بفضله، أُبطلت الخطوبة سريعًا قبل الزواج. وتحقّقت من 「السجل」، وأنهت علاقتها المشؤومة بباريس.
كان هذا كافيًا. لم تعد تريد أيّ ارتباطٍ بفالينسيا.
أفلتت رايتشل يده، وانحنت بأدب.
“لا تشغل بالك. وإن كنتَ حقًّا تريد ردّ الجميل، فابتعادك عنّي سيكون كافيًا. أنتَ تذكر طلبي، أليس كذلك؟”
حتى بعدما تأكّدت أن ارتباطها بباريس فالينسيا كان بداية سقوط حياتها، ظلّ هذا الرجل مثيرًا للنفور.
ففي النهاية، كان قد ساهم في حبسها. وقبل كلّ شيء— كان يحمل اسم “فالينسيا”.
فهم ما تعنيه كلماتها، فارتسم على وجهه تعبيرٌ حرج.
“ومع ذلك—”
“شكرًا لك. إذًا، إلى اللقاء، سيّد فالينسيا.”
“……!”
ابتسمت رايتشل ابتسامةً خفيفة، ثم استدارت. أسرعت بيكي بالاقتراب منها، كما تقدّم السير هوفمان مع فرسان الحراسة.
انتهى الأمر.
التفتت رايتشل إلى كبير خدم عائلة فالنسيا، الذي كان واقفًا بوجهٍ متوتّر، وأمرت:
“لنذهب.”
“……نعم، آنستي. من هنا.”
اتبعت الخادم عائدة إلى القصر الرئيسي. وكما في مجيئها، غادرت رايتشل قصر فالينسيا في عربةٍ تخفي الشعار.
انعكس في نافذة العربة منظر الحديقة المدمَّرة، وقصر فالينسيا الذي ما زال يبعث في نفسها انقباضًا.
“…….”
أُغلقت النافذة.
ولم تلتفت إلى الوراء.
***
كان نيدين يراقب من بعيد العربة المبتعدة.
كانت المرّة الثانية. المرّة الثانية التي يقف فيها ساكنًا، يراقب عربةً ترحل قبله.
في الحقيقة، عندما سمع أن رايتشل قد زارت المكان،
لم يخطر بباله شيءٌ خاص.
فقط، بعد فوات الأوان، تذكّر مسألة ردّ الجميل.
مهما يكن، كانت هي منقذته. ورغم أن الدوق لبّى لها طلباتٍ عديدة، إلا أن ردّ الجميل شخصيًّا مسألةٌ أخرى تمامًا، هكذا كان يرى الأمر.
لذلك توجّه إلى السجن. وعندما سمع أنها نزلت بالفعل إلى الأسفل، لحق بها دون تفكيرٍ كبير، لكن حين بلغه أنها تواجهه على انفراد، شعر بالقلق، فاقترب ليتأكّد فقط.
كان ينوي العودة فورًا إن بدا كلّ شيء على ما يرام.
-“مع ذلك، أنتَ مقيَّدٌ بقيودٍ سحرية. أنا كانت قيودي حديدية.”
-“……ماذا؟”
تجمّد لوهلة عند سماعه كلماتٍ لم يفهم معناها.
وعندما دوّى صوت الضرب على الحاجز السحري وتلاه سيلٌ من الشتائم، كاد يندفع ليفتح الباب. حتى إن الباب الحديدي الثقيل اهتزّ تحت يده.
لكن—
-“أنتَ… كنتَ تعرف بنسبك، أليس كذلك؟”
في ذلك الصوت الهادئ، الذي أفصح عن أمورٍ لم ترد حتى في التقارير، كان فيضٌ من الجراح التي يصعب تقدير عمقها.
ربما كانت رايتشل إنغريف قد فتّشت عن كلّ تلك الأدلة بإصرار، لأنها لم ترغب في الزواج من رجلٍ كهذا.
وكان أثر ذلك يصل إليه هو أيضًا.
