“نعم، أعترف أنّ وضعي الآن ليس جيّدًا. ولهذا أحتاج إليك، انت الساحر، بشدّة.”
“…أنا؟”
“نعم، ديدييه. أنت الخيار الوحيد المتبقّي.”
“آه…”
تغيّر تعبير ديدييه قليلاً عند كلامي. لا يزال يبدو حزينًا، لكنّه بدا متلهّفًا بعض الشيء. يبدو أنّ فكرة كونه الخيار الأخير أعجبت قلبه إلى حدّ ما. لذا ألقيتُ الكلام التالي لأغريه أكثر.
“و… لديّ شيء سأعطيه لك.”
فتح ديدييه عينيه على اتّساعهما ونظر إليّ.
“كتب قديمة تتعلّق بالسحر.”
“…ماذا؟”
“كما سمعتَ. سأعطيك الكتب القديمة التي تمتلكها عائلتنا، يا ديدييه.”
اتّسعت عينا ديدييه أكثر من قبل.
كان عرضًا لا يقاوم بالنسبة لساحر. حتّى لو كان ديدييه لا يعرف تعقيدات العالم، فلا بدّ أنّه يدرك قيمة هذه الكتب. حتّى غير السحرة ينفقون أموالاً طائلة لاقتنائها.
كان هذا أفضل شرط يمكنني تقديمه في هذه الصفقة. أمنحه فرصة لإظهار موهبته كساحر، وفي المقابل، يصبح ديدييه خطيبي ويساعدني على الخروج من قبضة عائلتي. هذا جوهر هذا الزواج التعاقدي.
كان ديدييه الوحيد القادر على منحني الحرّيّة من خلال هذا الزواج.
“بالطبع، ليس فقط لأنّك ساحر أقترح عليك هذا.”
“إذن…؟”
بدا ديدييه متفاجئًا جدًا. لكن عينيه كانتا مختلفتين. توقّعتُ أن أرى فيهما الحيرة، لكن ما رأيته على عكس المتوقّع، كان التوقّع.
ظننتُ أنّه سيعتبرني مجنونة لهذا العرض الغريب.
“إذا ساعدتني، يمكنني تنفيذ خطّتي… وبصراحة، إذا كان لا بدّ من الزواج، فأريد أن يكون معك.”
“…معي؟”
“نعم، معك، ديدييه.”
ارتجف صوت ديدييه. لا بدّ أنّه يظنّني غريبة الأطوار. ربّما كنتُ متسرّعة جدًا. بدأت أشعر بالنّدم المتأخّر على طمعي، لكنّني لاحظتُ رقبته تحمرّ تدريجيًا. هل رأيتُ خطأً؟ نظرتُ إليه مجدّدًا، فبدت عليه علامات الفرح. كان الحزن قد تبدّد بالفعل.
“إذا كان هذا هو السّبب، فأنا… أنا موافق.”
بصوت مرتجف كأنّه يعترف بحبّه، أبدى موافقته. ابتلعتُ ريقي دون وعي. بدأ توتّر غريب يتسرّب بيني وبين ديدييه.
“…المدّة ستستمرّ حتّى أتمكّن من مغادرة العائلة. وبعد ذلك، سأعطيك الحقّ في اختيار ما إذا كنتَ تريد الاستمرار في العقد أم لا.”
ربّما تريد مغادرتي يومًا ما.
لم أستطع قول الجزء الأخير. والدي سيحاول منع زواجي من ديدييه بأيّ طريقة. النّظرات القاسية والكلام الجارح الذي سيواجهه قد يدفعه إلى الرّغبة في تركي.
لذا، هذا بمثابة شبكة أمان.
كلمات تمنح ديدييه حرّيّة مغادرة العائلة متى شاء. بما أنّ لقاءنا كان قصيرًا جدًا، فهذه فترة سماح لأيّ تغيير محتمل في مشاعره.
حتّى أنا، التي أعيش في تلك العائلة، أجدها مروعة، فما بالك بديدييه؟ الحياة التي تُسيطر عليها القيود كلّها.
إنّها أسوأ من الجحيم.
بدا عليه التفكير لحظة، لكنّه سرعان ما فتح فمه بوجه عازم.
حتّى لو كنتُ أنا من اقترح الزواج السياسي أوّلاً، لم ترني سوى يومين فقط.
ما الذي رأيته فيّ خلال هذه الفترة القصيرة لتقول مثل هذا الكلام؟
تشوّه وجهي. لا، لقد انهار. رأى ديدييه ذلك، فأمسك يدي بحذر وفرك ظهرها بإبهامه كأنّه يطمئنني.
“أعرف أنّكِ شخص جيّد، يا آنسة إيريكا. عرفتُ ذلك من النّظرة الأولى. مهما حدث، أريد أن أبقى بجانبك.”
