حاولَ إيساك المقاومةَ عدةَ مراتٍ، لكنَّهُ انهارَ فاقدًا الوعيَ. كانتْ ملامحُ ريان معقدةً وهوَ يسندهُ.
“أخي، هل انتهيتَ؟”
جاءَ صوتُ جين من الأسفلِ. أمسكَ ريان إيساك بحذرٍ ونزلَ. ابتسمَ جين لرؤيةِ أخيهِ.
“عملٌ جيدٌ. شكرًا لجلبهِ إلى هنا.”
“…طقسُ طردِ الأرواحِ سيُنهي كلَّ شيءٍ، أليسَ كذلكَ؟”
“نعم، بالطبعِ. أحضرهُ إلى هنا.”
أومأَ ريان وتبعَ جين، حاملًا إيساك. كانَ وجهُ إيساك هادئًا، كأنَّهُ لم يشكَّ في ريان أبدًا. عضَّ ريان شفتيهِ بقوةٍ.
كانَ القمرُ يتلألأُ في السماءِ، مغطَّى بالغيومِ. مرَّتْ ساعاتٌ منذُ غادرَ ريان و إيساك المنزلَ.
كنتُ أتجولُ أمامَ النافذةِ، قلقةً.
هل هما بخيرٍ؟
حتى لو كانا قويينِ، فإنَّ كثرةَ الأعداءِ مقلقةٌ.
أتمنى عودتهما بسلامٍ. هل يمكنني مساعدتهما؟
“مياو.”
فركتْ نابي رأسَها بساقيَّ. استعدتُ رباطةَ جأشي ونظرتُ إليها.
“نعم، أنتِ جميلةٌ، نابي.”
داعبتُها، فهدأتْ قليلًا، لكنْ قلقًا غامضًا ظلَّ يلازمني.
ليسَ فقطْ خوفًا عليهما، بل شيءٌ آخرُ. تلقَّى ريان رسالةً اليومَ وخرجَ مضطربًا. ما محتواها؟ هل كانتْ تقريرًا عن مكانِ الأعداءِ؟ لكنْ تعبيرهُ كانَ مبالغًا فيهِ.
…يقلقني الأمرُ. ربما معرفةُ محتوى الرسالةِ تهدِّئني.
تردَّدتُ، ثم غادرتُ غرفةَ القططِ متجهةً إلى مكتبِ ريان. فكَّرتُ كثيرًا في الطريقِ.
وصلتُ إلى المكتبِ وفتحتُ البابَ بحذرٍ.
-صرير…
لحسنِ الحظِّ، لم يكنْ مغلقًا. شعرتُ بالذنبِ كلصٍّ وأنا أقتربُ من المكتبِ. ماذا لو لم أجدْ شيئًا؟
لم يكنْ هناكَ شيءٌ على المكتبِ. فتحتُ الأدراجَ، لكنْ لا شيءَ بارزٌ.
لفتَ انتباهي سلةُ المهملاتِ. كانتْ مليئةً بالأوراقِ. ربما هناكَ شيءٌ.
أفرغتُ السلةَ. بينَ الأوراقِ، لفتني شيءٌ.
“هذا…”
صُدمتُ. كانتْ رسالةً من جين، أخ ريان.
تواصل معه جين؟ لذلكَ كانَ مضطربًا. لكنْ عما تحدَّثا؟
لم أفهمْ، لكنْ شعرتُ بأنَّهُ ليسَ أمرًا جيدًا. لو كانَ لقاءً عاديًا، لأحضرَ جين إلى المنزلِ.
تذكَّرتُ ظهرَ إيساك وهوَ يغادرُ مع ريان.
أينَ ذهبا؟
شعرتُ بالخوفِ يتسلَّلُ إليَّ. بحثتُ في السلةِ، فوجدتُ ملاحظاتٍ وعناوينَ.
ربما هناكَ دليلٌ؟ لكنَّها كثيرةٌ…
بينما كنتُ أفحصُ، التقطتُ ورقةً بعنوانٍ وهرعتُ خارجَ المكتبِ.
كانَ الدليلُ واضحًا: خطُّ الرسالةِ مطابقٌ لخطِّ جين.
ومضَ ضوءٌ بينَ رؤيةٍ ضبابيةٍ. كانَ إيساك ينظرُ إلى الفراغِ بعيونٍ مشوشةٍ.
ما زالَ فاقدًا للتركيزِ، لكنَّهُ متأكِّدٌ من شيءٍ واحدٍ: هو يعرف الشخص الذي أفقدهُ الوعيَ.
“…استيقظتَ، أليسَ كذلكَ؟”
رفعَ رأسهُ لصوتٍ مألوفٍ. كانَ ريان جالسًا مقابلهُ في غرفةٍ فارغةٍ.
حاولَ إيساك النهوضَ، لكنَّهُ كانَ مقيدًا إلى عمودٍ. ضحكَ بسخريةٍ.
“لم أتوقَّعْ خيانتكَ.”
عبسَ ريان لنبرتهِ الساخرةِ، لكنَّهُ لم يُظهرْ نيةً لفكِّهِ.
“هذا لمصلحتكَ، فتحمَّلْ.”
