كل ما في الأمر أن الإمبراطور جاء وأمره بالركوع، ثم أُخذ دوق فالينسيا، الذي دخل القصر معه، إلى مكانٍ ما.
لم يكن أمام دوق سافانيو سوى التخمين بأن دوق فالينسيا يعقد لقاءً مع الإمبراطور.
‘لا بد أن الإمبراطور قد جُنّ. وإلا فكيف يعاملني بهذه الطريقة…….’
قبض على قبضتيه بقوة، متجاهلًا هيبة الحرس الإمبراطوري المحيطين به، وهو لا يحدّق إلا في العرش الإمبراطوري المرتفع.
كُغوغوغ—
وأخيرًا، فُتحت أبواب قاعة العرش.
“شمس إمبراطورية أولشير الأبدية، حضرة الإمبراطور تيريوس رودغان دي أولشير، يتفضّل بالدخول.”
“……أتشرّف بحضوركَ، جلالة الإمبراطور.”
انحنى دوق سافانيو أمام الإمبراطور.
كان عمر الإمبراطور، الذي لم يمضِ وقتٌ طويل على اعتلائه العرش، عشرين عامًا هذا العام.
وبالنسبة لدوقٍّ تجاوز الأربعين، بدا شابًا إلى حدٍّ يكاد يكون طفلًا.
تحت شعرٍ ذهبيٍّ لامع يذكّر بالشمس.
كانت هناك عينان بنفسجيتان، رمز النُّبل بعينه.
وجهٌ أملس كالنحت، ملامح لا يسع أحدًا إلا الإعجاب بها.
لكن حتى ذلك، كان يثير في نفس دوق سافانيو نفورًا اليوم.
صعد الإمبراطور الدرجات بخطى واثقة وجلس على العرش.
“ارفع رأسك، يا دوق سافانيو.”
“……نعم، جلالتكَ.”
وفي اللحظة التي أدرك فيها دوق سافانيو أن دوق فالينسيا يقف إلى جانبه—
انقضّ عليه توبيخٌ حاد من الأعلى.
“هل كنتَ تعلم، أيها الدوق؟”
“لا أفهم ما تقصده، جلالتكَ.”
“أقصد، هل كنتَ تعلم أم لا أن أختك كانت تحمل طفلًا من شخصٍ آخر، وأحتالت مدّعيةً أنه طفل الدوق؟!”
“……!”
لم يَفُت أحدًا في القاعة ذلك الارتباك والحرج اللذين مرّا على وجه دوق سافانيو في لحظة.
أطلق دوق فالينسيا ضحكةً جافة.
“إذًا، كنتَ تعلم كل شيء؟ ومع ذلك زوّجتها لي؟”
“م، ما هذا الهراء! لم أكن أعلم شيئًا كهذا أبدًا. لا بد أن أختي أيضًا خُدعت بذلك الفارس الوغد من أصل العبيد—”
“لم أذكر حتى لمن الطفل، ومع ذلك أنت تعرفُ الأب الحقيقي.”
“……!”
في اللحظة التي أدرك فيها خطأه، اقترب منه وجهٌ فجأة، فارتجف دوق سافانيو.
كانت العينان القرمزيتان المحتقنتان بالدم تبدوان كأنهما مغمورتان بالدم.
أمسك دوق فالينسيا بعنقه.
“كوهك……!”
تحرّك الحرس الإمبراطوري المنتظرون عند الجدار بهدوء، لكنهم توقّفوا حين رفع الإمبراطور يده.
قال دوق فالينسيا وهو يكاد يبصق كلماته:
“وأنا، دون أن أعلم، كنتُ أُعاملك كأخٍ أكبر.”
“ف، فالينسيا —”
“نعم. أنا دوق فالينسيا، يا دوق سافانيو. حتى وإن كنا من عائلات الدوقية ذاتها، فالمقام مختلف. فبأي عقلٍ أهنْتني بهذه الطريقة؟ ثم إنكَ لا بد أنك كنتَ تعلم أن مسألة وريث عائلتنا مرتبطةٌ أيضًا بختم الكارثة العظمى.”
“……!”
“آه، أم أنك كنتَ تطمح حقًا إلى إحراق العاصمة واعتلاء العرش؟”
“ما هذا الكلام!”
اتسعت عينا دوق سافانيو المفزوع، واتجه نظره نحو العرش.
وفي اللحظة التي رأى فيها وجه الإمبراطور الشاب وقد تصلّب ببرودة لم يُعرف لها مثيل—
أدرك دوق سافانيو.
انتهى الأمر.
بأيّ كلامٍ كان سيتفوّه، فلن يترك الإمبراطور أخته ولا هو دوّن عقاب.
بل ربما تسقط الشفرة على عائلة دوق سافانيو بأكملها.
“جلالتك! لا شك أن كل هذا مؤامرة من فالينسيا! فمنذ البداية، لدى فالينسيا قدرة على تمييز الورثة! ولو أن، أن ذاك باريس أجرى الطقس مبكرًا، لكان الأمر قد كُشف منذ زمن—”
“نعم. ولذلك كنتَ تمنع الدوقة من إجراء طقس الختم.”
“……!”
“خوفًا من انكشاف نسب ابنها أليس كذلك؟”
رفع دوق سافانيو رأسه بذهول.
