-“ابنةٌ خرجت بعد الزواج. بل وتزوّجتِ من ابن فارسٍ من أصلٍ عبودي.”
-“……!”
اتّسعت عينا رايتشل المصدومتان.
فمن الأساس، كان زواجها من باريس قرارًا اتّخذه والداها والعائلة.
ومع ذلك، والآن—
ألقى الماركيز نظرةً مشبعة بالازدراء.
-“في الأصل، هذا خطؤكِ. لو كان هناك أيّ خللٍ في زوجك، ألم يكن عليكِ أن تكتشفيه منذ البداية؟ بما أنّكِ لم تفعلي، فمن الطبيعي أن تواجهي مثل هذا المصير.”
توالت كلمات التوبيخ، تضرب أذنيها ثم تمرّ.
-“……ألهذا الحدّ تتخلّون عنّي؟ وإن أصبحتُ بلا فائدة، هل ستتخلّون عن أخي الصغير بالطريقة نفسها؟”
أمامها، وهي لا تفعل سوى ذرف الدموع بذهول، نطق الماركيز بحكمٍ قاسٍ:
-“ذلك الطفل هو الوريث الوحيد. من الأساس، لم يكن من الممكن أن يتعرّض إيليا لمثل هذا الأمر، وحتى في هذا الوضع، فهو يتّخذ قرارًا صائبًا. أليس صبيًا حكيمًا، لم يحضر إلى هنا أصلًا كي لا يتورّط معكِ؟”
-“……!”
-“ثم لا تنادِيه بأخاكِ. كيف لزوجة ابن فارسٍ من أصلٍ عبودي أن تجرؤ على مناداة الوريث الوحيد بتلك الطريقة؟”
-“هذا صحيح.”
في تلك اللحظة، اقتربت الأم وهي تساير الحديث بصوتٍ منخفض.
لم تكن رايتشل قد انتبهت لأنّ وجهها كان محجوبًا بالمروحة، لكن—
عندما رأت وجه أمّها عن قرب، كان مشوّهًا على نحوٍ غير مسبوق.
-“أنتِ لم تعودي ابنتي.”
-“……!”
-“كُفّي عن تلطيخ سمعتنا، واذهبي بهدوء. يبدو أنّ هذا هو آخر واجبٍ يمكنكِ تقديمه لنا، بصفتكِ من كانت يومًا فردًا من عائلة إنغريف.”
طَقّ، طَقّ—
ابتعدت المروحة التي ضربت رأسها بخفّة.
غادر والداها عائلة فالينسيا على الفور.
وهكذا، وبعد أن تأكّد نبذُها من عائلة الماركيز إنغريف،
اقتيدت رايتشل إلى مكانٍ أشبه بالسجن، حيث حُبست هناك.
غرفةٌ لها نافذة صغيرة بحجم كفّ اليد، تقع مباشرة أسفل السقف.
كانت تلك غرفتها الجديدة، حيث ستُحتجز إلى أن يُقبض على الفارّين وتنتهي المحاكمة.
“ألا تسمعينني، يا رايتشل!”
دوّى صوت الماركيز إنغريف في الحاضر. استفاقت رايتشل من ذكرياتها، وأنزلت بصرها بصعوبة.
كان صدرها يضيق.
مدّت يدًا مرتجفة، وأمسكت بفنجان الشاي الذي كانت بيكي قد وضعته دون أن تشعر.
انتشرت الحرارة من أطراف أصابعها.
وشعرت وكأنّ وعيّها يعود إليها قليلًا.
“أعتذر. كنتُ أسترجع بعض الأفكار للحظة.”
“ماذا قلت؟”
“همف!”
تنحنح الماركيز بعدم رضا، ثم تابع:
“سألتُ إن كنتِ تعرفين شيئًا. قيل إنّ دوق فالينسيا استدعاكِ مؤخرًا، كما بدا لي أنّكِ لا تهتمّين بتحضيرات الزفاف هذه الأيام.”
شحذت عينا الماركيز بحدّة.
“لم تنسي، أليس كذلك؟ أنتِ الابنة الكبرى لعائلة إنغريف. ابنتي. مهما سمعتِ، ومهما طُلب منكِ كتمانه،
عليكِ أن تخبري أباكِ. إن وقع أمرٌ ما، فَمن يكون في صفّكِ حقًّا غيرنا؟ أليس كذلك؟”
“…….”
“رايتشل؟”
“……نعم.”
إلى أن يتجاوزوا الحدّ.
لكن ما إن يتجاوزوا ذلك الخطّ، كانت رايتشل تعلم أنّهم سيتخلّون عنها بوحشيّةٍ من جديد.
حتى لو كان الأخ الأصغر حينها، فلن يختلف الأمر.
عندما صدر حكم نفيها في المنفى قبل عودتها بالزمن—
لم يحضر والداها تلك الجلسة، لكن اخاها حضر، بلا سببٍ سوى الحضور.
لم يقل شيئًا.
لم يفعل شيئًا.
وقف هناك، شاردًا، واكتفى بالنظر إليها، كما فعل الآخرون.
وكان ذلك آخر ما رأت.
يومها، كم كان عمر إيليا؟
ثمانية عشر عامًا، على ما يبدو.
“…….”
حوّلت رايتشل نظرها بصمتٍ نحو النافذة.
تحت شمس الظهيرة التي أشرقت تمامًا، كان باب القصر الرئيسي يُفتح ببطء.
دخلت مجموعةٌ من الأشخاص.
وفي اللحظة التي تميّزت فيها راياتهم، انطلق الصراخ من الخلف.
“رايتشل! هل ستظلين على هذا الحال فعلًا؟!”
“ما الذي تفعلينه؟! أسرعي وأخبري أباكِ حالًا!”
انضمّ صوت الأم الغاضب أيضًا.
نظرت رايتشل إلى والديها بطرف عينها، ثم رطّبت شفتيها الجافتين بالشاي وفتحت فمها.
“لقد حقّقتُ في أمر باريس خلال الفترة الماضية. رغم أنّكما قلتما إنّه لا بدّ من الزواج به، إلّا أنّني رأيتُ أنّ من حقي أن أعرف أيّ شخصٍ سيكون زوجي.”
“……!”
“و، وماذا بعد؟”
أمام والديها اللذين حبسا أنفاسهما، بدأت رايتشل تسرد القصة، واحدةً تلو الأخرى.
“خلال التحقيق، علمتُ بأمر زواج الدوقة الاحتيالي. وأثناء جمع الأدلة والتعمّق أكثر، اكتشفتُ مؤشّراتٍ على أنّ خطيبة الدوق السابقة أنجبت ابنه الحقيقي.”
“هل هذا صحيحٌ فعلًا؟”
“نعم. وأخبرتُ الدوق بذلك. كان ذلك قبل نحو عشرة أيّام.أتذكران؟ اليوم الذي أغمي عليّ فيه لفترة.”
اتّسعت عينا الماركيزة، وتلعثمت وهي تقول:
“إذًا، ذلك الإغماء كان بسبب معرفتكِِ بكلّ تلك الحقائق……؟”
“نعم. حينها، طلب منّي الدوق أن ألتزم الصمت مؤقّتًا. قال إنّه سيجري تحقيقًا دقيقًا وفحصًا للنسب، ثم يرفع الأمر إلى جلالة الإمبراطور، وسيتمّ فسخ الخطوبة مع تحميل فالينسيا كامل المسؤولية. وطلب منّي أن أنتظر قليلًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 14"