الفصل 4 :
وتحت ذلك، تتابعت عباراتٌ من قبيل أنّه سمع بزيارتها اليوم إلى القصر، وأنّه كان الأولى بها أن تُخبره، وغير ذلك من الكلام.
لكنّ شيئًا منها لم يدخل رأسها.
كان السطر الأوّل كافيًا وحده.
طوت رايتشل الرسالة وأعادتها إلى بيكي.
بيكي، التي تلقّت الرسالة على حين غرّة، أمالت رأسها باستغراب.
“آنِسَتي؟”
“أحرقيها.”
“……!”
“وطلبِي بعد ذلك ماءً لغسل اليدين.”
وقفت بيكي لحظةً صامتةً وهي تمسك الرسالة، ثمّ انحنت برأسها.
“……نعم، آنِسَتي.”
وبعد قليل، أُلقيت الرسالة التي اشتعلت بنار الشمعة في الموقد الذي لم يبقَ فيه سوى رمادٍ بعد.
وبينما كانت رايتشل تغسل يديها بماء الورد الذي جلبته بيكي، ألقت عليها تنبيهًا عابرًا.
“إن دعتكِ والدتي، فقولي إنّه لا شيء ، الأمور على ما يرام.”
“……!”
بعد بلوغها سنّ الرشد، توقّفت القيود المباشرة، لكنّ رايتشل كانت تعلم أنّ والدتها، بين الحين والآخر، تستدعي وصيفتها الخاصّة لمراقبتها.
وفوق ذلك، ومع اقتراب زفافٍ لا يجوز أن يتصدّع أبدًا.
من منظور الوالدين، لم يكونا يرغبان في ترك أيّ مشكلةٍ، ولو صغيرة.
لم يتّخذا في السابق أيّ إجراءٍ خاصّ، لكنّ هذا اليوم تحديدًا كان يحتاج إلى كتمان.
بيكي، التي اعتادت طاعة السيّدة، لكنّ ولاءها لرايتشل كان أقوى في النهاية، أومأت برأسها بثبات.
“حسنًا، آنِسَتي.”
“جيّد. أعتمد عليكِ.”
بعد ذلك، كتبت رايتشل ردًّا على رسالة الدوق وحده، ثمّ دخلت فورًا إلى فراشٍ دافئ.
كان هذا ثاني نومٍ لها بعد العودة بالزمن.
ومع ذلك، بدا السرير الناعم، بعد أشهرٍ طويلة، جميلًا إلى حدٍّ لا يُصدَّق.
غرقت في النوم في لحظة.
في هذه الأثناء، وبينما كانت بيكي عائدةً إلى غرفتها بعد إرسال الرسائل، صادفت في الرواق ماري، خادمة الماركيزة الخاصّة.
“السيّدة تطلبكِ.”
“…….”
وفي تلك الليلة، استُدعيت بيكي مباشرةً إلى غرفة الماركيزة.
طرَقَت ماري الباب المغلق طرقًا خفيفًا.
“سيّدتي، بيكي وصلت.”
“أدخِليها.”
ما إن دخلت بيكي حتّى انحنت بانحناءةٍ عميقة.
“أشرُفُ بلقائكِ، سيّدتي.”
“اجلسي هنا.”
كانت الماركيزة ترتدي ثوب نومٍ مريحًا، وقد ألقت فوقه رداءً من الحرير الطويل، وتمسك بفنجان شاي.
ما إن جلست بيكي قبالتها حتّى انهمر السؤال فورًا.
“رايتشل؟”
“نائمة.”
“حقًّا؟”
رنّ صوتٌ خفيف.
وضعت الماركيزة الفنجان، ثمّ حدّقت في بيكي طويلًا.
ابتلعت بيكي ريقها دون أن تشعر.
كانت تزور السيّدة أحيانًا، لكنّ كلّ تلك الزيارات القليلة لم تكن إلّا لتقديم تقارير عن الآنسة.
ولذلك، لم يكن الأمر مريحًا.
“قيل إنّها أُغميَ عليها بالأمس.”
شقّ الصوت الهادئ الصمت.
اختارت بيكي كلماتها بحذر.
“نعم. أظنّ أنّ ذلك بسبب الإرهاق من تحضيرات الزفاف.”