فوق العرش الشامخ.
كانت العينان البنفسجيتان الباردتان تحدّقان فيه بازدراء.
وفي اللحظة التي وقع فيها بصره عليهما، أدرك دوق سافانيو حدسه.
لقد انتهى كل شيء.
“إذًا، هل هذا كل ما لديك لتقوله، يا دوق سافانيو؟”
“ج، جلالتك……!”
“انصرف. وفكّر في الكيفية التي يمكنك بها تهدئة غضبي وغضب دوق فالينسيا. وإن لم يعجبك الأمر، فقل ذلك. عندها سأقوم بنفسي بتخفيض رتبة عائلة سافانيو إلى رتبة بارون.”
“جلالتك!”
بإشارة من الإمبراطور، أمسك الحرس بذراعي دوق سافانيو ورفعوه.
حاول دوق سافانيو بكل ما أوتي من قوة أن يبقى في القاعة ليحمي نفسه وأخته وبيته، لكن لم يكن بمقدوره مجابهة الفرسان.
كُوونغ—
أُغلقت أبواب قاعة العرش.
عندها فقط أطلق الإمبراطور زفيرًا طويلًا، ونظر إلى دوق فالينسيا الواقف أسفل العرش.
“هل أنتَ بخير، أيها الدوق؟”
“……أتمنى ذلك. هل ما قلته آنفًا كان صادقًا، جلالتك؟”
“هممم، على الأقل أنوي تخفيضهم إلى رتبة ماركيز. بعد ما فعلوه، أليس من السخيف الإبقاء عليهم كدوقية؟”
“…….”
أومأ الدوق برأسه بصمت.
وخلف ذلك القرار، كان من المقرر مصادرة مساحاتٍ شاسعة من الأراضي وثرواتٍ هائلة.
وبالطبع، حتى هذا لم يكن كافيًا لإرضاء غضب الدوق.
“إذًا، ستمنحون حق التصرّف بهم لأبني، أليس كذلك؟”
بدلًا من محاكمة، كان هناك شيء قد أُخذ سلفًا.
ابتسم الإمبراطور الشاب الجالس على العرش العالي.
“بالطبع. سواء قطع أعناقهم بيده أو لا، فليفعل ما يشاء. كل ذلك سيكون مسموحًا باسمي.”
“هذا شرفٌ عظيم، جلالتك. إذًا أستأذن بالانصراف.”
أدّى الدوق التحية واستدار.
وحين بقي الإمبراطور وحيدًا في القاعة، ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ راضية قليلًا.
“هاهاها.”
من كان يظن أن ملك المرتزقة هو الابن الحقيقي لدوق فالينسيا.
ما حدث خلال الليل كان، حتى الآن، أمرًا يثير الغضب لمجرد تذكّره، لكن انضمام فارسٍ بلغ مرتبة عليا إلى الإمبراطورية كان أمرًا باعثًا على الحماسة.
سأل تيريوس، بروحٍ مبتهجة، مساعده:
“ما اسم تلك الآنسة؟ التي كان لها فضلٌ كبير في حل هذه القضية.”
“رايتشل إنغريف، جلالتك. الابنة الكبرى لماركيز إنغريف.”
“رايتشل إنغريف…….”
كانت شخصيةً تثير الفضول حقًا.
لسببٍ ما، بدا الاسم مألوفًا أيضًا.
سمع أنها كانت خطيبة ذلك الدجّال.
هل ستكون ببرودة أبيها وحنكته؟ أم…….
وبينما كان الإمبراطور غارقًا في التفكير، عاد صوت مساعده إلى أذنه.
“لكن، جلالتك. الآنسة آيشا ليبلين موجودةٌ في صالة الاستقبال.”
“آه، أكان هذا اليوم هو الموعد؟”
آيشا ليبلين.
ابنة دوق ليبلين، التي كانت في الأصل أقرب إلى كونها مرشّحةً للإمبراطورة من وريثة، لكنها قبل ثلاث سنوات، وبعد أن أظهرت قدرتها الخاصة فجأة، صعدت بسرعة لتصبح مرشّحةً للوراثة.
قدرة عائلة ليبلين كانت <المانا>.
عند ظهورها، تتولّد طاقة سحرية تضاهي طاقة كبار السحرة، وبمجرد أن تتقن السحر، فإن حملها للقب الساحرة العظمى سيكون مسألة وقتٍ لا أكثر.
لذلك، كان أبناء عائلة ليبلين، عند ظهور قدرتهم، يدخلون عادةً برج السحر لتعلّم السيطرة على المانا ودراسة السحر.
وأخيرًا، في هذا اليوم، نجحت آيشا ليبلين في السيطرة على قدرتها بعد ثلاث سنوات، وعادت إلى العاصمة.
“جيد. عودة الآنسة آيشا، وحلّ المشكلة، وفوق ذلك، دخول ملك المرتزقة تحت إمرتي.”
ابتسم تيريوس بسرورٍ وهو يتجه نحو صالة الاستقبال.
وحين فتح الفرسان الأبواب، رفع مساعده صوته.
“شمس إمبراطورية أولشير الأبدية، حضرة الإمبراطور تيريوس رودغان دي أولشير، يتفضّل بالدخول.”
التعليقات لهذا الفصل " 16"