“لا شيء، فقط بدافع الملل. تساءلتُ كيف سيكون الأمر لو ظهرت إيننغ <العودة بالزمن>.”
“…….”
تبعها ذلك النظر الأزرق من خلفها. وبعد أن أنهت رايتشل ترتيب الكتب على نحوٍ مناسب، استدارت.
“إذًا، ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
“……آه، هذا.”
تردّد إيليا قبل أن يتحدّث بصعوبة.
“أظنّ أنّني ارتكبتُ أخطاءً كثيرة بحقكِ في الآونة الأخيرة، يا أختي. أردتُ أن أطلب منكِ الصفح…….”
“…….”
“لقد وبّختُ الخادم الذي أساء إليكِ توبيخًا شديدًا. ومن الآن فصاعدًا سأحرص على ألّا تمرّي بمثل هذه الأمور الكبيرة وحدكِ. لذا، يا أختي… هل يمكن أن تسامحيني هذه المرّة فقط؟”
اتجهت إليها عينان زرقاوان مرتجفتان. تشبهان أمّها كثيرًا، وفي الوقت نفسه تُذكّرانها بالزمن الذي كانت تحبّه فيه.
اندفع شعورُ بالخيانة فجأة.
“إن سامحتِني، فلن أُخيّب أملكِ أبدًا بعد الآن.”
“كذب.”
“……ماذا؟”
في لحظةٍ غير واعيّة، خرجت الكلمة من فم رايتشل، فوضعت يدها على جبينها.
لعلّ استحضارها مؤخرًا لذكرياتٍ تتعلّق بالعائلة هو السبب.
كان من الصعب السيطرة على المشاعر التي تغلي بصمت.
كلمات والديها قبل العودة، وتصرّفات إيليا، كانت تدور في رأسها بلا توقّف.
“……لا شيء. انسَ ما قلته للتو.”
“أختي.”
“أنت لم تخطئ في شيء. فقط… أنا التي تغيّرت. أريد أن أتزوّج بأسرع ما يمكن وأغادر عائلة إنغريف.”
“……!”
كان في الثالثة عشرة فقط. عمرٌ صغير جدًّا لأن تُحمّله ذنبًا بذكرياتٍ لا يملكها سواها.
……لهذا كانت تريد مغادرة هذا المكان سريعًا.
“لذلك لا داعي لأن تقلق عليّ بعد الآن، إيليا. ولا تشغل بالك بأختٍ سترحل قريبًا. عِشْ براحة، فهذا أفضل لك أيضًا.”
أعادت رايتشل ما تبقّى من الكتب إلى أماكنها، ثم غادرت.
لم تلتفت إلى الوراء.
في الطابق الثاني، وبين رفوف الكتب، وقف إيليا وحده قابضًا على قبضتيه بإحكام. وبعد وقتٍ طويل، تمتم بصوتٍ خافت.
“……كيف يمكنكِ أن تقولي ذلك.”
كانت أختًا تشبه الأم أكثر من الأم نفسها.
حين كان الوالدان مشغولين، كانت هي دائمًا إلى جانبه. تحتضنه حينًا بحزم، وحينًا بلطف، وتربّيه وتغمره بحبٍّ فاض عن الحدّ.
فكيف…؟
“…….”
فجأة، اتجه نظر إيليا نحو أحد الرفوف. كان هناك كتابٌ مِمّا كانت رايتشل تقرؤه.
「تاريخ مُستيقظي <العودة بالزمن>」
“…….”
بدأت أختُه تتغيّر منذ أسبوعين. حادثة إغمائها أثناء تحضير الزفاف، والخبر الذي وصله متأخرًا عن كونها تعقّبت أبن فالينسيا الزائف وحدها، واكتشفت الحقيقة وتعرّضت لصدمةٍ بسبب ذلك.
ذهب لزيارتها قلقًا، لكنها لم تسمح له بالدخول إلى غرفتها قطّ.