“عليكِ أن تعتني بها جيّدًا. الزفاف بات قريبًا، وحدوث ضجّة سيكون أمرًا مزعجًا. ماذا لو وقعَت مشكلة واضطررنا لتأجيله؟”
“……أعتذر.”
ظاهريًّا بدا الأمر قلقًا على الآنسة.
لكنّ بيكي كانت تعلم جيّدًا أنّ ما يشغل السيّدة أكثر من أيّ شيء هو سلامة الزفاف.
تصلّب وجه الماركيزة ببرود.
“أنتِ تعرفين كم بذلنا من جهدٍ في هذا الزواج. لا أريد أن أستدعيكِ مجدّدًا بسبب أمورٍ كهذه.”
كان هذا الاستدعاء تحذيرًا.
وتلميحًا إلى أنّها لن تتغاضى عن أيّ مشكلةٍ لاحقة.
انحنت بيكي فورًا.
“بالطبع، سيّدتي. سآخذ الأمر بعين الاعتبار.”
“حسنًا. هل طرأ شيءٌ غير اعتيادي على رايتشل مؤخرًا؟”
مرّت تصرّفات الآنسة المريبة اليوم في ذهنها.
لكن.
-إن دعتكِ والدتي، فقولي إنّه لا شيء.
كانت بيكي أصلًا تُصفّي ما تُبلغه إلى حدٍّ ما.
وهذه المرّة، وقد تلقت أمرًا صريحًا، كان عليها أن تكون أدقّ في اختيار كلماتها.
رتّبت ملامحها، ثمّ انحنت من جديد.
“لا. قالت فقط إنّها متعبةٌ قليلًا، وستتناول الطعام في غرفتها لبعض الوقت.”
“هذا أقلّ ما يمكن مراعاته. يبدو أنّ عليَّ تهدئة إيليا جيّدًا.”
ابتسمت الماركيزة، كعادتها، وهي تتذكّر ابنها الذي كان يفتّش عن مكان أخته الغائبة.
“حسنًا. انصرفي.”
“نعم، سيّدتي.”
انحنت بيكي باحترام، وما إن خرجت من الغرفة حتّى تنفّست الصعداء.
نجحت في تجاوز الأمر على أيّ حال.
لكن.
“……مع ذلك، لا يمكن إخفاء الأمر طويلًا، آنِسَتي.”
إذا طال الغموض، فستستدعي السيّدة خادماتٍ أخريات غيرها.
وعندها، قد تُنقل تغيّرات الآنسة.
وفوق ذلك، ألم تُحرق رسالة السيّد الشاب اليوم بدل الردّ عليها؟
هي التي كانت دائمًا تُجيب فورًا.
“…….”
كانت ستُحكم إغلاق أفواه الجميع مؤقّتًا.
لكن إن تدخّلت السيّدة بصفتها ربّة البيت، فستكون النتيجة واضحة.
ظلّت بيكي تفكّر في كيفيّة إخفاء تغيّر الآنسة لأطول وقتٍ ممكن.
لكنّها لم تحتج إلى تفكيرٍ طويل.
إذ وقعت حادثةٌ كبيرة، هي فسخ الخطوبة بسبب خطأ الطرف الآخر، قبل أن تفعل السيّدة أيّ شيء.
في اليوم التالي.
استيقظت رايتشل متأخّرةً قليلًا، وتناولت فطورها في الغرفة بينما تستعدّ للخروج.
في السابق، كانت تُهمل الوجبات أحيانًا.
لكن الآن، بعد عودتها بالزمن، كان أكثر ما تحبّه هو النوم والطعام.
وكذلك الزينة.
شقّ السكين نقانق طريّة مليئة بالعصارة، خرجت لتوّها من الفرن.
كان الطعام ساخنًا ولذيذًا.
وفي الأثناء، كانت الخادمات يتحرّكن بنشاط لتجهيزها.
مشّطن خصلات شعرها الأشقر البلاتيني المتموّج بنعومة.
ووضعت الزينة على بشرتها المرتّبة.
ولأنّها ستقابل اليوم دوق فالينسيا، والد خطيبها، لم تكن الزينة فاخرة.
ارتدت فستانًا أزرق داكنًا مائلًا إلى الكحلي.
وانتعلت حذاءً ذا كعبٍ منخفض قليلًا.