-“شكرًا لك. إذًا، إلى اللقاء، سيّد فالينسيا.”
كانت تلك الكلمات الحاسمة إعلانًا صريحًا للنهاية.
“……هاه.”
زفر نيدين نفسًا منخفضًا، ثم غيّر وجهته نحو الملحق.
في الوقت الحالي، كان فيلق المرتزقة “الصقر الأحمر”
الذي دخل معه مقرّرًا ضمّه إلى فرقة الفرسان، لكن بسبب الاضطراب داخل القصر وخارجه، كانوا يقيمون مؤقّتًا في الملحق.
‘عليّ أن أحرّك جسدي.’
في مثل هذه اللحظات، كان عليه أن يشهر سيفه.
عندها، تختفي الأفكار المزعجة، ويهدأ القلب المضطرب بلا سبب.
وبينما كان يفكّ زرًّا آخر من ثيابه التي بدت وكأنها تخنق أنفاسه، انزلق بصره نحو خادمه الخاص، رالف، وحرّاسه الذين كانوا يتبعونه.
“ابتعدوا قليلًا. أريد أن أكون وحدي.”
“……حسنًا، سيّدي.”
ابتعد رالف والفرسان بصمت. أطلق نيدين زفيرًا طويلًا، وكان على وشك أن يخطو إلى ساحة التدريب في الملحق—
“لكن هل تعلم أن تلك الآنسة فيها شيءٌ غريب؟”
كان صوت القائد لو يصل إلى أذنه.
“ماذا؟ ما الذي تقصده؟ هل اكتشفتَ شيئًا؟ ولِمَ لم تُبلِغ القائد؟”
تساءلت القائدة الأخرى، بولا، بدهشة. أجاب لو، محرجًا:
“لا، أردتُ أن أتأكّد أكثر قبل الإبلاغ. لكنني بالأمس اطّلعتُ على مواد التحقيق التي أُجريت في فالينسيا. ومع ذلك، لم أجد أيّ أثر يدلّ على أنها هي من قامت بالتحقيق.”
“ماذا يعني هذا؟”
“أقصد، الإنسان ليس إلهًا. حين يستخدم الناس والمال لجمع المعلومات، لا بدّ أن تترك آثارًا. لكن تلك الآنسة لم تترك أيّ أثر. وفوق ذلك، عندما التقيتُ بالشخص الذي قيل إنه زميل الأكاديمية لذلك الطبيب، قال لي إنه لم يذكر تلك القصة لأيّ أحد، وسألني من أين سمعتها. وسألني إن كان شخصٌ آخر غيره قد سمع عن ‘العشرين خطوة’ تلك—”
“ما الذي تعنيه؟”
قطع صوتٌ بارد حديث لو. فزع القائد والضباط المجتمعون في زاوية ساحة التدريب، ورفعوا رؤوسهم دفعة واحدة.
“القائد؟”
كانت ملابسه قد تغيّرت إلى أناقة تليق بنبيل، لكن الهالة الوحشية من الطاقة السحرية التي كانت تفور من حوله لم تتغيّر.
كان قائدهم.
وقد اقترب نيدين حتى صار على بعد خطوة، ينظر إلى لو من علٍ. شحُب وجه لو، وقد أدرك خطأه.
“ق-قائدي.”
“أبلِغني.”
“……نعم!”
كانت عيناه الحمراوان المتصلّبتان تهتزان بعنف كلّما واصل لو تقريره.
“كما سمعتُ. لم أجد أيّ أثرٍ يدلّ على أن تلك الآنسة قامت بالتحقيق بنفسها. حتى زميل الطبيب في الأكاديمية قال إنه لم يذكر تلك المعلومات لأيّ أحد، وسأل كيف عُثر على الأدلة أصلًا.”
“…….”
وبينما كان يراقب ردّة فعله، أسرع لو إلى الركوع على ركبتيه.
التعليقات لهذا الفصل " 19"