عادت رايتشل فورًا إلى غرفتها وبدأت بتفقّد الرسالة.
وكان محتواها غريبًا.
「الآنسة رايتشل إنغريف.
أنتِ على علم بوجود مراسم الإعدام غدًا.
سآتي لاصطحابكِ صباحًا.
من نيدين فالينسيا.」
“…….”
كانت مختصرة كأول رسالة، لا تتضمّن سوى صلب الموضوع، لكن…
كان فيها شعورٌ ما، كأنها لا تقبل الرفض.
كأنها تقول إنه سيأتي مهما قالت.
‘ما هذا؟’
صحيح أنّ رايتشل رسمت خطًّا فاصلًا بوضوح، لكن العلاقة بينهما لم تكن سيّئة.
والآن وقد أصبح رسميًّا وريث عائلة فالينسيا، فلا بدّ أنّ بعض التابعين قد لحقوا به لمساعدته في آداب النبلاء وكتابة الرسائل.
“…… هل ما زال الطرف الآخر منشغلًا جدًّا؟”
مع ذلك، لم يكن الأمر غريبًا تمامًا، إذ سبق أن تلقّت رسالة مشابهة.
على أيّ حال، وبعد تردّد قصير، أمسكت رايتشل بريشة الكتابة لتردّ على عرضه الذي بدا كإخطار.
في الحقيقة، لم يكن هناك ما يستدعي التفكير أصلًا.
فرايتشل لم تكن تنوي الذهاب إلى ساحة الإعدام.
كان كلّ شيء قد انتهى بالفعل.
وهي منشغلة بالتحضير لحياةٍ جديدة، ولا رغبة لها في الالتفات إلى بقايا ما قبل العودة بالزمن.
「سيد نيدين فالينسيا.
أتمنّى أن تكون بخير. يبدو أنّ الطقس بدأ يبرد قليلًا، إيذانًا بقدوم الخريف.」
بدأت أولًا بتحيّةٍ رسميّة.
「أشكر لك عرضك، لكنني لا أنوي حضور مراسم الإعدام، لذا يصعب عليّ مرافقتك.
وبالنسبة لي، فهذا أمرٌ قد انتهى بالفعل.
لذا أرجو ألّا تُقلق أنفسك بشأن هذا الموضوع بعد الآن.
مع خالص التحية.
رايتشل إنغريف.」
شدّدت على الخطّ الفاصل مرةً أخرى بنبرة حازمة نوعًا ما.
بهذا القدر، كان ينبغي أن تصل الرسالة بأنّها لا ترغب حتى بتبادل المراسلات بعد الآن.
“إلى قصر فالينسيا.”
“نعم، آنستي.”
ولحسن الحظ، لم يصل أيّ ردّ على رسالة الرفض المهذّبة التي أرسلتها.
تنفّست رايتشل الصعداء.
واستنتجت أنّه كان قد أرسل الرسالة بدافع المجاملة لا أكثر.
ثم راودها خاطر أنّها ربما بالغت في حساسيتها تجاه الأمر.
“هممم.”
وبما أنّ رسالته هو أيضًا لم تكن شديدة الالتزام بالأسلوب الأرستقراطي، ظنّت أنّ الأمر سينتهي دون مشاكل.
أزاحت رايتشل الفكرة عن ذهنها سريعًا، ثم سألت بيكي:
“ما العشاء اليوم؟”
“يخنة مأكولات بحريّة. الطاهي قال إنه جلب المكوّنات خصيصًا من أجلكِ، آنستي.”
“واو.”
كان خبرًا سعيدًا. في ذلك اليوم، تناولت رايتشل طعامًا شهيًّا حتى الشبع، ثم نامت.
وجبةٌ وفيرة، فراشٌ ناعم، وغرفةٌ دافئة.
ظنّت أنّ هذه الأيام المريحة ستستمر.
لكنّ صباح اليوم التالي حطّم ذلك الوهم.
كانت أيّام رايتشل الأخيرة تبدأ متأخّرة، كأيّ آنسة نبيلة، لكن بيكي جاءت في وقت أبكر من المعتاد وأيقظتها على عجل.
“آنستي، آنستي، استيقظي!”
“همم… بيكي، ما الأمر؟”
“السيد نيديي فالنسيا جاء لزيارتكِ. الماركيز يستقبله الآن!”
“…… ماذا؟”
اتّسعت عيناها اللتان كانتا نصف مغمضتين.