دفء ديدييه أثار شعوري بالذنب، لكنّه جعلني أيضًا أرغب في الاستسلام له. ما هذا الحبّ؟ أدركتُ الآن أنّني ضعيفة جدًا أمام العاطفة.
أريد أن أستمرّ في استقبال هذا الحبّ النّقي، حتّى لو كان بطريقة ملتوية.
كان القرار قد اتّخذ منذ البداية.
حتّى لو عدتُ وحدي، سأبحث عن ديدييه مجدّدًا. وعندها، سأربطه بجانبي بطمعي.
‘الأمر مجرّد مسألة وقت…’
نعم، كان سيحدث على أيّ حال.
أنا فقط أعجّل به. من الآن فصاعدًا، عليّ أن أبقى متيقّظة وأحمي ديدييه. أن أصدّ عنه الهجمات حتّى لا يتأذّى بجانبي. وربّما يكون بجانبي أكثر أمانًا.
كانت يدي تمسك يده بالفعل، لكنّني أمسكتها مجدّدًا بقوّة.
“سيكون الطّريق صعبًا عليك. إنّه مكان مليء بالمتزمتين… لكنّني سأحميك.”
“نعم، يا آنسة إيريكا.”
شعرتُ وكأنّه منحني كلّ إيمانه. كان دفؤه يذيبني حتّى لا يبقى منّي أثر. حتّى لو كنتُ أختنق في العائلة، الآن…
‘الآن يمكنني أن أتنفّس حتّى هناك.’
مهما فعلتُ لأجل ديدييه، فإنّ هذا العرض لا يختلف عن جرّ شخص يعيش بسلام إلى ساحة معركة. اختلطت مشاعر الأسف والشّفقة.
لو لم أكن أنا، لكان بإمكانه مقابلة شخص أفضل. شخص يكون حقًا له. هل يحقّ لي أن أتمسّك به بطمعي؟
“أنا حقًا بخير، يا آنسة إيريكا. لا تقلقي كثيرًا.”
يبدو أنّه فسّر شعوري بالذنب على أنّه قلق عليه. الشّعور مشابه، لكن الجوهر مختلف تمامًا.
كان داخلي يتعفّن بالسّواد. لكنّني لا أندم. لو كنتُ سأندم، لما اقترحتُ الأمر من الأساس.
نعم، لا أندم. لذا، طالما هو بجانبي، سأبذل قصارى جهدي. هذه هي الفرصة الوحيدة لتخفيف العبء الثقيل الذي بنيته له بأنانيّتي.
تنفّستُ بعمق وأمسكت يده بقوّة. ما حدث قد حدث، والآن عليّ أن أبذل أقصى جهدي. من أجله، ومن أجلي.
“سأعاملك جيّدًا حقًا، ديدييه.”
حقًا.
ابتسم ديدييه بإشراق يفوق ضوء الشّمس. شعرتُ وكأنّ شمسًا خاصّة بي قد أشرقت.
* * *
بالأمس، تحدّثنا عن الزواج التعاقدي، تناولنا العشاء، ثمّ نمتُ قبل ديدييه… لكن عندما استيقظتُ، وجدته ممسكًا بيدي، جالسًا على كرسيّ وينام بعدم راحة، نصف نائم.
‘لماذا تنام هكذا؟’
شعرتُ بالأسف، فوضعتُ يدي على رأسه. كان شعره ناعمًا يتسلّل بين أصابعي. لم يتحرّك ديدييه رغم لمسي له، غارقًا في نوم عميق. لم أعرف أيّ ابتسامة ارتسمت على شفتيّ وأنا أراه. كنتُ أعرف فقط أنّني أبتسم.
‘يبدو متعبًا جدًا.’
إذن، سأترك ديدييه و…
حان وقت الحركة.
لم أستطع البقاء ساكنة بحجّة التّعافي. عندما أعود إلى العائلة، سيكون هناك مسابقة صيد ولقاءات بين العائلات. لا يمكنني إظهار حركات بطيئة في مثل هذه المناسبات. سابقًا، كنتُ أظهر الكمال من أجل العائلة، لكن الآن الأمر مختلف. أردتُ فقط تجنّب استيائهم.
‘خاصّة أنّ العائلات الأخرى ستعلم بميلاد الألفا. ‘
حتّى لو غادرتُ العائلة بزواج تعاقدي مع ديدييه، يجب أن أحافظ على هيبتي حتّى ذلك الحين. هكذا لن يجرؤ أحد على الإساءة لي بعد الزواج.
رفعتُ يدي عن رأس ديدييه ونهضتُ من الفراش. لم يعد الألم كما كان بالأمس، بل خفّ كثيرًا. كنتُ أتعافى بسرعة غريبة، لكنّها لم تكن مفاجئة. يبدو أنّ جسدي يعرف أنّني أكافح من أجل البقاء.