حينها ظنّ أنّها صُدمت بشدّة وخاب أملها فيه أيضًا، لكن عندما واجهها الآن، شعر أنّ هناك شيئًا غير طبيعي.
غضبها…
كان أشدّ بكثير مِمّا تصوّر.
……إلى حدٍّ بدا معه أشبه بالكراهية.
“…….”
بعد تفكيرٍ طويل، بدأ إيليا بسحب الكتب التي كانت تقرؤها رايتشل وشرع في قراءتها. وبصفته ابن ماركيزٍ صغير، كان يتمتّع بذاكرةٍ حادّة، حتى أنّه كان يحفظ مواقع تلك الكتب كلّها.
‘لا أعرف لماذا تقرأ أختي هذه الكتب، لكن…’
قرأ إيليا جميع الكتب التي كانت تقرؤها رايتشل. من أوّل صفحة إلى آخر صفحة.
كلّها.
***
مرّت أيّام عدّة.
واصلت رايتشل التردّد على مكتبة العائلة، تبحث في أمر <العودة بالزمن> و「السجل」.
لم تكن النتائج قليلة.
أوّلًا، تبيّن أنّ إينغ <العودة بالزمن> يمكن تفعيلها مرّاتٍ عدّة، ما دامت الشروط متحقّقة.
عندما يبلغ شوق المُستيقظ حدًّا معيّنًا، تُفعَّل الإينغ، ويُفتح باب، ومن داخل 「السجل」 يمكن اختيار زمن العودة.
وكانت هناك فقرة في المجلّدات التي خلّفها مُستيقظو <العودة بالزمن> السابقون تقول إنّ 「السجل」 يضمّ نقاطًا فارقة من الماضي والحاضر والمستقبل في زمن المُستيقظ، ويبدو أنّه يؤدّي دورًا إرشاديًا في اختيار أنسب وقتٍ للعودة.
وغالبًا ما تكون تلك النقاط الفارقة أحداثًا كبرى.
فإن كانت الإينغ قد تفعّلت أصلًا، فلا بدّ أنّ المُستيقظ كان متورّطًا في حدثٍ كبير، لذا يُفترض به قراءة السجل بعناية والعودة إلى أفضل توقيت.
ولهذا تمكّن ماركيز إنغريف الأوّل من العودة مرارًا إلى التوقيت الدقيق اللازم لختم المخلوق العظيم، الذي لا يزال مختومًا اليوم في الجبل الخلفي للعاصمة.
‘وفي النهاية، نجح فعلًا في ختم ذلك المخلوق.’
من هذه الزاوية، كانت إينغًا يمكن وصفها بالنعمة.
لكنّ حياة من استيقظوا <العودة بالزمن> لم تكن سهلة على الإطلاق.
بسبب أولئك الذين أرادوا معرفة ما حدث قبل العودة،
وأولئك الذين خافوا من إينونغ <العودة بالزمن>،
وأولئك الذين حاولوا استغلالها.
على سبيل المثال، كان هناك أحد الأسلاف الذي استيقظ <العودة بالزمن> لكنّه لم يتمكّن من تفعيلها.
-“لقد استيقظتُ <العودة بالزمن>، لكنني لم أُفعّلها قطّ.”
-“همم، لعلّ شوقك غير كافٍ؟ هل أساعدك؟”
-“ماذا؟”
في ذلك اليوم، تعرّض ذلك السلف للاختطاف.
وبعد تعذيبٍ شنيع، عاد، وبمساعدة 「السجل」 نجح في إبادة العائلة التي اختطفته بالكامل، لكن الصدمة التي ترسّخت فيه لم يكن بالإمكان محوها.
وغير ذلك أيضًا.
-“يا سيّدي الماركيز! إن استثمرنا في هذه القافلة التجارية، هل سننجح؟”
-“تنحَّ جانبًا! أنا أوّلًا! متركيز! كم سنربح إن استثمرنا هنا؟”
-“يا ماركيز، تحرّكات الحدود مقلقة مؤخرًا. هل تعتقد أنّ علينا الاستعداد للحرب؟”
كانوا يتعرّضون في كلّ حفلٍ أو اجتماع لسيلٍ من الشكوك والأسئلة.