أمّا المجوهرات، فكانت من الألماس والياقوت الأزرق، مصقولةً بأناقة.
انعكس في المرآة مظهرٌ أنيق ومتألّق كعادته.
نهضت رايتشل بعد أن أتمّت وجبتها، وهي تمسك بيدها اليسرى الخرقة التي لُفّت فيها الأدلّة.
“لنذهب.”
“نعم، آنِسَتي.”
تأمّلتها بيكي لحظة، ثمّ لم تأخذ الأمتعة منها هذه المرّة.
ولحق بها فرسان الحراسة المنتظرون أمام الباب.
كان قصر إنغريف هادئًا في هذا الصباح.
في هذا الوقت، كان شقيقها الأصغر، البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، لا يزال في مدرسة الفرسان.
وكان والدها في البلاط.
وأمّها لم تكن قد استيقظت بعد.
أعجب رايتشل هذا الفراغ.
وعلى خلاف الأمس، صعدت مباشرةً إلى العربة المنتظرة، وتوجّهت بهدوء إلى قصر فالينسيا.
وأثناء الطريق، لمّا بقيت وحدها مع بيكي، فتحت الأخيرة موضوع ما حدث البارحة.
“استدعتني السيّدة ليلًا.”
“أهكذا؟”
كان ردّ الفعل أسرع مِمّا توقّعت.
لكنّ الأمر يتعلّق باتحادٍ مع عائلة فالينسيا، فلا غرابة في ذلك.
وتابعت بيكي.
“يبدو أنّها كانت قلقة من أنّ إغماءكِ قبل أيّام قد يؤثّر في الزفاف. فأخبرتُها أنّ لا شيء خطير، وأنّكِ ستتناولين الطعام في الغرفة لبعض الوقت.”
“أحسنتِ التصرّف.”
أخرجت رايتشل كيسين صغيرين من حضنها ومدّتهما إليها.
“أحدهما لكِ، والآخر وزّعيه على الخادمات.”
“شكرًا جزيلًا، آنِسَتي.”
كان ذلك مكافأةً لبيكي، وللخادمات اللواتي كنّ يتصرّفن بذكاء.
ومع رؤية فرحتها، تذكّرت رايتشل أيّامها في قصر فالينسيا.
كنّ خادماتٍ يقدّمن أوامرها على أوامر والدتها.
لكن، عند الزواج، لم يُسمح لها بأخذ واحدةٍٍ منهنّ.
بسبب معارضة دوقة فالينسيا.
الخدم كثيرون في قصر الدوق أيضًا. أليس من غير الضروري إحضار خدم قصر إنغريف؟
كان طلبًا غير معقول، بطرد كلّ من يخدم الآنسة المقبلة على الزواج.
لكنّ والدتها وافقت، فاضطرّت رايتشل لدخول قصر الدوق وحيدة.
كانت أيّامًا شاقّة.
انحاز الخدم إلى الدوقة، بين سيّدةٍ خدموها طويلًا، وأخرى جديدة.
……ولم تستطع تكوين أتباعها الخاصّين إلّا بعد خمس سنوات.
والآن، بعد التفكير، بدا وكأنّ الدوقة وضعت ذلك الشرط عمدًا، كي لا تتمكّن من السيطرة على الخدم بسهولة.
ولكي لا تكتشف عارها سريعًا.
“…….”
كانت تلك قصصًا من الماضي.
وبينما كانت تسند ذقنها إلى النافذة وتراقب الهواء العليل، وصلت العربة إلى قصر فالينسيا.
الحلقة الذهبيّة المتلألئة.
راية التنّين الملتفّ.
الحديقة الباذخة.
وفي نهايتها، كان هناك شخصٌ لم تتوقّع وجوده.
عبست رايتشل لا إراديًّا، ثمّ حاولت أن تهدّئ نفسها.
لكنّ الأمر لم يكن سهلًا.
ذلك لأنّ.
「……باريس علم في سنّ الرابعة عشرة أنّه ليس الابن الحقيقي لدوق فالينسيا، بعدما تجسّس على حديثٍ بين الدوقة وعشيقها……」
كانت «السجلّات» التي اطّلعت عليها بعد العودة بالزمن تطفو إلى ذهنها باستمرار.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 4"