من جاء؟
في تلك اللحظة، فُتح باب غرفة النوم.
والتي دخلت دون طرق كانت والدتها، ماركيزة إنغريف.
“رايتشل، انهضي بسرعة. السيد فالينسيا يقول إنه يريد الذهاب معكِ إلى مراسم الإعدام.”
“ماذا؟”
“لا يوجد وقت.”
صفّقت الأم بيديها، فتدفّقت الخادمات إلى الداخل.
وقبل أن تستوعب رايتشل ما يجري، كانت تُغسَل وتُلبَس وتُزيَّن.
فستان ذو ياقة مربّعة، مفصّل بإتقان، أظهر انسياب جسدها بوضوح.
وجعل وجهها الجميل أكثر بروزًا.
وعلى عنقها الأبيض النحيل، عُلّقت قلادةٌ فاخرة تتوسّطها ماسة كبيرة تحيط بها أكثر من عشر ماسات صغيرة.
عندها فقط استعادت رايتشل وعيها.
“انتظري، لا داعي لكلّ هذا التأنّق—”
“بل هناك داعٍ. أسرعي.”
“نعم، سيدتي.”
تسارعت أيدي الخادمات أكثر.
وأخيرًا، وقفت رايتشل أمام المرآة بعد أن اكتمل إعدادها.
كانت جميلة كالجوهرة.
حتى الزينة المبالغ بها، والتطريز المرصّع على ذيل الفستان، بدت مجرّد وسائل لإبراز جمالها الأخّاذ.
أومأت والدتها برضا.
“هيا بنا.”
“انتظ—”
وقد دُفعت شبه دفع، تصلّب تعبير رايتشل.
بعيدًا عن المبالغة في الزينة، لم تفهم سبب مجيء ذلك الرجل أصلًا.
هل من الممكن أنّ رسالة الأمس لم تصله؟
لا، ذلك غير معقول.
وبعد قليل، ظهر بهو الطابق الأوّل.
وعندما رأت نيدين فالينسيا هناك بالفعل، تجمّدت رايتشل.
شعره الأسود كان مرتّبًا بعناية.
وكان رداؤه وملابسه الرسمية يلتفّان حول جسده المدرّب بمرونة وقوّة في آنٍ واحد.
لقد استعاد تمامًا هيئته قبل العودة بالزمن.
حتى هالته بدت كذلك.
وعندما التقت أعينهما للحظة، كانت عيناه الحمراوان تشعّان ببرودة.
“…….”
توقّفت رايتشل، فتقدّمت والدتها أولًا.
“عزيزي، لقد أتينا.”
أشرق وجه الماركيز الذي كان يستقبله.
أما إيليا، فقد التفت إلى أخته ثم تردّد قليلًا.
“أوه، رايتشل. ما رأيك يا سيد فالينسيا؟ إنها ابنتي، لكنها جميلة حقًّا، أليس كذلك؟”
“…….”
لم يقل شيئًا، واكتفى بالنظر إليها. ابتسمت الماركيزة بفخر.
“يبدو أنّ السيد قد أُعجب بجمال ابنتنا حتى عجز عن الكلام. في الواقع، قبل خطوبتها كانت تُلقّب بجوهرة أولشير. والآن وقد خلا منصب الخاطب مجدّدًا، فلا بدّ أنّ الكثير من الشبّان سيتقدّمون لطلب يدها.”
“صحيح. وأنت أيضًا، يا سيد فالينسيا، لا بدّ أنك ستخطب قريبًا. هل هناك آنسةٌ في بالك؟”
فتحت الأم والأب الحديث بتواطؤ واضح.
إذًا لهذا السبب زُيّنت هكذا.
كان يكفي أن يقولوا لها إنّ هناك ضيفًا لتَنزل. لكنّهم جاؤوا بأنفسهم لهذا الغرض.
“…….”
لكن يبدو أنّ الأمر لم يكن ذا جدوى.
خفضت رايتشل نظرها بعد أن رأت الرجل لا يزال يحدّق بها بعينين باردتين.
لم تفهم سبب نظرته تلك.
عندها سأل الأب:
“بالمناسبة، رايتشل. لم تقولي إنكِ ستذهبين اليوم إلى مراسم الإعدام مع السيد فالينسيا؟”
“…… ذلك—”
“نعم. هل تسمحين لي بمرافقتكِ، آنستي؟ أرغب في الذهاب بعربتي.”
التعليقات لهذا الفصل " 22"