“……هل لأنك رأيت الجوهرة أولًا؟ بالمناسبة، الآنسة رايتشل إنغريف لم تظهر اليوم أيضًا. كان يمكنها أن تخرج قليلًا.”
ارتجف ظهر الآنسة النبيلة التي كانت تبتعد، وظهر الارتعاش بوضوح.
لم يدرك نيدين إلا متأخرًا أن الجوهرة التي يتحدّث عنها الإمبراطور هي رايتشل إنغريف.
جوهرة أولشير.
كان لقبًا يليق بها على نحوٍ غريب.
فهي تمتلك مظهرًا متلألئًا حقًّا، كالجوهرة.
“…….”
……يا لها من أفكارٍ لا طائل منها.
وما الذي يهمّ إن كانت امرأةٌ مريبةٌ إلى هذا الحد جميلة؟
“جلالتك، انتهت الاستعدادات لمراسم الإعدام.”
مع تقرير المنفّذ، تغيّر نظر الإمبراطور الذي كان يمازح قبل لحظات.
وبدا على وجهه وقارٌ مهيب.
“إذًا لنتحدث بعد الانتهاء.”
“نعم، جلالتك.”
انتقل نيدين إلى المقعد المُعدّ له.
وكان والده البيولوجي، دوق فالينسيا، ينتظره هناك.
“جئتَ.”
“…….”
نظر نيدين إلى والده بصمت، ثم حوّل بصره.
وفي تلك اللحظة، دوّى صوت المنفّذ في أرجاء الساحة بأكملها.
“أدخلوا المذنبين!”
بُووو—
مع صوت البوق الغليظ الذي أعلن بدء الإعدام، انفجرت هتافاتٌ مدوّية من شعب الإمبراطورية المحيط بساحة الإعدام.
وااااا—
أوووو—
وسط صخب الصراخ والصفير المختلط، جُرَّ المذنبون إلى الأمام.
كاي سافانيو بشَعرٍ أشعث، ووين الذي بالكاد يمكن العثور على موضعٍ سليمٍ فيه، وأخيرًا باريس.
“…….”
من بينهم، استقرّ نظر نيدين على باريس.
كان ذلك المزيّف يمسح أماكن جلوس النبلاء بعينين لا تهدآن، وحين تأكّد من أن بجوار ماركيز إنغريف وزوجته لا يوجد سوى الابن، أخذ يشتم رايتشل إنغريف.
وبالطبع، وسط الهتافات الصاخبة، لم يسمع صوته إلا القليل.
“…….”
لم يكن الأمر لأن ذكريات السجن عادت إليه.
فبين كاي سافانيو المستسلمة، والفارس الذي لا يتحرّك، كان ذاك وحده يبدو في حالٍ لا بأس بها، وهذا ما لم يرق له.
نقر نيدين بأصابعه نقرةً خفيفة.
طَخ—
“آغ!”
انحنى خصر باريس بزاويةٍ قائمة بعد أن أصابته طاقةٌ غير مرئية.
ومع رؤية المزيّف يُسحَب بعينين زائغتين، لان وجه نيدين قليلًا.
أما الدوق، الذي شهد ما حدث عن قرب، فقد بدا عليه تعبيرٌ غامض.
“……ما الذي فعلتَه للتو؟”
“لم يعجبني تصلّب عنقه، فأجبرتُه على الانحناء.”
“…….”
في تلك الأثناء، رفع الإمبراطور يده.
وفي لمح البصر، خيّم الصمت، وانتشر صوت الإمبراطور المضخَّم بالسحر حتى أطراف الساحة.
“اليوم هو يوم إعدام المذنبين الذين تجرّؤوا على تعريض العاصمة للخطر، وازدراء العائلة الإمبراطورية والإمبراطورية نفسها. بدمائهم سنعيد الانضباط إلى هذا الوطن.”
أجبر الجنود المذنبين على الركوع واحدًا تلو الآخر.
وعندما وقف المنفّذ وبيده السيف، بدت كاي سافانيو، الي بدت مستسلمةً، تتخبّط.
“مَهْلًا، انتظروا……!”
“ابدؤوا التنفيذ!”
شَررر—
سقط رأس المرأة أولًا.
ثم سقط رأس فارس العبد الذي لم يعد قادرًا حتى على الوقوف.
وكان الأخير هو المزيّف.
بدا وكأنه يحاول فتح فمه ليقول شيئًا.
فنقر نيدين بأصابعه مرةً أخرى.
“كِغ……!”
ضُرِب بطنه بطاقةٍ غير مرئية، فأطبق فمه.
المريب مريب.
لكن، على أيّ حال، لم يرغب نيدين في سماع كلماتٍ تهينها.
ففي هذا الأمر تحديدًا، كان ذاك مذنبًا بلا شك.
شَررر—
سقط الرأس الأخير.
وانفجرت هتافاتٌ عاتية ملأت الساحة الكبرى.
وبدا على وجه والده تعبيرُ ندمٍ ثقيل.
“بهذا، لعلّ قلبها قد هدأ قليلًا. أليس كذلك؟”
“…….”
المرأة التي يقصدها الدوق هنا كانت والدته، أليسا فوديه.
بردت عينا نيدين ببرودٍ قاطع.
“لا أدري. أليس من المبكر الجزم بذلك؟”
“هم؟ آه، صحيح. فما زال أمر ترتيب تبعات عائلة سافانيو غير منتهٍ.”
“…….”
لم يكن ما قصده هو هذا.
لكن والده، مع الوقت، سيفهم هو أيضًا.
