“……يكفي أنّي تأكّدتُ من أنّه لم يكن لديها أيّ قصدٍ آخر. لننطلق فورًا إلى فالينسيا.”
“نعم!”
تفرّق المرتزقة على الفور، كلٌّ منهم يجمع أمتعته التي أعدّها مسبقًا.
من الملابس إلى الأسلحة والدروع والحُليّ الذهبية، كان الاستعداد للرحيل قد اكتمل منذ زمن.
أخذ نيدين السيف الذي قدّمه له نائب القائد، بايل، وعلّقه.
كان لا يفارق سيفه عادةً، لكنّه اليوم تركه عمدًا لدى نائب القائد.
……وبالنتيجة، بما أنّ تلك الآنسة لم تكن تخافه حقًّا، فقد كانت تلك مجاملةً لا داعي لها.
‘……أم لم تكن بلا داعٍ تمامًا؟’
كان جسدها يبدو متوتّرًا على نحوٍ خاص.
ذلك الانزعاج والنفور الخفيف الذي كان يشعر به أحيانًا، ربّما كان سيزداد لو كان يحمل السيف.
يبدو أنّها لم تلحظ ذلك.
فالواصل إلى مرتبة عليا لا بدّ أن يرى ما لا يراه الآخرون، حتّى دوّن وعيّ.
“……ابتسمت حقًّا مرّةً واحدة فقط.”
“نعم؟”
“لا شيء.”
شدّ نيدين العباءة التي ناوله إيّاها بايل، وأمسك بلجام الحصان.
نظر إليه أحد القادة الذي كان يتجوّل بالقرب منهم، لو، بنظرةٍ غامضة.
“ما بك؟”
“……لا شيء، أبدًا.”
اصطفّ المرتزقة.
وقد ارتسمت على وجوههم ملامح البرود.
وانطلق نحو عائلة فالينسيا.
لقد حان وقت انتزاع الثمن مِمَّن خدعوه وخدعوا والدته.
في تلك الليلة.
تمّ احتجاز دوقة فالينسيا وعشيقها الفارس المرافق الخاص وين، وكذلك باريس فالينسيا.
رفع دوق فالينسيا عريضةً إلى الإمبراطور، دوّن فيها بالتفصيل كلّ ما ارتكبته دوقة فالينسيا من احتيالٍ وجرائم.
وطالب أيضًا عائلة سافانيو، عائلة دوقة فالينسيا الأم، بتعويضاتٍ ضخمة.
كما طلب إبطال زواج ابنه من الآنسة إنغريف.
وأعلن كذلك عن وجود ابنه الحقيقي الذي أُدخل حديثًا في السجلّ العائلي.
اهتزّت العاصمة بأكملها.
وكانت تلك التغيّرات قد وقعت بعد نحو عشرة أيّام فقط من عودة رايتشل بالزمن.
***
في أعقاب انكشاف قضيّة احتيال الزواج واحتيال النسب التي ارتكبتها دوقة فالينسيا خلال ليلةٍ واحدة، وغمر الخبر العاصمة بأسرها، عمّت الفوضى قصر الماركيز إنغريف.
لم يبقَ سوى أقلّ من ثلاثة أسابيع على زواج رايتشل من باريس فالينسيا، ثم تبيّن أنّ ذلك الشاب ليس الابن الحقيقي لدوق فالينسيا، بل ظهر الابن الشرعي الحقيقي فجأة.
وبينما استُدعي دوق فالينسيا ودوق سافانيو إلى القصر الإمبراطوري منذ الفجر، توجّه الماركيز إنغريف وزوجته، وقد استبدّ بهما الذعر، إلى غرفة رايتشل.
خرجت رايتشل إلى الداخل وهي ترتدي رداء النوم فقط، لا تزال آثار النعاس عالقةً بعينيها.
“ما الذي يحدث في هذا الصباح الباكر؟”
“رايتشل!”
كان وجه والدتها، التي انتظرت طويلًا، محمرًّا من شدّة الانفعال.
“يا إلهي!”
“أتعلمين ما الذي يحدث الآن؟”
“وكيف لكِ أن تكوني نائمةً حتّى هذه اللحظة—”
جلست رايتشل على الأريكة المقابلة، وقالت ببرود:
“تقصدين أنّ باريس ابنُ فارسٍ كان عبدًا؟”
“……!”
آه، يبدو أنّ هذا الجزء لم يُكشف بعد؟
لكن لا بأس.
بل على العكس، كلّما كان الأمر أوضح، كان الإمساك بزمام الأمور أسهل.
راقبت رايتشل عيني والديها المتّسعتين كأنّهما ستقفزان من مكانهما، ثم حوّلت نظرها إلى بيكي.
“بيكي، أحضري الشاي من فضلك.”
“نعم، آنستي.”
“أنتِ، أنتِ، في هذا الوضع، شايٌ ماذا—!”
“ماركيزة.”
من أوقف الماركيزة التي كانت على وشك توبيخ رايتشل، لم يكن سوى الماركيز نفسه، الذي ظلّ صامتًا حتّى الآن.
شعرٌ أشقر فاتح.
وعينان بلون السماء الصافية.
“…….”
كان ذلك والدها.
لم تره منذ أشهرٍ طويلة.
تذكّرت تلك الأيّام التي كان يربّت فيها على كتفها بيدٍ خرقاء، تارةً بوقار ربّ الأسرة النبيلة، وتارةً بجمودٍ غير متقن.
لكنّ الذكرى الأقوى كانت بلا شكّ آخر لقاءٍ بينهما.
-“تبيّن أنّ باريس كان دخيلاً.”
بعد أسبوعٍ من هروب باريس، وبعد أن عُزلت رايتشل في غرفتها دون أن تستطيع الذهاب إلى أيّ مكان،
ظهَر والداها فجأة.
حدّقت بهما رايتشل بذهول.
أغلقا الباب ودخلا، ثم وقفا بالكاد عند المدخل، وكأنّ ابنتهما الجالسة على الأرض لم تكن تعنيهما بشيء.
-“ستُعقد محاكمتكِ قريبًا. قد يقطع دوق فالينسيا الجديد رأسكِ بنفسه. وإن حالفكِ الحظّ، فقد ينتهي الأمر بنفيكِ فقط.”
بصوتٍ بارد.
وبوجوهٍ خالية من التعبير.
عندها، قبضت رايتشل على يديها بقوّة.
-“……تتحدّثان وكأنّ الأمر لا يخصّكما إطلاقًا.”
-“بالطبع. لم تعودي بعد الآن فردًا من عائلة إنغريف. وما علاقتنا بكِ أصلًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 13"