وضعتُ ديدييه بحذر على الفراش، ثمّ نهضتُ. كان ألم كاحلي لا يزال موجودًا، لكنّه لم يمنعني من المشي بثبات. بالطبع، الرّكض أو القفز سيكون صعبًا.
“حان وقت العودة.”
ثلاثة أيّام فقط. لا أعرف موقع هذا المكان بدقّة، لذا يجب أن نبدأ قبل أن يتأخّر الأمر. ربّما يكون رفاقي، الذين عثروا عليهم كوب، قد اقتربوا الآن. لم تكن المسافة بعيدة، كما قال.
بينما كنتُ أفكّر، بدأت أصوات صاخبة تتسلّل من خارج الكوخ، حيث كان يعمّ صوت الرّيح الهادئ فقط.
لم أتوقّع أن أفرح لهذا الصّخب. كان هذا الضّجيج إشارة وصول رفاقي. ازدادت الأصوات خارج الكوخ. تحرّكتُ بسرعة نحو الباب.
خشيتُ أن يستيقظ ديدييه من هذا الصّخب، لكن في الحقيقة، كنتُ أشتاق لرؤية رفاقي الذين لم أرهم منذ فترة.
قبل أن أفتح الباب، انفتح باب الكوخ فجأة. رأيتُ ماري بعيون دامعة، آرين يتنهّد براحة، وريل يرفع صلاة شكر للحاكم في تلك المساحة الضيّقة. وفوق رأس ريل، كوب يرفرف بجناحيه بحماس عند رؤيتي.
“هل قلقتم كثيرًا؟”
ابتسمتُ بإحراج وأنا أرحّب بهم، شعرتُ بالأسف.
“أتسمّين هذا كلامًا؟ هل تعرفين كم قلقتُ عليكِ، يا آنسة؟”
لم تستطع ماري كبح دموعها أخيرًا.
“…الحمد لله حقًا.”
أغمض ريل عينيه ثمّ فحص حالتي.
“كنتُ أعلم أنّكِ لستِ ممّن يموتون بسهولة، لكن قلبي كاد يتوقّف. بحثنا تحت الجرف ولم نجدكِ، كم كان ذلك مخيفًا.”
ابتسم آرين أخيرًا وهو يراني.
كانت كلماتهم مليئة بالقلق والرّاحة، كأنّهم ضغطوا كلّ مشاعرهم في جملة واحدة.
“أنا الآن بخير. لا تقلقوا كثيرًا. لم أُصب بجروح خطيرة.”
نظروا إليّ بشكّ، لكن عندما رأوني أقف بثبات، أومأوا على مضض. بالطبع، كانت ماري تتأهّب لخلع ملابسي لتفحّصني. كانت جادّة، فاحتجتُ إلى تغيير الموضوع.
“بالمناسبة، هل أكملتم المهمّة؟”
تجهّمت وجوههم الثلاثة. هل فشلوا في تقديم القربان إلى عشّ بيروتيوس؟ لا، ليس ريل وآرين. هما من ينفّذان المهام مهما حدث. لم يتوقّعوا أن أسقط من جرف، لكن…
“أنتِ قاسية جدًا، يا آنسة…!”
بكت ماري أكثر وهي تمسك ذراعي بحذر.
“الآن، جسدكِ أهمّ من تقديم القربان! كيف نفكّر في القربان ونحن لا نعرف إن كنتِ حيّة أم ميتة؟”
“ماري، أفهم شعوركِ، لكن تقديم القربان أهمّ من حياتي.”
“…هذا قاسٍ جدًا، حقًا.”
حتّى لو لم يكن هناك من يأخذ القربان، وحتّى لو لم يكن هناك طريقة لتأكيد تقديمه، فإنّ التخلّي عن تقليد مستمرّ بسبب حادثتي ليس خيارًا جيّدًا.
علاوة على ذلك، هذا القربان يحمل أماني النّاس الذين يثقون بعائلة غينيفير ويعيشون في هذه الأرض.
لذا، تحوّلت نظرتي تلقائيًا إلى ريل. في غيابي، كان هو قائد المجموعة. يتّخذ قرارات سريعة في الأزمات ويولي المهمّة أولويّة قصوى.
“نعم، وضعناه في المكان المعتاد.”
“لم يكن هناك ردّ فعل غريب؟”
“تعلمين، كما هو الحال دائمًا، يبقى القربان هناك دون أن يمسه أحد.”
كما قال ريل، مهما قدّمنا من قرابين، فلا معنى للطقوس إذا لم يكن هناك من يأخذها.
عشّ بيروتيوس مليء بالقرابين المتراكمة. يبدو أنّ صاحبها قد غادر منذ زمن. لكنّنا نواصل تقديم القرابين رغم ذلك.
المترجمة:«Яєяє✨»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"