أن رايتشل إنغريف، التي ظنّها مُحسِنة، تحمل شيئًا غير طبيعي.
‘لا أعلم ما الذي تخفيه.’
إن كان هناك من يقف خلفها، وإن كانت تطمع في شيء، فلن تتمكّن من الإفلات من مجال رؤيته.
فهو لم يُخطئ هدفًا قط.
في ذلك اليوم، عُلّقت رؤوسُ ثلاثة مذنبين في ساحة العاصمة الكبرى.
وأُعلِن رسميًّا عن وراثة لقب دوق فالينسيا، وعن إقامة طقس ختم الوحش العظيم.
كان تغيّرًا جيليًّا مقرّرًا، يختلف قليلًا عمّا قبل العودة، لكنه في جوهره لم يكن مختلفًا.
وفي الوقت الذي كانت فيه عائلة فالينسيا، مع أتباعها، منشغلة بالتحضير لطقس الختم.
كانت رايتشل تواجه نكسةً غير متوقَّعة، ممسكةً برأسها بين يديها.
حتى أسئلة والديها، العائدين من الإعدام، عن سبب عدم وجودها إلى جوار نيدين، وتصرفات أخيها الذي أخذ يدور حولها على نحوٍ مريب، وغموض نيدين فالينسيا الذي هدأ فجأة—
كلّ ذلك لم يكن سوى أمورٍ ثانوية أمام المشكلة الكبرى.
“……بيكي. هل هذه هي كلّ قائمة أبناء النبلاء في سنّ الزواج؟”
“نعم، آنستي. هل هناك مشكلةٌ ما؟”
“…….”
نظرت رايتشل إلى القائمة التي أنهت مراجعتها بعد أيّام.
تفحّصتها من أوّلها إلى آخرها، لكن المشكلة كانت أن معظم هذه الوجوه لم تكن غريبة عنها يوم صدور حكم حبسها.
في الواقع، كان من النادر أن يتغيّب ابنُ كونتٍ فما فوق عن ذلك اليوم، حين اجتمع الجميع في القاعة الكبرى، لذا كان الأمر طبيعيًّا.
“…….”
أما الباقون، فإمّا ينتمون إلى عائلاتٍ ضعيفة النفوذ،
أو لديهم مشاكل في النسب أو المال، أو في أخلاقهم— واحدٌ من هذه الثلاثة.
لكن إن كان اللقب متدنّيًا أكثر من اللازم، فسيعارض والداها بشراسةٍ لا شك فيها.
“……هل سيختلف الأمر لو التقيتُ بهم؟”
بالطبع، في يوم صدور حكم الحبس، كانت رايتشل آنذاك زوجةَ المزيّف الذي أهان العائلة الإمبراطورية.
وكانت تفهم أن الإمبراطور جمع النبلاء عمدًا في القاعة الكبرى ليجعل منها عبرة.
“…….”
ومع ذلك، كانت تلك النظرات تعود أحيانًا إلى ذهنها.
السخرية، والازدراء المتخفّي في هيئة شفقة، واللامبالاة، والضجر، كلّ أشكال الشرّ التي يمكن تسميتها كانت تسبح في تلك القاعة.
……وحين تفكّر أن الرجل الذي يفترض أن تعيش معه ملتصقة الجسد كان واقفًا هناك.
لسببٍ ما، يبرد قلبها فجأة.
‘هل أتزوّج ثم اتطلق فورًا؟’
كيف كانت قوانين الطلاق مجددًا؟
“……على أيّ حال، لنبدأ بالفرز أولًا.”
وبسبب قلّة المرشّحين، قرّرت إدراج من هم دون رتبة الكونت أيضًا.
وعلى مدى أيّام، بدأت رايتشل تحقيقًا خلفيًّا مع أولئك الذين لم يتورّطوا في تلك الحادثة قبل العودة.
وفي تلك الأثناء، كانت كلّ أنظار البلاط والمجتمع الراقي موجّهةً إلى الجبل الخلفي للعاصمة.
فاليوم هو يوم إقامة أول طقسٍ لختم الوحش العظيم، بقيادة نيدين فالينسيا.
قاد نيدين، ومعه عائلة فالينسيا وأتباعها، إلى موقع الختم في الجبل الخلفي.
وأشار دوق فالينسيا، الواقف إلى جواره، إلى مكانٍ شامخ بين أكوام الحجارة، يشبه معبدًا عظيمًا.
“هناك موقع الختم. الوحش العظيم مُقيَّد هناك.”
“…….”
أومأ نيدين بصمت، ونزل عن حصانه.
في الحقيقة، لأنه يعرف ما سيأتي لاحقًا، كان يودّ لو يرفض طقس الختم.
……لكن بعد أن وصل إلى هنا، لم يعد في وسعه التراجع.
وفوق ذلك، كان أمرًا لا بدّ منه. فبعد طرد المزيّف والعودة، كان على الحقيقي واجبٌ لا مفرّ منه.
“……هوو.”
أطلق زفرةً طويلة، وسلّم لجام الحصان إلى الفارس.
وحين دخل مع الدوق إلى داخل موقع الختم، ظهرت أعمدةٌ بيضاء ضخمة، لا يكاد يبلغ محيط الواحد منها إلا بضمّ أذرع عدّة رجال.
وسط عددٍ لا يُحصى من الحُجُب الشفّافة التي تُربك النظر.
تعرّف نيدين على السحر والقدرات المفروضة في المكان.
التعليقات لهذا الفصل " 25"