وكان هناك سلفٌ آخر كاد يُجبَر على الزواج من الإمبراطور.
حتى نظرات العائلة الإمبراطورية وكبار النبلاء لم تكن عادية، فعاشوا حياتهم كلّها تحت المراقبة والحذر.
لحسن الحظ، بعد اختفاء مُستيقظي <العودة بالزمن> لمئات السنين، ودخول العائلة قائمة العائلات المنقطعة الإينغ، صار يُنظر إلى الأمر اليوم بوصفه مجرّد قدرةٍ كانت موجودة في الماضي.
“……لكي أعيش بهدوء، يجب ألّا ينكشف أمر استيقاظ <العودة بالزمن> من الأساس.”
لا يوجد ما يضمن ألّا تتكرّر تلك المآسي اليوم. وفوق ذلك، كانت هناك مسألةُ الخلافة.
فالعائلة الإمبراطورية وسائر العائلات تُعطي الأولوية في الخلافة لمن استيقظ إينغ العائلة.
وبالنسبة لرايتشل، فقد كان استيقاظها الأوّل منذ مئات السنين.
لو كُشف هذا الأمر، لأصبحت هي الوريثة القادمة بلا نقاش.
وكان ذلك أسوأ نهايةٍ ممكنة لمن ترغب في الاستقلال
وقطع الصلة بعائلتها تمامًا.
‘يجب ألّا يُكتشف الأمر أبدًا.’
حتّمًا.
ستغادر هذه العائلة قبل أن يُكشف استيقاظ <العودة بالزمن>.
وبالطبع، الأفضل هو ألّا يُكشف أبدًا حتى تموت، لكن على أيّ حال، إن كُشف، فيجب أن يكون بعد مغادرتها العائلة.
حتى لو اختفى السلام الذي طالما تمنّته، لم تكن تريد أن تموت وهي تحمل اسم “إنغريف”.
بعد أن عرفت كلّ ما تحتاج إلى معرفته، لم يعد هناك سببٌ يدعو رايتشل لزيارة مكتبة العائلة.
وفوق ذلك، كانت قلقة لأن إيليا بدا، منذ مواجهتهما في المكتبة ذلك اليوم، مهتمًّا بالكتب التي تقرؤها.
تساءلت عمّا إذا كان أخوها قد يلاحظ شيئًا الآن، لكن…
“…….”
الحيطة لا تضرّ.
كانت رايتشل على وشك مغادرة المكتبة حينها.
“آه، آنستي.”
عادت بيكي، التي كانت قد ابتعدت قليلًا، وكانت تحمل رسالة في يدها.
وبالنسبة لرايتشل، التي كانت ترفض كلّ الدعوات متذرّعة بفسخ الخطوبة، كان ذلك أمرًا مستغربًا.
“ما هذا؟”
“الأمر أنّه، آنستي.”
تردّدت بيكي قليلًا قبل أن تقدّم لها الرسالة.
“وصلت رسالة من فالينسيا.”
“……ماذا؟”
كانت جملةً لم تتوقّع أن تسمعها مجددًا.
ولا عجب في ذلك، فالعاصمة شهدت تغيّراتٍ كثيرة في الأيّام الماضية.
أوّلًا، تأكّد الحكم بالإعدام على كاي سافانيو وعشيقها، وكذلك باريس، ومن المقرّر تنفيذ الإعدام غدًا في الساحة العامّة.
وثانيًا، أصبح نيدين فالينسيا رسميًا وريث عائلة فالينسيا.
وكانت هناك شائعات عن نيّته إجراء طقس الختم فورًا
لدحض كلّ الشبهات.
على أيّ حال، وبما أنّ فسخ خطوبة رايتشل وباريس تمّ باسم العائلة الإمبراطورية، فمن الطبيعي ألّا يكون هناك أيّ ارتباطٍ آخر.
التعليقات لهذا الفصل " 21"