“مصلحتي؟ كيفَ؟ إنْ قتلني الأوغادُ، ستكونُ سعيدًا.”
“لن يقتلوكَ. سنقومُ بطقسِ طردِ الأرواحِ فقط.”
“طقسُ طردِ الأرواحِ؟”
بدتْ ملامحُ إيساك متعجبةً، كأنَّهُ لا يفهمُ. قالَ ريان بحزنٍ:
“لا داعي للإخفاءِ. أعرفُ أنَّكَ عقدتَ صفقةً مع شيطانٍ، وأنتَ سيدُ القصرِ.”
لم يبدُ إيساك متفاجئًا. كانَ يتوقَّعُ أن يعرفَ ريان، لكنْ هذا التصرُّفُ كانَ مفاجئًا.
“إنْ عرفتَ، فلمَ لا تقتلني مباشرةً؟ لمَ هذا الطقسُ الهراءُ؟ لن يقطعَ علاقتي بالشيطانِ.”
“…إذن، أنتَ فعلًا عقدتَ صفقةً مع شيطانٍ.”
بدتْ ملامحُ ريان مريرةً، لكنْ إيساك لم يبالِ، وقالَ بسخريةٍ:
“من فكَّرَ في هذا الطقسِ الزائفِ؟ من أخبركَ؟”
“أخي.”
“أخوكَ مع الذينَ يريدونَ قتلي؟”
“نعم، لكنْ أخي مختلفٌ. قالَ إنَّهُ سيُنهي الأمرَ بطردِ الأرواحِ بدلًا من القتلِ.”
ضحكَ إيساك بعنفٍ، كأنَّهُ يجدهُ مضحكًا. بدا ريان حائرًا.
“لمَ تضحكُ؟”
“يا لكَ من أحمقَ. أخوكَ عابدٌ للشيطان أيضًا. قتلتُ عبدةَ شيطانٍ سابقًا، فهم يريدونَ قتلي للانتقامِ.”
عبدةُ شيطانٍ يعادونَ بعضهم؟ لم يفهمْ ريان. أضافَ إيساك:
“لا تصدِّقُ؟ انظرْ حولكَ. سترى استعداداتهم لقتلي.”
“…”
“ستجدُ أشياءَ شيطانيةً في كلِّ مكانٍ. انظرْ، ستعرفُ أنني صادقٌ.”
لم يصدِّقْ ريان. أخوهُ لن يخدعهُ. لكنْ كلامُ إيساك لم يبدُ كذبًا.
ربما لا بأسَ من التفحُّصِ. خرجَ ليان، فوجدَ جين أمامهُ.
“أخي، إلى أينَ؟”
ابتسامتهُ بدتْ فارغةً، فارتجفَ ريان.
“متى طقسُ طردِ الأرواحِ؟”
“بعدَ قليلٍ، عندَ منتصفِ الليلِ.”
“لن يؤذي جسدَ إيساك، أليسَ كذلكَ؟”
“لا تقلقْ.”
لكنْ لمَ يشعرُ بالقلقِ؟ حاولَ التفحُّصَ، لكنْ جين سدَّ طريقهُ.
“ما بكَ؟”
“لا شيءَ، أشعرُ بالضيقِ، أردتُ المشيَ.”
“تحدَّثْ معي. لم نتحدَّثْ منذُ زمنٍ.”
شعرَ ريان أنَّ جين يمنعهُ، لكنَّهُ أومأَ لأنَّهُ لم يستطعْ الرفضَ.
“كيفَ كنتَ؟ هل كانتِ الكوابيسُ صعبةً؟”
“صعبةٌ، وما زالتْ. كيفَ تحمَّلتَ؟”
“فكَّرتُ بكَ.”
“بي؟”
ابتسمَ جين، ابتسامةٌ كالرسمِ.
“نعم. لو متُّ هناكَ، ماذا سيحدثُ لكَ؟ ولوالدينا؟ ربما لن يكترثا.”
“كيفَ تقولُ هذا؟”
“هل بحثا عني بعدَ اختفائي؟”
لم يجبْ ريان. عندما اختفى جين، قالَ والداهُ إنَّهُ سيعودُ، وأنَّهُ يضيِّعُ وقتهُ.
كانَ تردُّدهُ إجابةً كافيةً. ابتسمَ جين بسخريةٍ.
“كما توقَّعتُ. لذا تحمَّلتُ من أجلكَ.”
ارتفعَ صوتهُ تدريجيًا، واتَّسعتْ ابتسامتهُ بشكلٍ مخيفٍ.
“أنتَ، فخرُ والدينا، المحبوبُ دائمًا. لو متُّ، ستصبحُ أكثرَ قيمةً. أنا سأمونت بائسًا، أما أنت…”
“جين؟”
“فكَّرتُ أنَّكَ ستعيشُ بسعادةٍ… فكرهتُ الموتَ.”
بدأَ سائلٌ أحمرُ يقطرُ على الأرضِ. نظرَ ريان إلى بطنهِ.
كانَ هناكَ خنجرًا مغروسًا، يمسكهُ جين، الذي ضحكَ بشراسةٍ.
“كانَ يجبُ أن تموتَ في القصرِ، أخي.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 113"