”
ماذا؟ واصلَ، رأسهُ في حضني:
“لا أريدُ رؤيتكِ مع ريان.”
هل هذا شعورهُ الحقيقيُّ أم هوسهُ؟ عانقني بقوةٍ:
“لا أريدُ أن يراكِ رفائيل أو ريان أو أحدٌ. أريدُ مكانًا لنا وحدَنا، قصرًا لكِ ولي، سأجهِّزهُ بكلِّ شيءٍ.”
تسارعتْ كلماتهُ، كالمسحورِ. عيناهُ غائمتانِ:
“سأجعلُهُ مثاليًا، عالمكِ الخاصُّ. لن يراكِ أحدٌ، لا أحدٌ، لا…”
اشتدَّتْ قبضتهُ، فتألَّمتُ.
“آه، يؤلمُ، أطلقني يا إيساك…”
“أحبُّكِ، ميا. أحبُّكِ حقًا…”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 119"